الخوف من الظلام لدى الأطفال: ما هو؟ وكيف نتخلص منه؟

لطالما استخدم معظم الأهالي طريقة التخويف والتهديد والوعيد في التربية لضمان تنفيذ أوامرهم من قبل أطفالهم، وقد اعتمد الكثير منهم على الظلام كأحد المرهِّبات لكي يقوم الطفل بما يريدون منه القيام به تماماً.



يمارس الأهالي هذه التصرفات الخاطئة بقصد بريء، طمعاً في جعل طفلهم من أفضل الأطفال وأنجحهم، دون أن يدركوا حجم التأثيرات النفسية لهذا الأمر في شخصية طفلهم؛ حيث يخزِّن عقل الطفل اللاواعي كل معلومة وموقف سلبي صادر عن أبويه، ويتراكم الخوف لديه مع مرور السنين، ويظهر أثره في كل تفاصيل حياته، ويجد نفسه عاجزاً عن إدارة حياته؛ ذلك لأنَّ مخاوفه تمنعه من القيام بالكثير من الأشياء، وتفقده الكثير من الفرص اللازمة لتطوره ونموه، وتعيقه عن اتخاذ القرارات المصيرية في  حياته.

يخطئ مَن يعتقد أنَّ أسلوب التخويف أسلوب ناجح في التربية، ويخلق طفلاً مطيعاً ومثالياً ومؤدباً؛ فشتَّان ما بين الطفل الذي لا يرتكب الخطأ احتراماً لوالديه وقناعة ورضاً منه بالأمر الصحيح، وبين الطفل الملتزم بالأفعال الصحيحة خوفاً ورعباً من أبويه؛ إذ لا يخلق الخوف إلَّا طفلاً فاقد الأمان والثقة والسعادة، في حين يخلق أسلوب الطمأنة والاحتواء طفلاً قوياً وسليماً نفسياً.

ما هو الخوف لدى الأطفال؟

يُقسَم الخوف لدى الطفل إلى نوعين: فطري ومكتسب، حيث يتكون الخوف الطبيعي الفطري منذ ولادة الطفل، وقد أثبتت جميع مدارس علم النفس أنَّ الخوف من الأصوات العالية والسقوط؛ من المخاوف الطبيعية والفطرية لدى الطفل؛ في حين تُصنَّف كل المخاوف الأخرى على أنَّها من المخاوف المكتسبة لديه.

يعاني أغلب الأطفال من مخاوف مرتبطة بالمرحلة العمرية، حيث يشعر الطفل منذ سنواته الأولى إلى فترة دخوله المدرسة من مخاوف كثيرة (المذكورة سابقاً)؛ ولكن إذا استمر الخوف إلى سن متقدمة لدى الطفل، وأعاقه ذلك عن القيام بنشاطاته اليومية، وسبب الإرباك والتعب لأهله؛ يُصنَّف ذلك على أنَّه خوف مَرَضي، ومن الضروري علاجه.

إقرأ أيضاً: الخوف الفطري والخوف المرضي: أسبابه، مجالاته، وطرق التغلب عليه.

ما أسباب الخوف من الظلام لدى الأطفال؟

1. الأب والأم:

يمارس كلٌّ من الأب والأم الكثير من التصرفات الخاطئة التي تؤدي إلى تشوه شخصية الطفل دون أن يَعُوا ذلك، ومن هذه التصرفات:

  • استخدام الأب أسلوب الاختباء في مكان مظلم ومن ثم استغلال لحظة دخول الطفل إلى الغرفة المظلمة لكي يخيفه من باب اللعب معه، دون أن يدري أنَّ لعبة كهذه تخلق لدى الطفل إحساساً بالذعر وعدم الأمان، وقد تجعل منه إنساناً قلقاً ومضطرباً وغير مستقر.
  • استخدام الأبوان الظلام كأسلوب للعقاب على فعل سلبي قام به طفلهما، كأن يقولا له: "لأنَّ تحصيلك الدراسي لم يكن كما يجب، سنضعك في غرفة مظلمة لمدة 3 ساعات كعقوبة لك على إهمالك".
  • استخدام كلٍّ من الأب والأم الظلام كأسلوب للتهديد والوعيد، فعلى سبيل المثال: "ادرس، وإلَّا سأضعك في غرفة مظلمة لوحدك".

قد يخاف كلٌّ من الأب والأم بطبيعتهما من الظلام، فيعتاد الطفل مثلهما على النوم بوجود ضوء في الغرفة، الأمر الذي يجعله يخاف ويستهجن غياب الضوء.

من جهة أخرى، تؤدي رواية القصص المرعبة للطفل من قبل الأم، أو السماح له بمشاهدة الأفلام المرعبة التي تعزز فكرة ارتباط الظلام مع الوحوش؛ إلى تعزيز الخوف لديه؛ كما يؤدي اعتماد أسلوب الحماية المبالغ فيه في التربية إلى آثار سلبية على نفسية الطفل وتضخيم المخاوف لديه، كأن توصي الأم ابنها أو ابنتها بضرورة الحذر الشديد من الأماكن المظلمة، وأنَّ عليهم الرجوع مباشرة إلى المنزل بمجرد حلول الظلام.

تخلق كل هذه التصرفات طفلاً مهزوز الشخصية ودائم الخوف من الظلام، وينعكس هذا الخوف على كل مناحي حياته، فيُعِيقه عن النوم وحيداً طالباً من أبويه النوم إلى جانبه دوماً، ويفقد السيطرة على حياته مستقبلاً، ويتحول إلى إنسان قلق وغير مستقر وفاقد للأمان والراحة.

2. التعرُّض إلى مواقف تتخطى عتبة ألم الطفل:

لا يكترث الكثير من الأهالي بأطفالهم، ولا يفكِّرون فيما يعتمل في دواخلهم من تشوهات نفسية، فيصطحبونهم مثلاً إلى المقابر دون أن يأبهوا بتأثير رؤية أطفالهم للميت وعملية الدفن في نفسياتهم؛ أو أنَّهم يتحدثون أمامهم عن حوادث مجتمعية قاسية ومخيفة حدثت في الظلام، الأمر الذي يعرِّضهم إلى الإصابة باضطرابات نفسية شديدة، وإحساس بانعدام الأمان والخوف الدائم.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة لوقاية الأبناء من الأمراض النفسيّة

ما علاج الخوف من الظلام لدى الأطفال؟

  1. لا يَعِي العقل اللاواعي عبارات النفي، فإن قلت لطفلك: "لا تخف من الظلام"، فسيفسر عقله اللاواعي الكلام دون وجود كلمة "لا"، ويركز على الخوف من الظلام؛ لذلك عوضاً عن استخدام الجمل المنفية، استخدم الجمل التي تحتوي على الكلام الإيجابي مباشرة، والذي من شأنه أن يُعِيد الثقة بالنفس إلى طفلك، ويرمم ما عاناه من مخاوف غير مبررة.
  2. تستطيع استخدام أسلوب الغمر التدريجي مع طفلك الذي يخاف من الظلام، كأن تضعه في غرفة تحوي إنارة خفيفة، ثم تُلغِي بعد فترة من الزمن الإنارة بحيث تصبح الغرفة مظلمة.
  3. عليك استغلال القدرة التخيلية لدى طفلك في علاج الخوف من الظلام لديه، كأن تطلب منه أن يتخيل نفسه وهو يتغلب على الخوف من الظلام، الأمر الذي يقوي ثقته بنفسه، ويساعده على تخطي مخاوفه.
  4. استثمر مهارة الرسم لدى طفلك، كأن تطلب منه رسم مخاوفه على ورقة ومن ثم تمزيقها؛ إذ من شأن ذلك أن يريح الطفل نفسياً ويساعده على أن يُفرِّغ مكنوناته ويشعر بالانتصار على مخاوفه.
  5. الامتناع عن اتباع الأساليب التقليدية في التربية القائمة على التخويف والترهيب التي تجعل من الطفل شخصاً مهزوزاً نفسياً، والاستعانة بدلاً من ذلك بأساليب الإقناع والحب والاحتواء.
  6. الخوف مُعدٍ، لذلك على الأهالي الانتباه إلى سماتهم الشخصية لكيلا تنتقل إلى أطفالهم.

الخلاصة: 

يعدُّ الخوف أكبر معيق للتطور والنمو الإنساني؛ لذلك كونوا واعين في أثناء فترة تربية أولادكم، واستخدموا معهم عبارات إيجابية تبعث على الأمان والراحة والسلام الداخلي والثقة بالنفس، وابتعدوا عن أساليب الترهيب والتهديد والتخويف؛ فقد يكون مقصدكم شريفاً وغايتكم نبيلة، ولكنَّ طريقتكم هدَّامة ونتائجها كارثية.

 

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة