التفويض الإداري وانعكاساته على أداء العاملين

لقد نالت الإدارة وأساليبها وطرائقها اهتماماً بالغاً في السنوات الأخيرة، فالتعقيد الذي طال المنظمات بسبب اتساع حجمها وتزايد نشاطاتها وتعدد أعمالها استلزم توزيع الاختصاصات الإدارية لأشخاص آخرين، وذلك بناءً على نصوص قانونية تحدد طريقة ممارسة تلك المسؤوليات التي أوكلت إليهم، وهذا ما يسمى بـ "عدم التركيز الإداري"، ومن أشهر صور "التفويض الإداري" أنَّه يقضي نقل صلاحيات البت في بعض الأمور الإدارية من الرؤساء إلى المرؤوسين.



أسلوب التفويض الإداري ليس بالأسلوب الإداري الحديث؛ بل هو موجود منذ القديم، لكن لم يظهر دفعة واحدة؛ بل كان حصيلة للتطورات الاجتماعية المتلاحقة، فبدأت كلمة تفويض مع القانون الروماني ومن ثم انتقلت إلى القانون الفرنسي، كما عرفت الدولة الإسلامية فكرة التفويض أيضاً، لكن لم تنتقل فكرة التفويض إلى المجال الإداري إلا في نهاية القرن التاسع عشر؛ إذ تم توضيح مفهومه والمبادئ التي يقوم عليها وتمييزه عن الأساليب المشابهة له.

يسعى التفويض في المجال الإداري إلى تحقيق الإصلاح الإداري الذي يعمل على تخليص الأجهزة الإدارية من العمل الروتيني والتعقيدات الإدارية، وتحسين أداء الموظفين، وكذلك تحسين العمليات الإدارية وإنجازها بسرعة، وجعل الإدارة في خدمة المواطنين.

مفهوم التفويض الإداري:

التفويض الإداري هو وسيلة قانونية تهدف إلى تخفيف الأعباء عن الرئيس الإداري عبر نقل وتوزيع بعض الاختصاصات ومنح الصلاحيات للمرؤوسين بناءً على نص قانوني ووفقاً للترتيب الإداري "السلم الإداري".

التفويض هو إجراء مؤقت غير دائم؛ إذ ينتهي بإنهاء التفويض أو انتهاء المدة القانونية أو الانتهاء من العمل المفوض، ويعني التفويض أن يقوم الرئيس بالتنازل لنائبه أو أحد أتباعه عن بعض سلطاته أو صلاحياته مع استمرار مسؤولية الرئيس عن نتائج هذه السلطة المفوضة للآخرين.

لتوضيح مفهوم التفويض سوف نتناول مجموعة من التعريفات القانونية أولاً، ومن ثم الإدارية:

1. تعريف التفويض من وجهة نظر قانونية:

  • الدكتور سليمان محمد الطماوي: عرفه في الفقه المصري بأنَّه الإجراء الذي بمقتضاه يعهد صاحب الاختصاص جزءاً من هذا الاختصاص سواء في مسألة معينة أم في نوع معين من المسائل إلى فرد آخر.
  • محمد كامل ليلة: أن يعهد موظف بمقتضى قرار ببعض اختصاصاته لموظف آخر.
  • الدكتور بعلي محمد الصغير: أعطى تعريفاً للتفويض في الفقه الجزائري فقال إنَّه نقل الرئيس لجانب من اختصاصاته إلى بعض مرؤوسيه ليقوموا بها دون العودة إليه على أن تبقى مسؤوليته قائمة على الآثار المترتبة على الاختصاصات المفوضة إليهم.
إقرأ أيضاً: 4 خطوات أساسية في عملية التفويض

2. التفويض في علم الإدارة:

  • حسن حسان ومحمد العجمي: في كتاب "الإدارة" (منح المرؤوس الذي تُفوَّض إليه الصلاحية حرية التفكير والتصرف لوضع الخطط وتنفيذها بعيداً عن أيَّة ضغوطات أو قيود تحدُّ من نشاطه الفكري وقدرته على الابتكار).
  • عبد العزيز المعايطة: في كتابه "الإدارة المدرسية في ضوء الفكر الإداري المعاصر" التفويض الإداري هو (إسناد الرئيس بعض الصلاحيات إلى غيره ومن بينهم مرؤوسيه، على أن يتخذ التدابير والوسائل الكفيلة لمساءلتهم ومحاسبتهم عن نتائجها بحيث يضمن ممارستهم لتلك الاختصاصات على الوجه الذي يتراءى له بصفته المسؤول الأول عنها).
  • محمد حسن حمادات: في كتاب "السلوك التنظيمي والتحديات المستقبلية في المؤسسات التربوية" إنَّ تفويض السلطة يعني أن يعهد الرئيس المتخصص بجزء من سلطاته المخولة له أصلاً بموجب النظام إلى أحد مرؤوسيه ليباشرها تحت إشرافه، وهذا التفويض لا يعني انتقال المسؤولية إلى المرؤوس الذي فوضه؛ إذ تستمر مسؤوليات الرئيس كما هي، ولو أخطأ المرؤوسون في استخدام ما خُول من سلطة، فإنَّ رئيسهم هو المسؤول عما يترتب عليه هذا الخطأ أمام الرئيس الأعلى.

التفويض هو مؤشر على الاعتماد على نمط اللامركزية في الإدارة، واللامركزية هي نمط تمارسه الإدارة في كل منطقة بشكل مستقل عن نمط الإدارة الرئيسة، وقد يصل إلى اتباع أسلوب نقيض ومخالف تماماً عن النمط السائد في الإدارة الأم، واللامركزية الإدارية عموماً تحقق مجموعة من المزايا منها تحقيق الديمقراطية، والمساعدة على الإبداع والابتكار لدى العاملين، والتميز بالمرونة وسرعة اتخاذ القرار، والتمثل بانتعاش فكري للمنظمة، وتنمية الأفراد العاملين من النواحي المهنية، وإنهاء الروتين في العمل وسوى ذلك من المزايا.

التفويض الإداري ليس دليل ضعف كما يعتقد بعض الناس أو عدم قدرتهم على أداء مهامهم بشكل جيد، أو حتى خوف من قِبل المديرين على ضياع سلطتهم، فكل تلك الأفكار ليست بصحيحة فالتفويض هو أفضل وسيلة للتخفيف من تركيز السلطة وأداء مهام العمل بنجاح وفي الوقت المناسب.

شاهد بالفديو: 7 خطوات لتفويض المهام وفق نصائح مديري غوغل

توجد مجموعة من الأسباب التي تدعو إلى التفويض الإداري منها:

  • عدم وجود حاجة إلى مراجعة كافة القرارات، فقد يكون جزء كبير منها لا يؤثر في تحقيق أهداف المنظمة.
  • كبر حجم المنظمة وعدد العاملين الكبير وكثرة التخصصات التي تحتاج إلى هامش من المرونة في اتخاذ القرارات.
  • إذا كانت المنظمة على علاقة مباشرة بالعملاء فهي تحتاج إلى اتخاذ القرارات السريعة والابتعاد عن التعقيدات الروتينية التي تتطلب وقتاً طويلاً حتى يتم البت فيها.
  • إذا كان المرؤوسون يتولون الأعمال الفنية والمتجددة في المنظمة.
  • عند توفر الخبرة في العمل لدى المرؤوسين بالشكل الذي يمكِّنهم من اتخاذ القرارات.
  • ضعف وسائل الاتصال أو قلتها بين المرؤوسين وقيادتهم الإدارية، وهنا يحتاج المرؤوس إلى تفويض كي يستطيع ملاحقة نجاح العمل.

أنواع التفويض الإداري:

1. تفويض الصلاحيات:

نقل الصلاحية من إدارة عليا إلى إدارة أدنى، وهنا لا يمكن للمدير الذي قام بالتفويض ممارسة السلطة التي فوض بها طيلة مدة التفويض؛ إذ يقوم العامل الذي فُوض بالأمر باتخاذ كافة القرارات تجنباً لحدوث اضطراب أو تضارب في العمل.

2. تفويض التوقيع:

تفويض المدير لأحد عامليه بالتوقيع عنه في أنواع محددة من المعاملات.

قواعد التفويض الإداري:

  1. يجب أن يكون التفويض قانونياً: أي يجب أن يكون المدير ممتلكاً للصلاحيات التي يريد التفويض بها بموجب القانون.
  2. يجب أن يكون التفويض مكتوباً: يجب ألا يؤخذ بالتفويض الشفهي؛ بل يجب أن يكون التفويض مكتوباً وموقَّعاً من قِبل المدير ويعهد بموجبه ببعض صلاحياته للعامل.
  3. يجب أن يكون التفويض شخصياً: أي يجب أن يوجَّه إلى شخص بعينه، وإذا ما تم تغيير هذا الشخص يجب إعادة التفويض من جديد أو إلغاؤه، لكن يحق للرئيس استعادة صلاحياته وقتما يشاء.
  4. يجب أن يكون التفويض جزئياً: لا يمكن لمدير أن يفوض عاملاً آخر بكافة صلاحياته، فتوجد أعمال خاصة بالمدير لا يمكن له أن يقوم بتفويضها.
  5. يجب أن يكون التفويض علنياً: يجب إعلام الآخرين بالمهام التي فُوض بها العاملون الآخرون من أجل الحفاظ على سير العمل دون حدوث أيَّة مشكلة.
  6. لا يمكن للمفوِّض تفويض الصلاحيات التي فُوِّضَ بها: أي لا يمكن للعاملين إعادة تفويض الصلاحيات التي أعطيت إليهم إلى أشخاص آخرين.

فوائد التفويض الإداري وانعكاساته على أداء العاملين:

1. استغلال الوقت وإدارته بشكل جيد:

فتفويض المدير بعض المهام التي كان يقوم بها بنفسه لأحد مرؤوسيه يستطيع كسب الوقت للقيام بالأعمال الهامة، وفي نفس الوقت يتخلص من الأعمال الروتينية بالنسبة إليه ويخفف من التعقيد الإداري في المنظمة.

شاهد بالفديو: 18 نصيحة سريعة لاستثمار الوقت بفاعلية

2. الزيادة في الإنتاجية:

إنَّ توزيع المهام وإنجازها في الوقت المناسب يضمن تحقيق إنجاز المزيد من الأعمال، ومن ثمَّ الزيادة في الإنتاجية.

3. ضمان الرقابة على العمل:

عندما يقوم المدير بتفويض صلاحياته سوف يتوفر لديه الوقت الكافي لممارسة دوره الرقابي على العمل، ومن ثمَّ السيطرة على بيئة العمل.

4. منح العاملين الفرصة لظهور أفكارهم الإبداعية في العمل:

كما يعمل التفويض على إشباع الحاجات النفسية لدى العاملين وجعلهم يدركون أهميتهم في المنظمة.

5. تدريب العاملين:

بشكل غير مباشر على مهمة تولي المناصب الإدارية في المستقبل وعلى أهمية اتخاذ التفويض الإداري نمطاً إدارياً من قِبلهم.

6. تحقيق مبدأ ديمقراطية العمل:

فالإدارة هنا تقوم على المشاركة بين مدير المنظمة والعاملين فيها، ويكون رأي كل فرد موجود فيها محطَّ احترام واهتمام.

إقرأ أيضاً: أهمية التفويض

7. تنظيم العمل:

فالتفويض ينطوي على توزيع المهام، ومن ثمَّ غياب عرقلة العمل بغياب المدير، فكل فرد هنا مسؤول عن الجزء المفوض به بغياب المدير، وهذا يحافظ على سير العمل.

8. تحقيق الولاء للمنظمة والانتماء:

إذ إنَّ التفويض يُشعر كل فرد مفوض بأنَّه جزء هام من المنظمة وأنَّ لديه وحدة أهداف تجمعه مع المنظمة ينبغي العمل بجهد لتحقيقها.

9. العمل في جو جماعي وتنمية العلاقات الإنسانية داخل المنظمة:

إضافة إلى تبادل الخبرات بين القوى العاملة وتحقيق الاستفادة القصوى من طاقاتهم.

10. منح القرارات الإدارية طابع المرونة:

ومن ثمَّ توفير الوقت في إنجاز الأعمال.

11. ابتعاد كل من المدير والعاملين عن الإرهاق الذهني:

الذي يحدث بسبب ضغط العمل، فتوزيع المهام عن طريق التفويض يعطي هامشاً من الراحة ويسهم في تحقيق العمل بكفاءة في الوقت ذاته.

 12. التفويض الإداري يحل مشكلات البعد المكاني بين الإدارة المركزية وفروعها.

في الختام:

التفويض الإداري من الأدوات الهامة في علم الإدارة والقادر على مساعدة المنظمات على إنجاز أعمالها بنجاح، فكلما زاد التفويض زادت احتمالات النجاح، فهو وسيلة هامة في التخلص من التعقيد الروتيني وتجاوز المشكلات الإدارية وحلها، كما يقضي على ظاهرة احتكار السلطة وحصرها بشخص واحد وإشراك العاملين بها، ويُعَدُّ ذلك بمنزلة نوع من الحوافز التي تدفعهم لبذل المزيد من الجهود باتجاه تحقيق أهداف المنظمة.




مقالات مرتبطة