الخوف: ظهور الأدلة الكاذبة بمظهر الحقيقة

لقد انتابني خوف شديد بعد أن بدأ أحد أفراد الأسرة المقربين، يعاني من أعراض جسدية. لم نكن قادرين على فهم ما يحدث فهماً دقيقاً، ولم يكن الأطباء تحديداً قلقين؛ ولذلك لجأنا إلى التعامل مع الأعراض التي كانت تظهر عليه أفضل معاملة ممكنة.



تقول الكاتبة:

لم ينتبني القلق، على افتراض أنَّها كانت مجرد أعراض الجسدية التي تحدُث بكثرة، التي تظهر ثم تزول دون سبب كما يبدو الأمر، دون أن يُعرَف فعلياً السبب أو ماذا كان كل ذلك الشيء.

في ظهيرة أحد أيام الجمعة، كنت أُجري محادثة مع هذا الشخص، وقد ذكَر أحد الأعراض الأخرى التي يعاني منها؛ لم يلفت انتباهي إلى هذا الأمر على الإطلاق لأنَّه افترض أنَّ الجميع سيشعرون بالشيء نفسه.

في تلك اللحظة، شعرت بالقلق قليلاً من الأعراض التي ذكرها؛ وذلك لأنَّه بالتأكيد لم يكن إحساساً يشعر به معظم الناس وبالتأكيد ليس إحساساً ينتاب الناس بانتظام، لقد كان أيضاً - كما كنت أعلم - أحد الأعراض المرتبطة ببعض الأشياء المروعة إلى حدٍّ ما.

لم أتفوه بأي شيء يعبِّر عن قلقي؛ ولكنَّني بهدوء استفسرت أكثر عن تجربته، مثل متى يشعر بهذا الإحساس، وما إذا كان هناك أي شيء يسبب هذا الإحساس. ظاهرياً، ربما بدوت غير مبالية تماماً، لكن في الداخل، بدأت أشعر بنوع من القلق.

بعدما انتهت محادثتنا، توجهتُ مباشرة للبحث في الإنترنت؛ لقد بحثت عن هذه الأعراض، ولم يكن مفاجئاً أنَّ النتائج التي توصلت إليها كانت مخيفةً ومرعبة؛ إذ تبيَّن أنَّ أعراضه من أولى الأعراض في كل قائمة من قوائم الأمراض التي تكون مروعة ومدمرة للحياة.

بعد ثلاث ساعات من محادثتنا الأولى، أصبت بالدهشة لما قرأتُه من معلومات؛ إذ كان لدي ثلاثة أعراض الآن؛ ثلاثة أعراض من بين أول ثلاثة أعراض في كل قائمة تصف العلامات المبكرة لمصير مروع معين، ولقد أصبحت رهينة الخوف.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلى عن فكرة الاستسلام وتحافظ على دوافعك؟

الإجرءات التي اتبعتها الكاتبة للتخلص من الخوف:

كلما ازداد خوفي، بحثت بحثاً محموماً على الإنترنت، وقرأت كل ما هو متاح عن الحالة التي قمت بتشخيصها، وبحثت عن أي شيء من شأنه أن يعطيني قائمة مختلفة من الأعراض أو على الأقل قائمة حيث كانت الأعراض التي تظهر عليها أخف من الأعراض الموجودة في أعلى القائمة.

قرأت عن العلاجات المتاحة حالياً والممكنة في المستقبل، وعن الدراسات التجريبية والطرائق التي يعتني بها الأشخاص بأنفسهم عند تشخيص حالتهم، وعن الآثار النفسية للمرض، وكيف يجب أن يبدأ المرء مبكراً بتناول الدواء، وكيف تبدو المراحل النهائية.

قرأت شهادات من أشخاص مصابين بالمرض، وكل ما يمكنني الحصول عليه، وبحلول ليلة الأحد، ظهرت لديَّ خمسة أعراض من هذه الحالة.

كنت في حالة من الذعر والحزن ولم أستطع حقاً أن أكون بخير، وعندما تظهر لحظة من الهدوء، أتذكَّر صدمة ما عرفته؛ أي إنَّ هذا الشخص الذي أحبه أكثر من أي شيء آخر، ليس له مستقبل. أتذكر أنَّني لن أكون سعيدة مرة أخرى؛ إذ إنَّ كل لحظة قضيتُها مع أحد أفراد عائلتي في عطلة نهاية الأسبوع شعرت كأنَّها اللحظة الأخيرة، مثقلة بالحزن والزوال.

كنت أعيش قصة الخوف واليأس التي كتبتُها في أقل من 48 ساعة، وكنت متأكدة من حدوث أسوأ شيء يمكن أن أتخيله، وتساءلت كيف أنَّني أمضيت حياتي كلها أعمل على قبول الواقع كما هو، ومع ذلك كنت أرفض ذلك هنا. "هذه الحقيقة هي الحقيقة الوحيدة غير المقبولة، هذا الواقع، لا يمكنني تحمُّله". كنت في جحيم مبني على التفكير، وشعرت أنَّ واقعي أمرٌ مفروض لا جدال فيه، وأنَّه حقيقي.

كنت الشخص الوحيد الذي يعرف أنَّه كان يعاني من جميع الأعراض الثلاثة، لكن كان أفراد العائلة الآخرون يعرفون سبباً آخر؛ لكنَّني كنت الشخص الوحيد الذي يكتم الحقيقة الكاملة، والشخص الوحيد الذي عرفها بالكامل.

شاهد أيضاً: 6 نصائح بسيطة تساعدك على التخلص من مخاوفك

كيف أخبرت الكاتبة أهل المريض بحالته؟

عندما لم أتمكن من كتمان السر في نهاية المطاف، أخبرت أحد أفراد العائلة، إلا أنَّه رفض تصديق مخاوفي ووصفها بأنَّها سخيفة ومزعجة، وهي حالة من التوهم المَرَضي السيئة والمثيرة للسخرية. كان عليَّ أن ألوم خوفي؛ إذ بدا نفاد صبره وكأنَّه نوع من أنواع التخلي.

شعرت بالرعب والوحدة الشديدة في خوفي؛ إذ لم يكن في إمكاني مشاركة مخاوفي مع الشخص الذي يتحدثون عنه؛ وذلك لأنَّني لم أرغب في إخافته، ولم أستطع التحدث مع أي شخص آخر في العائلة؛ وذلك لأنَّهم كانوا غاضبين من خوفي.

كما أنَّني لم أستطع التحدث مع طبيبه عن هذا الموضوع؛ وذلك لأنَّني لم أرغب في إجراء المزيد من الفحوصات، ومن ثَمَّ تسريع الطريق إلى التشخيص النهائي؛ كنت معزولة تماماً فلقد بنت أفكاري حالة من الرعب تركتني فيها وحيدة.

ثم حصلت معجزة؛ ربما لأنَّني لم أستطع تحمُّل لحظة أخرى من الشعور بالخوف الشديد، أو ربما لمجرد ذلك؛ ظهرت النعمة وسمعت الآتي: تفكيرك يُسيء إليكِ، وما تبع ذلك كان كلمة: توقف! قف! قف! شيء بداخلي دافَعَ عني. كنت أعلم أنَّ الاحتمال ما يزال في جانبي، وأنَّ الخوف الذي كنت أعيشه قد يكون دليلاً كاذباً يظهر على أنَّه حقيقية.

إيقاف التوقعات المبينية على الشعور فقط:

من خلال هذا الإدراك، تمكنت من إيقاف التوقعات التي كنت أفكر فيها عن المستقبل وإعادة تجربة واقع لم يكن موجوداً، وربما لم يكن موجوداً على الإطلاق، وأدركت أنَّني لا أعرف شيئاً سوى ثلاث حقائق، ولا أحتاج إلى التفكير في المستقبل ليوم واحد أو حتى لمدة خمس دقائق، يمكنني أن أقرر عيش هذه اللحظة الآن، وعدم بناء أيَّة قصة على الإطلاق.

ما تبقَّى كان الشعور بعدم الراحة وقلقاً خفيفاً، لكن دون الحديث مطولاً، كنت على ما يرام ولاحظ الجميع ذلك، ومع الإدراك المفاجئ كيف كنت أعذِّب نفسي، وأصدِّق أفكاري، تمكنتُ من التخلي عن الأفكار المروعة؛ فأنا رفضت المشاركة في تخويف نفسي، واخترت الحرية والرحمة الذاتية التي تأتي مع القول والإيمان: "أنا بسهولة لا أعرف، وهذه هي الحقيقة".

لتنظيم الأفكار وتوليدها، ليس هناك ما يضاهي العقل البشري، وفي الوقت نفسه، لإثارة الخوف واختلاق قصص مخيفة تبدو لا جدال فيها، لا يوجد أيضاً ما يضاهي العقل البشري.

الجزء المأساوي هو أنَّه من خلال إنشاء روايات عن الرعب، يحاول العقل إلى درجة ما أن يهدئنا، ويفهم المجهول، ويحاول حمايتنا من الخوف مما يمكن أن يحدث من خلال اختلاق يقين مما سيحدث، الذي من المفارقات أن يكون أقل رعباً.

في هذه الواقعة الأخيرة، كان عقلي يبحث بيأس عن دليل يثبت خطأه، والأدلة التي تظهر أنَّ أفكاره كانت خاطئة؛ ومع ذلك، كلما أُكِّد ما كنت أفكر فيه، بحثت بحثاً محموماً عن شيء آخر لتفسير المجهول.

إقرأ أيضاً: لماذا الشعور بعدم الارتياح هو علامة تحسن

العبرة من القصة:

غالباً ما تكون أذهاننا هي التي ترتكب أعمال عنف لا يمكن تصوُّرها ضد أنفسنا. إنَّ أفكارنا هي المحرِّض الأكبر على الرعب، ونعزز ذلك مراراً وتكراراً عند اكتشاف أي تلميح صغير، وفي مرحلة ما، يمكن أن تصبح المعاناة التي نلحقها بأنفسنا أكثر من اللازم، ويحدث بعد ذلك فعل يدل على الخير أو يكون بمنزلة تعاطف مع الذات، عندما نقول: "توقف، توقف عن تعذيبي، توقف عن خلق قصص الرعب؛ الحقيقة هي أنَّني لا أعرف، هذا كل شيء".

الحياة مليئة بالتحديات بما يكفي دون أن نضفي عليها أي من قصصنا المرعبة، وفي الواقع، يمكننا أن نختار العيش في حالة من الأسئلة وعدم المعرفة وعدم ملء ما هو مجهول؛ عندما لا نربط الأمور ببعضها وعندما لا نبقى مع الخوف الذي قد يكون أو لا يوجد مع ما هو موجود، نشعر براحة كبيرة، ليس فقط الراحة من العنف الذاتي للقصة المرعبة؛ إنَّما أيضاً من الحاجة إلى إغلاق الواقع ومعرفة كل شيء حتى لو لم يكن شيئاً نريد معرفته.

المصدر




مقالات مرتبطة