الامتنان مفيد جداً لموظفيك وعملك

طوال الخمسة عشر عاماً الماضية، حقَّق علم النفس تطورات هامة في فهم الفوائد العقلية والصحية للتعبير عن الامتنان وتلقِّيه، وإلى جانب كونه شيئاً لطيفاً يجب القيام به، يمكنه أن يزيد من ميلنا للشعور بمزيدٍ من الأمل والتفاؤل بشأن المستقبل.



ويساعدنا على التعامل الجيد مع الصعاب والتوتر، ويقلل من حالات الاكتئاب والإدمان، ويحسِّن جودة التمرينات الرياضية التي نمارسها والساعات التي نقضيها في النوم.

ومن أجل الاستفادة الكاملة من فوائد الامتنان في مكان العمل، يجب على المرء أولاً أن يفهم كيف يؤثر الامتنان فينا من الناحية الفيزيولوجية، فغالباً ما يُنظر إليه في مكان العمل على أنَّه خدمة أو واجب، بينما لديه القدرة على تقديم أكثر من مجرد ردود فعل إيجابية.

حلقة الأحداث الإيجابية:

إنَّ "حلقة الأحداث الإيجابية" (The virtuous cycle) هي عندما تقع مجموعة من الأحداث المرتبطة ارتباطاً إيجابياً ومتسلسلاً؛ فعندما يتلقى شخصٌ ما شكراً صادقاً، أو يُظهر امتناناً لعمل شخص آخر، فإنَّ ذلك ينشط مناطق دماغنا المرتبطة بالناقل العصبي الدوبامين.

والدوبامين - كما تعلم - هو الناقل العصبي الذي يمنح الإنسان الإحساس بالمكافأة؛ إذ إنَّه شعور جيد لدرجة أنَّه يدفعنا إلى ما يسميه الباحثون "حلقة الأحداث الإيجابية"؛ فيعزز الدوبامين التجربة التي مررت بها، ويدمن الدماغ تماماً على هذا الإحساس، ويبدأ بالبحث عن تجارب مماثلة.

يشبه هذا آلية عمل العناصر الكيميائية الموجودة في المنبهات التي تجعلنا ندمن عليها، لكنَّ الفرق هنا هو أنَّ هذه العناصر الكيميائية في رأسك؛ وهذا هو معنى الحصول على أقصى درجات السعادة في الحياة.

شاهد بالفديو: 6 نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك

فوائد الامتنان:

لقد اكتشفت "المعاهد الوطنية للصحة" (The National Institutes of Health) أيضاً من خلال فحص تدفُّق الدم في الدماغ البشري، أنَّ مشاعر الامتنان تحفز النشاط في منطقة ما تحت المهاد، وهي منطقة من الدماغ تتحكم بجميع وظائف الجسم الأساسية، ومن ذلك الأكل والشرب والنوم.

لذا بالإضافة إلى إنشاء حلقة من الأحداث الإيجابية، فإنَّ الامتنان ينشِّط أيضاً أحد أكثر المناطق أهمية في الدماغ، وهذا يوفر فوائد إضافية مثل تحسين جودة النوم، وهذا بدوره يقلل من التوتر والقلق، لكن لماذا الامتنان يفعل هذا بنا؟ ولماذا يُعَدُّ هذا الموضوع مفيداً لكل الناس على اختلافهم؟ قد تكمن الإجابة في كيفية تطوير أسلافنا الأوائل لمهارات التواصل لديهم.

وقد وضعت إحدى الآراء العلمية الجديدة الامتنان ضمن مجموعة من العواطف التي تُعرَف باسم "التأثيرات الأخلاقية" (Moral Affects)، التي نشأت في المراحل الأولى من تاريخنا البشري؛ إذ يوضِّح "كريس موني" (Chris Mooney) من مجلة "نوتيلوس" (Nautilus): "بالإضافة إلى التعاطف والإحسان والشعور بالذنب والعار، يوفر الامتنان بوصلة أخلاقية للأفعال التي ليس لدينا الوقت أو المجال العقلي للتفكير فيها بعمق، وهذه المشاعر الغريزية تدفعنا إلى السلوكات الحيوية التي تساعدنا على البقاء".

إقرأ أيضاً: 7 فوائد للامتنان تذكرك أن تشكر الله كل يوم

فوائد الامتنان على الجماعة:

نشأ الشعور بالامتنان ومساعدة الآخرين منذ بداية حياتنا بوصفنا قبائل، عندما اكتشفنا فائدة مساعدة أقربائنا ورعايتهم، الأمر الذي ساعدهم على تعزيز الجينات التي نتقاسمها معهم.

وقد يفسِّر ذلك أيضاً سبب صعوبة الحصول على الامتنان الصحيح مع غير الأقارب؛ إذ كان الإنسان العاقل الأول متردداً في إنفاق طاقة قيِّمة لمساعدة شخص غريب عندما لا يوجد ما يضمن أنَّها ستكون مفيدة للقبيلة، وبصرف النظر، يؤكد العلماء أنَّ إظهار الامتنان داخل مجموعة من الغرباء ما يزال فعالاً فاعلية ملحوظة، وهو أفضل طريقة لبناء الثقة.

ويُعَدُّ نموذج المعاملة بالمثل الأساسي، مفيداً للمجموعة بأكملها؛ وذلك من خلال بناء حلقات الأحداث الإيجابية المذكورة آنفاً، وإثارة مشاعرنا الغريزية بالبقاء؛ وذلك من خلال العمل الجماعي، ويؤكد علم النفس أكثر فأكثر فكرة أنَّ التعاون، وليس المنافسة، هو سمة بشرية بارزة.

إقرأ أيضاً: كيف يعزز التعبير عن الامتنان المشاعر الإيجابية؟

الامتنان أمر جوهري في أدمغتنا:

إنَّ الامتنان متجذِّر في أدمغتنا بوصفه آلية للحفاظ على الحياة؛ لذلك، لا عجب في أنَّ التقدير والامتنان هما المحركان الرئيسان للمشاركة في مكان العمل، ولا عجب أنَّنا نفتقر إلى التفاعل عندما لا نحصل على الامتنان من زملائنا ورؤسائنا، ولا عجب أنَّ أماكن العمل التي تحاول الاستمرار دون هذا التقدير لا تنجح إلَّا بعد مواجهة درجاتٍ غير مسبوقة من الاستنزاف؛ لذا لا تظن أبداً أنَّ الامتنان، مهما كان صغيراً، يضيع، فقد يكون الشيء الوحيد الذي يجعلنا نعمل معاً.

المصدر




مقالات مرتبطة