الدعم الاجتماعي: وسيلتك في مواجهة الضغوط النفسية

الإنسان كائن اجتماعي بفطرته، فهو يحتاج إلى الآخرين ولا يستطيع العيش وحده؛ لذا هو بحاجة لما يُعرف بـ "الدعم الاجتماعي" الذي تمت دراسته في الفترة الأخيرة على نطاق واسع، وتم التوصل إلى نتائج مذهلة مثل أنَّه عامل أساسي في تقليل الشعور بالتوتر والقلق والإجهاد لدى الإنسان وتحسين الصحة النفسية والبدنية، ومن ثمَّ تحقيق مستوى عالٍ من الرفاهية والسعادة.



تم التوصل إلى التأكيد على أهمية وجوده في حياتنا، وإن لم يكن موجوداً بشكل عفوي فعلينا أن نسعى إلى خلقه، فلا بد أنَّك بدأت تتساءل ما هو "الدعم الاجتماعي"؟ وما هي أنواعه ومصادره؟ وهل أنت تتمتع به أم لا؟ فتعالَ معنا في السطور القادمة للتعرف إلى إجابات هذه التساؤلات.

أولاً: ما هو الدعم الاجتماعي؟

الدعم لغةً: من دعَم الشيء؛ أي أسنده كي لا يميل وأعانه وقوَّاه.

الدعم الاجتماعي (Social Support): هو الدعم الذي يحصل عليه الإنسان من الأشخاص حوله سواء من العائلة أم الأصدقاء أم الجيران أم زملاء العمل أم منظمة أم جمعية إنسانية، وتوفير الاطمئنان النفسي له بأنَّه ليس وحيداً وأنَّ هناك شبكة دعم اجتماعي بجواره دائماً.

مثلاً جلوسك لاحتساء فنجان من القهوة مع أحد الأصدقاء أو زيارتك لأحد الجيران أو التحدث مع أحد أشقائك عبر الهاتف أو انضمامك إلى الأعمال التطوعية، كل هذه الأمثلة هي شكل من أشكال الدعم الاجتماعي؛ إذ يُدرَّس الدعم الاجتماعي من قِبل تخصصات عدة، مثل علم الاجتماع وعلم النفس والطب والتعليم وإعادة التأهيل والتمريض والصحة العامة.

ثانياً: نظريات الدعم الاجتماعي

توجد نظريتان تشرحان الدعم الاجتماعي، وهما:

1. نظرية العزل:

ترى نظرية العزل أنَّ "الدعم الاجتماعي" يعزل أو يحمي الناس من تبعات أو تأثيرات الأحداث والوقائع السيئة في الحياة، مثل وفاة عزيز أو فقدان الوظيفة، وتوجد العديد من الأدلة على أنَّ الدعم الاجتماعي ووجود العائلة والأصدقاء ساعد على حماية الأشخاص من الضغوطات النفسية وآثارها السلبية النفسية منها والجسدية.

2. نظرية التأثير المباشر:

بحسب نظرية التأثير المباشر فإنَّ الأشخاص المتلقين للدعم الاجتماعي يكونون بصحة أفضل ممن لا يتلقوه، بصرف النظر عن حجم الضغوطات التي يواجهونها، وتفسير ذلك أنَّه بالإضافة إلى تأثير العزل للدعم الاجتماعي، فإنَّ له أيضاً تأثيراً مباشراً في الصحة الذهنية والجسدية.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتقديم الدعم لشخص يعاني من الاكتئاب

ثالثاً: مصادر الدعم الاجتماعي

تتعدد مصادر الدعم الاجتماعي، مثل:

1. الأسرة والأقارب:

الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء شخصية الإنسان، وكلما حصل على دعم أسرته وأقاربه، كان أكثر توازناً وسلاماً نفسياً.

2. الأصدقاء:

يأتي الأصدقاء في المرتبة الثانية بعد الأسرة من ناحية التأثير في الإنسان، فهم أكبر داعميه ومحفزيه على تجاوز المحن بالوقوف إلى جانبه وتشجيعه وزيادة ثقته بنفسه وإعطائه الأمل والتفاؤل.

3. زملاء العمل:

يُعَدُّ زملاء العمل أحد أهم مصادر الدعم الاجتماعي؛ إذ تؤثر بيئة العمل في نفسية الإنسان وسلامه النفسي، فكلما كان زملاء العمل داعمين وإيجابيين معه، زادت إنتاجيته وحماسته للعمل.

4. اختصاصيو الصحة النفسية:

اختصاصيو الصحة النفسية من أهم مصادر الدعم الاجتماعي والنفسي الذين يمكن الاستعانة بهم عند الحاجة.

5. الحيوانات الأليفة:

قد لا تصدق أنَّ الحيوانات الأليفة مصدر من مصادر الدعم النفسي والاجتماعي وتحسين حالتك النفسية؛ إذ أثبتت الكثير من الدراسات التي أُجريت على أشخاص يقومون بتربية حيوان أليف كيف تتحسن حالتهم المزاجية ويخف التوتر والقلق عند اللعب معه أو معانقته أو المشي معه في نزهة.

6. المنظمات والجمعيات الإنسانية:

تقدم المنظمات والجمعيات الإنسانية الدعم الاجتماعي للأشخاص وخاصةً المستضعفين سواء كان دعماً مادياً أم نفسياً وخاصةً في أوقات الحروب والنزاعات، ويراعي هذا النوع من الدعم مجموعة من المبادئ، من أهمها مراعاة حقوق الإنسان والمساواة في تقديم المساعدات.

رابعاً: أنواع الدعم الاجتماعي

توجد أنواع عدة للدعم الاجتماعي، وهي:

1. الدعم العاطفي:

الدعم العاطفي أهم حاجة للإنسان، ودونه يبقى في حالة عدم استقرار أو إشباع نفسي، ويتضمن كل دعم له علاقة بتقديم الحب أو الثقة أو الاهتمام أو المودة أو التشجيع أو مشاعر الدفء والأمان والرعاية أو نظرات الحب والاحتواء أو شعور الإنسان أنَّه محلُّ تقدير.

2. الدعم الملموس:

يشمل تقديم مساعدات مالية أو سلع أو خدمات وقت حاجة الشخص المتلقي إليها لتخفيف أعباء الحياة عليه، ويُعرَف أيضاً بالدعم الفعال.

3. الدعم المعلوماتي:

هو تقديم المعلومة أو المشورة أو التوجيه أو النصيحة والاقتراح المفيد.

4. دعم الرفقاء:

هو الدعم الذي يمنح الإنسان شعوراً بالانتماء لمكان عمله أو دراسته، ويُقدِّمه الرفقاء والأصدقاء.

5. الدعم المعنوي:

يتمثل في عبارات التشجيع والتهاني والثناء والتقدير والتفكير الإيجابي والمواساة عند الحزن.

6. الدعم السلوكي:

هو تقديم المساعدة والمشاركة في الأعمال والمهام.

7. الدعم المتوقع والدعم المتلقي:

الدعم المتوقع هو الدعم الذي يتوقعه الشخص من الداعم أو مقدم الخدمة، أما الدعم المتلقي هو الدعم الذي يقدمه الداعم من تلقاء نفسه على شكل أفعال أو إجراءات محددة كالنصيحة مثلاً.

8. الدعم الهيكلي والدعم الوظيفي:

الدعم الهيكلي أو ما يُعرف بـ "التكافل الاجتماعي" هو تكامل الشخص مع شبكته الاجتماعية سواء عائلته أم صداقاته أم عضويته في النوادي والمنظمات، أما الدعم الوظيفي فهو الوظيفة المحددة التي يمكن أن يقدمها العضو في الشبكة، فقد تكون عاطفية أو معلوماتية أو غيرها.

9. الدعم الخفي:

هو الدعم الذي يُقدَّم بغير وعي من قِبل الشخص الداعم.

شاهد بالفيديو: 9 طرق لتطوير المهارات الاجتماعية

خامساً: فوائد الدعم الاجتماعي

أثبتت الدراسات والأبحاث العديد من الفوائد النفسية والجسدية للدعم الاجتماعي بما يأتي:

1. الفوائد النفسية للدعم الاجتماعي:

  • زيادة ثقة الإنسان بنفسه وتقديره لذاته والوصول إلى الرفاهية النفسية.
  • زيادة قدرة الإنسان على تحمل الضغوطات النفسية، وتقليل احتمالية الإصابة بالقلق والاكتئاب؛ إذ أظهرت الأبحاث أنَّ الأشخاص الذين يعانون من قلة الدعم الاجتماعي لديهم قابلية متزايدة للإصابة بالقلق والاكتئاب والفصام.
  • تحصين الإنسان من تعاطي الكحول والمخدرات أو الميل إلى التفكير بالانتحار.
  • تحسين قدرة الإنسان على حل المشكلات والتعامل معها.
  • يساعد الدعم الاجتماعي على تمتُّع الإنسان بالإيجابية والرغبة بالتطوير والتغيير الدائم نحو الأفضل.
  • كلما كانت شبكة الدعم الاجتماعي المحاطة بالإنسان كبيرة، زادت مهارات التواصل الاجتماعي لديه وتخلَّص من الشعور بالوحدة.
  • زيادة الجرأة لدى الإنسان والقدرة على المخاطرة والخروج من منطقة الراحة الخاصة به.

2. الفوائد الجسدية للدعم الاجتماعي:

  • يؤثر الدعم الاجتماعي في طول العمر وتقليل احتمالية الوفاة؛ وذلك بسبب الصحة النفسية التي يتمتع بها الأشخاص الذين يتلقون دعماً اجتماعياً.
  • أثبتت العديد من الأبحاث تأثير الدعم الاجتماعي الإيجابي في جهاز المناعة؛ إذ تقل إصابة الإنسان بالالتهابات والإنفلونزا وأمراض نقص المناعة والسرطان.
  • للدعم الاجتماعي أثر إيجابي في الجهاز العصبي؛ إذ يقلل من مستويات مادة الكورتيزول "الهرمون المسؤول عن الإجهاد".
  • تحسين صحة الجهاز القلبي الدموي من خلال تخفيض ضغط الدم وتقليل سرعة نبضات القلب وتخفيف الإصابة بالجلطات والسكتات القلبية.

سادساً: كيف تزيد من حالة الدعم الاجتماعي حولك؟

يمكنك تكوين شبكة من العلاقات الاجتماعية والدعم الاجتماعي من خلال:

1. العمل التطوعي:

اجعل العمل التطوعي جزءاً من حياتك، فهذا يجعلك تلتقي بأشخاص كثر يشبهونك ولديهم اهتمامات وقيم مشتركة معك، وقد يصبحون من أقرب الناس الداعمين لك.

2. الرياضة:

انضم إلى النوادي الرياضية ومجموعات اللياقة البدنية، فهذا يجعلك تتمتع بنمط حياة صحي وتُكوِّن صداقات مع الآخرين.

3. الكورسات:

بادر إلى التسجيل في الكورسات والدورات التعليمية حتى تتعلم شيئاً جديداً وتكتسب المهارات وتتعرف إلى أشخاص جدد تجمعك معهم اهتمامات مشتركة.

4. مواقع التواصل الاجتماعي:

على الرغم من السلبيات والانتقادات الكثيرة التي تُحذِّر من وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنَّه يمكن استخدامها بوصفها وسيلة للتعارف والتواصل، وخاصةً لمن لا يملك الكثير من الوقت للخروج وممارسة النشاطات الاجتماعية.

5. مجموعات الدعم:

تُعَدُّ مجموعات الدعم التي تتكون من أشخاص يعانون من ظروف مماثلة من أهم المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في الحصول على الدعم الاجتماعي وتبادل النصائح والتجارب والخبرات.

سابعاً: بعض النصائح لجذب الأشخاص إليك

فيما يأتي بعض النصائح التي تساعدك على جذب الأشخاص إليك وتكوين العلاقات معهم والحصول على دعمهم:

  • ابتعد عن السلبية حتى تنجح في جذب الأشخاص إليك والمحافظة عليهم بجانبك وتقديم الدعم الاجتماعي لك.
  • ابقَ على اتصال، فلا يمكنك المحافظة على الأصدقاء وزملاء عملك وأي شخص في حياتك ما لم ترد على مكالماته الهاتفية مثلاً أو على رسائله وتحرص على اللقاء به وتلبية دعوته بين الفترة والأخرى.
  • كن مستمعاً جيداً، فاستمع للآخرين وقدم التعاطف لهم واهتم لأمورهم وقدم لهم الدعم أيضاً عندما يحتاجون إليه.
  • لا تكن غيوراً؛ بل كن سعيداً لنجاح أصدقائك وزملائك وبادر إلى تهنئتهم، فهذا يُكسِبك محبتهم واحترامهم ودعمهم.
إقرأ أيضاً: 10 قواعد مهمة لبناء علاقات إجتماعيّة ناجحة

ثامناً: الفرق بين المرأة والرجل في تقديم الدعم الاجتماعي

كما هو الحال في كل شيء، هناك دائماً فروقات بين المرأة والرجل حتى في تقديم الدعم الاجتماعي؛ إذ وجدت الأبحاث والملاحظات أنَّ النساء عموماً يقدمن دعماً اجتماعياً للآخرين أكثر من الرجال، ويشاركن في الشبكات والنشاطات الاجتماعية بنسبة أعلى منهم، كما أنَّهن أكثر بحثاً عن الدعم الاجتماعي عند مواجهتهن للضغوطات، ويمكن تفسير هذا الفرق بين المرأة والرجل في الدعم الاجتماعي من خلال الفروقات الفيزيولوجية بينهما وطريقة استجابتهما للضغوطات.

إقرأ أيضاً: 4 طرق يساعدك بها الدعم الاجتماعي على التكيف

في الختام: الدعم الاجتماعي حاجة ملحة

في ختام مقالنا لا بد من التأكيد على أنَّ الدعم الاجتماعي حاجة ملحة للإنسان في كل زمان ومكان، فمهما كان قوياً ومكتفياً بنفسه، لا يغنيه ذلك عن عائلة تمنحه شعور الدفء والأمان وشريك يبادله الحب وصديق يشاركه أفراحه ويخفف عنه أوجاعه، وحتى إن كان هناك أشخاص محظوظون يولدون وهم محاطون بشبكة اجتماعية قوية دون أن يتقصدوا ذلك.

لكن إن لم تكن من أولئك المحظوظين، فلا تقلق، الأمر بسيط، فسارع أنت إلى إنشاء شبكتك الاجتماعية الداعمة لك باختيار الأشخاص الكفء والجديرين بالثقة ليكونوا خير الداعمين لك في أوقات الضغط والتعب التي تحتاج فيها إلى يد تُمَدُّ لك وكلمة طيبة تُقال لك.




مقالات مرتبطة