التعاطف كما نراه في التلفاز

إنَّ السبب في انهيار الحضارة الحديثة، وفقدان القيم ومعظم العلل المجتمعية الأخرى هو التلفاز، وغالباً ما تبالِغ بعض البرامج التلفزيونية الواقعية، مثل تلك التي تتَّبع حياة العائلات الغنية، ويُتلاعَب بها بحيث توفر مهرباً للمشاهدين، وتصوِّر بعض البرامج التلفزيونية الخيالية نسخاً متطرفة من واقعنا الحالي تبدو معقولة إلى حد ما، وتؤدي إلى الشعور بعدم الارتياح.



ومع ذلك، هل يُعَدُّ التلفاز -وعلى نطاق أوسع وسائل الإعلام- مرآةً لما نحن عليه بالفعل، أو هل يُعَدُّ محرِّضاً لما نحن عليه، أو سبباً لما أصبحنا عليه؟

ربما لا يتعلق الأمر بسهولة بإلقاء اللوم على التلفاز، فهو وسيلة معقدة يمكننا من خلالها رؤية أنفسنا كمجتمع وبشر جيدين أحياناً، ومفعمين بالأمل وسيئين أحياناً أخرى، وأحياناً كل ذلك في الوقت نفسه؛ لكنَّ التلفاز يمتلك القدرة على وضع معايير تتعلق بسلوكنا، فخلال أجيال عدة، أظهرت بعض البرامج التلفزيونية للأطفال كيف يمكن لهذه الوسيلة أن تُظهر أهمية الوعي الذاتي والتعاطف والقدرة على التواصل.

أحد البرامج التلفزيونية التي شهِدَت الكثير من الاهتمام هو برنامج "حي السيد روجرز" (Mister Rogers’ Neighborhood)، الذي يعكس رغبة العالم في تعلُّم طريقة التعامل مع عالمهم المربك والمرهق أحياناً.

لقد كان "السيد روجرز" أول من أضفى الطابع الديمقراطي على الذكاء العاطفي على وسائل الإعلام كقوة للخير، وقد استفاد "السيد روجرز" من قوة التلفاز للتحدث عن أصعب عمل يتعلق بمعرفة عواطفنا والتعامل معها، وعن أهمية التعاطف والرحمة كطريقة للعمل معاً بصفتنا جيراناً.

إقرأ أيضاً: التعاطف في العمل، تنمية المهارات لفهم الآخرين

صاغت بعض البرامج التلفزيونية - لأجيال عدة - للأطفال أنموذجاً يتحدث عن أهمية الوعي الذاتي والتعاطف والتواصل.

استضاف المؤلِّف "كارفيل والاس" (Carvell Wallace) في الحلقة الأولى من المدوَّنة الصوتية الجديدة الآسرة "فايندينغ فريد" (Finding Fred)، الكاتبة "آشلي فورد" (Ashley Ford)، وتحدَّثا عن تأثير برنامج "حي السيد روجرز"؛ حيث يلاحظ "فورد" أنَّ التعاطف صعب؛ وذلك لأنَّ الناس لا يتعاطفون مع أنفسهم.

في الواقع، غالباً ما يكون من السهل مشاهدة برامج الواقع التي لا تتطلب منَّا مواجهة الجانب السيئ من الإنسانية؛ لأنَّ هذا الأمر قد يعني أنَّه يجب علينا مواجهة الجانب السيئ من الذات الداخلية أو مساهماتنا.

كما قال الروائي "جيمس بالدوين" (James Baldwin): "أتخيل أنَّ أحد الأسباب التي تجعل الناس يتمسكون بمشاعر الكره هو أنَّهم يشعرون -عند زوالها- أنَّهم سيضطرون إلى التعامل مع الألم"، وبعد كل شيء، كيف يمكننا أن نظهِر التعاطف للآخرين إذا لم نتمكَّن من التعاطف أنفسنا؟ التعاطف هو عكس تجنُّب مشاعر عدم الراحة، ويبدأ التعاطف مع الآخرين عندما نتعاطف مع أنفسنا.

القول أسهل من الفعل؛ حيث يمكن أن يدفعنا التعاطف إلى التعامل مع الفهم المعرفي أو العاطفي لما يفكر أو يشعر به شخص آخر، وإذا لم تتمكَّن من إدارة التعاطف إدارة صحيحة، فإنَّك ستشعر باضطراب عاطفي يؤدي إلى الشعور بالإرهاق والتراجع وحتى الاكتئاب.

ويمكن أن نشعر بالشفقة على أنفسنا عندما يحدث هذا معنا، فعندما نجد أنفسنا مخطئين في حق أحدهم، ينشغل عدد قليل منَّا في محاولة أن يكون شخصاً جيداً، على سبيل المثال: التضحية بالصحة لإسعاد شخص آخر أو فعل الأمر المناسب.

يتيح لنا الاهتمام العاطفي أو التعاطف الفهم والشعور دون اجترار الأفكار السلبية، فمن خلال تفعيل جزء الدماغ المرتبط بالتعاطف، يسمح لنا هذا النوع من التعاطف باستخدام مشاعرنا والتصرف على أساسها، ويتضمن ذلك النظر إلى داخلنا والتعاطف مع أنفسنا دون الشعور باليأس أو الخوف من مواجهة اللحظات غير الجميلة؛ إذ إنَّ التعاطف مع أنفسنا والآخرين يسمح لنا بمواجهة الواقع حتى نتمكَّن من تحويل الواقع إلى الأفضل بالنسبة إلى الجميع.

المصدر




مقالات مرتبطة