الإيجابية المفرطة لها أخطار ينبغي الحذر منها

جميلة هي الحياة بحلوها ومرها، بتعبها وراحتها، بعسرها ويسرها، هكذا هي الحياة ليست كلها فرحاً وبالطبع ليست كلها حزناً؛ بل هي مزيج بين السعادة والحزن، لذلك علينا أن نعي ذلك وندرك أنَّه كما يجب أن نعطي الفرح حقه علينا أيضاً أن نعطي الحزن حقه، فالهروب من المشكلات وإشغال النفس عنها لا يعني زوالها؛ بل بخلاف ذلك يعني تفاقمها، وكلما هربنا منها أكثر كان حلها أصعب، لذلك سنستعرض في هذا المقال مفهوم الإيجابية المفرطة وما هي علاماتها ومخاطرها؟ وما هي أهم الأسباب الكامنة وراءها؟ وإذا كنت مهتماً بذلك فتابع معنا.



ما هو مفهوم الإيجابية المفرطة؟

الإيجابية المفرطة هي الاعتقاد بأنَّه بصرف النظر عن مدى خطورة الموضوع أو صعوبة الموقف، فإنَّه يجب على الناس الحفاظ على عقلية إيجابية؛ إنَّه نهج "المشاعر الجيدة فقط" في الحياة، وبينما توجد فوائد لكونك متفائلاً ومنخرطاً في التفكير الإيجابي فإنَّ الإيجابية المفرطة ترفض الإحساس بالمشاعر السيئة التي تكون صادقة لصالح إحساس إيجابي كاذب، وغالباً ما تكون الإيجابية حينها خاطئة ولها آثار سلبية في الإنسان.

نحن نعلم جميعاً أنَّ امتلاك نظرة إيجابية للحياة أمر جيد لصحتك العقلية، فالمشكلة هي أنَّ الحياة ليست دائماً جيدة وتحتاج إلى الإيجابية، ونحن نتعامل جميعاً مع المشاعر والتجارب المؤلمة على الرغم من أنَّها غالباً ما تكون غير سارة لكن يجب الشعور بها والتعامل معها بصراحة وصدق وقبولها بكل موضوعية، كما تأخذ الإيجابية المفرطة التفكير الإيجابي إلى حدٍّ غير مقبول؛ إذ يصبح الإنسان غير عقلاني ولا يناقش الأمور كما يجب؛ بل يختبئ وراء المشاعر الكاذبة.

ما هي أشكال الإيجابية المفرطة؟

يمكن أن تتخذ الإيجابية السامة مجموعة متنوعة من الأشكال، ومن الأمثلة التي قد تكون واجهتها في حياتك الخاصة:

  1. عندما يحدث شيء سيئ مثل فقدان وظيفتك، يخبرك الناس جملتهم المعهودة "فقط ابقَ إيجابياً" أو "انظر إلى الجانب المشرق من الموضوع"، على الرغم من أنَّ مثل هذه التعليقات غالباً ما تكون من باب التعاطف إلا أنَّها يمكن أن تكون أيضاً وسيلة لإغلاق أي شيء قد ترغب في قوله عما تواجهه.
  2. بعد التعرض لنوع من الخسارة، يقول لك الناس إنَّ "كل شيء يحدث لسبب ما" وغالباً ما يتوهمون أنَّه سبب إلهي، في حين أنَّ الناس غالباً ما يعتقدون أنَّهم بمثل هذه التصريحات يعطون الأمل لك حتى ولو كان زائفاً، فهي أيضاً وسيلة لتجنب ألم شخص آخر.
  3. عندما تعبِّر عن خيبة أمل أو حزن يخبرك أحدهم أنَّ "السعادة اختيار"، وهذا يشير إلى أنَّك إذا كنت تشعر بمشاعر سلبية فهذا خطؤك لأنَّك لا "تختار" أن تكون سعيداً، وهذا بدوره سيحمِّلك ذنباً إضافياً ويجعلك مذنباً بدلاً من أن تكون ضحية، وهذا من أبرز أشكال الإيجابية المفرطة التي يحاول الناس بها مواساتنا.

غالباً ما تكون مثل هذه العبارات حسنة النية، فالناس لا يعرفون ماذا سيقولون عندما يكون الوضع حرجاً، ولا يعرفون كيف يكونون متعاطفين بشكل جيد، ومع ذلك من الهام إدراك أنَّ هذه المحاولات من التعاطف على الرغم من أنَّها صادقة فيمكن أن تكون ضارة، وفي أسوأ حالاتها تنتهي هذه التعليقات بالهم وإلقاء اللوم على الأشخاص الذين غالباً ما يتعاملون مع مواقف صعبة للغاية.

شاهد بالفيديو: 8 طرق للحفاظ على الإيجابية وتحقيق أهداف الحياة

لماذا الإيجابية المفرطة ضارة؟

يمكن للإيجابية السامة أن تؤذي الأشخاص الذين يمرون بأوقات عصيبة بدلاً من القدرة على مشاركة المشاعر الإنسانية الحقيقية والحصول على دعم غير مشروط، وقد يجد الناس الذين يتلقون الدعم من أولئك الذين يمتلكون إيجابية مفرطة أنَّ مشاعرهم مرفوضة أو متجاهَلة أو مبالَغ فيها، لذلك سنذكر أهم الأسباب التي تجعل من الإيجابية المفرطة ضارة:

1. الإيجابية المفرطة تشعر الإنسان بالخزي:

عندما يعاني شخص ما يجب أن يعرف أنَّ عواطفه صحيحة، ويمكنه إيجاد ذلك عندما يخبر أصدقاءه وعائلته بما جرى معه، كما تخبر الإيجابية المفرطة الناس أنَّ المشاعر التي يشعرون بها غير مقبولة وليست في مكانها.

2. الإيجابية المفرطة تسبب الشعور بالذنب:

إنَّه يرسل رسالة مفادها أنَّك إذا لم تجد طريقة للشعور بالإيجابية حتى في مواجهة المأساة فأنت مخطئ وغير قادر على تجاوز الأمور الصعبة.

3. الإيجابية المفرطة تمنع الإنسان من التطور واكتساب الخبرة:

إنَّها تسمح لنا بتجنب الشعور بالأشياء التي قد تكون مؤلمة، ولكنَّها تحرمنا أيضاً من القدرة على مواجهة المشاعر الصعبة التي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى الحكمة والبصيرة العميقتين؛ إذ يمكن أن يكون شعار "المشاعر الإيجابية فقط" مزعجاً خاصةً في أوقات الضيق الشخصي الشديد، وعندما يتعامل الناس مع مواقف مثل المشكلات المالية أو فقدان الوظيفة أو المرض أو فقدان أحد الأحباء، فإنَّ إخبار الشخص الذي يعاني من المشكلات السابقة بأنَّه بحاجة إلى النظر إلى الجانب المشرق من الأمر قد يبدو قاسياً بشكل كبير.

من الممكن أن نكون متفائلين في مواجهة التجارب الصعبة والتحديات، لكن لا يحتاج الأشخاص الذين يمرون بصدمة نفسية إلى إخبارهم بالبقاء إيجابيين متجاهلين بذلك سوء الظروف التي وصلوا إليها.

ما هي العلامات التي تدل على الإيجابية المفرطة؟

غالباً ما تكون الإيجابية المفرطة خفية لكن من خلال تعلُّم التعرف إلى العلامات التي تميزها، يمكن أن تساعدك على تحديد هذا النوع من السلوك بشكل أفضل، وتشمل بعض العلامات ما يأتي:

  1. الهروب من المشكلات بدلاً من مواجهتها.
  2. الشعور بالذنب حيال الشعور بالحزن أو الغضب أو خيبة الأمل.
  3. إخفاء مشاعرك الحقيقية وراء الاقتباسات التي تشعرك بالرضى والتي تبدو بها أكثر قبولاً اجتماعياً.
  4. إخفاء ما تشعر به.
  5. التقليل من أهمية مشاعر الآخرين.
  6. إلقاء اللوم على الآخرين عندما لا يكون لديك موقف إيجابي تجاه المصائب التي تواجهها.
  7. محاولة التحمل أو "تجاوز" المشاعر المؤلمة بدلاً من حل المشكلات التي تسبب هذه المشاعر السلبية.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح للتفكير الإيجابي من ديل كارنيجي

كيف نتجنب الإيجابية المفرطة؟

إذا كنت قد تأثرت بالإيجابية المفرطة أو إذا كنت قد أدركت هذا النوع من السلوك في نفسك، فثمة أشياء يمكنك القيام بها لتطوير نهج أكثر صحة ودعماً، وذلك باتباع النصائح الآتية:

1. تحكم بمشاعرك السلبية لكن لا تنكرها:

يمكن أن تسبب المشاعر السلبية التوتر لكن يمكنها أيضاً أن تقوم بتوفير معلومات هامة يمكن أن تؤدي إلى تغييرات مفيدة في حياتك.

2. كن واقعياً بشأن ما يجب أن تشعر به:

عندما تواجه موقفاً عصيباً فمن الطبيعي أن تشعر بالتوتر أو القلق أو حتى الخوف، فلا تتوقع الكثير من نفسك، وبدلاً من ذلك ركز على الرعاية الذاتية واتخذ الخطوات التي يمكن أن تساعد على تحسين وضعك.

3. اشعر بأكثر من شيء:

إذا كنت تواجه تحدياً فمن الممكن أن تشعر بالتوتر بشأن المستقبل وأن تأمل أيضاً أن تنجح؛ إذ إنَّ عواطفك معقدة مثل الموقف نفسه، وهذا أمر طبيعي أن يتضارب الأمل الكبير مع الخوف من الخيبة.

4. ركز على الاستماع للآخرين وإظهار الدعم:

عندما يعبِّر شخص ما عن مشاعر صعبة لا ترد عليه بالكلمات المبتذلة السامة، وبدلاً من ذلك دعه يعرف أنَّ ما يشعر به أمر طبيعي وأنَّك موجود للاستماع له ومحاولة مساعدته.

5. لاحظ كيف تشعر عندما تقرأ عن الإيجابية:

يمكن أن تكون متابعة حسابات وسائل التواصل الاجتماعي "الإيجابية" في بعض الأحيان بمنزلة مصدر إلهام لك، لكن انتبه إلى ما تشعر به بعد مشاهدة هذا المحتوى والتفاعل معه، فإذا شعرت بالخجل أو الذنب بعد مشاهدة منشورات "رفع المستوى" فقد يكون ذلك بسبب الإيجابية المفرطة، وفي مثل هذه الحالات ضع في حسبانك الحد من استهلاكك لوسائل التواصل الاجتماعي.

إقرأ أيضاً: هل من الممكن أن يؤثر التفكير الإيجابي سلباً على نجاحك؟

كلمات هامة عليك قراءتها جيداً والتمعن بها:

امنح نفسك الإذن لتشعر بمشاعرك، وبدلاً من محاولة تجنب المشاعر الصعبة، امنح نفسك الإذن بالتفكر فيها والغوص في أعماقها؛ إذ إنَّ هذه المشاعر حقيقية وصحيحة وهامة ولا يعني بمجرد أنَّها سلبية أنَّها ضارة فهي تنم بالتأكيد عن وجود مشكلة تجب معالجتها.

كما يمكن لهذه المشاعر أيضاً توفير المعلومات ومساعدتك على رؤية الأشياء المتعلقة بالموقف الذي تحتاج إلى العمل لتغييره، وهذا يكسبك المزيد من الخبرة في هذه الحياة التي هي عبارة عن تقلب في المشاعر بين السلبية والإيجابية؛ لذلك علينا أن نعترف بذلك.

هذا لا يعني بالضرورة أنَّه يجب عليك التصرف بناءً على كل عاطفة تشعر بها، ففي بعض الأحيان يكون من الهام أن تجلس مع مشاعرك وتعطي نفسك الوقت والمساحة لمعالجة الموقف قبل اتخاذ أي إجراء، واحذر من أن تجعل قراراتك نتيجة لانفعالاتك.

لذلك عندما تمر بشيء صعب فكر في طرائق لإعطاء صوت لمشاعرك بطريقة مثمرة، واكتب في مجلة أو تحدَّث إلى صديق؛ إذ تشير الأبحاث إلى أنَّ مجرد وضع ما تشعر به في كلمات يمكن أن يساعد على التقليل من شدة تلك المشاعر والعمل على الاعتراف بها والتصالح مع الواقع.

إقرأ أيضاً: العلاقات السامة: تعريفها، وعلاماتها، وطرق التعامل مع الشخصية السامة

في الختام:

بذلك نكون قد تعرفنا إلى الإيجابية المفرطة وما هي أهم مخاطرها وأدركنا ما هي العلامات التي تدل عليها، وبذلك نكون قد أصبحنا على بيِّنة من أمرنا تجاهها، ونستطيع أيضاً التعامل مع المشكلات بكل موضوعية وواقعية بعيداً عن الكذب على الذات؛ لذلك أنصح الجميع بالصدق مع الذات قبل كل شيء حتى قبل الصدق مع الآخرين.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة