التوازن بين التفاؤل والتشاؤم

يقول عالم النفس مارتن سليجمان (Martin Seligman): "إن لم تستطع التحكُّم بتجاربك، تستطيع التحكُّم بتفسيرها".



لقد مرَّ ثلاثة وعشرون عاماً منذ نشر سليجمان (Seligman) كتاب "التفاؤل المكتسب" (Learned Optimism)، والذي يصف فيه التفاؤل والتشاؤم في أنَّهما أسلوبان توضيحيان، وليسا سمة من سمات شخصياتنا، ففي نموذج سليجمان (Seligman)، يمكن للمتفائلين رؤية قِصَر عُمْر المشكلات وأسبابها، كما أنَّهم لا يفسرون ظهور التحديات على أنَّها نتائج شخصية لما فعلوه كأفراد، وفي المقابل، يرى المتشائمون أنَّ للمشكلات آثار دائمة تتجاوز نطاق القضية الأساسية، كما يعتقدون أنَّ التحديات التي يواجهونها ناجمة عن أسباب ضمن سيطرتهم.

يكون المتفائلون أكثر سعادة ويحققون نتائج أفضل، بينما يميل المتشائمون إلى أن يكونوا أفضل في تقييم المخاطر، وفي خضم جائحة كورونا (COVID-19)، قد يكون لدى المتفائلين أمل أكبر؛ لكن يُظهر المتشائمون مزيداً من الحذر والامتثال.

هل هو اختلاف كاذب؟

ماذا لو كان هناك اختلاف كاذب بين التفاؤل والتشاؤم؟ وهل يستطيع الفرد نفسه أن يتفادى المتشائم ويختار الأمل والنتائج الإيجابية للمتفائل؟

يعرف مَن هم على دراية في التفاؤل المكتسب أو المدربين على العلاج السلوكي المعرفي، نموذج إيه بي سي (ABC) الذي تدل أحرفه على أوائل الكلمات الإنجليزية التالية:

  • الشدائد: Adversity.
  • الإيمان: Belief.
  • النتائج: Consequence.

فالشدائد هي التحدي الذي تستجيب له، والإيمان هو الأمر الكامن وراء ردود أفعالك، والنتيجة هي رد فعلك على الحدث والتداعيات، وأضاف علماء النفس أيضاً حرف دي (D) الذي يرمز إلى الكلمة الإنجليزية (Disputing) التي تعني معارضة، وحرف إي (E) الذي يرمز إلى كلمة (Energy) التي تعني الطاقة؛ حيث يشير ذلك إلى أنَّ الذين يتطلعون إلى أن يصبحوا أكثر تفاؤلاً، يجب عليهم السيطرة على ردود أفعالهم الأولية وإدراك التغييرات في طاقتهم لإعادة ضبط أنفسهم من خلال التعزيز الإيجابي.

تتوقع منظمة الصحة العالمية (WHO) ارتفاعاً كبيراً في الحاجة إلى دعم الصحة الذهنية، يقول فيكرام باتيل (Vikram Patel)، عالم النفس والأستاذ في كلية الطب في جامعة هارفارد (Harvard): "تمثل الجائحة فرصة تاريخية لإعادة النظر في أمر رعاية الصحة النفسية، من خلال إدراك العلم الذي يوضح أنَّه يجب علينا إعادة صياغة الصحة الذهنية بما يتجاوز التركيز الضيق على التشخيص والأطباء والأدوية"، ويتفق باتيل مع من لديهم خلفية نفسية إيجابية.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للمتفائلين والمتشائمين أن يشكلا فريقاً متكاملاً ناجحاً

التفاؤل البراغماتي، تسخير كل من التشاؤم والتفاؤل:

وهل من سبيل إلى كسب فوائد التشاؤم وأمل التفاؤل؟ التفاؤل البراغماتي هو نموذج لاتخاذ القرار المتعمد عند مواجهة التحدي أو الضغط المستمر، أولاً، يتطلَّب الأمر أن نكون صادقين بشأن حقائق الموقف من أجل تحديد معايير اتخاذ القرار المناسب، ثم يتضمن اختيار مسار العمل الأكثر تفاؤلاً، وأخيراً، يستمر الفرد أو المجموعة في استخدام نموذج إيه بي سي دي إي (ABCDE) لإعادة صياغة التفسيرات حتى تتغير الظروف.

في فيلم "من جيد إلى عظيم" (Good To Great)، يوضَّح هذا المفهوم نفسه تحت عنوان مفارقة ستوكديل (Stockdale) -الجمع بين الإيمان والنظرة العملية إلى الأمور- التي سُميت كذلك تيمناً باسم الأدميرال جيمس ستوكديل (James Stockdale)، أسير حرب في فيتنام، لم يشُك أبداً في قدرته على النجاة من الأسر، ويشابه إيمان ستوكديل (Stockdale) بالبقاء، وصفَ فيكتور فرانكل (Viktor Frankl)، العالم النمساوي والناجي من المحرقة في معسكر اعتقال أوشفيتز (Auschwitz)، من خلال تجديد التفاؤل مع الاستمرار في الصدق بشأن ظروفه، تجنب فرانكل (Frankl) الانغماس في دوامة اللامبالاة التي تبتلع الآخرين.

يواصل الكثير منا مواجهة تحديات الحياة في ظل الجائحة والاضطرابات الاجتماعية وانعدام اليقين السياسي، بينما قد نشعر بضغوطات ظروفنا، مما يؤدي إلى تلاشي تفاؤلنا، وربما يمكننا أن نرتاح؛ وذلك لأنَّ هناك بالتأكيد حياة تنتظرنا بعد الجائحة، ويمكننا اختيار أن نكون واقعيين ومتفائلين حول كيفية عيشها.

المصدر




مقالات مرتبطة