الاقتصاد القائم على العلاقات: 10 استراتيجيات لتحسين علاقاتك المهنية

على مدى السنوات القليلة الماضية، أصبحت حيواتنا الشخصية والمهنية تتحسن ببطء لتتحول إلى مجتمع رقمي لا ينفك ينمو؛ فقد طرأت تغيُّرات جذرية على كيفية وصولنا إلى المعلومات، والترفيه، وآليات العمل.



ومع أنَّ هذه التغييرات أضافت راحةً، وأتاحت فرصاً جديدةً؛ إلا أنَّها غيرت أيضاً طريقة تواصلنا وتفاعلنا وتصرفاتنا، ومع تزايد عدد الأشخاص الذين يدرسون ويعملون عن بُعد، لقد صعَّب العصر الرقمي بناء علاقات مع الآخرين، كما أضحى الحفاظ عليها أكثر صعوبة، وإذا كان لديك أطفال، لعلَّك لاحظت الفرق بعمق أكبر.

قد يبدو تكوين العلاقات وتعزيزها صعباً للغاية؛ ولكنَّ "الاقتصاد القائم على العلاقات" (relationship economy) يحاول تعزيز شعور الانتماء إلى المجتمع والاندماج، وذلك مع انخفاض التفاعل المباشر وجهاً لوجه، والآن أكثر من أي وقت مضى، ينمو الاقتصاد القائم على العلاقات للحفاظ على الروابط البشرية أقوى.

ما هو الاقتصاد القائم على العلاقات؟

كيف تتفوق بعض العلامات التجارية على غيرها؟ ولماذا تحقق بعض الشركات والعلامات التجارية نجاحاً أكبر من غيرها؟ إذا نظرنا نظرةً ثاقبةً إلى الوضع، نرى أنَّ النجاح المهني في جميع المجالات تقريباً ينطوي على العلاقات، وعلى الروابط التي كوَّنتها مع عملائك، وجمهورك.

تبني العلامات التجارية المميزة الثقة، وتكسب ولاء العملاء؛ إذ تحافظ الشركات التي تضفي طابعاً شخصياً على تفاعلاتها وتجاربها على رضا عملائها، وتكسب زبائن جدداً باستمرار؛ إذ تعتمد كل هذه الإجراءات على جهود الشركات في بناء العلاقات.

يتمحور مفهوم الاقتصاد القائم على العلاقات حول الروابط والثقة والتفاعل البشري؛ فالمساهمات الفردية تُعدُّ هامةً للغاية لبناء مجتمع متماسك؛ وذلك من خلال إظهار قيمة الأفراد، والذي يساعدهم على الشعور بالاهتمام والتواصل، ويمنحهم هدفاً، ويجعلهم يشعرون بأنَّهم جزء من هذا المجتمع.

وفي حين أنَّ العديد من جوانب حيواتنا الشخصية والمهنية مكتنفة بالغموض الآن بسبب انتشار جائحة كورونا، ثمة يقين واحد لا يشوبه شك، وهو أنَّ الاقتصاد القائم على العلاقات في ازدهار مستمر.

في ظل الظروف الراهنة، يكافح الناس في كل مكان لفهم الأحداث العالمية، والتعامل معها؛ فالقلق يعترينا جميعاً، ويشعر الكثيرون بالعزلة؛ لذا علينا أن نتواصل، ونساعد بعضنا بعضاً من خلال العثور على سبل لتحسين جميع علاقاتنا.

ولتحقيق ذلك، نقدِّم إليك 10 استراتيجيات يمكنك استخدامها لتعزيز علاقاتك مع عائلتك، وأصحاب المصلحة؛ بما في ذلك العملاء المحتملون، والزبائن، والموظفون:

1. التواصل مع الأشخاص الموجودين على قائمة اتصالاتك أو قاعدة بياناتك:

مع الوتيرة المتسارعة لحياتنا اليومية؛ من السهل أن ننسى آخر مرة تحققنا فيها من شبكة علاقاتنا؛ فربما مر وقت طويل منذ أن اطمأننتَ على أحوال فريقك الذي يعمل عن بُعد خارج إطار المشاريع والمواعيد النهائية التي باتت محور أحاديثنا الحالية، ولعلَّك لم تتفقد قاعدة عملائك منذ آخر موجة من الترقية.

لا يجب عليك أن تتواصل مع الجميع دفعةً واحدة؛ بل خطِّط باهتمام للتواصل مع كل مجموعة، ثم مع الأفراد ضمن كل منها، كما عليك أن تحرص على فرز الرسائل، كي تتمكن من الإجابة على أي رسالة تتلقاها في الوقت المناسب.

إقرأ أيضاً: هل تعمل من المنزل؟ إليك 4 طرائق لبناء الألفة مع فريق العمل

2. تطابُق أقوالك مع أفعالك لتكون أول من يخطر ببال الآخرين:

يقول الشاعر جلال الدين الرومي: "كن ما تبدو، أو ابدُ كما تكون"؛ فمع ازدياد الرسائل المتناقضة التي تَرِد إلى قائمة اتصالاتك من كل مكان، قد يكون من المربك تمييز الحقيقي والصادق منها؛ لذا، اسأل نفسك فيما إذا كنت شخصاً صادقاً، وأَثبِت لأصحاب المصلحة أنَّك أهلٌ للثقة من خلال توافق أقوالك وأفعالك دائماً في حياتك الشخصية والمهنية.

يشعر الناس في ظل الظروف الراهنة بالضعف والتوتر، إذ تحتاج العلاقات في مثل هذه الأوقات العصيبة إلى أكبر قدر من الاهتمام؛ فإذا كنت تعرف أي عملاء أو شركاء أو أناس عزيزين على قلبك يواجهون أوقاتاً عصيبة؛ فكِّر في منحهم هديةً صغيرةً تفرح قلوبهم في خضم الظروف التي يعانون منها.

3. جعلُ رسائلك بسيطةً وشخصية:

تذكَّر أنَّك لست مضطراً إلى طرح جميع الأسئلة على الفور، ولست بحاجة إلى وضع جميع المعلومات التي ترغب بمشاركتها في الرسالة الأولى؛ بل تواصل مع الناس بطريقة بسيطة لا تتعدى بضع كلمات تجعلهم يدركون أنَّك تفكر فيهم.

ومع أنَّ معظم الناس يبحثون عن المزيد من المحتوى والرسائل ليشعروا بأنَّهم يتواصلون مع غيرهم، ولكن لعلَّ معارفك غارقون بها أيضاً؛ وهذا ليس ما نعنيه هنا.

بدلاً من أن تُربك أصدقاءك ومعارفك، وتنهال عليهم بالمعلومات، اجعل رسائلك بسيطةً، وتحمل فكرةً واحدةً فحواها أنَّك تهتم بأمرهم، والأفضل من ذلك، يمكنك التعبير عن أمر يُظهر لهم أنَّك كنت تفكر فيهم شخصياً عندما كتبت لهم.

على سبيل المثال، إذا كنت ترسل رسالةً إلى موظف، فاطمئن على حال أسرته، وإذا كنت تتواصل مع عميل هام، فاستفسر عن الظروف في مدينته، واكتشف كيف يتعامل مجتمعه مع الاضطرابات المتزايدة.

4. الإجابة على الرسائل:

لقد أدى انتقال معظم تواصلنا مع الآخرين إلى العالم الرقمي إلى خلق سلوك غريب يتزايد باستمرار؛ وهو أنَّه لا يُردُّ على العديد من الرسائل التي ترسلها، أو الإقرار بتسلُّمها؛ فالصمت المطبق الذي تلقَاه من الشخص الذي تحاول التواصل معه قد يجعلك تتساءل عما إذا قد تلقَّى الرسالة أم لا.

هل سبق وتساءلت عما إذا كان المستلِم يعتقد أنَّ رسالتك لم تكن هامة بالنسبة إليه بما يكفي للإقرار بها؟ ففي ظل عصر يركِّز فيه الأشخاص على التواصل، فإنَّ عدم تلقي أي رد على الإطلاق قد يثير جواً من الريبة؛ وخصوصاً في ظل توفر برامج تجعلنا نعرف فيما إذا قرئت الرسائل، أم لا.

يمكنك تعزيز علاقاتك مع الآخرين من خلال إعلامهم بأنَّك تلقَّيت رسائلهم، وإذا لم يكن لديك الوقت لكتابة رد مطول، فاحفظ الرسائل، ثم عاود التواصل معهم فيما بعد؛ إذ يمكنك إما الإجابة على أسئلتهم، أو إرسال رد إيجابي لتعبِّر عن تقديرك لتواصلهم معك، وأما إذا كنت شديد الانشغال، يمكنك أن تكتفي بإرسال وجوه تعبيرية، ليعلَم المرسِل بذلك أنَّك "تلقَّيت رسالته، وتقدِّرها"، تخلق الاستجابة إحساساً بالتواصل، كما تُعدُّ طريقةً فعالةً لمواصلة الحوار مع مرور الوقت.

إقرأ أيضاً: فهم ديناميكيات الرسائل النصية في العلاقات

5. تقديم المعلومات القيمة عبر جميع قنوات التواصل:

أعادت العديد من الشركات تشغيل الشبكات الداخلية، وأضافت بوابات ليوفِّروا للموظفين الذين يعملون عن بعد مساحةً لتلقِّي المعلومات والتدريب للتأقلم مع بيئة العمل الجديدة، إذ تستخدم الشركات الأخرى أدوات مثل: منصة "سلاك" (Slack) لإنشاء قنوات لإجراء المحادثات والتعاون، كما تساعد المزيد من مؤتمرات الفيديو أيضاً في تلبية الحاجة إلى المحادثات المباشرة للحفاظ على العلاقات، وتعزيزها.

تُعدُّ وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية ضروريةً لإضافة معلومات قيمة باستمرار، والتي تساعد الزبائن والعملاء المحتملين خلال جائحة فيروس كورونا، ويمكن أن تتضمن قنوات التواصل الاجتماعي محتوىً يشرح كيف يمكنك مساعدتهم، أو تقدِّم نصائح سريعة حول كيفية التعامل مع الطريقة الجديدة للعيش والعمل.

أظهِر اهتمامك بالناس الذين يعنون لك؛ من خلال فعل ما بوسعك لجعل حياتهم أسهل رغم الظروف التي يعيشونها.

6. التعرُّف إلى أصحاب المصلحة بشكل أفضل:

تتحسن العلاقات كلما تعرَّفت على الآخرين أكثر؛ إذ تقضي الشركات، ومعظم الناس جل وقتهم في الحديث عن أنفسهم، مما يجعل العلاقة وكأنَّها من طرف واحد؛ فلن يرى العملاء والموظفون الهدف من علاقةٍ لا تُؤخذ فيها آراؤهم، ووجهات نظرهم بعين الأهمية.

فهل قضيت وقتاً في طرح الأسئلة على أصحاب المصلحة؟ وما الذي عرفته عنهم؟ وما هي وجهات النظر، أو الاستنتاجات الفريدة التي يمكنك الاستفادة منها في حياتك الخاصة؟

استخدم قنوات الاتصال المتوفرة لتنشر الأسئلة، وتُنشِئ مجموعة نقاش، أو استطلاعٍ يتضمن حوافز تشجِّع على الرد، وبمجرد أن تتلقى الردود، اطرح على أصحاب المصلحة أسئلةً إضافيةً تُظهر اهتمامك، ورغبتك في التعرف إليهم على مستوى أعمق.

حينما يُدرك الناس أنَّك تهتم لأمرهم على الصعيد الشخصي والمهني، ستحسِّن علاقة جيدة بينك وبينهم؛ إذ يجب أن يعرفوا أنَّك ترغب بإنشاء تواصل أعمق معهم، فقد يستجيب البعض ويرفض بعضهم الآخر؛ إذ لا يتمحور الأمر حول مجرد الحصول على المعلومات فحسب؛ بل الهدف هو أن تتيحوا أنفسكم لتنمية وخدمة ودعم بعضكم بعضاً، وخصوصاً في ظل هذه الأوقات المُريبة.

7. التصرُّف بناءً على الرؤى التي تكتسبها:

تزدهر العلاقات بالتواصل؛ إذ سيلاحظ معارفك بلا شك أنَّ كلامهم قد أثَّر فيك، وخلال رحلتك لتحقيق التنمية الشخصية، يمكنك أن تشير إلى النقطة التي أدت إلى إجراء تغيير في سلوكك، وكيف تعاملت مع المعلومات التي شاركوها معك.

يمكن أن تطبِّق الشركات هذه الآلية لتعزيز العلاقات مع موظفيها وعملائها بصورة دائمة، وبمجرد أن تكتسب الرؤى من الاستطلاعات ومجموعات المناقشة عبر الإنترنت، ابحث عن طريقة لإجراء تغييرات، واتخاذ إجراءات بشأن ما هو مطلوب منك؛ فحينما يرى أصحاب المصلحة أنَّ أفعالك تتوافق مع أقوالك، سيكون لديهم سبب أهم ليقتنعوا بعلامتك التجارية، أو باستراتيجيتك.

8. إظهار التعاطف:

لا يتعين على الشركة اتخاذ إجراءات محددة طوال الوقت لإثبات التزامها بعلاقاتها مع أصحاب المصلحة؛ بدلاً من ذلك، غالباً ما يكون إظهار التعاطف خلال الأوقات العصيبة كافياً لتقوية هذه الروابط؛ لذا احرِص على التعبير عن تفهُّمك لما يشعرون به خلال الأوضاع الحالية، فهل أضفيتَ طابعاً إنسانياً على علامتك التجارية؟ وهل أظهرت اهتمامك الحقيقي بالناس وصحاتهم؟

9. التحلي بالمرونة:

تُعدُّ الخيارات أكثر أهميةً الآن من أي وقت مضى بالنسبة لأصحاب المصلحة الذين على الأرجح يشعرون بفقدان السيطرة على مدى تغير حياتهم؛ لذا تمثِّل الظروف الراهنة فرصةً لتقديم حلول متنوعة للآخرين؛ فحينما تستطيع تقديم رؤى حول الخيارات الفعالة التي تساعدهم، فأنت تحاول تنميتهم، وتطوير العلاقة معهم؛ إذ تعمل القدرة على الاختيار بوصفها قوةً تمنح الاستقرار لجميع الناس. لقد اعتاد الجميع على توفر العديد من الخيارات أمامهم، والتي تضاءل عددها في الوقت الحالي.

حدِّد كيف يمكنك أن تتحلى بالمرونة في عملك، بما في ذلك تقديم المزيد من شروط الدفع، وإجراءات المدفوعات، وتوفير إمكانية توصيل الطلبات إلى المنزل، وكيف يمكنك مساعدة موظفيك من خلال اقتراح أساليب جديدة للعمل، أو المزيد من المزايا، أو الامتيازات الأخرى لإظهار تقديرك جهودهم.

إقرأ أيضاً: دروسٌ من فيروس كورونا: نحن أكثر مرونةً ممَّا نشعر به

10. إظهار التفاؤل والتشجيع:

مع أنَّك قد لا ترغب بإعطاء أمل زائف للآخرين، إلا أنَّ العلاقات تتعزز من خلال المشاعر الإيجابية، بما في ذلك التفاؤل والتشجيع؛ فالجميع بحاجة إلى مقدار معين من الدعم، وخصوصاً في ظل العزلة والقلق اللذين تسببهما جائحة كورونا؛ لذا دع أصحاب المصلحة يعرفون أنَّك تساندهم، وشاركهم أخباراً إيجابيةً عند حدوثها، وذكِّر الآخرين بمروناتهم، وقواتهم الداخلية، وحتى بعد انتهاء جائحة كورونا، سنواصل على الأرجح العمل والعيش ضمن عالم رقمي يبعدنا عن بعضنا جسدياً وعاطفياً، قد لا تكون الحاجة إلى التشجيع قويةً حينما تتحسن الأمور في جميع أنحاء العالم، ولكنَّ التحلي بالإيجابية بصورة مستمرة سيؤدي إلى تحسين علاقاتك بالتأكيد.

الخلاصة:

سيؤدي تطبيق هذه الإجراءات العشرة إلى زيادة رصيدك من الوقت والطاقة المتاحة لديك؛ إذ نعيش في ظل أوضاع استثنائية للغاية من تاريخ العالم، وهي فرصة لاستثمار علاقاتنا مع أولئك الذين يحيطون بنا، ومن المؤكد أنَّ عائد هذا الاستثمار سيكون مميزاً للغاية؛ لذا دعونا نستثمر في بناء علاقات حيوية معاً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة