الحوار: مفهومه وأهميته

إنَّ من أبهى طرائق التواصل بين الناس وتبادل الفائدة هي الحوار، فهو يُعَدُّ في يومنا هذا من أهم الأمور التي تدلُّ على التحضُّر والرقي الاجتماعي، والحوار بحدِّ ذاته فنٌّ علينا إدراكه وإتقانه كي نستطيع التواصل مع أفراد المجتمع؛ لذلك سنستعرض في هذا المقال تعريف الحوار، وما هي أهم فوائده، فإذا كنت من المُهتمين، فتابع معنا.



ما هو مفهوم الحوار؟

الحوار؛ هو المحادثة المسجلة لشخصين أو أكثر، بوصفها عنصراً من عناصر الدراما، أو الخيال، أو شكلاً أدبياً، إنَّه عرضٌ منظَّمٌ بعناية عن طريق محادثة مُخترعة لتناقض المواقف الفلسفية أو الفكرية، وأقدم الحوارات المعروفة هي تمثيليات صقلية مكتوبة بنثر "إيقاعيسوفرون" من "سيراكيوز" في أوائل القرن الخامس قبل الميلاد، وعلى الرَّغم من عدم بقاء أي من هؤلاء الحوارات إلا أنَّ "أفلاطون" قد عرفهم وأُعجب بهم كثيراً.

الحوار؛ هو طريقة للتواصل، وعملية اتصال بسيطة جداً؛ إذ يمكن للمشاركين أن يقولوا أو يسمعوا شيئاً لم يقولوه أو يسمعوه من قبل، وقد يخرجون منه بفائدة لا مثيل لها؛ إذ يركِّز النهج فيه على الاستماع والتعلم وتطوير الفهم المشترك، وقد يختلف الحوار عن طرائق الاتصال المركزية الأخرى، ومن ذلك الوساطة والتفاوض والمناقشة.

على سبيل المثال، تحاول الأطراف في المناقشة إقناع بعضها بعضاً بدقَّة وجهة نظر معيَّنة، والهدف هو تحريك الأفكار ذهاباً وإيَّاباً، وتقييم وجهات نظر متعددة واختيار أفضلها؛ فتحاول الأطراف تبرير افتراضاتهم، والدفاع عنها، وإقناع بعضهم بعضاً بأنَّ رأيهم هو الرأي الصحيح؛ فيميلون إلى أن يصبحوا دفاعيين وأكثر تفاعلاً مع بعضهم.

من ناحية أخرى يسعى الحوار إلى الإعلام والتعلُّم، بدلاً من الإقناع فقط؛ إذ إنَّها محادثة يحرِّكها البحث عن التفاهم، وليس البحث عن اتفاقيات أو حلول؛ إذ يركِّز المشاركون على علاقتهم مع بعضهم والعملية المشتركة لفهم بعضهم بعضاً، بدلاً من الفوز أو الخسارة.

لا يوجد للحوار هدف محدَّد أو جدول أعمال محدَّد سلفاً؛ إذ لا ينصبُّ التركيز على حلِّ النزاعات؛ بل على تحسين الطريقة التي يتعامل بها الأشخاص الذين لديهم اختلافات كبيرة مع بعضهم بعضاً، فالهدف العام هو تعزيز الاستفسار المحترم، وتحفيز نوع جديد من المحادثة يسمح للقضايا الهامَّة بالظهور بحريَّة، في حين أنَّه من غير المرجَّح أن يتَّفق الخصوم في صراع عميق الجذور مع وجهات نظر بعضهم بعضاً، فيمكنهم على الأقل فهم وجهات نظر بعضهم بعضاً.

ما هو مفهوم الحوار حسب معهد الدبلوماسية متعددة المسارات؟

الحوار يعني أنَّنا نجلس ونتحدَّث مع بعضنا بعضاً، ولا سيِّما مع أولئك الذين نظنُّ أنَّنا نختلف معهم جداً، فإنَّ التحدث معاً في كثير من الأحيان يعني المناقشة بهدف إقناع الآخر، والدفاع عن وجهة نظرنا، ودراسة إيجابيات وسلبيات بعض الموضوعات المختلف عليها، ولكنَّ القصد في الحوار من المناقشة هو الاستفسار والاستكشاف، وليس الإقناع والجدال فحسب.

إقرأ أيضاً: وفقَاً لعلم النفس: ماذا يقول التواصل البصري عن شخصيتك؟

ما هي أهمية معالجة الأمور بالحوار؟

يفتقر الأشخاص غالباً إلى القدرة على التحدث عن الموضوعات التي تهمهم بشدة دون الدخول في نزاع، ونتيجةً لذلك يتَّسم الخطاب العام عن القضايا الخلافية بالنقاش المُدمِّر، الذي يمكن أن يؤدي إلى الانقسام والعنف أحياناً، ويرجع ذلك إلى أنَّ الأحزاب تعمل انطلاقاً من تفسيرات مختلفة للحقائق والأحداث التي قد لا تكون مفهومة بالكامل من قبل الأطراف نفسها.

عندما تكون النزاعات العامَّة طويلة الأمد وتنطوي على ما يبدو على اختلافات لا يمكن التوفيق بينها في الهوية ووجهات النظر العالمية والقيم، تميل الأطراف إلى التمسُّك بمواقفها وتشويه وجهات نظر الطرف الآخر، ونادراً ما يطرحون أسئلة على بعضهم بعضاً، أو يستمعون بصدق إلى ما يقوله الطرف الآخر.

في كثير من الحالات عندما يتحدث شخص ما يفكِّر الشخص الآخر فيما سيقوله عندما يحين دوره في الكلام، ولا يفكِّر فيما يقوله الشخص الآخر، فيُحظر الاتصال الفعَّال بسبب المنافسة والتحيُّز والخوف، وتبدأ طرائق التواصل بين الأطراف تتدهور؛ إذ إنَّهم يميلون إلى الإدلاء ببيانات حماسية عن القضايا، والتركيز على العيوب الأخلاقية أو المنطقية في موقف الطرف الآخر.

غالباً ما يعتمد المعارضون على الخطاب، ويصبحون دفاعيين في مواجهة الأدلة على أنَّ موقفهم غير صالح أو أنَّ الرأي المعارض صحيح، كما أنَّهم يميلون إلى وضع صورة نمطية لبعضهم بعضاً، وإساءة فهم مواقف بعضهم بعضاً، ممَّا يتسبَّب في فشل النقاش، ونتيجةً لذلك غالباً ما يكون جو المحادثات مهدَّداً بالاعتداءات الشخصية والمقاطعات.

لا تساعد مباريات الصراخ المدمرة هذه على معالجة النزاعات طويلة الأمد عن القضايا العامَّة؛ إذ يميل التواصل المتكرِّر القائم على المواقف الثابتة إلى إغلاق عقول الناس أمام الأفكار الجديدة، فالأحزاب تتجادل بصوت عالٍ، وترفض الانفتاح على آراء الآخرين.

تشكِّل هذه الأمور حواجز كبيرة أمام التعاون، وتجعل حل المشكلات القائم على المعرفة والتعاطف أمراً مستحيلاً، وتُفقد بذلك فرص التعلُّم الاجتماعي، فمن أجل التحرك نحو التعاون المثمر، تحتاج الأطراف إلى إيجاد طرائق جديدة للتفاهم مع بعضها بعضاً، تساعدهم على فهم المعتقدات والمعاني والقيم والمخاوف التي يحملها خصومهم وأنفسهم على حدٍَّ سواء قبل أن يكونوا مستعدين للجلوس للتفاوض، أو مناقشة الحل؛ لذلك لا بدَّ من استخدام الحوار الهادئ بوصفه حلاً للوصول إلى الفائدة المرجوَّة من النقاشات التي تجري عادةً من دون وقوع أي خصومات.

شاهد بالفديو: 20 نصيحة لإتقان فن الحديث والحوار مع الآخرين

ما هي أهم الشروط لنجاح الحوار؟

تتضمَّن معظم عمليات الحوار أشخاصاً منخرطين في نزاع طويل الأمد، ويجلسون معاً لاستكشاف مشاعرهم تجاه بعضهم بعضاً، ولتسليط الضوء على نزاعهم، لكن لا بدَّ من توفُّر بعض الأمور لضمان تحقيق الفائدة المُثلى من الحوار.

تساعد الشروط الآتية على ضمان الحوار المثمر:

  1. يجلس المشاركون في دائرة بحيث لا يوجد تسلسل هرمي للوضع المادي أو الثقافي أو الفكري، ويمكن للجميع التواصل مع بعضهم بعضاً باستمرار.
  2. قد يكون من المفيد وجود آلية مسبقة لتحريك الحوار؛ إذ يتكلَّم كل فرد بالوقت والدور المحدَّد له.
  3. يجب الاستماع إلى جميع المشاركين دون مقاطعتهم.
  4. يتحدث الناس بصراحة ويستمعون باحترام وانتباه، فليس للهجوم والدفاع المستمر أي دور في الحوار الناجح.
  5. لا يضع المشاركون افتراضات أو نظرة مسبقة عن الأشخاص المشاركين في الحوار قبل سماع رأيهم.
  6. الأسئلة يجب أن تكون جدية وصادقة ومليئة بالفضول.
  7. يجب ألَّا يكون لدى الإنسان مُقدَّسات أو رموزاً في الموضوع المُتنازع عليه؛ لأنَّ ذلك يمنع بالوصول إلى أي نتائج.
  8. يجب أن يكون لدى الإنسان مستوى عالٍ من الإدراك كي يفهم كل ما يقال له، لكيلا يحصل سوء تفاهم بين الأطراف المشاركين في الحوار.
  9. يجب أن يتَّسم المشاركون بالحوار بالهدوء والطمأنينة.

ما هي أهم فوائد الحوار؟

توجد للحوار فوائد لا تعد ولا تحصى، سواء على مستوى الفرد، أم على مستوى الجماعة، لكن يمكننا أن نُجمل هذه الفوائد فيما يأتي:

1. يبني الحوار الثقة بين الناس:

أسرع طريقة لبناء الثقة بين الناس هي الحوار؛ وذلك من خلال الاستعداد للحديث عن الأمور الأكثر أهمية، وتشجيع الآخرين على فعل الشيء نفسه.

2. يُلهم الحوار الناس بالأفكار الجديدة:

يشارك الناس أفضل أفكارهم، ويعملون بجدٍّ، ويُخرجون ما لديهم من معلومات عندما يتحاورون؛ إذ يمكن الوصول إلى ثروة من المعلومات من خلال الاستماع إلى الأشخاص، وتبادل المعلومات مع بعضهم بعضاً.

3. يزرع الحوار بذور التعاون بين الناس:

تبقى المشكلات بلا حلٍّ من دون الحوار الجيد، ويبدأ العمل المفرد؛ فالحوار الجيد هو في صميم العمل الجماعي المنتج والمشاريع الناجحة والقيادة الفعَّالة، فالأشخاص الذين يتحاورون يتجاوزون العقبات جيداً.

4. الحوار يحسِّن العلاقات الاجتماعية بين الناس:

نحن نعمل على تعميق علاقاتنا مع الناس من خلال التحدث بصراحة وصدق، فعندما ننظر إلى ما وراء منظور المصلحة الذاتية الخاصة بنا ونحاول رؤية وجهات نظر الآخرين، فإنَّنا نبني جسور المحبة والوفاق معهم.

5. يحل الحوار الصراع الدائر بين الناس:

تُفاقم المشاعر السلبية الاستياء تجاه بعض الناس إذا لم نتواصل معها ونجلس معاً على طاولة الحوار لنناقش أسباب الكراهية؛ إذ تساعد المحادثة الجيدة على تنقية الأجواء، وإفساح المجال لشيء جديد، سواء كانت إعادة علاقة قديمة، أم اتفاقاً على الاختلاف الدائر.

6. يشجِّع الحوار الإنسان على الإبداع:

نحتاج لكي ننتج سلعاً وخدمات عالية الجودة إلى شرارة الأفكار الجديدة، وتظهر غالباً من التبادل الإبداعي بين وجهات النظر المختلفة، ففي الفريق مثلاً كل شخص يحمل قطعة من اللغز، والطريقة الوحيدة لإكمال أحجية الصور المقطوعة، هي إيجاد طريقة للتحدث معاً والتواصل والحوار الجاد.

إقرأ أيضاً: كيف تجري حواراً رغم وجود اختلاف في وجهات النظر؟

7. يزيد الحوار من رفاهية الإنسان:

تُظهر الأبحاث أنَّ الأشخاص الذين لديهم محادثات جوهرية يكونون أكثر سعادة من أولئك الذين يجرون محادثة قصيرة، فعندما يكون لدينا وقت للتفكير مع بعضنا بعضاً نشعر بمزيد من الرضى في عملنا وحياتنا.

8. يفتح الحوار أبواباً جديدة للنجاح:

إيجاد الشجاعة للتحدث بصراحة يُنشئ فرصاً جديدة؛ إذ يمكن أن تؤدي المحادثة إلى زيادة في الراتب، أو عرض ترويجي، أو ميزة غير متوقعة، وفي بعض الأحيان لا يبدأ الفصل التالي حتى تُتجاوز عتبة التحدث معاً.

9. يزيد من قدرة الإنسان على المرونة:

كوننا ماهرين في الحوار يجعلنا ذلك أكثر مرونة، فنحن قادرون على فهم الآخرين، ورؤية الصورة الأكبر، والتوصل إلى حلول ربما لم نتوصَّل إليها أبداً من خلال العمل بمفردنا.

في الختام:

نكون بذلك قد أدركنا مفهوم الحوار، وما هي الآثار الإيجابية التي يتركها الحوار في نفس الإنسان، ونكون قد أصبحنا مُدركين أنَّ امتلاك فن الحوار يمنحنا كثيراً من الإيجابيات، ويُثري فكرنا ويغذِّيه، ويجعلنا أكثر قدرة على تقبُّل الآخر.




مقالات مرتبطة