الإرشاد النفسي: تعريفه، وأهدافه، وأهميته، وأهم طرائقه

نُبحِر في ضغوطات الحياة وتحدياتها، ونغوص في تفاصيلها، ونعيش أيامنا حاملين معنا هموماً جمة ومسؤوليات كبرى؛ وعوضاً عن التفكير في طرائق للخروج منها وعوضاً عن أن نتعلم أساسيات الارشاد النفسي، نسلِّم بمسألة القدر تسليماً مطلقاً، ظناً منا أنَّ هذا الشقاء مكتوب علينا ولا مفر لنا منه، وأنَّنا غير مسؤولين عمَّا يحصل في حياتنا من أحداث؛ ونستمر على هذا المنوال، ونطلب من اللَّه أن يمنحنا الصبر على هذه الحياة.



غالباً ما ننظر إلى من حقق أهدافه وحظي بحياة سعيدة على أنَّه محظوظ وقوي، ونعتقد أنَّ فرص العمل تخضع إلى مبدأ المحسوبيات لا إلى مبدأ الكفاءات والمهارات؛ لذلك نتهاون ونتخاذل عن تطوير مهاراتنا وقدراتنا، ونجعل من أحداث الوسط الخارجي والانقلاب الحاصل في المعايير شمَّاعة نعلق عليها كسلنا وتقصيرنا.

إنَّنا نجهل أنفسنا، ولا نعي أين تكمن نقاط قوتنا ونقاط ضعفنا، ونتساءل دوماً عن سبب حدوث ذاك الأمر السلبي معنا، وعن كيفية الوصول إلى ما نريد.

لقد أصبحنا اليوم في أمس الحاجة إلى التعرُّف أكثر على أنفسنا ودوافعنا ورغباتنا وشغفنا، وتعلُّم كيفية التعامل مع تحدياتنا وضغوطاتنا، والتحكم بانفعالاتنا، واتخاذ القرارات بطريقة صائبة ومدروسة؛ ولعلَّ ما يوفر لنا تلك المعارف هو الإرشاد النفسي.

يعلِّمنا الإرشاد النفسي أن نكون أكثر توازناً ومرونة في الحياة، ومحدَّدين ومنظمين بصورة أكبر؛ فعندما نكون أصحاء نفسياً، تصبح حياتنا أكثر زخماً، وأعمالنا أكثر نفعاً، وأيامنا أكثر حيوية، وروحنا أكثر انطلاقاً.

تعريف الارشاد النفسي؟

هو علاقة تفاعلية مبنية على أسس مهنية تتكوَّن بين المرشد والمسترشد، وتهدف إلى تصحيح سوء التوافق الحاصل لدى المسترشد مع ذاته أو بيئته، وذلك من خلال رفع وعي الشخص عن ذاته، ومساعدته على التعرف على مكامن قوته وقدراته ومهاراته، واستثارته لإخراج أفضل ما لديه من طاقات.

يزوِّد المرشد المسترشد بمنهجيات من أجل اتخاذ القرارات بصورة صحيحة، ويدرِّبه على التحكم بانفعالاته؛ حيث تصب كل جهوده في مساعدة المسترشد على بناء علاقة سليمة وصحية ومفيدة وإيجابية مع الحياة بكل فروعها.

يحتاج 80% من الناس إلى الدعم النفسي، كالنصائح والمشاركات الفعالة الإيجابية مع الآخرين؛ فمثلاً: قد تحقق الابتسامة في وجه الآخرين دعماً نفسياً لهم، إضافة إلى الإصغاء الجيد إلى أحاديثهم وأفكارهم؛ بينما يلجأ 20% من الناس إلى الإرشاد النفسي، ويعانون هنا من شكاوى نفسية متكررة تؤثر سلباً في نشاطاتهم اليومية، بحيث يُبدون عدم قدرة على القيام بواجباتهم على نحو سليم؛ فيأتي هنا دور المرشد النفسي الذي يجب أن يكون لديه القدرة على تشخيص الحالة ووضع خطة علاجية للمريض.

يجب أن يتمتع المرشد النفسي بمهارات عديدة، كالقدرة على التحفيز، والإقناع، والتفاوض، ودقة الملاحظة، والثراء اللغوي، والقدرة على التحكم بالانفعالات؛ كما يجب أن يعرف أنماط التفكير المختلفة لكي يُدرِك نمط شخصية مريضه ويُحسِن التعامل معه، إضافة إلى ضرورة معرفته في المجال الصحي الجسدي، فقد يكون لدى المريض مشكلات جسدية أدت إلى مشكلات نفسية، كأمراض الغدة الدرقية، وانخفاض فيتامين "د".

لكي يصل المريض إلى العلاج الصحيح، على المرشد النفسي وضع خطة علاجية بخطوات مفصَّلة له؛ فعلى سبيل المثال: إن كان يخطط المرشد النفسي إلى إكساب مريضه الكفاءة في عملية ضبط الانفعال، فعليه بداية أن يقسِّم العملية إلى قدرات ومهارات، ومن ثمَّ خطوات تفصيلية؛ فلكي يكون الشخص فعَّالاً في ضبط الانفعال، عليه أن يملك القدرة على التعبير عن مشاعره والاسترخاء، ومن ثمَّ يكوِّن خطوات بسيطة وتفصيلية مندرجة تحت كل مهارة على حدة.

مفهوم الارشاد النفسي:

قد يواجه الفرد أي تحديات عاطفية أو نفسية في حياته وهذا أمر طبيعي تفرضه طبيعة الحياة التي نعيشها، وعندما يفهم الفرد ذاته بشكل أفضل يكون قادراً على حل مشاكله بطريقة أكثر فعالية، وهذا الدعم والتوجيه الذي يحصل عليه الفرد عند مواجهته لأي مشكلة ليحلها، هو الارشد النفسي.

ومن مفاهيم الارشاد النفسي نجد:

  • الإرشاد النفسي عبارة عن عملية تساعد الفرد (المسترشد) على أن يتعلم ويعبّر ويفكر ويغيير بطريقة يقبل بها ويرغب فيها.
  • الإرشاد النفسي عملية بنّاءة تهدف إلى أن يفهم المسترشد ذاته ويحللها بشكل صحيح وبدقة.
  • الإرشاد النفسي عبارة عن عملية تجعل المسترشد يعرف ما هي نقاط قوه وما هي نقاط ضعفه بكل موضوعية.

وبشكل عام، يعتمد الارشاد النفسي على العلاقة الفرد الذي يحتاج إلى الارشاد والمستشار الذي يقدم هذا الارشاد والذي يسعى لتحسين حياة الفرد ومساعدته على اجتياز الصعوبات والأزمات التي يمر بها.

أهداف الإرشاد النفسي:

  1. الرفع من وعي الشخص عن ذاته في جميع نواحي شخصيته النفسية والاجتماعية والعقلية.
  2. الوصول مع الشخص إلى مرحلة التصالح التام مع ذاته، والاعتراف بمسؤوليته عن ظروف حياته، والكف عن تمثيل دور الضحية أو التعويل على تغيِّر الأحداث الخارجية؛ بحيث يصبح مدركاً لفكرة أنَّ التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل.
  3. يجعل الشخص أكثر توازناً في الحياة، وأكثر إحاطة بنقاط قوته وضعفه، ويزوِّده بالأدوات العلمية اللازمة ليكون إنساناً فعالاً اجتماعياً، وقادراً على تخطي مشكلاته والتعامل مع ضغوطات الحياة بكفاءة ومهارة.
  4. يجعل الشخص أكثر عمقاً واستبصاراً لوضعه، بحيث يدرك الأسباب الكامنة وراء سلوكاته السلبية، ويعمل على تعديلها وتصحيحها.

أهمية الإرشاد النفسي:

يخضع الفرد إلى الكثير من المتغيرات طوال سنين حياته، بدءاً من متغيرات تخص الفترات العمرية، حيث يتدرج من الطفولة إلى المراهقة وما يرافق هذا التدرج من اضطرابات وأعراض نفسية وجسدية؛ إضافة إلى المتغيرات التي تحصل عندما يكبر، كانتقاله من مرحلة العزوبية إلى مرحلة الزواج وتأسيس عائلة؛ وصولاً المتغيرات التي تعصف بالمجتمع، من انتشار مرعب لوسائل التواصل الاجتماعي، وكسر الخصوصية، وعبودية المظاهر على حساب الجوهر، والبعد العاطفي الحاصل في العلاقات، حيث أصبحت العواطف سطحية واعتباطية وبعيدة عن الصدق؛ إضافة إلى التغير الحاصل في منظومة القيم والأخلاق، حيث انقلبت المعايير وأصبح هناك تشوه يطوِّق مفهومي الحلال والحرام.

تُعرِّض كل المتغيرات السابقة الإنسان إلى كمٍّ كبير من الضغوطات النفسية، فيفقد السيطرة على حياته، ويصبح تابعاً لظروفه وليس صانعاً لها، الأمر الذي يؤكِّد الحاجة إلى تقنيات نفسية مساعدة له للوصول إلى حالة من التوازن والسلام والهدوء، لكي يستطيع مواصلة السير في الحياة بأكبر قدر ممكن من الإيجابية.

إقرأ أيضاً: كيف تحصل على السعادة والسلام الداخلي

مجالات الإرشاد النفسي:

1. الإرشاد التربوي:

يهتم هذا النوع من الإرشاد بالجانب التعليمي للطالب، بحيث ينمِّي لديه القدرات والمهارات التعليمية والاجتماعية اللازمة لجعله إنساناً صحيحاً نفسياً، وقادراً على التعامل مع ضغوطات العملية التعليمية بذكاء ومهارة.

يختص الإرشاد التربوي بالمشكلات التي يتعرَّض إليها الطلاب من الفئات العمرية كافة، من صعوبات التكيف مع الآخرين، ومشكلات التسرب المدرسي وتأخر التحصيل العلمي؛ ويساعدهم على اتخاذ القرارات المتعلقة بالمسار التعليمي، كاختيار الكلية المناسبة لهم، وانتقاء الخطة الدراسية المتوافقة مع قدراتهم وظروفهم.

2. الإرشاد المهني:

يساعد الإرشاد المهني على تقديم المشورة والنصائح فيما يخص المهنة المناسبة لكل طالب، وذلك من خلال مقاييس معينة تقيس قدرات الطالب ومهاراته وميوله.

3. الإرشاد الأسري:

يساعد المرشد الأسري في معالجة المشكلات التي يعاني منها الطالب نتيجة وجوده في بيئة أسرية مفككة، كوجود خلافات كبيرة بين الوالدين، ومعاناة أحد الوالدين من الإدمان، واضطرابات العلاقة بين الإخوة، وسوء معاملة الأبوين للأطفال؛ حيث يُعتَمد أسلوب الضرب والأوامر بدلاً من أسلوب الاحترام والاحتواء والحوار.

4. الإرشاد الاجتماعي:

يدرس هذا النوع من الإرشاد السلوكات والعواطف وما يترتب عليها من اضطرابات نفسية قد يتعرض إليها الفرد خلال محاولته الاندماج والتكيف مع المهمات والمسؤوليات والمراحل التنموية؛ ومن أمثلة التحديات المجتمعية التي قد يتعرض إليها الإنسان: فقدان شخص عزيز، والصدمات العاطفية، والخلافات المتكررة مع الآخرين مع فقدان السيطرة على الانفعالات، وعدم التصالح مع التقدم في العمر.

شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

5. الإرشاد التنموي:

يهتم بدراسة المتغيرات التي تطرأ على شخصية الفرد طوال سنين حياته، وصولاً إلى فرد متوازن نفسياً وعقلياً واجتماعياً.

6. الإرشاد التنظيمي:

يهتم بدراسة التنظيم الإداري في المؤسسات، وتعيين الموظفين حسب قدراتهم ومَلَكاتهم، وتدريبهم على تحقيق التوازن بين الحياة الاجتماعية والحياة العملية؛ إضافة إلى تنمية قدرة المرشدين التنظيميين على اكتشاف القادة وتطوير قدرات ومواهب الموظفين.

7. الإرشاد الصحي:

يعمل على إرشاد الأفراد وتوعيتهم للوقاية من الأمراض وطرائق علاجها في حال الإصابة بها، وذلك للوصول إلى مجتمع سليم ومعافى.

طرق الإرشاد النفسي:

1. الإرشاد الفردي:

يُستخدَم في حال وجود مشكلة شخصية مع الفرد، حيث يجتمع المرشد النفسي مع المسترشد على انفراد، ويساعده في حل مشكلته وتخطيها.

2. الإرشاد الجماعي:

يُستخدَم في الحالات التي يتطلب علاجها وجود الشخص ضمن مجموعة، بحيث تتشابه الشكوى بين جميع أفراد هذه المجموعة، كعلاج الأشخاص الانطوائيين والانعزاليين وضعيفي الثقة بأنفسهم؛ كما يُستخدَم في حالات الإرشاد الأسري التي تجمع بين الأهالي وأبنائهم الطلبة في لقاءات علاجية هادفة إلى مساعدة الطالب على التخلص من مشكلاته النفسية.

3. الإرشاد المباشر:

يُستخدَم مع الأشخاص محدودي الذكاء والإمكانيات، حيث يكون للمرشد النفسي الدور الفعال في العملية؛ فهو الذي يحدد المشكلة، ويطرح فرضيات الحل، ويقيِّم الحلول، ويحدد أولويات الخيارات المتاحة؛ في حين يقتصر دور المسترشد على الاستماع إلى النصائح وتنفيذ خطوات علاج المرشد النفسي.

4. الإرشاد غير المباشر:

يُستخدَم هذا النوع من الأساليب مع الأشخاص الذين يتمتعون بمعدل ذكاء متوسط وما فوق، ويكون دور المسترشد إيجابياً جداً، حيث يتشارك مع المرشد النفسي للوصول إلى تقنيات العلاج المناسبة لحالته.

5. الإرشاد الديني:

يعدُّ الاضطراب الديني والتشوهات المعرفية الخاصة بالدين من أكثر العوامل المسببة للاضطرابات النفسية؛ حيث يعمل الإرشاد الديني على رفع الوعي لدى الشخص، واستثارة إيمانه وفطرته السليمة، وتحريك منظومة قيمه في الاتجاه الصحيح، وتحفيز ضميره الإنساني ويمكن أن يصل الفرد عن طريق هذا النوع إلى مستوى عالي من الراحة النفسية.

6. الإرشاد السلوكي:

 يهدف إلى تعديل السلوك السلبي للأفراد من خلال العلاج المعرفي السلوكي والعلاج المعرفي الانفعالي، حيث يستهدف تعديل أفكار الشخص، ومن ثمَّ سلوكه تجاه الأمر؛ إضافة إلى العمل على ضبط انفعاله من خلال استخدام تقنيات معينة للتحكم بالمشاعر، كالتأمل والتنفس الاسترخائي.

7. الإرشاد باللعب:

يعدُّ من أنجح الطرائق من أجل إيصال المعلومات إلى الأطفال، وتشخيص شخصياتهم وأنماط تفكيرهم؛ حيث يراقب المرشد الأطفال عن بعد بينما يلعبون، ويلاحظ سلوكهم؛ ممَّا يمكِّنه من اكتشاف الطفل العدواني من الانطوائي من القيادي، وتصنيف الطفل إن كان معتلاً أو صحيحاً نفسياً.

يحاول المرشد بعد ذلك تعديل سلوك الأطفال من خلال زرع القيم بواسطة أساليب اللعب المتعددة، الأمر الذي ينمِّي ذكاء الطفل ومهاراته، ويجعله أكثر دقة واستبصاراً.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح لاستخدام الألعاب التعليمية في التدريب

الخلاصة:

يسعى معظمنا إلى الوصول إلى حالة السواء النفسي، حيث تعدُّ الصحة النفسية أساس كل نجاح وسعادة وهناءً؛ لذا علينا البحث ملياً لمعرفة ذواتنا والغوص في أعماقنا أكثر، لكي نعيش الحياة التي نستحقها.




مقالات مرتبطة