التفاؤل الواقعي: استجابة القادة لمتحورات كورونا ومتغيراته المستقبلية

بدأ الموظفون باستبدال ملابس نومهم بزي العمل في أثناء عودتهم إلى المكتب، ونُشِّطت الفِرق التي لم ترَ بعضها بعضاً منذ شهور حتى يُلمَّ شملهم من جديد. والتقى القادة المعينون في بداية الإغلاق بسبب الجائحة بزملائهم والموظفين والموردين وجهاً لوجه لأول مرة.



والآن، بعد أقل من ثلاثة أشهر، أُعيدَت صياغة خطط العودة إلى المكتب وإعادة النظر فيها وتأجيلها. ومع ارتفاع حالات جائحة "كوفيد" (COVID) مرة أخرى، يمر الموظفون بعملية توازن عاطفي لا يعرفون متى، وما إذا كانت ستنتهي.

في استطلاع أجرته شركة "ماكينزي" (McKinsey) في شهر تموز/ يوليو، أكَّد ثلث المشاركين فيه أنَّ العودة إلى المكتب أثرت سلباً في صحتهم العقلية، ووضَّحت الخبيرة المهنية "كاثرين فيشر" (Catherine Fisher)، في مقابلة في موقع "لينكد إن" (LinkedIn)، أنَّ المرونة والتوازن بين العمل والحياة الشخصية هما أهم أولويات الباحثين عن العمل أكثر من الأجور والمزايا.

تسببت الجائحة في إعادة تفكير الكثيرين في أولويات حياتهم، وكذلك مكان وكيفية عملهم. فقد غيَّر أشخاص مجالاتهم وأدوارهم الوظيفية بما يتماشى مع قيمهم؛ إذ يبحث الأشخاص ذوو الخبرة من 15 إلى 20 عاماً عن أدوار منخفضة المستوى مع مسؤولية أقل حتى يتمكنوا من قضاء مزيدٍ من الوقت مع العائلة أو التركيز على سلامتهم، ويخلق التوتر والقلق حاجة عميقة إلى عمل هادف تكون مساهماتنا فيه ذات أهمية.

إنَّ الحفاظ على مشاعر وعواطف الموظفين من خلال التواصل والمشاركة، يتطلب من القادة اتباع نهج متفائل؛ ويُعَدُّ التفاؤل أمراً حيوياً لبناء المرونة العاطفية ودعم قدرتنا على المرونة والتركيز عند الإحباط من النكسات.

كثيراً ما يُساء فهم التفاؤل؛ فالتفاؤل واختبار الواقع هما مهارات الإدارة العاطفية التي لا تنفصل عن بعضها بعضاً؛ فالتفاؤل ليس إيماناً أعمى، وليس موقفاً إيجابياً يتغافل عن المشكلات والحقائق والمنطق. يعكس هذا النوع من العقلية التي تتظاهر بأنَّ كل شيء جميل ولطيف، ضعفاً في اختبار الواقع للشخص. ويمكن للقائد الذي يشارك في محادثات حماسية بينما يتجاهل التحديات الحقيقية لحياة العمل اليوم، أن يتسبب في عدم ثقة الموظفين بالتواصل وعدم التفاعل تماماً.

يُعَدُّ التفاؤل الواقعي مهارة نفسية اجتماعية قائمة على الأدلة، وتتضمن البقاء متفائلاً ومرناً مع النكسات، وتعزز النمو وتقلل التوتر. الهدف من ممارسة التفاؤل الواقعي هو مساعدة القادة لأنفسهم والآخرين على إدارة المواقف التي يواجهونها إدارة أفضل، ورؤية الاحتمالات الجديدة، والتواصل مع الأشخاص الذين يعملون معهم.

شاهد بالفديو: كيف تكون متفائلاً على الدوام؟

يعزز التفاؤل الواقعي القوة العاطفية بينما نتعافى من الانتكاسات الأخيرة ونسعى إلى تحقيق نمو جديد. والمتفائلون الواقعيون ليسوا في حالة إنكار؛ بل إنَّهم يرون المشكلات وينقلونها بصراحة للآخرين، بينما يجدون في الوقت نفسه فرصاً للحلول البنَّاءة والإبداعية. يتكيف القادة المتفائلون مع المرونة، ويجربون أساليب مختلفة يمكن أن تؤدي إلى أفكار جديدة وفرص غير متوقعة.

التفاؤل الواقعي هو نوع من النشاط الذهني والعاطفي. ويتطلب الأمر الاحتفاظ بحقيقتين متناقضتين أحياناً في أذهاننا في آنٍ واحد، والاعتقاد بأنَّ الفرصة والنجاح في المستقبل حقيقيان وممكنان، حتى عندما نواجه الفشل الحالي؛ ويسمى هذا بالتوقع المتفائل، وقد ثبت أنَّه يقلل التوتر ويتنبأ بأداءٍ أفضل.

وفقاً لخبير الذهن والكوتش، "أريادن دوكاس" (Ariadne Ducas): "يمكننا أن نكون واقعيين ومتفائلين، حتى في الأوقات الصعبة. يحدث ذلك عندما ندرك أنَّ وجهات النظر هذه لا تتعارض مع بعضها بعضاً، وأنَّه يمكننا حقاً الاحتفاظ بكليهما في الوقت نفسه.

يمكننا أن ننظر إلى حقيقة الموقف الصعب بواقعية وأن نكون مدركين للأفكار القاسية والعواطف بوصفها مشاعر مؤقتة. ومن خلال القيام بذلك، فإنَّنا ندرك وعينا الواسع الذي يمكنه تحمُّل جميع أنواع التقلبات والانتباه، ويمكننا فهم تلك الأفكار والعواطف من منظور آخر.

تُدرِّبنا اليقظة الذهنية على أن نكون قادرين على الاحتفاظ بأي شيء جديد يطرأ، وهذا التحول إلى هذا المنظور الواسع هو الطريقة التي ندرك بها قدراً أكبر من السلام واليسر وحتى التفاؤل".

إقرأ أيضاً: ما فائدة اليقظة الذهنية بالنسبة إلى رواد الأعمال؟

فيما يأتي ثلاثة تمرينات يمكن للقادة القيام بها فردياً أو كفريق:

1. ضبط المؤقت لمدة 20 دقيقة:

اكتب كل خيبة أمل أو نكسة أو كل فكرة تشاؤمية لديك على ورقة، وبعد مرور 20 دقيقة، تخلَّص من الورقة بعيداً. يُعَدُّ إلقاء الورقة بعيداً مظهراً ملموساً من مظاهر تخلُّص العقل من الأفكار السلبية، مع ملاحظة أنَّه:

  • من الضروري أن تكتب بخط اليد في أثناء هذا التمرين باستعمال القلم والورقة. يحفز هذا الأمر الجهاز الحوفي؛ أي عقلك العاطفي.
  • إذا قمت بذلك كفريق، سيكتشف أعضاء الفريق كل متشائم يعتقدون أنَّه موجود ضمن المجموعة.

إنَّ الكتابة اليدوية جزء لا يتجزأ من تهدئة العقل العاطفي وتطبيق التحليل الواقعي، ثم يرمي كل شخص قطعة الورقة الخاصة به.

2. إعادة التقييم:

عندما تواجه تحدياً ويتزعزع التفاؤل، قد تحتاج إلى إعادة تقييم أهدافك من أجل تصوُّر نتيجة ناجحة:

  • قسِّم الأهداف إلى شرائح صغيرة وقابلة للإدارة وممكنة التحقيق.
  • يساعد هذا على أن تصبح أكثر تركيزاً على الحل على فترات زمنية قصيرة بدلاً من أن تركز على هدف واحد.
  • صِف ما تتخيله من النجاح لكل خطوة صغيرة، واستمر في التركيز على هذه النتائج الدقيقة. مع تحقيق الأهداف الصغيرة، سيعود التفاؤل.
إقرأ أيضاً: 6 خطوات يقوم بها الشخص الناجح بشكل دائم

3. تعزيز التفاؤل في التفكير العقلاني والمنطق:

  • اطلب تغذية راجعة على الأهداف التي حددتها.
  • اطلب دعم الآخرين، وراقب علامات التردد أو الأسئلة عن جدوى ما تطلبه.

من خلال دمج هذه الخطوات في روتينك اليومي، يمكنك تأكيد ما إذا كانت أهدافك ستفيد الآخرين معك أم لا.

تُعَدُّ المحادثات التعاطفية تجربة تدريب فردية وجماعية للمديرين التنفيذيين الذين يحتاجون إلى التوافق بسرعة مع مستمعيهم، ويحوِّل التعاطف المحادثات من الجمود والمقاومة إلى المرونة والقبول.

المصدر




مقالات مرتبطة