الانفتاح الذهني (الفكري): تعريفه، وأهميته، والعوامل المؤثرة فيه

"إنَّ الانفتاح هو فرصة للعقل البارع كي يفكر في فكرة ما دون قبولها" أرسطو. من الجميل أن يتمتع الأفراد بالانفتاح الذهني (Open Mindedness)، وأن يتقبلوا الأفكار الجديدة التي لا تخالف الإسلام سواء كانوا مقتنعين بها أم لا؛ إذ يُعدُّ الانفتاح الذهني صفة إيجابية.



إنّ الشخص الذي يمتلك الانفتاح الذهني يستطيع أن يتقبل طيفاً واسعاً من الأفكار الجديدة، فيصبح تفكيره عقلانياً؛ كما أنَّ الانفتاح الذهني يساعد على إيجاد حلول للمشكلات، كونه يستقبل كل الأفكار وينظر إليها نظرة عقلانية، بعيدة كل البعد عن العاطفة، علماً أنَّ النظرة العاطفية مطلوبةٌ في كثيرٍ من الأحيان.

إنَّ الأشخاص منغلقي الذهن غالباً ما يُصرون على التمسك بآرائهم ووجهات نظرهم، ولا يتقبَّلون في العادة أيَّ أفكار أخرى مغايرة لأفكارهم.

حتى لو كنت تَعدُّ نفسك منفتح الذهن، فهنالك بلا شك بعض الموضوعات التي تتخذ إزاءها موقفاً أكثر تشدداً، مثل الأمور التي تعبِّر عن شغفك، أو القضايا الاجتماعية والثقافية التي تدعمها بقوة.

أن تمتلك معتقدات راسخة هو أمر رائع بلا شك، لكنَّ ذلك لا ينفي بالضرورة أن تكون متفتح الذهن، فامتلاك هذه المهارة يعني أنَّك قادر على النظر إلى آراء الآخرين بعين الأهمية، وأنَّك تستطيع التعاطف معهم ومع وجهات نظرهم حتى وإن كانت تختلف مع وجهة نظرك.

لذا سنتحدث في مقالنا هذا عن الانفتاح الذهني بشكل عام، وتعريف الانفتاح الذهني بشكل خاص؛ كما أنَّنا سنتناول أهم السمات التي يتمتع بها المُنفتح ذهنياً (فكرياً)، وما هي أهمية الانفتاح الفكري، وما هي الفوائد التي يجلبها لنا، وسنتطرق الى أهم العوامل المؤثرة في الانفتاح الذهني، وكيف يمكن للمرء أن يصبح منفتحاً فكرياً.

تعريف الانفتاح الذهني (الفكري Open Mindedness):

الانفتاح هو قبول الأفكار الجديدة التي لا تخالف الإسلام، ويتعلق الانفتاح بالطريقة التي يتعامل بها الأشخاص مع وجهات نظر الآخرين ومعرفتهم، وليس بالضرورة أن تكون مقتعناً بالفكرة الجديدة يكفي أن تتقبَّلها كي تكون منفتحاً فكرياً.

أهمية الانفتاح الذهني (الفكري):

يقول الروائي الأمريكي "فرنسيس سكوت فيتسجيرالد": "إنَّ اختبار الذكاء هو في الدرجة الأولى القدرة على الإبقاء على فكرتين متعارضتين في العقل في نفس الوقت"، فنحن بحاجةٍ ماسةٍ إلى إزالة الشوائب والأفكار والعادات الخاطئة التي تُغلِّف عقولنا لنصل إلى مرحلةٍ من الاطلاع والوعي الثقافي تمكننا من إنتاج أفكار جديدة تساعد على بناء الإنسان.

ومما يؤكد حاجتنا إلى "الانفتاح الفكري" ما نحن فيه من عصر التقنية، والتي قد تجعل من الانفتاح الفكري أمراً اضطرارياً أكثر منه اختيارياً؛ إذ يتيح الفكر المنفتح الفرصة لوضع فكرة جديرة بالاهتمام تحت مجهر البحث، حيث تُناقش وتُقدَّم عيوبُها ومزاياها بنظرة مجردة من العواطف؛ كما إنَّ الغرض من التعليم في الأساس هو استبدال عقل جائع بعقل منفتح، فلا شيء أخطر من فكرة أحادية في العقل، وعن هذا يقول الروائي التشيكي "ميلان كونديرا": "علينا أن نفهم أنَّ الرأي الذي نتجادل بشأنه هو محض فرضية نفضلها، فالأمر يتطلب نضجاً كبيراً؛ إذ تكون الفرضية غير دقيقة بالضرورة وربما عابرة".

إقرأ أيضاً: مفهوم الذكاء الاجتماعي وأهميته

سمات شخصية صاحب العقل المنفتح:

1. الانفتاح:

الانفتاح يعنى أن يكون الشخص متقبلاً الأفكار الجديدة، وأن يجرب كل ما هو جديد؛ كذلك يحب أن يمتلك المهارات ويتعلَّم طوال حياته؛ فهو يؤمن بأنَّ المرء يشيخ عندما يتوقف عن التعلم، ويحب الفن والابداع ويُفكِّر خارج الصندوق؛ متحرراً من القيود الاجتماعية والثقافية غير المناسبة والسائدة في مجتمعه.

2. الجد والاجتهاد:

الاجتهاد هو الانضباط والدقة في أداء الشخص مهمات العمل المكلف بها والتخطيط بشكل جيد لتحقيق الأهداف، إذ يُعدُّ المنفتح فكرياً شخصاً يميل إلى تحمُّل المسؤولية واتخاذ الخطوات الضرورية للنجاح فى الحياة؛ فهو يعمل بجد ويسعى إلى الكمال، ويحب الالتزام بالمواعيد ويُنظِّم وقته بشكل صحيح، وتكون أفعاله نابعةً من منظومة مُعتقداته وأخلاقه.

3. الاجتماعية:

المنفتح شخص اجتماعي ودود مع الآخرين، يُحب التفاعل مع الناس ويستمتع بحضور المناسبات الاجتماعية والحفلات، ومتحمس؛ فهو يسمع الأفكار ويطرحها.

4. القَبول:

مَن امتلك اللطف والتعاطف مع الآخرين، فقد امتلك القَبول؛ فالمنفتح فكرياً طيب القلب وجدير بالثقة، يُظهر الاحترام للآخرين، ويتعامل باللين ولا يتسم بالأنانية.

5. الهدوء:

تتسم شخصية العقل المنفتح بالهدوء والرزانة، فهو هادئ الطبع، لين الخلق، معسول الكلام، يمتلك استقراراً نفسياً؛ على عكس الأشخاص الذين يعانون من الغضب الشديد، إذ يميلون إلى المبالغة في ردود الفعل على كل شيء؛ والمُغلق فكرياً شخص مزاجي يشعر بالقلق والتوتر ويرى دائماً الجانب السلبي من كل شيء.

6. الفضول المعرفي:

كذلك من سمات أصحاب العقلية المنفتحة أنَّهم يمتلكون فضولاً لمعرفة ما يُفكِّر فيه الآخرون، فهم قادرون على وضع أفكارهم موضع التحدي، ولا يشعرون بالغضب عندما يكتشفون أنَّهم مخطئون؛ فهم متواضعون جداً فيما يتعلق بمعارفهم وخبراتهم، إذ يحبون سماع ما لدى الآخرين من أقوال، ويؤمنون أنَّ الآخرين يملكون الحق في مشاركة أفكارهم.

إقرأ أيضاً: 8 فوارق بين الشخصية القوية والشخصية الضعيفة

فوائد الانفتاح الذهني (الفكري):

1. اكتساب الفطنة والبصيرة:

عندما تكون منفتح الذهن، تصبح أكثر قدرة على تحدي أفكارك، وتكتشف أنَّ تقليب الأفكار الجديدة وتفحُّصها لن يكسبك معارف جديدة حول العالم فحسب، بل سيعلِّمك أشياء جديدة عن نفسك أيضاً.

2. عيش تجارب جديدة في الحياة.

3. النمو الشخصي:

حينما تحافظ على إبقاء ذهنك منفتحاً، ستتمكَّن من تعلم أشياء جديدة على الدوام عن نفسك، والعالم، والأشخاص من حولك.

4. اكتساب القوة العقلية:

البقاء منفتحاً على الأفكار والتجارب سيجعلك شخصاً أقوى وأكثر حيوية، ذلك لأنَّ كل الخبرات والمعارف التي ستكتسبُها ستستمر في التراكم.

5. التفاؤل:

فالذهن المنغلق يقود إلى السلبية، بعكس ما يُحدثه التفتح الذهني؛ إذ يُلهمك على الدوام ويُكسِبك سلوكات أكثر إيجابية وتفاؤلاً تجاه الحياة والمستقبل.

6. تعلم أشياء جديدة:

من الصعب أن تتعلم شيئاً جديداً إن استمررت في إحاطة نفسك بذات الأفكار على الدوام؛ لذا فإنَّ المضي أبعد من الحدود التي تعيقك ومحاولة الوصول إلى أشخاص جدد يحملون وجهات نظر متجددة سيسهم في إبقاء عقلك نشيطاً، وستكون الفرصة أمامك على الدوام لاكتساب معارف جديدة.

العوامل المؤثرة في الانفتاح الفكري:

1. الشخصية:

من أهم العوامل المؤثرة في الانفتاح الفكري هي الشخصية، ومن أهم السمات الشخصية التي تُشكِّل شخصية الفرد هي مقدار استعداده لخوض تجارب وأفكار جديدة، ومقدار قدرته على الانغماس في عملية اختبار الذات والتعمق فيها.

2. الخبرة:

تشير العديد من البحوث إلى أنَّ الأشخاص يعتقدون غالباً أنَّ أصحاب الخبرة يُعدُّون أكثر انغلاقاً وتحجُّراً فيما يتعلَّق بمجالات اختصاصهم، بمعنى آخر، فعندما يجد البعض أنفسهم أنَّهم ذووا خبرة أو مهارة عالية في مجال ما أكثر من غيرهم، يصبحون أقل تقبُّلاً آراء غيرهم وأفكارهم في هذا المجال بالضبط.

وبحسب بحث نُشر في "مجلة علم النفس الاجتماعي التجريبي" (Journal of Experimental Social Psychology) وجد الباحث "فيكتور أوتاتي" وعدداً آخر من الباحثين، أنَّ إعطاء المشاركين ردود فعل كاذبة (سلبية أو إيجابية) حول أدائهم في مهمة ما؛ أثَّر على مدى انغلاقهم الذهني حول التفكير في رأي سياسي بديل.

3. مدى تقبل الغموض:

إنَّ الكثير من الغموض قد يُشعِر بعضنا بالضيق وعدم الارتياح، وهنا يأتي التحجر أو انغلاق الذهن بوصفه محاولةً لإبقاء الأمور أبسط وأسهل للفهم، وذلك من خلال رفض أيِّ أفكار بديلة قد تتحدى الوضع الراهن؛ وهكذا يستطيع هؤلاء الأشخاص تقليل المخاطر، أو على الأقل يستطيعون إدراكها وفهمها، ذلك لأنَّ الناس يتمتعون بمستويات متفاوتة من الراحة عند التعامل مع المواقف الغامضة.

شاهد بالفيديو: 15 طريقة لإظهار الذكاء أمام الآخرين

كيف تصبح منفتح ذهنياً؟

لكي تُصبح منفتحاً ذهنياً نقدم إليك 6 وصايا:

1. تخلص من الغضب غير المبرر:

إنَّ الانفتاح الذهني والغضب متضادان تماماً؛ لذلك يجب عليك مقاومة رغبتك في الرد بغضب عند سماع أفكار مختلفة حول الآراء التي تؤمن بها؛ إذ لا يُمكن أن تكون آراء الجميع مطابقة لرأيك؛ لذا حاول على الدوام أن تضع نفسك مكان الطرف الآخر، وترى الأمور على طريقته، وفكِّر في الأسباب التي قد تدفعه لتبنِّي وجهة نظر معينة.

2. لا تنغلق على نفسك وكُن منفتحاً:

كل موقف أو ظرف جديد تتعرض له هو بمنزلة فرصة لك لتتعلم أكثر، ولتكسب من خلالها مهارات وخبرات إضافية؛ لذلك عليك استقبال هذه المواقف والظروف بعقلية منفتحة.

3. اخرج من منطقة الراحة:

من الأمور التي تجعل عقلك مغلقاً هي البقاء في منطقة الراحة الخاص بك، والتقوقع فيها رافضاً مغادرتها، ومن أجل الخروج من منطقة الراحة يجب عليك البدء بزيارة أماكن جديدة، وتجربة أمور جديدة كالأطعمة المختلفة أو الرياضات التي لم يسبق لك القيام بها، أو غيرها من الامور التي تُخرجك من منطقة الراحة.

4. كُن اجتماعياً:

يجب عليك أن تكون اجتماعياً وأن تخالط الناس لأنَّ ذلك مهم للغاية، فذلك يكسبك مهارة الانفتاح؛ لذا حاول بناءَ صداقات جديدة، وحاول جعلَ نفسك اجتماعياً بعض الشيء بالقدر الذي يريحك، فمن المرجح أن تنكشف أمامك الكثير من الفرص الجديدة عندما تكون اجتماعياً، وفي غالب الأحيان، حينما تبني صداقات جديدة، سيكون لدى أصدقائك مجموعة فريدة من الاهتمامات التي يجب عليك التعرف إليها والاستعانة بها في توسيع آفاقك ومداركك.

5. لا تخف من طرح الأسئلة:

الأسئلة مفاتيح العلم، فحاول أن تطرح الأسئلة حول الموضوع الذي تعتقد أنَّك بحاجة إلى المزيد من المعلومات عنه، فهي تُكسبك فهماً أعمق للأمور، وتوسع مداركك وتعزز توليد الأفكار لديك.

6. لا تطلق الأحكام المُسبقة:

لا تُطلق الاحكام المسبقة على الاشياء دون أن تُجرِّبها، ولا تصدِّق كُل ما يقال لك. ينطبق هذا الأمر على جميع مناحي الحياة؛ بدءاً من تجربة الأطعمة الجديدة، مروراً بالهوايات المختلفة ووصولاً إلى تبني آراء عميقة؛ لذا لا تطلق أحكاماً على الأشخاص أبداً قبل أن تتأكد بنفسك من صحتها.

كما رأينا، فالانفتاح الذهني هام جداً لأي شخص، وإن كنت ترغب بمعرفة مدى تمتعك به، يمكنك العودة إلى النقاط الست التي ذكرت في هذا المقال؛ وإذا رأيت أنَّك لا تحققها، فانظر في العوامل الثلاثة المؤثرة في الانفتاح الفكري، ثمّ خذ في حسبانكَ الوصايا الست التي ذكرناها في آخر المقال؛ وذلك للوصول إلى الانفتاح الذهني.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة