التداعيات السلبية للعقلية الثابتة

يوجد سبب جوهري لنجاح بعض الأفراد في الحياة في الوقت الذي يجاهد فيه آخرون لتغطية نفقاتهم اليومية، فضلاً عن مشاعر الإحباط التي ترافقهم في أثناء ذلك، وثمَّة سبب وجيه لقدرة بعض الأفراد على اكتساب عادات مفيدة، وعجز آخرين عن تجاوز عاداتهم المؤذية.



يكمن السبب في عقلية الفرد:

لا مثيل للعقل البشري، فهو يشمل كل شيء من أفكار، وعواطف، وخواطر، ومعتقدات، ومواقف، ورغبات، ودوافع؛ أي باختصار كافة جوانب حياة الإنسان، ويتحكَّم العقل بسلوكات وأفعال الفرد؛ أي إنَّ كافة التجارب الحياتية تبدأ بفكرة يحوِّلها الفرد إلى خبرة واقعية عبر العمل.

تتأثر معتقدات الفرد بمحيطه الخارجي، وتؤثر بدورها في أفكاره، ومشاعره، وأفعاله؛ لذا تتحكَّم العقلية بنجاح الفرد على الصعيدين الشخصي والمهني على حدٍّ سواء، فليس بوسع أحد سواك أن يغيِّر عقليتك، وقد يجادل بعض الأشخاص بأنَّ العائلة، والمؤسسات التعليمية، ورموز السلطة تؤدي دوراً محورياً في هذا الصدد، ونردُّ على هذا الادِّعاء بأنَّ تأثيرهم خاضع لإرادتك الشخصية، فما من أحد يعرفك على حقيقتك ولا حتى أصدقاؤك المقربون، أو شريكك العاطفي، أو أفراد عائلتك، ثمَّة مشكلة مُلِحَّة أخرى تستدعي الحل بالسرعة القصوى وهي أنَّ معظم الأفراد يجهلون هويتهم الذاتية؛ لذا نقدِّم فيما يأتي آلية الحل.

الوعي الذاتي:

يبدأ التغيير عندما تبدأ الاهتمام بعقلك وحالتك النفسية، وربما هذا سبب قراءتك للمقال، باحثاً عن النصح والإرشاد لتطور نفسك.

تعريف العقلية الثابتة:

وفقاً لعالمة النفس الأمريكية "كارول دويك" التي كرَّست حياتها لدراسة جوانب العقلية الإنسانية، فإنَّ العقلية الثابتة هي ذهنية تسعى إلى نيل استحسان الآخرين فيما يخصُّ ذكاءهم ومواهبهم، بدلاً من العمل على تحسينها؛ أي إنَّ الفرد يحقِّق مستوى معيَّناً من المهارات والمعارف، ثمَّ يحاول إثباتها وإظهارها بشتَّى الطرائق على العلن باحثاً عن استحسان الآخرين، عوضاً عن محاولة تطويرها، ويميل أصحاب العقلية الثابتة إلى اكتساب عادات الشك، والارتباك، والتسويف؛ لأنَّ الفشل يثبِّط عزيمتهم.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح للتحول من العقلية الثابتة إلى العقلية النامية

تعريف عقلية النمو:

تنشأ عقلية النمو بنفس الطريقة التي تنشأ فيها نظيرتها الثابتة، لكن ثمَّة فارق أساسي على الأمد الطويل، يتمثَّل في أنَّ صاحب عقلية النمو يرسِّخ المعارف والمهارات مع السعي إلى الإتقان والتميُّز؛ أي إنَّه لن يعبأ بالمديح؛ بل سيواصل اكتساب مزيد من الخبرات التي تمكِّنه من التفوق في المجال.

يعدُّ صاحب عقلية النمو أنَّ التجارب الفاشلة خير وسيلة لاكتساب الخبرات والتعلُّم من الأخطاء، وإنَّه لن يعبأ بتقييمات الآخرين أو يبذل مجهوداً إضافياً لنيل إعجابهم؛ بل إنَّه يركِّز على تحقيق التميُّز من خلال الممارسة وخوض التجارب بكل ما تنطوي عليه من مثابرة وثبات، وعند الفشل لا تتأثر عزيمته؛ وإنَّما تزداد حماسته للنجاح في المرة المقبلة.

آلية تأثير العقلية الثابتة في الفرد:

تجدر الإشارة بدايةً إلى أنَّ عقلية الفرد قابلة للتغيُّر ومحال أن تبقى ثابتة للأبد؛ وذلك لأنَّ التجارب الحياتية تُحدِث تغييرات في العقلية، وبناءً عليه يكون التسليم بإمكانية التغيير عاملاً أساسياً في تطوير الوعي الذاتي.

قد يعتمد المرء في مواقف معيَّنة عقلية ثابتة، فتراه يواجه الأزمات بخوف، وغضب، وتسويف، وغيرها من السلوكات الهدَّامة، ويتولد تأثيرات عن جميع الخبرات الإنسانية من أفكار، ومشاعر، وأفعال على حدٍّ سواء، وتؤدي الأفكار إلى توليد العواطف، والتي تسبِّب بدورها اتخاذ إجراءات فعلية تؤثر في واقع حياتنا، وهكذا تستمر دورة الحياة مرة تلو أخرى، بحيث يحقِّق المرء مزيداً من التقدم كلما حسَّن من أسلوب إدارته لحياته.

عيوب العقلية الثابتة:

  1. تثير في النفس الإنسانية مشاعر عدم الرضى، والخيبة، والحزن، والكآبة، وغيرها من المشاعر المحبطة، ويميل الفرد أحياناً لتجنُّب وضع معيَّن؛ ليحمي نفسه من الحزن على الأمد القصير، لكنَّ تداعيات هذا الموقف على الأمد الطويل ستكون وخيمة.
  2. تخفِّض مستويات الوعي والمعرفة الذاتية؛ إذ لن يتسنَّى لك إدراك قدراتك ما لم تسعَ إلى تنمية ذاتك على الدوام، فعليك أن تضع في حسبانك أنَّ المكاسب والنجاحات في الحياة تتناسب طرداً مع الجهد المبذول.
  3. تحرم الفرد من الفرص المتاحة؛ لأنَّ صاحب هذه العقلية يتهيَّب خوض المخاطر التي تتجاوز منطقة الراحة خاصته.
  4. تدعم الأداء المتوسط، وهو ما يفضي بدوره إلى عيش حياة متواضعة تفتقر إلى الإنجازات المتميزة.
  5. تؤدي إلى بناء علاقات عادية لا تحقِّق الرضى على الأمد الطويل.
  6. تعوق التقدُّم في حياة المرء، وبالنتيجة تدحض الهدف من وجوده، فلا حياة بلا تقدُّم ولا نماء.
إقرأ أيضاً: ما هي العقلية الثابتة؟ وهل يمكن تغييرها؟

كيفية اعتماد عقلية النمو:

لا يعدُّ اعتماد عقلية النمو أمراً هيِّناً حتى بالنسبة إلى النخبة، فكما أشرنا سابقاً أنَّ نوع العقلية يتوقَّف على الموقف بعينه فهو نسبي وليس مطلقاً بالنسبة إلى جميع الأفراد، لكلٍّ منَّا مشكلاته، وتحديَّاته، ونكساته، ومخاوفه.

يشكِّل الوعي الذاتي العامل الأساسي في تحقيق التنمية؛ أي إنَّ قدرتك على التغيير تعتمد على درجة وعيك، فعندما تختبر إحدى المشاعر السلبية، عليك أن تبحث عن أسبابها الجذرية، أمَّا العامل الثاني في تنمية العقلية فهو المعرفة؛ لأنَّ دافع التقدُّم في الحياة يتناسب طرداً مع مقدار الخبرات والمعارف المكتسبة وسعة الاطلاع.

تأتي الإرادة في المرتبة الثالثة؛ وذلك لأنَّ دورها يبدأ بعد تحديد التدابير اللازمة، واكتساب المعارف المطلوبة لإجراء تغييرات طويلة الأمد، فلا قيمة للمعرفة ما لم تُطبَّق على أرض الواقع، فضلاً عن أنَّ تنفيذ خطة عمل ناجحة يتطلَّب الدافع والبأس، وهي جوانب تعتمد في جوهرها على إرادة الفرد.

إقرأ أيضاً: 5 طرق لتنمية عقلية النمو لتطوير الذات

في الختام:

يقتضي تحقيق التنمية الذاتية تنمية العقلية؛ أي لا بدَّ من وجود مشكلة معيَّنة في عقليتك عندما تواجه صعوبة في تحقيق التقدُّم في حياتك، وكما ذكرنا آنفاً أنَّ الحياة قائمة على التغير والتحوُّل بكل ما فيها، ولا بدَّ أن تبرز الاختلافات والتطورات تدريجياً مع مرور الزمن.




مقالات مرتبطة