الاستثمار: تعريفه، وأهميته، وأهم طرائق الاستثمار الأكثر انتشاراً

نحن نعيش في واقع متغير بسرعة، وضغوطات الحياة آخذة بالتزايد والصعوبة، وفي خضمِّ هذه المتغيرات نحن بحاجة إلى طريقة تفكير مختلفة لمواكبة التطور الحاصل والإيقاع السريع الموجود، فقد خسرَت العقلية المناصرة للوظيفة ذات الدخل الثابت أسهمها في أيامنا هذه، حيث باتت متطلباتنا المعيشية كبيرة جداً، وفكرة الدخل الثابت غير قادرة على الإيفاء بها بتاتاً، ومن هنا نشأَت الحاجة إلى ضرورة الاستثمار.



"الاستثمار يحتاج إلى مبلغ كبير من رأس المال لكي تستطيع البدء فيه"؛ فكرة لطالما آمَن بها أغلبية الناس، الأمر الذي جعلهم بعيدين كل البعد عن الثراء، ومن جهة أخرى، حصر عديدٌ من الأشخاص فكرة الاستثمار بالمال فقط، في حين أنَّ الاستثمار أعمق بكثير من هذا، حيث يُعدُّ استثمارك لوقتك بالشكل الصحيح من أعظم الاستثمارات على وجه الأرض، كما يُعدُّ استثمارك لقيمك الداخلية وشغفك من أثمن الاستثمارات في العالم، وإن كنتَ تطمح إلى الوصول إلى الحرية المالية، وشراء كل ما ترغب به، سواء منزل كبير وفخم ذو إطلالة بحرية، أو سيارة حديثة ومريحة، أو الذهاب للسياحة حول العالم؛ فعليك أن تنفتح إلى الآفاق المختلفة لإمكانات توليد المال، وتتحرر من المعتقدات القديمة البالية مثل: "قدَر الفقير أن يبقى فقيراً"، "المال أصل كل الشرور"، "كل غني؛ سارق".

ما هو الاستثمار، وما هي أهميته؟ وما هي طرائق الاستثمار الأكثر فائدة؟ هذا ما سنناقشه من خلال هذا المقال.

ما هو الاستثمار؟

هو وضع أموالك في شيء ما ولمدة زمنية معيَّنة بغية الحصول على أرباح منها؛ أي أنَّك تستخدم رأس مالك في شراء أصل ما يحقق لك عوائد مالية كبيرة، وهنا لا بُدَّ من التفريق ما بين الأصول والخصوم، حيث يخلط أغلب الناس بين هذين المفهومين، فالأصل هو كل شيء يولِّد لك المال، كالعقار، أو الأرض، أو الأسهم، أو السندات، في حين الخصم هو كل شيء يقلل من دخلك، كالضرائب، وأقساط القروض، والمشتريات، وإيجار المنزل، والطعام، والترفيه. الاستثمار الفعال هو قدرتك على بناء الأصول التي من خلالها تسد نفقاتك.

يقضي الفقير حياته في خانة الخصوم، حيث يعيش للإنفاق فقط، ولا ينتبه إلى ضرورة بناء الأصول، معتقداً أنَّ الأصل يحتاج إلى كثيرٍ من المال، في حين قد يكون الأصل عبارة عن أفكار وإبداعات، ومن ثمَّ تخطو الخطوة الأولى في بناء مشروعك الخاص، في حين يقضي الثري حياته في ابتياع الأصول التي تُولِّد ما يكفي ويزيد لتغطية النفقات، مع وجود رصيد يُعاد استثماره في عمود الأصول.

أهمية الاستثمار:

نحن اليوم بأمسِّ الحاجة إلى الاستثمار للوصول إلى مستوى الحياة اللَّائق بنا، فمِن حق كل شخص فينا أن يحيا بالشكل الأمثل، ويتطلب البحث في سبل الاستثمار كثيراً من الصبر والجهد والتمحيص، حيث يُعدُّ السعي العقلي هو السعي الحقيقي في أيامنا الحالية، وذلك على عكس الفكرة الموروثة التي تقول: "يحتاج المال إلى تحريك العضلات والجسد إلى درجة الإنهاك"، حيث عُدَّ العمل الشاق معياراً أساساً لبلوغ الثروة.

نعيش اليوم تحدٍّ كبير في التحرر من كل الأفكار الموروثة فيما يخص عالم المال والانطلاق إلى عالم الثراء والأعمال، ومن ضمن تلك الأفكار السامة: "فكرة الشهادة العلمية"، حيث عَدَّ معظم الناس أنَّ الشهادة العلمية هي السبيل الوحيد للوصول إلى الثروة، في حين أنَّها واحدة من الطرائق وقد تكون أقلها فاعلية، فقد تصل إلى الثروة من خلال مهاراتك وشغفك، فاليوم هو عصر القيم بلا منازع، فيكون دخلك السنوي هو مقدار ما تقدِّمه من قيمة (الإبداع - التأثير - الابتكار - الدقة - البساطة - اليسر).

إقرأ أيضاً: 8 أمور هامّة لنجاح استثمارك الخاص

ما هي الطريقة المثلى للاستثمار في حال امتلاكك رأس مال صغير؟

علينا بداية استعراض المعايير الأساسية للاستثمار التي سنقارن من خلالها بين طرائق الاستثمار:

1. نسبة الربح والمخاطرة:

تمنحنا بعض الاستثمارات مبالغ مالية كبيرة، إلا أنَّ نسبة المخاطرة فيها عالية، في حين تمنحنا استثمارات أخرى مبالغ مالية أقل مع مخاطرة أقل، وتلعب ثقافتك المالية وخبرتك في مجال الأعمال بالإضافة إلى رأس المال الذي تمتلكه؛ دوراً كبيراً في اختيارك للاستثمار المناسب لك.

2. نسبة التنويع:

وهي إمكانية توزيع الاستثمارات على أكثر من أداة استثمارية، وذلك لتحسين نسبة المخاطرة للربح الذي يحصل عليه الشخص، على سبيل المثال: في حال شرائك لِعقارات عديدة في منطقة واحدة؛ فإنَّ مخاطرة خسارتهم كبيرة في حال حدوث اضطراب اقتصادي في المنطقة، أمَّا في حال اختيارك الاستثمار في أسواق مختلفة (كسوق العقارات وسوق الأسهم) فهذا يقلل من نسبة المخاطرة.

3. السيولة:

وهي مقدار السهولة في تحويل الأصل الذي اشتريتَه إلى مال، على سبيل المثال: مقدار سرعتك في بيع عقار قمتَ بشرائه مع إمكانية الربح منه.

4. الاستحقاق:

وهو الوقت الفاصل بين دخولك الاستثمار وبين كسبك الأرباح منه.

5. الإدارة:

وهي مقدار سهولة شراء الأصل وتشغيله.

6. الحد الأدنى للاستثمار:

وهو أقل مبلغ مالي تستطيع البدء فيه بالاستثمار.

إقرأ أيضاً: 7 أخطاء يرتكبها أغلب المستثمرين

أمَّا فيما يخص طرائق الاستثمار الأكثر انتشاراً:

1. البنوك:

وتُعدُّ البنوك من أكثر الطرائق أماناً في الاستثمار، حيث تضع أموالك فيها وتنتظر الفائدة التي تأتيك على أموالك، حيث يقوم البنك بتشغيل تلك الأموال، مانحاً إياك فائدة معيَّنة؛ لأنَّك قمتَ باستثمار أموالك فيه، ومن جهة أخرى، لا تتطلب البنوك مبلغاً كبيراً للبدء في الاستثمار فيها، والسيولة فيها عالية؛ إذ لن تدخل بعمليات بيع وشراء وبإمكانك سحب المبلغ وفقاً لتاريخ الاستحقاق المتفق عليه، وإدارتها قليلة إذ لم تقم إلَّا بوضع الأموال في البنك وانتظار الربح.

تمنح هذه الطريقة عائداً قليلاً من الأرباح، حيث يعطي البنك سعر الفائدة بناء على العملة التي تتعامل بها والمدة التي تريد الاستثمار على أساسها، فكما زادت المدة؛ ازداد سعر الفائدة، ويتعلق سعر الفائدة على العملة بكثيرٍ من العوامل الأخرى مثل: القيمة الشرائية للعملة ومعدلات التضخم، فقد لا تمثِّل لك العوائد الآتية من الفوائد أي فارق جوهري في خضمِّ معدلات التضخم الموجودة.

لا يُعدُّ البنك طريقة ناجحة للاستثمار؛ لأنَّ مقدار العوائد الآتية منه منخفض جداً، وقد تستفيد من الفائدة المركبة التي يعتمدها البنك، ولكن ذلك على الأمد الطويل، على سبيل المثال: في حال وضعتَ مبلغ 100 ألف ليرة سورية في البنك بنسبة فائدة 10 بالمئة؛ فتحصل في السنة الأولى على مبلغ 10 آلاف ليرة سورية، ليصبح المبلغ  110000 ليرة سورية، ويُحسب الربح في السنة الثانية بناء على مبلغ  110000 (المبلغ المضاف له الفائدة)، وبعد ضربه بنسبة الفائدة 10 بالمئة يكون الناتج 11000 وبالتالي يصبح المبلغ الموجود في حسابك 111000 ليرة سورية، وهكذا دواليك، فتحصل بعد عدد كبير من السنوات على مبلغ جيد جداً.

2. السندات:

تشبه الاستثمار في البنوك إلى حد كبير، ونسبة الربح والمخاطرة مساوية تقريباً لنظيرتها في البنوك، ولكنَّها تعطي نسبة أكبر في التنويع، حيث يمكِنك أن تشتري سندات لشركات مختلفة، بنسب مخاطرة مختلفة، وبأرباح مختلفة، وسيولتها عالية؛ إذ يمكِنك تداولها - بيعها وشرائها - من تاريخ إصدارها حتى قبل تاريخ استحقاقها، ولا تتطلب إدارة عالية كما البنوك، فما عليك إلا مراقبة حركة السعر في حال رغبتك ببيعها.

3. المعادن الثمينة:

عليك أن تمتلك خبرة كبيرة في سوق الذهب في حال رغبتك في الاستثمار فيه، وإلَّا فستكون نسبة ربحك قليلة جداً، وتحديداً في ظل انحدار أسواق الذهب والفضة بعد عام 2013 وعدم تحقيقها للأرباح العالية في السنوات السابقة، ولا يحتوي هذا النوع من الاستثمارات على نسبة تنويع وسيولتها عالية؛ إذ بإمكانك بيع الذهب في أي وقت، وتستطيع أن تستحق الربح بعد مدة قليلة في حال دراستك لحركة الذهب بصورة كبيرة، ولا تحتاج إلى إدارة عالية.

4. العقارات:

العقار هو أي شيء ثابت كالأرض، الشقة السكنية، أو المحل التجاري، أو المخزن، وقد تكون نسبة الربح والمخاطرة فيها عالية جداً أو منخفضة جداً، وتحتاج إلى كثيرٍ من الدراسة والمجهود لكي يستطيع الشخص تحقيق أرباح منها، وفيها نسبة تنويع عالية من ناحية المكان ونوع العقار، أما سيولتها فمنخفضة جداً؛ فليس من السهل شراء عقار ومن ثم بيعه بمكسب سريع، وإدارتها عالية ففي حال شرائك للعقار، عليك أن تهتم بأمور الصيانة والتأجير والتأمين، وتحتاج إلى سنوات عديدة لكي يستطيع الإنسان الربح منها. كما يتطلب هذا النوع من الاستثمارات رأس مال كبير للبدء فيه.

إقرأ أيضاً: سبب وجيه واحد لشراء منزل (وبعض الأسباب لعدم القيام بذلك)

5. الأسهم:

  • تملك جزءاً من ملكية الشركة في حال شرائك سهماً فيها، وتستحق بالتالي جزءاً من أرباح الشركة، ففي حال شرائك لسهم واحد في شركة "آبل" التي تتألف من 100 سهم على سبيل المثال؛ فأنت الآن مساهم بنسبة 1% من ملكية الشركة، ويلجأ كثيرون إلى إصدار أسهم جديدة لشركاتهم كنوع من تأمين الأموال اللازمة لتوسيع أعمالهم؛ على سبيل المثال: في حال رغب شخص ما بتوسيع شركته الصغيرة البالغة 20 مليون ليرة سورية ولم يملك المال الكافي للتوسيع البالغ 100 مليون ليرة سورية، فإنَّه يعرض شركته للاستثمار بطريقة الأسهم، فيتقدم المساهمون إليه ولنفترض أنَّ عددهم 5 بقيمة 20 مليون ليرة سورية للشخص الواحد، إذاً أصبحت الشركة مملوكة من قبل 6 مساهمين، حيث يملك كل مساهم حصة من الشركة، وجرى التوسع وبعد 5 سنوات وصلَت قيمة الشركة إلى مليار ليرة سورية، وتكون بذلك قيمة السهم قد تحولت من 20 مليون إلى 167 مليون ليرة سورية.
  • تُعدُّ الأسهم من أفضل طرائق الاستثمار على الإطلاق، فهي لا تتطلب رأس مال كبير في البداية، وفيها نسبة تنويع عالية؛ إذ بإمكانك شراء أسهم لشركات في مجالات مختلفة كلياً عن بعضها، وسيولتها عالية؛ إذ بإمكانك بيع الأسهم خلال وقت قصير جداً، وتستطيع الكسب منها بعد أشهر قليلة في حال قمتَ بدراستها دراسةً جيدة.
  • توزِّع الشركة أرباحها على المساهمين فيها وفقاً للحصة السهمية التي يملكها كل شخص منهم، وتعيد الشركة استخدام الأرباح بهدف توسيع حجمها، وذلك في حالة الشركة الصغيرة.
  • ينصح بالاستثمار في الشركات الكبيرة العملاقة مثل: آبل، غوغل، وذلك لما تتميز به من استقرار، ومخاطرة أقل، في حين لا ينصح بالاستثمار في الشركات الصغيرة، لما لها من مخاطر عالية، وما تحتاجه من جهد ووقت وطاقة لتقليل المخاطرة على الأمد البعيد.
  • ينصح بالاستثمار في البلدان المتقدمة لكون المخاطرة أقل، ولا ينصح بالاستثمار في البلدان النامية - وإن كان العائد أكبر بكثير لديها - لما لها من مخاطر عالية (فساد- حروب- جهل)، وفي حال كنتَ تملك كثيراً من الأموال وترغب في التنويع في الأسواق المختلفة؛ فتستطيع عندها الاستثمار في البلدان النامية، أما في حال امتلاكك لأموال قليلة وخبرة بسيطة؛ فعندها استثمر في البلدان المتقدمة.
إقرأ أيضاً: 10 قواعد عليك اتّباعها إذا كنت ترغب في استثمار أموالك في الأسهم

الخلاصة:

تستطيع إذاً الدخول في أبواب الاستثمار وفقاً لما يناسبك، ولكن لا تنسَ أنَّ الاستثمار الحقيقي هو استثمارك في نفسك. اقرأ الكتب الهامة في مجالك، واستشِر الأكثر خبرة منك، واسعَ بجد وحب، واصبر واستمتع بالطريق، واعلم أنَّ المال يعمل لصالحك وليس العكس.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8




مقالات مرتبطة