الإعلام الرقمي: مفهومه، وأنواعه، وتحول الإعلام إلى الرقمنة

لا شك في أنَّ أغلب وسائل الإعلام العربية التقليدية، تواجه تحديات لا يُستهان بها في الزمن الرقمي، وهذه التحديات أشبه بالصراع من أجل البقاء، في ظل سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على متابعة النسبة الأكبر من المشاهدين بما توفره من سهولة أكبر في الوصول إلى المحتوى الذي يريده، وعلى الرغم من كل ذلك، فإنَّ تحرِّي المصداقية الصحفية والشفافية الإعلامية إلى جانب تطوير المحتوى مع الحفاظ على الجودة، هي أهم الطرائق التي يستطيع من خلالها الإعلام التقليدي أن يحافظ على وجوده في ظل الغزو الرقمي.



مفهوم الإعلام الرقمي:

إنَّ مفهوم الإعلام الرقمي هو مفهوم واسع، وهو يشتمل على جميع أنواع الوسائط والمواد التي يمكن الوصول إليها من خلال الأجهزة الإلكترونية باختلاف أنواعها وأشكالها، ويمكن أن نعرِّفه على أنَّه استثمار مباشر للتقنيات الحديثة واستغلالها في العمل الإعلامي، بما تضيفه هذه التقنيات من ميزات وتسهيلات للعمل الإعلامي برمته.

إنَّ المواد الإعلامية الرقمية من الممكن عرضها وتعديلها وتوزيعها عبر جميع الأجهزة الرقمية، وتتميز بسهولة الاستخدام وسهولة الوصول إلى المحتوى في أي مكان وزمان، ويتيح الإعلام الرقمي مجموعة أكبر من الخيارات المتنوعة والواسعة مقارنة بالخيارات المحدودة التي يتيحها الإعلام التقليدي.

أثرت وسائل الإعلام الرقمي - على اختلاف أنواعها وأشكالها - تأثيراً كبيراً في حياة الناس، خصوصاً مع التحولات المستمرة في المجالات التكنولوجية المختلفة؛ إذ إنَّها طورت طرائق التعليم والتدريس والترفيه والتسلية، وحتى طرائق تواصل الناس مع بعضهم في المجتمع نفسه، ومع مجتمعات أخرى؛ بل تجاوزت هذا الأمر إلى درجة أنَّها ساهمت في التقريب بين شعوب العالم، خصوصاً تلك الشعوب المتباعدة جغرافياً وفكرياً وثقافياً، من خلال التطورات التقنية التي سهَّلَت هذا الأمر تسهيلاً كبيراً، وساهمت في كسر الحواجز الجليدية بين الشعوب المتباعدة والتقريب بينها.

أنواع الإعلام الرقمي:

1. وسائل الإعلام الرقمية المملوكة:

إنَّ وسائل الإعلام الرقمية المملوكة، تضم أيَّ أصول على الشبكة العنكبوتية مملوكة من قِبل جهة ما أو شخص، ويكون محتواها في العادة مميزاً لعلامة تجارية معينة تتبع إلى الجهة المالكة، وتضم العديد من الوسائل؛ مثل مواقع الإنترنت، وقنوات اليوتيوب، وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومدونات، بما تحتويه من وسائط رقمية ومقالات ومقاطع فيديو وغيرها.

من الممكن أن يتم تطوير وسائل الإعلام الرقمية هذه من أجل تحسين ظهورها في محركات البحث المختلفة، فعندما يقوم المستخدمون المحتملون بالبحث عن موضوعات متعلقة بالمحتوى الذي تقدمه هذه المواقع، وكلما تنوعت الموضوعات المقدمة، أصبحت أكثر ظهوراً في محركات البحث، خصوصاً في حال مراعاتها للموضوعات الأكثر طلباً على محركات البحث.

2. وسائل الإعلام الرقمية المدفوعة:

تقوم وسائل الإعلام الرقمية المدفوعة بمهمة ترويج المحتوى عبر شبكة الإنترنت، من أجل تحسين حركة المرور إلى المحتوى المقدَّم، ومن الأمثلة الهامة عن ذلك، الإعلانات المصورة، وإعلانات مواقع التواصل الاجتماعي، وإعلانات البحث المدفوعة.

على الرغم من أنَّ هذه الخدمات هي خدمات مدفوعة، وتندرج تحت إطار النفقات، مقابل إيصال المحتوى المطلوب أو العلامة التجارية إلى شريحة أكبر من المستخدمين، إلا أنَّ وكالات التسويق المحترفة تستطيع أن توجه الشريحة المستهدفة إلى المحتوى المناسب، وتقدم نتائج جيدة قابلة للقياس.

إقرأ أيضاً: الفرق بين وسائل الإعلام الاجتماعية والشبكات الاجتماعية

3. وسائل الإعلام الرقمية المكتسبة:

وهي عبارة عن إعلانات يتم نشرها من قِبل العملاء أو المستخدمين، عندما يقومون بإبداء آراء إيجابية حول المنتج أو الموقع أو المحتوى أو العلامة التجارية؛ وذلك من خلال الكلام الشفهي أو المشاركات والتعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي أو إجراء المراجعات للمنتجات التجارية المختلفة سواء بشكل مكتوب أم محتوى مرئي، وما إلى ذلك من الدعايات والإعلانات التي تُعَدُّ من أهم أشكال الإعلان الذي تقوم به شركات الإعلام الرقمي.

ويُعَدُّ هذا النمط من الإعلام الرقمي، وسيلة فعالة من أجل تسويق العلامة التجارية مع التقليل من التكاليف، ولكن لا بد من وجود نوع من الرقابة؛ لأنَّه - وعلى نقيض الإعلام الرقمي المملوك - لا يوجد سيطرة عليه.

مبررات اندماج الإعلام في التقنيات الحديثة:

في حقيقة الأمر، أصبح الاندماج الرقمي لوسائل الإعلام التقليدية أمراً لا مفر منه، في ظل التطورات التقنية الكبيرة التي يشهدها قطاع الإعلام، ويمكن تلخيص مبررات الاندماج مع التطورات التقنية من خلال البنود الآتية:

  1. السهولة والبساطة التي توفرها وسائل الإعلام الرقمية في الوصول إلى المعلومة ونقلها واستحواذها على اهتمام الجمهور.
  2. الكلفة القليلة التي يتميز بها الإعلام الرقمي، بما يسهِّل على الأشخاص إنشاءها، وإنشاء شبكات إعلامية بكلفة مادية قليلة.
  3. القبول الكبير الذي يجلبه الإعلام الرقمي، وخصوصاً في المجتمعات العربية التي تُعَدُّ مجتمعات غير قارئة مقارنةً بنظيرتها الغربية.
  4. الطابع التبسيطي الذي توفره وسائط الإعلام الرقمي، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يستقطب شريحة أكبر من المستخدمين.
  5. طبيعة الثقافة العربية، التي يغلب عليها الطابع الشفهي أو ما يسمى الرواية الشفهية، أكثر من أنَّها ثقافة كتب وقراءة، وهذا بالضبط ما تقدمه وسائل الإعلام الرقمية، من خلال رواية الخبر أو المحتوى بشكل يشبه الرواية الشفهية.
  6. الهبوط الكبير في الطلب على الإعلام التقليدي مثل الإعلام الورقي، في الظروف الخاصة، مثل الحروب والأوبئة؛ إذ يتوقف الناس عادة عن شراء الجرائد مثلاً، ويتوجهون نحو الإعلام الرقمي الأسهل من ناحية الوصول.
  7. الهبوط الكبير في الطلب على الصحف في فترة جائحة فيروس كورونا، دفع الكثير من المؤسسات الإعلامية الرقمية إلى أن تتوجه نحو الاندماج مع الإعلام الرقمي، من أجل الحفاظ على استمراريتها.

انطلاقاً من أنَّ التجديد هو واحد من أهم سبل التطور؛ لذا فإنَّ اندماج وسائل الإعلام التقليدية مع التطورات التكنولوجية، هو واحد من أهم خطوات التجديد، وهو وسيلة هامة كي تبقى المؤسسات الإعلامية التقليدية على قيد الحياة.

شاهد بالفيديو: 5 مهارات مهمة بالتسويق الرقمي

تحول الإعلام العربي إلى الرقمنة:

فهمت الكثير من الدول العربية هذه اللعبة؛ لذلك، قامت - وعلى رأسها دول الخليج - بالتأقلم مع موجة الرقمنة، وعززت من استخدام التقنيات ووسائل التكنولوجيا الحديثة في الإعلام، وقد اغتنمت هذه الدول إمكانات الابتكار والتجديد والدمج التي تتيحها وسائل الاتصال الحديثة، من أجل تطوير شكل ومضمون العمل الصحفي والإعلامي.

وعلى المقلب الآخر، لا يمكن أن ننكر حقيقة أنَّ الإمكانات المالية القليلة لبعض الدول العربية ووسائلها الإعلامية المختلفة، تشكل صعوبة كبيرة أمام استخدامها للتقنيات المتطورة؛ وهذا ما خلق هوة واسعة بينها وبين المؤسسات الإعلامية الحديثة، وجعلها بشكل من الأشكال تخسر متابعيها الذين بدأ يتسرب الملل إلى صفوفهم، وباتوا يشيحون نظرهم عن الإعلام التقليدي، ويتجهون نحو الإعلام الرقمي بشكل أكبر.

إنَّ التطور التقني المتسارع في العالم عامة، جعل الإعلام العربي يتأثر تأثيراً هاماً، ويتجه مسرعاً نحو الرقمنة، فيما يشير الكثير من الخبراء في مجال الإعلام والصحافة، إلى أمر هام، ألا وهو أنَّ هذه الهرولة التي تقوم بها وسائل الإعلام العربية باتجاه الرقمنة، هي أمر إجباري أكثر مما هو اختياري؛ بمعنى أنَّ تيار التطور التقني القوي والجارف على الساحة الإعلامية العالمية، والثورة الضخمة التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي في المجال الإعلامي، وبقية التطورات التقنية فرضت نفسها بقوة على وسائل الإعلام التقليدي؛ أي لم يعد أمامها خيار سوى التجديد.

كيفية استغلال التطور التقني في القطاع الإعلامي:

مما يبشر بالخير أنَّ الرقمنة بدأت بالدخول وبقوة كبيرة إلى مؤسسات الإعلام العربية الكبيرة، لا سيما الخليجية منها، وسنذكر في مثالنا عنها، شبكة الجزيرة الإعلامية التي خصصت قطاعاً هاماً مجهزاً بكل التقنيات الحديثة ويعمل به خبراء في المجال الإعلامي والتقني، وخبراء متخصصون في الإعلام الرقمي بكل أدواته وتفاصيله ومجالاته الحديثة.

أكَّد المدير التنفيذي للقطاع الرقمي في شبكة الجزيرة الإعلامية، أنَّ فريق القطاع الرقمي عمل على إنتاج المواد الرقمية الأصلية بشكل حصري، غير منسوخ وغير مترجم عن وسائل أجنبية، وهو خاص باللغة العربية، وإطلاق هذا المحتوى عبر منصة حديثة ومتطورة، ومجهزة بكل الأدوات المطلوبة لنشر المحتوى الرقمي وإيصاله إلى جميع المتابعين، في أي وقت يريدونه، وفي أي مكان يوجدون به.

إنَّ هذا القطاع الرقمي لم يتم إنشاؤه بشكل منفرد؛ إنَّما تم تأسيسه ضمن رؤية استراتيجية واضحة من أجل مواكبة التطورات التكنولوجية في مجال الإعلام، من أجل الوصول إلى التحول الرقمي، مستخدمين طرائق جديدة لتنويع المواد الرقمية المقدمة، وتعزيز جودتها واحترافيتها.

يقدم القطاع الرقمي في شبكة الجزيرة الإعلامية، الكثير من الخدمات الإعلامية الرقمية، ولعلَّ أبرزها:

  1. موقع "الجزيرة نت"، باللغة العربية.
  2. موقع "الجزيرة كوم"، باللغة الإنجليزية.
  3. قنوات "آ جي بلس"، على منصة "يوتيوب" باللغات الإسبانية، والإنجليزية، والعربية، والفرنسية.
  4. منصة "كونتراست في آر" الصوتية.

نلاحظ هنا إطلاق القطاع الرقمي، لخدمات رقمية متنوعة ومتعددة، تشمل الكثير من المواد والأقسام، وهناك أمر جوهري يضاف إلى هذا التنوع الشامل، الذي يشمل إطلاق المنصات بلغات متعددة؛ وهذا يساهم في الانتشار الواسع للمحتوى، وهنا نستطيع أن نقول إنَّ هذه الخدمات الرقمية، وسَّعت نطاق التأثير من النطاق العربي والإقليمي إلى النطاق العالمي.

وقد عمل القطاع الرقمي في شبكة الجزيرة الإعلامية على إطلاق الكثير من الخدمات الإخبارية في السنوات الأخيرة، مثل خدمة "إيجاز" الإخبارية، وخدمة أخرى مميزة "الجزيرة بودكاست"، وهذه الخدمات المميزة رفعت من القيمة الإعلامية والإخبارية خصوصاً، التي تقدمها شبكة الجزيرة؛ وهذا ساهم في حصولها على الكثير من الجوائز العربية والعالمية.

لقد استغلت شبكة الجزيرة الإعلامية التغير الكبير الحاصل في الحياة، الذي أدى إلى نشوء جيل جديد لا يفضل متابعة القنوات التلفزيونية؛ بل يفضل متابعة الأحداث والأخبار على هاتفه الذكي والتفاعل معها من خلاله، ومن هذه الرؤية، انطلقت الشبكة في مشروع قناة "آ جي بلس"؛ هذا المشروع الرائد والمتنوع، الذي يقدم برامج مفيدة ومسلية، والأهم من ذلك، ذات مدة قصيرة، آخذين بالاهتمام قلة الصبر التي أصبح يتميز بها الجيل الحالي، والتي تُعَدُّ من الآثار الجانبية للغزو التكنولوجي.

إقرأ أيضاً: أهمية وسائل الإعلام وأنواعها

في الختام:

الإعلام الرقمي أصبح واقعاً يفرض نفسه بقوة، وعلى الإعلام التقليدي أن يندمج معه، ويتماهى مع تياره، ويعمل على اللحاق به؛ إذ إنَّ المستقبل هو للإعلام الرقمي، حسب ما نراه جميعاً من متغيرات تقنية وفكرية واجتماعية.

المصدر.




مقالات مرتبطة