التعديل الجيني: قفزة علمية أم جنون بشري؟

طماطم من دون بذور، طماطم كرزية، طماطم شوكولاتة، طماطم بلحية، موز دون بذور، فاصولياء بنفسجية اللون، بذور خيار تعطي محصولاً وفيراً، قمح مقاوم للجفاف، فاكهة مقاومة للآفات والعناكب، دجاج يبيض كل يوم، دجاج يعطي لحماً وفيراً، أبقار تدر كميات هائلة من الحليب، بشر لا يصابون بالإيدز.



إنَّ كل ما كُتِبَ آنفاً هو نتيجة تجارب أجراها العلماء على الكائنات الحية عُرفت بالتعديل الجيني لها؛ إذ حللوا فيه المشكلات التي تواجهها، واقترحوا حلولاً جذرية لها عن طريق إضفاء تعديلات على موادها الوراثية؛ أي أحماض (DNA) التي تحمل الصفات الوراثية للكائن الحي.

على الرغم من أنَّ دوافع العلماء كانت نبيلةً بالمطلق، وكان الهدف من كل هذه الأبحاث والتعديلات إضافة المزايا إلى الكائنات الحية الموجودة من زيادة إنتاجها من المحصول ورفع مقاومتها للأمراض والآفات؛ إلا أنَّ هذه الخطوة أثارت مخاوف الكثيرين لكون التعديل الذي طال المادة الوراثية سوف ينتقل إلى الأجيال اللاحقة، مفسحاً بذلك الفرصة لحدوث طفرات لا يمكن لأحد أن يدرك كنهها؛ فهل التعديل الجيني قفزة علمية أم جنون بشري؟

ما هو التعديل الجيني؟

التعديل الجيني هو مجموعة من التعديلات والتغييرات التي تقوم الهندسة الوراثية بإضافتها إلى الحمض النووي للكائن الحي من أجل تغيير خصائصه، وهو مفهوم معاكس للتكاثر التقليدي عند النباتات والحيوانات الذي تنتقل فيه المادة الوراثية بشكل متطابق من جيل إلى جيل، فتحافظ سلالات الكائن الحي على الخصائص ذاتها.

على سبيل المثال، إنَّ نباتات البندورة التي تعطي ثماراً صغيرة للحجم بكميات وفيرة، سوف تعطي في الجيل التالي لها نباتاً بالمواصفات نفسها بسبب انتقال الحمض الوراثي من جيل إلى جيل دون أن يطرأ عليه أي تعديل، أما في حالة التعديل الجيني أو التعديل الوراثي فإنَّه يتم إضافة أو استبدال جين مأخوذ من كائن حي آخر.

في مثالنا عن نبات البندورة يكون من سلالة نبات بندورة تعطي ثماراً كبيرة الحجم، ليكون الجيل الجديد نباتات بندورة تعطي ثماراً كبيرة الحجم وبكميات وفيرة، وهنا جاءت نتيجة التعديل من أجل تعديل خصائص الكائن الحي وتحسينها، ويدعى هذا الجيل بالكائنات المعدلة الوراثية التي يشار إليها باختصار Genetically modified organism) (GMO.

يُطلَق على كامل المادة الوراثية لكائن حي اسم "الجينوم"، وعليه فإنَّ تعديل المادة الوراثية للكائن الحي يدعي "تعديل "الجينوم أو (Genome editing)، وغالباً ما يتم "تعديل الجينوم" بالنيوكلييزات المهندسة التي يتم فيها دمج أو استبدال أو إزالة أجزاء من "الجينوم" باستخدام الهندسة الوراثية عن طريق المقص الجزيئي الذي يستخدم النيوكلييزات، ويتم فيه التعديل على أجزاء من (DNA) "الجينوم" يتم تحديدها مسبقاً، تكون مسؤولة عن إظهار صفات وراثية غير مرغوبة.

تكون مهمة النيوكلييزات عبارة عن إنشاء فواصل مزدوجة الجديلة (DSBs) في الأماكن المقصودة من "الجينوم"، ومن ثم تسخير الآليات الموضعية للخلية من أجل إصلاح الفاصل عن طريق المعالجات الطبيعية بالضم الطرفي غير المتماثل والتأشيب المتماثل.

في أيامنا هذه تُستخدم أربع عائلات من النيوكلييزات المهندسة هي نظام كريسبر/ كاس، نيوكلييز إصبع الزنك، (Transcription Activator-Like Effector Nuclease)، الميغانيوكلاز المهندس.

يُستخدم "تعديل الجينوم" بالنيوكلييزات المهندسة في التحليلات الوراثية من أجل معرفة وظائف البروتين أو الجين عند تداخلهما بطريقة متسلسلة وتأثير ذلك في الخلية.

إقرأ أيضاً: أهم فوائد الخضروات للجسم

فوائد التعديل الجيني:

إنَّ التعديل الجيني الذي طال كلاً من النباتات والحيوانات وحتى الإنسان انطوى على العديد من المزايا والإيجابيات، التي ساهمت في ابتكار حلول للمشكلات التي كانت تواجه البشرية.

من فوائد التعديل الجيني نذكر:

فوائد التعديل الجيني في المجال الزراعي:

من فوائد التعديل الجيني في المجال الزراعي أنَّه أضفى تحسينات كمية ونوعية على سلالات النباتات، وساهم في زيادة كمية الإنتاج الزراعي للمحاصيل، فضلاً عن تحسين نوعيات المحاصيل والصفات التي تحملها، مثل مقاومتها للأمراض والآفات الحشرية والحشائش والمبيدات، وإمكانية تخزينها لفترة أطول، وإضافة مواصفات نوعية لونية أو شكلية أو حجمية، مثل إنتاج سلالات من الثمار أكبر حجماً من المعتاد وأقل احتواءً على البذور.

فوائد التعديل الجيني في مجال تربية الحيوانات:

تتمثل فوائد التعديل الجيني في مجال تربية الحيوانات في التعديل على جينات الحيوان وإضافة جينات جديدة كالتي تزيد من مقاومته للفيروسات الممرضة أو التي ترفع من مقاومته للالتهابات، وجاءت بعض التعديلات الجينية على شكل إظهار خصائص مرغوفي بها في تربية الحيوان مثل تسريع النمو الذي تم عن طريق تزويد الحيوان بالجين المسؤول عن إفراز هرمون النمو السريع.

كما تم إجراء تعديلات جينية من أجل رفع مقاومة الحيوانات للأمراض، وتم تطبيقها بشكل مكثف على الدواجن من أجل إنتاج لقاحات لبعض الأمراض التي تصيبها مثل مرض نيوكاسل ومرض الحمى، وتمت الاستفادة من التعديل الوراثي في إنتاج بكتيريا معدلة وراثياً تقوم بتحويل روث الحيوانات إلى أسمدة عضوية، كما تم تطبيق تعديلات جينية بهدف حماية بعض الكائنات المهددة بالانقراض.

فوائد التعديل الجيني في الحد من التلوث:

إنَّ فوائد التعديل الجيني في الحد من التلوث كانت واضحة؛ وذلك بسبب قيام العلماء بإنتاج نوع من البكتيريا متخصص بتحليل الفضلات، ونوع آخر متخصص بتنظيف المياه البحرية من تبعات غرق ناقلات النفط عن طريق تفتيت جزيئات البترول المنسكب في البحار، ومن ثم ابتلاعها، وهذه العملية تدعى المعالجة البيولوجية.

فوائد التعديل الجيني في مجال الطب:

برزت فوائد التعديل الجيني في مجال الطب عبر المساعدة التي قدمتها على اكتشاف عدد كبير من الأمراض الوراثية وأسبابها وطرائق معالجتها، ولعلَّ أبرز هذه الأمراض مرض كريات الدم المنجلية، ومن فوائد التعديل الجيني في مجال الطب أنَّه ساعد على استخلاص العديد من الهرمونات الضرورية للمعالجات الطبية مثل هرمون النمو وهرمون الأنسولين الذي يُستخدم لمعالجة مرضى السكري، فضلاً عن استخلاص اللقاحات وتعديلها من أجل تخفيف آثارها الجانبية في جسم الكائن البشري.

شاهد بالفديو: 8 نصائح هامة لتتمتع بأسلوب حياة صحية

أضرار التعديل الجيني:

على الرغم من الإيجابيات التي قدمها التعديل الجيني، إلا أنَّه حمل بعض السلبيات والمضار التي هددت سكينة البشرية وأثارت قلقها.

من أبرز أضرار التعديل الجيني نذكر ما يأتي:

  • إنتاج سلالات جديدة من الكائنات الحية التي تم إجراء تعديل جيني على موادها الوراثية، الأمر الذي تسبب بحدوث خلل في النظام البيئي على الكرة الأرضية.
  • ظهور آثار سلبية للتعديل الجيني الذي طرأ على النباتات والحيوانات المعدلة في الصحة الجسدية للإنسان.
  • تهديد الوجود البشري الآمن والعبث بمورثاته.
  • صعوبة السيطرة على الأخطاء الناتجة عن التعديل الجيني، فعند إنتاج جراثيم أو فيروسات خطيرة يصبح التحكم بها وضبط انتشارها أمراً صعباً، كما أنَّ القضاء عليها لا يكون بالأمر السهل.
  • من أضرار التعديل الجيني والهندسة الوراثية أنَّه يحدث اختلاطاً في الأنساب بسبب عمليات التخصيب الصناعي للبشر، ففي حالات كثيرة يتم تلقيح بويضات مأخوذة من نساء بحيوانات منوية من رجال مجهولين، وهذا يسبب اختلاط الأجناس.

فضلاً عن النتائج الكارثية الناتجة عن خلط الشريط الوراثي للإنسان بالنبات أو خلط الأشرطة الوراثية بين حيوانين أو بين إنسان وحيوان، ومن الأمثلة عن ذلك خلط الشريط الوراثي للإنسان بالنبات من أجل إنتاج ما يسمى "الإنسان الأخضر" أو الإنسان الكلوروفيلي.

"تعديل الجينوم" البشري قفزة علمية أم جنون؟

أثار التصريح الذي أصدره العالم الصيني "هي جيانكوي" عام 2018 جدلاً واسعاً بعدما أقرَّ بإجرائه تعديلاً جينياً على الحمض النووي لطفلتين توأمين ولدتا في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر العام ذاته، وأشار إلى استخدامه أداة جديدة لإعادة كتابة الشيفرة الوراثية للطفلتين قبل الولادة.

صرَّح عالم أمريكي بأنَّه قد شارك في هذه القفزة العلمية على الرغم من منع التعديل الجيني للبشر أو الهندسة الوراثية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لأنَّ التعديلات الجينية حسب وكالة "أسوشيتد برس" تنتقل من جيل إلى الجيل اللاحق، معرضة بذلك الجينات الأخرى والجنس البشري لأخطار محدقة.

أكَّد العالم الصيني أنَّ هذا التعديل ليس الوحيد الذي قام به؛ بل صرَّح بأنَّه أجرى 7 تعديلات جينية لأجنة النساء في أثناء التخصيب، وأنَّ التعديل الجيني الذي قام به لم يكن من أجل الوقاية من مرض وراثي ولا من أجل علاج؛ إنَّما من أجل منح صفة غير متوفرة بشكل طبيعي عند جميع البشر.

هذه الصفة هي المعنية بالقدرة على مقاومة الأمراض المعدية في المستقبل مثل مرض الإيدز، رافضاً ذكر أيَّة معلومات عن والدي التوءام الذي خضع للتعديل الجيني تتعلق بمكان إقامتهما أو المستشفى الذي أُجريت فيه عملية التعديل الجيني.

لقد تراوحت آراء العلماء بين مؤيد داعم ومعارض متطرف لفكرة تعديل الجينوم البشري، فالعلماء المؤيدون ركزوا على الإيجابيات المتعلقة بالتعديل الجيني للبشر، التي تساعد على مكافحة فيروس العوز المناعي وداء كريات الدم المنجلية وداء النشواني، وتساهم في علاج طائفة واسعة من أنواع السرطانات.

إلا أنَّ العلماء الذين اتخذوا موقفاً معارضاً من هذه الخطوة وعَدُّوها ضرباً من الجنون، وركزوا على مخاطر "تعديل الجينوم" البشري الإنتاشي والمنتقل بالوراثة، والذي يتسبب في تبديل جينات الأجنة البشرية وانتقال هذه التعديلات إلى الأجيال التالية، وهذا يسبب تعديلاً للصفات الذرية.

إقرأ أيضاً: النظام الغذائي وأسلوب الحياة والمناعة

في الختام:

إنَّ التعديل الجيني الذي يعني إضافة أو إزالة أو استبدال في الجينات الخاصة بالكائن الحي هو عملية صُممت من أجل ابتكار تحسينات في الحياة البشرية، ولقد نجحت فعلاً في تعزيز الصفات المرغوبة لدى النباتات والحيوانات التي طُبقت عليها، كما كانت حلاً ناجعاً لإيجاد علاجات لأمراض تواجه البشرية.

إلا أنَّ وصول التقدم العلمي إلى درجة تحوير "الجينوم" البشري أثار عاصفة من الردود المنقسمة بين التأييد والمعارضة التي يبقى باب المستقبل مفتوحاً أمامها لإثبات أيَّة الرؤيتين تفوز.




مقالات مرتبطة