الخطوات الخمس للقراءة المتعمِّقة وكيفية تطبيقها

جميعنا يعلم أنَّ أول ما أوحى به الله عزَّ وجلَّ إلى نبيه وخاتم رسله محمد عليه الصلاة والسلام كانت كلمة "اقرأ"؛ إشارة منه عزَّ وجلَّ إلى أنَّ القراءة هي المفتاح الذي يلج منه نور العلم إلى العقل، لكن هل سبق وسمعت بـ "القراءة المتعمِّقة"؟ وهل تعرف ما هي؟ وما هي آلية تطبيقها؟



سنرشدك في هذا المقال عزيزنا القارئ إلى مفهوم "القراءة المتعمِّقة"، كما سنتحدث عن كيفية تطبيق خطواتها الخمس إذا ما أردت قراءة أيِّ بحث أو مرجع ترغب فيه.

تعريف القراءة المتعمقة:

يُقصَد بالقراءة المتعمِّقة أو كما تدعى "القراءة المركَّزة"، الطريقة التي تساعد على قراءة النصوص والكتب والمقالات العلمية بطريقة فعَّالة، وهي عبارة عن مجموعة من الخطوات المتتالية - يبلغ عددها خمس خطوات - والواجب اتباعها بشكل منتظم لكي يتحقق الهدف منها.

تُعرَف هذه الطريقة باسم "استراتيجية روبنسون" نسبةً إلى واضعها الأستاذ في جامعة أوهايو "فرانسيس روبنسون" والذي اعتمدها في عام 1941، ويُرمَز إلى هذه الاستراتيجية بـ (SQ3R)؛ إذ تشير إلى الحرف الأول لكل خطوة من الخطوات الخمس (استطلعْ أو تصفَّحْ "SURVEY"، اسألْ "Question"، اقرأ "Read"، أجب أو سمِّع "Recite"، راجعْ "Review").

تقوم هذه الطريقة بضبط عملية التعلُّم، وقد لاقت نجاحاً كبيراً وشهرةً واسعة؛ إذ وفقاً لهذه الطريقة في القراءة، فإنَّك تحتاج لكل 10 صفحات إلى 60 دقيقة إذا سرت بانتظام.

فوائد القراءة المتعمِّقة:

  1. تنشيط وتحفيز العقل الإنساني (تحفيز النشاطات والعمليات الذهنية والعقلية): إنَّ القراءة عملية معرفية وفكرية، وهي متعة للنفس وغذاء للعقل؛ إذ تعمل على إثارة العقل الإنساني لاستمطار أفكاره وإبداعاته وآرائه المفيدة، كما تساعد على الحفاظ على الدماغ نشطاً، ومن ثمَّ تقلل من خطر حدوث الأمراض العقلية مثل مرض الزهايمر، والذي يحدث بسبب ضمورٍ في خلايا المخ يقود إلى تراجع في القدرة العقلية والذهنية ويضعف الذاكرة.
  2. تعلُّم وتعزيز ملكة الكتابة: فكلما قرأ الفرد أكثر وبطريقة منظمة بعيدة عن العشوائية، اكتسب مفردات أكثر ساعدته على توسيع مداركه وتعلُّم أسلوب الكتابة الصحيح.
  3. تحصيل الخبرات والمعارف: تُعَدُّ القراءة المتعمِّقة مفتاح جميع أبواب العلم، ومن خلالها يسير الإنسان بفكره ويبحث عن أجوبة أسئلته وهو جالس في مكانه.
  4. تعزيز المهارات التحليلية للفرد: مثل جمع المعلومات وتحليلها، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات.
  5. اكتساب مهارة إدارة الوقت: وذلك من خلال تمكُّن الفرد من استغلال وقت الفراغ.
  6. المساعدة على النوم: إنَّ الانشغال بالقراءة يُبعد القلق والأرق والتفكير في الأمور السيئة، وكذلك يغني عن الحبوب والعقاقير الطبية المنومة، ويدفع الجسم للحصول على الراحة فينام الفرد بسلام.
  7. التركيز والبعد عن المصادر المشتتة للانتباه.
  8. إتاحة الفرصة للتعلم وتطوير الذات الإنسانية: حيث إنَّها تفتح الباب على مصارعيه لتنمية القدرات والمهارات الشخصية للفرد.
  9. تنمية الخيال: عند قراءتك نصاً ما، يُسارع عقلك إلى رسم معالم الأشياء والأحداث.
  10. إيضاح العلاقات المنطقية بين الأفكار الموجودة في النص، وبناء إطار مفاهيمي حول الموضوع.
  11. زيادة التركيز: نرى الشخص القارئ أشد تماسكاً وتركيزاً في المواجهات التي تحدث مع الآخرين.
  12. زيادة مرونة الذاكرة كونها رياضة العقل.

شاهد بالفديو: 7 نصائح تساعدك على قراءة الكتب بفعالية

ما هي خطوات القراءة المتعمِّقة؟

تتمثل خطوات القراءة المتعمِّقة بخمس خطوات وهي:

  • استطلعْ (Survey)
  • اسأل (Question)
  • اقرأ (Read)
  • أجب (Recite)
  • راجع (Review)

ويُرمز لها اختصراً (SQ3R)

خطوات القراءة المتعمقة

1. الخطوة الأولى من خطوات القراءة المتعمِّقة "استطلعْ":

يُقصَد بهذه الخطوة القراءة العامة أو المسح الشامل والسريع للمادة المراد قراءتها والإحاطة بجوانبها وأبعادها؛ بمعنى حصول القارئ على الصورة العامة للنص؛ إذ يجب أن تأخذ هذه العملية الكثير من الوقت؛ وذلك لكي تهيِّئ النفسَ لمباشرة القراءة.

يحقق الاستطلاع الفوائد الآتية:

  • جعل الفرد مستعداً للقراءة.
  • معرفة الفرد للفكرة العامة من النص.
  • التأكد من أهمية وملاءمة الموضوع وقربه من اهتمامات الفرد وأهدافه.
  • تحديد الفترة الزمنية التي يحتاج إليها الفرد في قراءة النص.
  • تحسين أداء الدماغ ومن ثمَّ عمل الذاكرة.

2. الخطوة الثانية من خطوات القراءة المتعمِّقة "اقرأ":

تقوم الخطوة الثانية على قيام القارئ بقراءة النص بطريقة متأنية وبشيء من التفصيل، مع التعمق في قراءته حتى لا يفوته أيُّ تفصيل مهما صغر أو كبر، ثم بالممارسة يستطيع القارئ أن يُخرج حتى ما بين السطور؛ لأنَّ القراءة تغدو فناً وابتكاراً؛ أي قارئ داخل قارئ أو حتى كاتب داخل كاتب.

تهدف هذه الخطوة إلى تحقيق الآتي:

  • تحديد أفكار النص الرئيسة والثانوية.
  • تحديد دلالة الكلمات الصعبة والجديدة، والوقوف على معانيها.
  • الوقوف على المعلومات الجديدة.
  • تلخيص الأفكار الهامة.
  • حصر التعاريف الهامة.
  • تحديد الأسباب والعوامل المتعلقة بالمادة.

ومن خلال هذه الخطوة تتحقق الفوائد الآتية:

  1. جعل الفرد القارئ مستوعباً لما قرأ.
  2. مساعدة القارئ على التعمق في النص.
  3. تمكين القارئ من كتابة عناوين مختلفة لما قرأ.
  4. مساعدة القارئ على توليد أفكار جديدة.
إقرأ أيضاً: كيف يقرأ الأذكياء؟ 5 نصائح تساعدك على القراءة بذكاء

3. الخطوة الثالثة من خطوات القراءة المتعمِّقة "اسأل":

تعتمد هذه الخطوة على قيام القارئ بصياغة أسئلة حول ما قرأه في الخطوة السابقة؛ إذ إنَّ طرح الأسئلة يحقق العديد من الفوائد، والتي نذكر منها:

  • تركيز الانتباه على معلومات محددة وتسهيل استيعابها.
  • تطوير مهارة التفكير من خلال طريقة طرح الأسئلة.
  • تدريب القارئ على مهارة وفن طرح الأسئلة.
  • استنباط أفكار جديدة ترتبط بالموضوع وتحتاج إلى إجابة.
  • المساهمة في بناء محتوى بطريقة تجعل القراءة أكثر فاعلية.

يمكن لنمط الأسئلة أن يكون على نحو: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ ثم إنَّه من الهام وضع أسئلة دقيقة.

4. الخطوة الرابعة من خطوات القراءة المتعمِّقة "أجِب":

وفيها يبحث القارئ عن إجابة لجميع التساؤلات التي طرحَتها المادة ويرغب في معرفة الإجابة عنها، والتي سبق أن دونها في دفتره، ومن الهام أن يقوم القارئ بالإجابة عن الأسئلة بالترتيب الذي وضعه سابقاً، كونه سوف يقرأ المادة العلمية وفقاً للترتيب، وفي نهاية هذه الخطوة، سوف يحصل القارئ على إجابة لجميع تساؤلاته التي طرحها من قبل؛ إذ تفيد الإجابة في:

  • تدريب التفكير على الإجابة.
  • تحديد مدى فهم القارئ للموضوع.
  • تحديد مواطن القوة والضعف في الإحاطة بالموضوع.
  • التقييم والحكم على مدى تمكُّن الفرد من المادة المقروءة.
  • المساعدة على حفظ المعلومات مدةً أطول.

5. الخطوة الخامسة من خطوات القراءة المتعمِّقة "راجِع":

إذا كان التعلُّم ناقصاً، سبَّب ذلك السرعة في النسيان؛ لذا يمكن للقارئ أن يسترجع هنا معلومات كتابه، كما يمكنه استعمال لغته الخاصة في التعبير بدلاً من اللجوء إلى الكلمات الموجودة في المادة؛ إذ تهدف هذه الخطوة لتحقيق الآتي:

  • الإجابة عن كل التساؤلات التي وجد القارئ فيها صعوبة، أو التي وجد صعوبة في عملية استيعابها.
  • إلقاء نظرة كلية وشاملة على المادة المقروءة لترسيخها.
  • التحقق من دقة المعلومات الواردة فيها.
  • إعادة تشكيل المادة المقروءة بطريقة القارئ الخاصة، كما يمكنه تدوين ملخص أفكاره عنها في دفتره الخاص.
  • النقد العلمي للمادة والحكم عليها وفق مبادئ علمية واضحة.
إقرأ أيضاً: 8 فوائد عظيمة تمنحها هواية القراءة

كيف أُطبِّق طريقة القراءة المتعمِّقة؟

1. استطلعْ:

  • استعرِض أقسام الكتاب.
  • استعرِض فصول الكتاب والعناوين الرئيسة في الفهرس.
  • اقرأ المقدمة وخاتمة الكتاب.
  • اقرأ ملخص الكتاب وملخصات الفصول إن وجدت.
  • ألقِ نظرة على الصور والأشكال والجداول والرسوم البيانية التي تلفِت انتباهك.

2. اقرأ:

  • اقرأ النص بهدوء وعناية.
  • حدِّد الفكرة الرئيسة لكل فقرة ولكل فصل أيضاً.
  • لا تتجاوز الفقرة وتنتقل إلى فقرة أخرى قبل التأكد من فهمك الصحيح لها.
  • ضع خطاً تحت الكلمات التي تجد صعوبة في فهمها أو تلك التي تكون غير واضحة بالنسبة إليك.
  • دقِّق في المفاهيم والمصطلحات التي تمرُّ بها خلال القراءة، وضع خطاً تحتها أو يمكنك تدوينها بشكل منفصل على دفترك.

3. اسأل:

  • اطرح أسئلة حول النقاط التي لم تتضح في النص.
  • اطرح سؤالاً يخص كل فقرة تقوم بقراءتها.
  • اطرح أسئلة حول العنوان الرئيس وحول الفكرة العامة من النص.
  • اطرح أسئلة عن العناوين الفرعية.
  • اطرح أسئلة حول الرسوم ومعناها إن وجدت.
  • اطرح أسئلة حول علاقة النص الذي تقرأه بحياتك اليومية.
  • دوِّن الأسئلة على ورقة.

4. أجب:

  • أعِد قراءة محتوى المادة مرة أخرى؛ وذلك بعد قراءتك الأولى مباشرة وليس بعد فترة طويلة.
  • راجِع الأفكار الرئيسة لكل فقرة.
  • راجِع جميع الملاحظات التي قمتَ بتدوينها.
  • تأكَّد أنَّك تستطيع الإجابة عن كل الأسئلة المتعلقة بمحتوى المادة.

مثال توضيحي لطريقة استعمال استراتيجية القراءة المتعمِّقة:

  • الخطوة الأولى (استطلعْ): امسح العناوين في النص الذي اخترته.
  • الخطوة الثانية (اقرأ): اقرأ محتوى عناوين النص الذي قمتَ باختياره.
  • الخطوة الثالثة (اسأل): عُد لكلِّ عنوان قمت بقراءته وصِغ سؤالاً عنه.
  • الخطوة الرابعة (أجِب): أجب عن كل سؤال قمتَ بصياغته في الخطوة السابقة.
  • الخطوة الخامسة (راجِع): ضع النص جانباً وحاول أن تعيد استرجاعه في ذاكرتك، ثم أجب عن أسئلتك ولكن بطريقتك الخاصة، وحاول كتابة ملخص عن النص.

في الختام:

ليست القراءة المتعمِّقة عالماً واحداً؛ إنَّما هي عوالم عدة تعزز الفهم إلى جانب المتعة التي تحققها، فالقراءة المتعمقة هي من نوع القراءة البطيئة المتأنية؛ لأنَّها تعتمد على التمعن في مفاهيم الكلام والبحث عن المعلومات الشيقة؛ بمعنى أنَّها قراءة استمتاع واكتساب فهم.

المصادر:

كتب ورسائل ماجستير

  • رقية جبر، المهارات الاستقلالية (الاستماع والقراءة) في منهاج الجامعة الأردنية، الأردن.
  • عبد الرزاق مختار، إحدى استراتيجيات ما وراء المعرفة
  • عبد الكريم سليم الحداد، فعالية استراتيجية قرائية مقترحة في الاستيعاب القرائي لدى طلبة الصف الثامن، جامعة دمشق.
  • شادي منير الأشرم، أثر استراتيجية روبنسون في تنمية التحصيل والتفكير المبدع لدى تلامذة الصف الرابع في مرحلة التعليم الأساسي، جامعة دمشق سورية.
  • محمد يحيى أزهاري، تنمية تعليم مهارة القراءة باستعمال طريقة القراءة، جامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية الحكومية، قسم تعليم اللغة العربية، جمهورية إندونيسيا.
  • منشورات المركز الوطني للتطوير التربوي، جامعة قطر.
  • مؤشر القراءة العربي لعام 2016، الإمارات العربية المتحدة.



مقالات مرتبطة