التحليل النفسي: هل كان فرويد مخطئاً؟

التحليل النفسي هو نهج لعلم النفس ظهر في أبحاث ونظريات "سيغموند فرويد"، إضافة إلى التحليل النفسي الفرويدي، ألهم هذا النهج في علم النفس النهج الديناميكي النفسي الذي يشمل نظريات لمفكرين آخرين، ومن أولئك "كارل يونج" و"كارين هورني" و"إريك إريكسون" و"ألفريد أدلر".



ربما يكون "سيغموند فرويد" هو الاسم الأكثر شهرة وتميزاً في تاريخ علم النفس، فمن نواحٍ عديدة فهو مسؤول عن التطورات في العلاج النفسي التي نتمتع بها اليوم؛ إذ يقدم طريقة جديدة في التفكير غيرت نظرتنا إلى الصحة العقلية.

في وقته، طور نهجاً في علم النفس السريري يُعرف باسم "التحليل النفسي"، فكان هذا النهج في يوم من الأيام المعيار الذهبي في الرعاية النفسية، لكن من المحتمل جداً أن يكون هذا النهج خاطئاً.

النهج الديناميكي النفسي متجذر في الاعتقاد الأساسي بأنَّ الناس لديهم رغبات وأفكار ومشاعر وذكريات غير واعية ما تزال تؤثر في سلوك الشخص خارج الإدراك الواعي، وفي مقالنا الآتي سنتعرف إلى هذا النهج ونرى إن كان "فرويد" مخطئاً أم لا.

نظرة عامة على التحليل النفسي:

يعتقد "فرويد" أنَّ محتويات اللاوعي قد تؤدي إلى ضائقة نفسية أو مرض نفسي، وإنَّ استحضار هذه الرغبات أو الذكريات أو الأفكار المخفية إلى الوعي قد يؤدي إلى تخفيف الكبت والعبء، وهذا يبدد الضيق ويساعد الناس على اكتساب البصيرة.

تشمل العناصر الرئيسة للتحليل النفسي ما يأتي:

  1. فكرة أنَّ دوافع اللاوعي تؤثر في سلوك الشخص.
  2. غالباً ما يكون الضيق النفسي نتيجة لمعلومات مزعجة تم إخفاؤها عن الوعي.
  3. أن تؤدي أحداث الطفولة المبكرة دوراً حاسماً في تكوين الشخصية.
  4. تتكون تلك الشخصية من ثلاثة عناصر هي الهوية والأنا والأنا العليا.
  5. أن يعتمد الناس على آليات الدفاع لحماية الأنا من الضيق الناجم عن رغبات ومطالب الهوية البدائية التي يغذيها العقل اللاواعي.

من أجل التعامل مع الضيق الذي يسببه اللاوعي، اعتقد "فرويد" أنَّ بعض التقنيات - ومن ذلك العلاج بالكلام - قد تُبرز بعض هذه المعلومات للضوء، وهي ظاهرة أشار إليها باسم التطهير أو التنفيس، وكان يعتقد أيضاً أنَّ تفسير الأحلام يمكن أن يقدم نظرةً ثاقبة لعمل العقل اللاواعي، والهدف من التحليل النفسي هو مساعدة الناس على اكتساب نظرة ثاقبة لرغباتهم اللاواعية ودوافعهم لاتخاذ خيارات أكثر صحةً وأكثر استنارة في حياتهم.

كيف يعمل التحليل النفسي؟

يتضمن التحليل النفسي عموماً جلساتٍ أسبوعية مدتها 50 دقيقة يتحدث فيها الأشخاص عن أفكارهم ومشاعرهم وخبراتهم؛ إذ سيساعد المعالج الشخص على استكشاف كيفية ارتباط هذه الأفكار والمشاعر بتجارب الطفولة المبكرة والعلاقات الحالية، ولكي يكون التحليل النفسي فعالاً يجب تكوين علاقة ثقة بين المعالج والمريض؛ هذا لأنَّ العملية تتطلب من الناس مناقشة المعلومات الحساسة والشخصية.

قد يستخدم المعالج أيضاً تقنياتٍ أخرى، مثل تفسير الأحلام لمساعدة الشخص على اكتساب فراسة لفهم عقله اللاواعي، وقد يفيد التحليل النفسي الأشخاص الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية أو مشكلات العلاقات أو التحولات الرئيسة في الحياة، كما يمكن أن يساعد الناس على فهم أنفسهم بشكل أفضل واتخاذ خيارات صحية.

إقرأ أيضاً: أنواع الاكتئاب وكيفية التعامل مع مرضى الاكتئاب

تتضمن بعض فوائد التحليل النفسي ما يأتي:

  1. تحسين الوعي الذاتي.
  2. مزيد من الفراسة فيما يتعلق بالقضايا والمشكلات الشخصية.
  3. مهارات أفضل في التعامل مع التوتر والقلق.
  4. تحسين القدرة على إدارة المشاعر الصعبة.
  5. علاقات أقوى.
  6. مزيد من الرضى عن الحياة.

ما هو مدى فاعلية التحليل النفسي؟

اقترح بعض النقاد أنَّ التحليل النفسي ليس فعالاً مثل الأنواع الأخرى من العلاج النفسي، فتوجد أدلة تشير إلى خلاف ذلك، كما تشير الدراسات إلى أنَّ العلاجات النفسية الديناميكية فعالة مثل طرائق العلاج الأخرى، وليس ذلك فحسب؛ بل تستمر الآثار المفيدة لسنوات بعد إنهاء العلاج، وتشير أبحاث أخرى إلى أنَّ العلاج النفسي الديناميكي قد يكون فعالاً في علاج الحالات النفسية المختلفة، ومن ذلك القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

ما هي حدود التحليل النفسي؟

التحليل النفسي ليس عمليةً سريعة أو سهلةً؛ بل يتطلب التزاماً كبيراً بالوقت وقد يكون مكلفاً، إضافة إلى ذلك ونظراً لأنَّه يعتمد على الاستكشاف الذاتي والكشف عن المعلومات الشخصية، فقد لا يكون مناسباً للأشخاص غير الراغبين أو غير القادرين على التحدث عن موضوعات حساسة.

قد يكون التحليل النفسي أقل فاعلية أيضاً للأشخاص الذين عانوا من الصدمة أو الذين يعانون من اضطرابات شخصية معينة، وقد لا يكون فعالاً أيضاً للأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية خطيرة مثل الفصام.

التحليل النفسي مقابل العلاجات الأخرى:

يختلف التحليل النفسي عن أشكال العلاج الأخرى في طرائق عدة رئيسة:

  1. يركز على دور العقل اللاواعي في تشكيل السلوك، والعلاجات الأخرى مثل العلاج السلوكي المعرفي تركز أكثر على دور الأفكار والمعتقدات الواعية.
  2. يؤكد التحليل النفسي على أهمية العلاقة بين المعالج والمريض، فهذه العلاقة هي المفتاح لمساعدة المريض على اكتساب نظرة لعقله اللاواعي.
  3. يميل التحليل النفسي إلى أن يكون علاجاً طويل الأمد يتم إجراؤه في جلسات أسبوعية، والعلاجات الأخرى مثل العلاج السلوكي المعرفي غالباً ما تكون أقصر في المدة ويمكن إجراؤها في إطار مجموعة.

على الرغم من هذه الاختلافات، يمكن أن يكون التحليل النفسي علاجاً فعالاً لمختلف حالات الصحة العقلية.

أفكار فرويدية رئيسة:

لفهم كيفية استخدام التحليل النفسي بشكل أفضل، قد يكون من المفيد معرفة المزيد عن النظريات التي أدت دوراً في تطوره:

1. العقل الواعي واللاواعي:

يعتقد "فرويد" أنَّ العقل ينقسم إلى قسمين؛ الواعي واللاواعي؛ إذ يتضمن العقل الواعي كل ما ندركه في أيَّة لحظة، بينما يحتوي العقل اللاواعي على رغبات وأفكار وذكريات ومشاعر خفية.

2. الهوية والأنا والأنا العليا:

يعتقد "فرويد" أنَّ الشخصية تتكون من ثلاثة عناصر؛ الهوية والأنا والأنا العليا:

  • الهوية هي الجزء الغريزي البدائي من العقل الذي يحركه مبدأ اللذة، وهذا يعني أنَّه يسعى إلى إشباع احتياجاته ورغباته بصرف النظر عن العواقب.
  • الأنا هي جزء العقل الذي يساعدنا على التعامل مع الواقع، ويقع هذا الجزء بين الهوية والعالم الخارجي، وهذا يضمن أنَّ أفعالنا تأخذ في الحسبان احتياجاتنا وواقع الوضع.
  • الأنا العليا هي الجزء الأخلاقي من الشخصية؛ إذ يستوعب هذا الجزء قيم المجتمع وأخلاقه ويعمل بوصفه دليلاً للسلوك.

الآليات الدفاعية النفسية:

آليات الدفاع النفسي هي استراتيجيات تأقلم نستخدمها لحماية أنفسنا من الضيق النفسي، وتشمل آليات الدفاع الشائعة ما يأتي:

  1. الإنكار: رفض قبول حقيقة وجود شيء ما أو حدوثه.
  2. القمع: إخراج الأفكار والمشاعر غير السارة من الوعي.
  3. الإسقاط: عزو أفكار المرء أو مشاعره أو رغباته إلى شخص آخر أو حدث ما.
  4. الإزاحة: إعادة توجيه المشاعر من المصدر الأصلي إلى هدف أكثر ضرراً.
  5. التسامي: تحويل النبضات السلبية إلى أفعال إيجابية.

نظريات التحليل النفسي:

توجد عدة نظريات مختلفة للتحليل النفسي، ولكنَّها تشترك جميعها في تركيز مشترك على العقل اللاواعي وتأثيره في السلوك، وتتضمن بعض نظريات التحليل النفسي الأكثر تأثيراً ما يأتي:

  1. نظرية "فرويد" النفسية الجنسية: تقترح هذه النظرية أنَّ شخصية الإنسان تتطور من خلال سلسلة من المراحل تركز على مناطق مختلفة من الإثارة الجنسية.
  2. نظرية "يونغ" التحليلية: تؤكد هذه النظرية على أهمية اللاوعي الجماعي، وهو مخزن مشترك للمعرفة والخبرة يمتلكه كل البشر.
  3. علم النفس الفردي لـ "أدلر": تركز هذه النظرية على سعي الفرد إلى التفوق والقوة.
  4. نظرية "إريكسون" النفسية: تقترح هذه النظرية أنَّ شخصية الإنسان تتطور من خلال سلسلة من ثماني مراحل كل منها يركز على مهمة نفسية اجتماعية مختلفة.
  5. علم النفس الذاتي لـ "كوهوت": تؤكد هذه النظرية على أهمية احترام الذات والتماسك الذاتي.
  6. نظرية "لاكان" البنائية: تركز هذه النظرية على الطريقة التي تشكل بها اللغة تجربتنا للواقع.
  7. نظرية "كلاين" للعلاقات الموضوعية: تؤكد هذه النظرية أهمية العلاقات المبكرة مع مقدمي الرعاية في تشكيل الشخصية.
إقرأ أيضاً: نظرية التحليل النفسي: اختراع فرويد الذي غيَّر وجه البشرية

أسئلة يتكرر طرحها عن التحليل النفسي:

1. كم من الوقت يستمر التحليل النفسي؟

يختلف طول التحليل النفسي باختلاف الفرد والمشكلة التي تتم معالجتها، فقد يحتاج بعض الأشخاص إلى بضعة أشهر فقط من العلاج، في حين أنَّ بعضهم الآخر قد يستمر لسنوات.

2. ما هو الفرق بين التحليل النفسي والعلاج النفسي؟

التحليل النفسي والعلاج النفسي كلاهما علاج حديث؛ فالتحليل النفسي أكثر كثافة ويركز على استكشاف العقل اللاواعي، أما العلاج النفسي فهو مصطلح شامل لمجموعة من التقنيات المحددة، ومن ذلك التحليل النفسي.

3. هل ما يزال التحليل النفسي مستخدماً حتى اليوم؟

ما يزال العلاج النفسي الديناميكي نهجاً شائعاً للعلاج، وغالباً ما تُستخدم تقنيات التحليل النفسي في أنواع مختلفة من العلاج النفسي، فالتحليل النفسي المتجذر بشكل كبير في أفكار "فرويد" لم يعد صالحاً، ولكنَّ الأبحاث أظهرت أنَّ استخدامات الفحص الذاتي في العلاج الديناميكي النفسي قد تساعد الناس على اكتساب البصيرة العاطفية التي ربما تساعدهم على التعافي من مشكلات صحتهم العقلية.

شاهد بالفديو: 5 طرق للوصول إلى أفضل طبيب نفسي مناسب لشخصيتك

هل كان "فرويد" مخطئاً؟

ما يزال بعض علماء النفس - لا سيما هنا على الساحل الشرقي - يؤيدون هذا النهج؛ إذ يتضمن جلساتٍ متعددةً في الأسبوع، فيأخذ المعالج دوراً سلبياً أكثر ويسمح للمريض بالتعبير عن عقله الباطن، وبمجرد مشاركة أفكاره يقوم المعالج بالتفسير، ولكنَّ التحليل النفسي يتراجع بسرعة أيضاً في مجال الصحة العقلية.

لم تُظهر الدراسات أنَّ التحليل النفسي قد حدَّد تحديداً صحيحاً سبب مشكلات الصحة العقلية، ولم يثبت العلاج أنَّه أكثر فاعلية من أي بديل آخر، وأسباب الاضطرابات أيضاً غير قابلة للإثبات، وهو أمر مرفوض للغاية في علم النفس الحديث، ويميل نظام المعتقدات إلى التحيز الجنسي.

في الختام:

على الرغم من أنَّ نظرية التحليل النفسي لا تبدو مفيدةً أو دقيقةً، فإنَّ العديد من المبادئ والمفاهيم الأساسية التي أدخلها "فرويد" في مجال علم النفس أثبتت فائدتها بوصفها مبدأ إرشادياً للبحث، لذلك في حين أنَّ العديد من الممارسين لا يؤيدون التحليل النفسي بوصفه نهجهم الأساسي، فإنَّ نظرياته ما يزال لها تأثير دائم وقيِّم في علم النفس الحديث.




مقالات مرتبطة