الثواب والعقاب أحد أساليب تربية الطفل

تؤدي المؤسسات الاجتماعية الرئيسة مثل الأسرة والمدرسة الدور الرئيسي في تزويد الأطفال أي الجيل الجديد بالتربية والتعليم وبالمهارات والخبرات كافة والمؤهلات العلمية والتقنية والسلوكية والحياتية عامةً، والتي تُعدُّ الأساس ليس فقط في نهوض المجتمع وتطوره واتجاهه نحو التمدن؛ بل في تطوير شخصية الطفل وبنائها من الجوانب كافة المعرفية والنفسية والوجدانية والحركية والمهارية بالشكل الذي يمكِّنه من مواجهة صعوبات الحياة ومشكلاتها، وتحقيق التكيف الأمثل مع بيئته الاجتماعية، وتدفعه إلى تكوين علاقات طيبة مع أفراد أسرته، ومع زملائه في المدرسة أو أندية الأنشطة المختلفة.



تتجلى أهمية التربية في ضرورة معرفة الطفل منذ نعومة أظافره القيم والتقاليد والعادات الاجتماعية النابعة من صميم ثقافة المجتمع، كما يجب تنمية بعض المفاهيم الاجتماعية العامة مثل الحب والعطاء والتعاون، ومساعدة الآخرين، والاحترام والمشاركة الفعَّالة في الأنشطة البنَّاءة، وممارسة الأدوار الاجتماعية التي سيمر بها بكل إتقان، وتعزيز ثقة الطفل بذاته، ومساعدته على التكيف، وتحقيق الاندماج مع بيئته، والتعبير عن مشاعره، والانفتاح على وجهات نظر الآخرين وتقبُّلها، وإدراك المشكلات المحيطة به أيضاً وكيفية التعامل معها، وامتلاك القيم العلمية من موضوعية وحب الاستطلاع، يحقق شروط المواطنة، ويصبح مواطن صالح يسهم في بناء مجتمعه.

تتعدد أساليب التربية الاجتماعية في تحقيق تلك الأهداف وتنمية تلك المفاهيم، ولعلَّ من أكثر الأساليب شيوعاً من ناحية الاستخدام في ضبط سلوكات الأطفال وتربيتهم هو أسلوب الثواب والعقاب، الذي يُعدُّ من الأساليب الطبيعية التي تستند إليها التربية في كل زمان ومكان، ويتماشى مع الإنسان مهما كان عمره الزمني أو جنسه ذكراً أو أنثى، فمن المعروف أنَّ الإنسان عامة والطفل خاصة يعدِّل سلوكه، ويتحكم به بقدر ما يعرف أو يتوقع نتائجه الضارة أو السارة، والآثار التي سوف يحدثها.

ما هو أسلوب الثواب؟

إنَّ أسلوب الثواب والعقاب يُستخدم استخداماً واسعاً سواء ضمن الأسرة أم حتى ضمن المؤسسات الاجتماعية الأخرى؛ وذلك لتشجيع سلوك الطفل المرغوب، وتعزيزه أو لردعه ومنعه من تكراره، وفي توضيح لمعنى كل من الثواب والعقاب، يمكن القول:

إنَّ الثواب هو شكل من أشكال التقويم الإيجابي لسلوك الطفل، ويبعث في نفسه الشعور بالسعادة والرضى والثقة بالنفس، مما يدفعه إلى تكرار السلوك أو الفعل الذي لاقى عليه ثواباً، ويتشجع للمثابرة عليه دائماً؛ فالثواب هو أسلوب تربوي يعني في مضمونه الدافع الداخلي لتقوية السلوك، وهو يعقب حدوث الاستجابة المرغوبة مباشرة، ويولِّد حالة من السعادة الداخلية والشعور بالرضى لدى الطفل، ويتخذ أكثر من شكل مادي أو معنوي؛ فالثواب هو قوة تحفيزية لتعديل السلوك؛ ومن ثَمَّ تثبيت السلوك السوي.

يُستَخدَم أسلوب الثواب في حالات عدة منها:

  • تشجيع الطفل على أداء السلوك الذي يكون متردداً في أدائه.
  • تحريض الطفل على تكرار السلوك الجيد في كل مناسبة أو موقف يسمح له بذلك.
  • مكافأة الأعمال الجيدة وتقويتها.
  • الحث على التحلي بالقيم والفضائل ومكارم الأخلاق.

الثواب يمكن أن يكون سبباً جيداً في توجيه الطفل إلى أهدافٍ معينة، وبعث الرغبة فيه نحو العمل والدراسة دون أن يتملل أو يشعر بالتعب، فهو عامل نفسي يبعث على الهدوء ويمد النفس بالاطمئنان، فعدم الثواب يسبِّب للطفل صدمات خطيرة، ويمكن أن يُحدث اضطرابات في شخصيته وثقته بنفسه، فغياب الثواب وعدم الاكتراث لنجاحات الطفل والصمت عنها أو حتى التقليل من أهميتها، يؤدي إلى شعور الطفل بالإحباط، وعدم الرغبة في فعل أيِّ شيء، كما يجعل علاقة الطفل مع ذويه ومعلميه جامدة خالية من المشاعر المُبهِجة.

إقرأ أيضاً: أساليب التربية الخاطئة وأنواعها وعواقبها

ما هو أسلوب العقاب؟

العقاب هو كلُّ فعل يؤدي إلى شعور الطفل بعدم الارتياح وانعدام الرضى، فهو المثير الذي يؤدي إلى الكف والتوقف عن أنماط سلوكية غير مرغوبة أو إضعاف ظهورها، ومن أمثلته التأنيب والضرب والزجر والإنذار والقسوة والحرمان والعزل وسوى ذلك.

تتعدد الأسباب التي تدفع بالفرد إلى استخدام العقاب بوصفه وسيلة في التربية، ومنها: السلوكات السيئة التي يقوم بها الطفل سواء في المنزل أم في المدرسة، مثل إثارة الضجيج، أو عدم القيام بواجباته المدرسية، أو تحطيم الأشياء في المنزل، والعناد وعدم الانصياع إلى الأوامر، كما يرتبط أسلوب العقاب بطبيعة المربين سواء الأهل أم المعلمين، فقد يكونون من الشخصيات التسلطية التي تُعدُّ العقاب الأسلوب الوحيد في التربية أو يكونون من الشخصيات غير العارفة لأساليب التربية والجاهلة بقواعد التربية واستخفافهم بها. تتعدد أشكال العقاب، مهنا:

1. العقاب البدني:

هو إحداث ألم حسي للطفل سواء عن طريق الضرب أم إجباره على البقاء على وضع ما فترة طويلة من الزمن أم حتى حرمانه من الطعام لساعات عدة أم من شراء طعام يحبه، وهذا الأسلوب واحد من الأساليب شائعة الاستخدام قديماً وحديثاً على الرَّغم من كل التحذيرات التي تحث على التوقف عن استخدامه؛ وذلك بسبب ما يسبِّبه من تأثيرات سلبية في شخصية الطفل، إضافة إلى الممارسة والعناد من قبلهم، وتكرار السلوك الخاطئ عند غياب الشخص الذي فرض العقاب.

2. العقاب اللفظي:

هو التلفظ بكلمات تسبِّب الألم للطفل، مثل التهديد أو الصراخ في وجهه، أو إطلاق عبارات جارحة وكلمات احتقاريه، أو الشتم، أو السخرية، وغير ذلك.

3. العقاب الاجتماعي:

هو شكل من أشكال الحرمان والعزل الاجتماعي، مثل الإهمال الذي يُشعر الطفل بالوحدة، وأنَّه وحده والعزل الاجتماعي وإبعاد الطفل عن البيئة، والتي يعيش فيها، وهذا الخيار غالباً ما يسبب حدوث العدوانية لدى الطفل، وإحدى طرائق العقاب الاجتماعي أيضاً هي الحرمان؛ أي منع الطفل المرتكب للخطأ من الحصول على شيء أو فعل شيء اعتاد الحصول عليه، وهذا الأمر له آثار سلبية كبيرة؛ ففي حقيقة الأمر يؤدي بالطفل إلى حالة من عدم الاستقرار النفسي، وقد يتطور الأمر لحدوث حالة من العدوانية بين الطفل والفرد الذي أصدر هذا العقاب.

شاهد بالفديو: 8 طرق لتنمية الذكاء الاجتماعي للطفل

ضوابط منح الثواب وفرض العقاب:

  • لا يجوز منح الطفل مكافأة على أشياء أو أفعال يُعدُّ القيام بها شيئاً أساسياً من واجباته الرئيسة، فيتحول بذلك الثواب إلى شرط لأداء العمل، فمثلاً تدريب الطفل لغرفة نومه هو من واجباته، وليس عملاً استثنائياً يجب أن تُقدَّم له المكافآت.
  • يجب أن يُمنَح الثواب دون وعد مسبق به؛ بل فجأة بعد قيام الطفل بسلوك جيد.
  • يُمنَح الثواب على الفعل الذي لم يكن متوقعاً من الطفل، وليس على الفعل المنتظر منه القيام به.
  • بالنسبة إلى الأطفال في المدرسة على المعلم أن يتوخى العدالة والنزاهة في منح المكافآت كي لا يحمل الأطفال تجاهه نظرة سلبية، وتجعل علاقاتهم مع بعضهم متوترة.
  • يجب التقليل من استخدام عبارات لمدة والثناء حتى تحتفظ بأهميتها، ولا تفقد تأثيرها في الطفل نفسه.
  • يجب ألا يصبح الثواب بمنزلة رشوة مادية أو معنوية؛ فإذا انقطعت عن الطفل عزف عن القيام بالفعل الصحيح دون الفائدة التي تعود إلى الحصول عليها لقاء أداء ذلك العمل.
  • يجب أن يُربط بين الثواب ومقدار ما يبذله الطفل من جهد لأداء عمل ما أو تكرار سلوك جيد.
  • إذا قام الوالدان أو المعلم بوعد الطفل بمكافأة، فيجب الإيفاء بها عقب قيام الطفل بالفعل المطلوب حتى لا يتعلم الطفل الكذب والخداع والمراوغة.
  • يجب تقديم الثواب تقديماً متقطعاً لا منتظماً كي يكون ذا فائدة.
إقرأ أيضاً: النمو الأخلاقي: مراحل النمو، واستراتيجيات التربية، وأنماط التبرير

بالنسبة إلى العقاب، فيجب:

  • عند ارتكاب الطفل سلوكاً خاطئاً يجب ألا ننفذ العقاب مباشرة؛ بل يجب توضيح المشكلة بأبعادها المختلفة، ودراسة العقاب المناسب ودرجته، والتفكير بمخاطر اتباعه وبالآثار التي يمكن أن يحدثها في الطفل نفسه أو جسده.
  • لا يجوز اختيار أنواع العقاب التي يمكن أن تسبب الأذى الجسدي أو النفسي للطفل، وتؤثِّر في طريقة حياته وثقته بنفسه، كما يجب تطبيق أساليب العقاب بهدوء بعيداً عن غضب المعاقب وانفعالاته.
  • اتباع أساليب النصح والإرشاد قبل البدء بتطبيق أيِّ أسلوب من أساليب العقاب، وعند استنفاد طرائق الإرشاد يجب اختيار أبسط أسلوب من أساليب التأديب؛ فالغاية هنا ليست التسبب بالأذى للطفل؛ بل الغاية تعديل سلوكه وتقويمه فقط.
  • من أجل ضمان فاعلية العقاب والاستفادة منه، يجب استخدامه فور حدوث السلوك غير المرغوب، فهذا يدفع بالطفل إلى أن يقرن بين العقاب وحدوث السلوك غير الجيد الذي قام به.
  • يجب أن يكون المربي سواء الوالدين أم المعلم على وعي تام بأنواع العقاب وآثار استخدام كل منها على الأمد القريب والبعيد، كما يجب على المربي الابتعاد قدر الإمكان عن أساليب العقاب الصارمة والمعقدة.
  • من أفضل الأساليب لإنهاء السلوك السيئ هو تعزيز السلوك الجيد المقابل له؛ إذ يتشجع الطفل على فعل ما هو جيد، ويصبح الفعل المعدل جزءاً من سلوكه وشخصيته.

في الختام:

عالم الطفل عالم يضم الكثير من المسؤوليات والمهام لا سيما في مجال التربية، والتي تتضح أهميتها وتبرز في مرحلة الطفولة؛ إذ يستخدم الوالدان والمعلمون أيضاً أساليب متنوعة في تعليم الأطفال وتربيتهم السلوكية المرغوبة والمقبولة اجتماعياً، ولا سيما أسلوب الثواب والعقاب، ويجب على المسؤولين اتباع التنويع في أثناء اتباع هذا الأسلوب؛ إذ لا يُستخدم الثواب دائماً أو العقاب دائماً؛ فالاستراتيجية الثابتة في المعاملة تسبب المشكلات؛ إذ تؤثِّر في طبيعة العلاقة بين كل من الأبناء وآبائهم، وكذلك التلاميذ ومعلميهم.

يجب أن تُستخدم هذا الأسلوب استخداماً منضبطاً بعيداً عن الأسلوب العشوائي، ولتحقيق هدف معين في السلوك فقط؛ أي لتقويم السلوك وتعزيز السلوكات الإيجابية بالشكل الذي يبعث على الرضى والسرور والثقة بالذات وإثارة الرغبة في نفس الطفل لتكرار تلك السلوكات؛ إذ تصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصيته والوصول إلى السلوك الذي يرضيه أولاً ويرضي المجتمع الذي ينتمي إليه ثانياً.




مقالات مرتبطة