التنشئة في ثقافة الشعارات الفارغة

أعطت جليسة الأطفال ابنتي البالغة من العمر 10 سنوات ألبوماً، وقد كان هذا الألبوم الوردي اللامع مليئاً بصور رائعة لهما وهما تأكلان الآيس كريم، وتشربان العصائر، وتتزلجان على الجليد، وترتديان شعراً مستعاراً بألوان قوس قزح، وترقصان معاً على مقاطع فيديو على "تيك توك" (TikTok)، وغيرها من الصور الأُخرى التي نراها على "إنستغرام" (Instagram) أيضاً في هذه الأيام.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "نانسي كولير" (Nancy Colier)، وتُحدِّثنا فيه عن ثقافة الشعارات والعبارات الفارغة وتأثيرها في فتياتنا.

ماذا كتبت على الصور؟

وبين الصور كتبت بعض العبارات، ووضعت ملصقات مع شعارات مُحفِّزة ورسائل إيجابية لكي تتبنَّاها ابنتي في حياتها.

على سبيل المثال لا الحصر: "عيشي الحياة بطريقتك الخاصة"، و"كل ما هو جيد لكِ، افعليه"، و"ابحثي عن السحر في كل لحظة"، و"أنتِ من تقررين مصيركِ"، و"ستكونين في المكان المناسب حيث تريدين أن تكوني"، و"لا أحد يستطيع أن يجعلك تشعرين بأنَّك أقل منه دون موافقتك"، و"كوني شجاعةً" و"كوني كما أنتِ".

في حين أنَّني تأثَّرت بالجهود التي بذلَتها الجليسة، والأهم من ذلك كله مشاعر البهجة والفخر في عيون ابنتي وهي تقلِّب الألبوم للمرة المئة في تلك الليلة، إلا أنَّني في الحقيقة كنت منزعجةً ممَّا قرأتُه في تلك الصفحات.

يجادل معظم الأشخاص بأنَّ هذه الرسائل الإيجابية التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي، تُلهم الفتيات بالشعور بالثقة والقوة، ومع ذلك، لست متأكدةً من أنَّها غير مؤذية.

جوهرياً، فإنَّ معظم هذه العبارات غامضة وغير مفهومة، وقد يكون من الجيد سماعها في الوقت الحالي، وقد توفر التحفيز والإلهام؛ لكنَّها غير مفيدة، فهي لا تغيِّر الطريقة التي يشعر بها الشخص، ولا تمنحه شعوراً دائماً بالثقة أو الراحة.

بالنسبة إلى الفتاة التي تشعر بعدم الأمان وبأنَّها غير محبوبة، فإنَّ إخبار نفسها بهذه العبارات لن يغيِّر شعورها أبداً، ومع أنَّ هذه العبارات الإيجابية قد تشتت انتباهها عن الأفكار السلبية التي تخبرها بأنَّها غير جميلة بما فيه الكفاية، أو بأنَّها ليست جيدة، أو لا تعرف شيئاً، ففي المقابل لن تؤثر في شكِّها الذاتي أو تعزِّز تقديرها لذاتها؛ إذ لا يمكن تصحيح واقعها أو التخفيف منه بمثل هذه الأفكار الفارغة.

ومع ذلك، يجب عليها أن تتظاهر بإمكانية ذلك، وتؤمن بأنَّ هذه العبارات ستؤثر فيها إيجاباً.

إقرأ أيضاً: أقوال وعبارات تحفيزية لتطوير النفس والذات

الإشكالية في ظل ثقافة الشعارات الفارغة:

ما يمثِّل إشكالية في أن تصبح هذه العبارات أمراً معتاداً، هو أنَّها تعزز طريقة التفكير والتخيُّل والتعامل مع المشاعر الخاصة. ينتج عن هذه الأنواع من الاقتباسات والعبارات مناخاً تعتقد فيه الشابات أنَّه يجب أن يشعرن بالشجاعة، ويجب عليهنَّ أن يعرفن قيمتهن، وكيف يجب أن يكنَّ، كما يجب عليهنَّ أن يكنَّ قادرات على تحقيق النجاح المثير للإعجاب.

هذه المجموعة من العبارات الإيجابية التي تتبعها الفتيات هي إعداد لحالة الشعور بالنقص؛ إذ ينتهي الأمر نهاية مأساوية عندما تفشل امرأة شابة في أن تكون نجمةً رائعةً على "إنستغرام".

بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ هذه الأقوال المفعمة بالأمل، والمصممة لجعل فتياتنا يشعرن بالقوة، هي مجرد شعارات سطحية وغير كافية، سواءً كنتِ فتاةً أم مراهقةً أم امرأةً شابة، من الصعب أن تكوني امرأةً ناضجةً مع امتلاك مشاعر الثقة في هذا المجتمع.

إنَّ محاولة بناء تقدير الذات والتمسك به في ثقافة تحثُّ الإناث على أن يكنَّ جميلات، ويمتلكن أجساماً رائعةً، ويشققن طريقهن بأنفسهن، ويكنَّ محاربات ولطيفات وغير أنانيات ومتعاطفات وشجاعات وإيجابيات دائماً، ويجعلن الجميع يشعرون بالرضى، هي مهمة صعبة جداً.

إنَّ تقدير الذات الحقيقي والموثوق به والدائم والذي يساعد على مواجهة التحديات، يتطلب أكثر من مجرد إخبار النفس بأنَّها شجاعة أكثر ممَّا تعتقد، وأقوى ممَّا تبدو، وأكثر ذكاءً حتى.

شاهد أيضاً: 12 عبارة رائعة عن النجاح والطموح.

ما نحتاجة للتنشئة في ظل الثقافة الفارغة:

تحتاج فتياتنا إلى أدوات نفسية ومعنوية حقيقية، وإرشادات عميقة وذات مضمون، للتنشئة في ظل جنون وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنَّهنَّ بحاجة إلى دعم يعترف بالتحديات التي يواجهنها، ليس بصفتهن شابات فحسب؛ وإنَّما شابات ينشأن في ظل هذا العالم الرقمي.

لسوء الحظ، ما نقدِّمه لفتياتنا من التنمية والحماية لكي يصبحن نساءً ناضجات في هذا المجتمع، ليس كافياً، فنحن نخبر الفتاة أنَّها تستحق ذلك، ولكن دون تعليمها سبب ذلك، أو كيف يجب أن تبني قيمتها، كما نخبرها بأن تكون على طبيعتها كما هي، دون تعليمها ما يعنيه ذلك، أو ما هي القيم التي يجب أن تستند إليها.

نحن نخذل فتياتنا ثم نتركهنَّ يشعرن بالخجل لعدم قدرتهنَّ على الاستفادة من مثل هذا الكلام الفارغ المصطنع.

ربما تكون الرسالة الأكثر انتشاراً بين هذه الأفكار التشجيعية هي أن نكون مسؤولين عن أنفسنا وأقوياء وشجعان، وأن نعلم أنَّنا نحن مَن نتحكَّم بمصيرنا، وأنَّ أيَّ شيء وكل شيء ممكن إذا عقدنا العزم على تحقيقه.

لا يوجد شك بأنَّنا بحاجة إلى الشعور بالسيطرة على حياتنا، فهو جانب أساسي من صحتنا وسلامتنا، كما يجب أن نؤمن أنَّه يمكننا إنشاء واقعنا، وأنَّ ما نفعله يُحدث فارقاً فيما يحدث لنا، ومع ذلك، فإنَّ رسالة "أنت من يتحكَّم بمصيرك" التي تعرضها وسائل التواصل الاجتماعي قد تجاهلت جانباً هاماً جداً من هذه الحقيقة.

الحقيقة هي أنَّنا أحياناً نتحكم بما يحدث لنا وأحياناً أخرى لا يمكننا التحكم إلا بطريقة استجابتنا لما تقدِّمه الحياة لنا، ومهما كان النجاح الذي نحققه في الحياة، يوجد أمور لا يمكننا التحكم بها.

نحن نقنع فتياتنا أنهنَّ قادرات على التحكم بمصيرهن؛ لكنَّنا لا نهيئهن لتجربة عدم السيطرة، فمعظم الشباب في هذه الأيام غير مهيئين جيداً للتعامل مع الأمور الخارجة عن سيطرتهم أو الأمور التي لا يرغبون في حدوثها، وفي الوقت نفسه، يلومون أنفسهم على ما تفرضه الحياة عليهم، فيشعرون بالفشل إنَّ لم تسر حياتهم بالطريقة التي تسير فيها على "إنستغرام" (Instagram).

لقد نشأت فتياتنا على عبارات وشعارات فارغة، لكن لسوء الحظ، لا يوجد شيء يشجعهن على أن يصبحن نساءً واثقات من أنفسهن، أو قادرات على إدارة الحياة كما هي؛ إذ يختفي تأثير هذه الكلمات غير المُجدية بسرعة.

لا مشكلة في استعمال بعض العبارات المحفزة، ولكن دون أن نبالغ في إظهار مقدار تأثيرها فينا وفي أطفالنا وفتياتنا وشبابنا.

المصدر




مقالات مرتبطة