الإرشاد النفسي داخل المدارس: أهدافه ومبرراته

أصبح الاهتمام بالإرشاد النفسي مضاعفاً خلال السنوات الأخيرة الماضية، ويرجعُ هذا إلى عدد كبير من العوامل؛ وأهمها طبيعة الحياة المعاصرة والتغييرات الكبيرة التي طرأت على العالَم من كل النواحي وخاصة الثقافية والاجتماعية والتعليمية، فأصبحنا نجدُ داخل كل مدرسة من المدارس حول العالَم غرفة مختصَّة بالإرشاد النفسي.



وعلى القائمين على هذه الغرفة العمل على مساعدة الطلاب وتوجيههم بالشكل الذي يُمكِّنُهم من معرفة شخصياتهم وفهمها بالشكل الذي يفسح المجال لطاقاتهم وقدراتهم للظهور، محققين بذلك الهدف الأساسي والأسمى للمدرسة؛ وهو إنتاج المعرفة وليس تلقينه.

وانطلاقاً من الأهمية الكبيرة للإرشاد النفسي داخل المدارس، كتبنا لكم هذه السطور عن الإرشاد النفسي داخل المدارس وأهدافه ومبرراته.

ما هو الإرشاد النفسي؟

شهدَتْ العملية التعليمية والتربوية الكثير من التطورات خلال الفترة الماضية، فبعد أن كان التركيز لفترة طويلة في المادة التعليمية وكيفية تلقينها للتلاميذ، أصبح اليوم التركيز في التلميذ نفسه وكيفية بنائه وإعداده لمواجهة الحياة بأفضل ما يُمكِن، باختصار أصبح الهدف الأساسي للتعليم هو بناء الإنسان.

بناءً على ما سبق بدأ الاهتمام بالإرشاد النفسي داخل المدارس؛ عملاً بالمَثَل القائل: "أعطِ الخبَّاز خبزه حتى لو أكل نصفه"، فحقيقةً وجود المرشد النفسي داخل المدرسة - وخاصةً في حال كان هذا المرشد يقوم بواجبه على أكمل وجه - يعطي التلاميذ مساحة من الأمان والراحة والحريَّة، فحتى لو نال التلميذ عقوبة ما، ستكون هذه العقوبة هادفة موجَّهَة ولا تُنفَّذ بطريقة غوغائية دون أي هدف حقيقي.

على المرشد أن يراعي في أثناء قيامه بعمله الجوانب الإيجابية للنمو، وعليه أن يدرك أنَّ عمله يجب أن يهدف إلى مساعدة التلميذ على فَهمِ نفسه ومشكلاته وعلى تطوير المهارات التي يمتلكها ومساعدته على اكتساب مهارات جديدة؛ ليصبح أكثر قدرة على التوافق مع البيئة المحيطة به.

بعض المصطلحات الهامة في الإرشاد النفسي:

1. الإرشاد:

"هو مجموعة الخدمات التي يقدمها اختصاصيو علم النفس الإرشادي الذين يعتمدون في تدخُّلهم على مبادئ ومناهج وإجراءات لتسيير سلوك الإنسان بطريقة إيجابية وفعالة خلال مراحل نموه المختلفة"، وهذا التعريف حسب رابطة علماء النفس الأمريكية للإرشاد عام 1981.

2. التوجيه:

هو عملية أوسع وأشمل من الإرشاد، وتهدف إلى مساعدة التلميذ على فهم ذاته وتنمية مهاراته من خلال تزويده بمجموعة من المعلومات المتنوعة والمناسبة والعمل على تنمية شعوره بالمسؤولية وتطوير قدرته على حل المشكلات، ويُمكِنُ تقديم خدمات التوجيه للطلاب من خلال عدَّة أساليب؛ كالندوات والمحاضرات واللوحات.

3. الإرشاد الاجتماعي:

علاقة مهنيَّة قائمة بين المرشد والمسترشِد، والهدف الأساسي منها هو التعرُّف إلى البيئة المحيطة واستثمارها بالشكل الذي يتناسب مع إمكانات المسترشِد حتى يكونَ قادراً على التكيُّف مع هذه البيئة.

4. الإرشاد النفسي:

عمليَّة تساعد الفرد على فهم نفسه وميوله واستعداداته وقدراته؛ وذلك بهدف الوصول إلى القدرة على حل المشكلات واتِّخاذ القرارات وتحقيق التكيُّف والصحة النفسية للفرد.

5. المرشِد:

هو الشخص القادر على تقديم المساعدة سواء للأفراد أم الجماعات الذين يعانون من مشكلات وصعوبات نفسية واجتماعية؛ وذلك بناءً على تخصُّصه العلمي.

شاهد بالفيديو: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

الفارق بين العلاج النفسي والإرشاد النفسي:

لا بدَّ من الإشارة إلى وجود فارق بين الإرشاد النفسي والعلاج النفسي، ويمكنُ تلخيصُ هذا الفارق بالنقاط الآتية:

  1. الإرشاد النفسي يتعامل مع الأفراد الأسوياء الذين يعانون من مشكلات بسيطة، في حين يركِّزُ العلاج النفسي في الأشخاص الذين يعانون من مشكلات معقَّدة أي غير الأسوياء.
  2. المشكلات التي يتناولها الإرشاد النفسي لا تدخل ضمن الاضطرابات النفسية، وغالباً ما تكون مشكلات غير عميقة ودرجة خطورتها قليلة.
  3. الفترة الزمنية التي يحتاج إليها الإرشاد النفسي قصيرة، في حين يحتاج العلاج النفسي إلى فترة زمنية طويلة.

أطراف العملية الإرشادية داخل المدرسة:

قد يحاول المرشد النفسي داخل المدرسة التعاون مع المدرِّس لحل مشكلة أحد التلاميذ، فيحاول الأخير التملُّص بحجة عدم علاقته بالأمر، ولكنَّ الحقيقة أنَّ المدرِّس هو أحد أطراف العملية الإرشادية داخل المدرسة؛ لذلك كان من الهام معرفة الأطراف المعنيَّة بعملية الإرشاد النفسي داخل المدارس، وهي:

  • المرشِد.
  • المدير.
  • المدرِّس.
  • الوالدان.
  • المسترشِد وهنا هو التلميذ.

أهمية الإرشاد النفسي في المدارس:

يمرُّ أطفالُنا بالكثير من المشكلات في أثناء وجودهم في المدرسة، فكَم مرة عاد طفلك مكسورَ الخاطر وحزيناً بسبب عبارة قالها له أحد زملائه، فعلى الرغمِ من بساطة هذه المشكلات، إلَّا أنَّ الأثر الذي تتركه في نفوس الأطفال كبير جداً إذا لم تُعالَج ويُساعَدوا على تجاوزِها ويُدرَّبوا على ذلك، فمن الخطأ جداً تصوير العالَم للطفل على أنَّهُ عالم خالٍ من المشكلات والصعوبات والمعوقات، والصحيح هو إعدادهم وتقويتهم وتدريبهم على حلِّ كلِّ ما يعترضهم ويقفُ في وجهِ أهدافِهم مع الحفاظ على صحَّتهم الجسدية والنفسية، ومن هنا تنبع الأهمية الكبيرة للإرشاد النفسي داخل المدارس، إضافةً إلى العديد من الجوانب الأُخرى التي يمكنُ تلخيصها بالنقاط الآتية:

  1. تقديم المساعدة لكلِّ تلميذ لحلِّ مشكلاته والوصول إلى أهدافه، وتقديم الدعم اللازم والتوجيه المناسب لجميع الأعمار للمساعدة على معرفة القدرات وفهمها، وهذا ما يؤدي دوراً كبيراً في المُستقبَل بالمساعدة على اختيار المهنة المناسبة ليس لقدرة التلميذ فحسب؛ بل لميوله أيضاً، فكم من مرة سمعنا عن طالب حصل على علامات مرتفعة جداً في الشهادة الثانوية ولكنَّه لم يكمل دراسته الجامعية لأنَّه توجَّه إلى دراسة فرع لا يحبه ولا يمتلك أي شغف تجاهه، وهنا ياتي دور الإرشاد النفسي داخل المدارس لتغطية هذه الثغرة والعمل مع الطفل بدءاً من المراحل العمرية المُبكِّرة لمساعدته على تحديد قدراته وميوله وليتمكَّن من تحقيق الانسجام بينهما.
  2. ظهور أهمية الإرشاد النفسي داخل المدارس أيضاً بشكل كبير لمساعدة الأطفال الذين يعانون من معوقات جسدية والأخذ بيدهم حتى يتمكنوا من الاندماج داخل بيئة المدرسة، وتدريبهم على تقبُّل نظرات الناس المختلفة لهم، ويجب أن يتعلَّم التلميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة أن يتقبَّلَ نفسه، وعندها فقط لن يهتم بنظرة الآخر مهما كانت سيِّئة.
  3. تقديم العون والمساعدة والإرشاد والدعم للأطفال المتفوقين وتعليمهم وإرشادهم نحو طرائق ووسائل الاندماج مع أقرانهم.
  4. مساعدة التلاميذ على تحقيق نمو نفسي واجتماعي وتربوي وتعليمي متوازن.

أهداف الإرشاد النفسي داخل المدارس:

يهدفُ الإرشاد النفسي بشكل عام داخل المدارس إلى تحقيق أعلى درجة ممكنة من الصحَّة النفسية للأفراد داخل المدرسة، وهذا الهدف الأسمى يتحقَّق من خلال تحقُّق الأهداف الآتية:

1. تحقيق الذات:

إذ يسعى الإرشاد النفسي ويبذل كل جهد ممكن في سبيل مساعدة التلميذ على فهم نفسه وتكوين مفهوم إيجابي لذاته؛ وذلك من خلال تعليمه كيفية الاستخدام الأمثل لقدراته؛ فمثلاً إذا كان لديك طفل عنيف داخل الصف، يمكن العمل على توجيه هذه القدرات نحو أشياء ذات فائدة؛ فيُمكِنُك مثلاً طلب مساعدته عند الحاجة إلى قوة عضلية أو توجيهه نحو رياضة معيَّنة، وهذا ما يجعله يقدِّر نفسه وقدرته بدلاً من كره ذاته في حال وجَّه هذه القدرة نحو زملائه وتعامل بعنف معهم، ومن الجدير بالذكر أنَّ توكيد الذات من أهم الدوافع نحو تعديل السلوك؛ لذلك لا بدَّ من استغلاله بالشكل الأمثل.

إقرأ أيضاً: 3 طرق لتحقيق النجاح عن طريق تعزيز التعاطف مع الذات

2. تحقيق التوافق التربوي:

على سبيل المثال يحتاج الكثيرون من الطلاب في المرحلة الثانوية إلى مرشد يوجِّههم نحو الفرع المناسب لهم "الأدبي أو العلمي"، وهنا يأتي دور المرشِد النفسي داخل المدرسة الذي يقع على عاتقه توجيه الطالب نحو الفرع المناسب لقدراته وميوله؛ إذ يُحقِّقُ في المستقبل نجاحاً دراسياً؛ وذلك بعيداً عن عواطف الأهل الذين يريدون أطباء فقط ويوجِّهون أبناءَهم بصرف النظر عن القدرات والميول نحو هذا الفرع.

3. تحقيق توافق نفسي واجتماعي:

من أهداف الإرشاد النفسي داخل المدارس أيضاً مساعدة الطالب على الوصول إلى أعلى درجات الرضى النفسي والتوازن الاجتماعي.

4. تحسين العمليَّة التربوية:

أيضاً هو أحد أهم أهداف الإرشاد النفسي داخل المدارس.

شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

مبررات الإرشاد النفسي داخل المدارس:

تُوجَدُ العديد من المبرِّرات التي تؤكِّد على ضرورة وجود الإرشاد النفسي داخل المدارس، ويُمكِنُنا تلخيص هذه المبررات بما يأتي:

1. المشكلات المدرسية:

تختلفُ المشكلات التي تواجه التلميذ في المدرسة، فبعضها قد تكون مشكلات مع أقرانه وبعضها تتعلق بالمعلومات وعدم القدرة على فهمه، وبعضها مشكلات يحملها الطفل من بيته إلى المدرسة، وجميع هذه المشكلات ستؤثِّر حتماً في مدى فهمه واستيعابه للمادة التعليمية، ومن ثم في تحصيله الدراسي.

إقرأ أيضاً: التأخر الدراسي تعريفه، أسبابه، التشخيص والعلاج

2. المراحل الانتقالية:

أيضاً من مبررات وجود الإرشاد النفسي داخل المدارس هي حاجة التلاميذ الكبيرة إلى مرشد لهم في أثناء مرورهم بالمراحل الانتقالية من مرحلة إلى أخرى ومن صف إلى آخر، وما ينتج عن ذلك من مشكلات وصعوبات في التكيُّف.

3. المتعلِّم اليوم كما سبق وأَسلَفنا هو محور العملية التعليمية:

الهدف الأول والأهم للتعليم أصبح بناء إنسان حقيقي قادر على الانخراط داخل مجتمعه وتقديم الفائدة له بطريقة ما.

4. غياب الوالدين الكبير عن المنزل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرُّ بها العالَم:

وهذا ينعكس سلباً على الأطفال الذين أصبحوا مضطرين إلى قضاء أوقات أطول وحدهم وما ينجم عن هذا من مشكلات نفسية وصعوبات.

في الختام:

كل ما ورد في هذا المقال هو الكلام النظري المُفترَض تنفيذه، فعلى كل مرشد موجود داخل المدرسة أن يأخذ في الحسبان المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقه، ويدرك أهمية الدور الذي يجب أن يؤديه داخل المدرسة، فهو الشخص الذي يطبطب على جراح التلاميذ ويرشدهم إلى الأفضل ويعلِّمهم أن يحبوا أنفسهم وأصدقاءَهم ويساعدهم على حل مشكلاتهم، وغير ذلك لا تكون للإرشاد النفسي ووجوده في المدارس أيَّة فائدة.




مقالات مرتبطة