الأحكام: قد لا تشعر بها ولكنَّها تدمِّر حياتك

هل تخيلت يوماً من الأيام ما هو تأثير الأحكام في حياتك؟ هل تخيلت يوماً بأنَّ الأحكام قد تشكل العائق الأساسي في طريق نهضتك الفكرية؟ هل خطر في بالك ولو للحظة أنَّ كل ما تعيشه من بؤس قد يكون سبباً لتلك الأحكام؟



تابع معنا هذا المقال الممتع الذي سنشرح فيه كيف يمكن للأحكام أن تقيد حياتك، وسنطرح عليك الحلول المناسبة لذلك؛ لذا ابقَ معنا حتى النهاية فقد تتغير حياتك بعد قراءته.

كيف تقتل الأحكام روح الابتكار والإبداع؟ 

إنَّ الأحكام تشبه السوس الذي ينخر في عقل الإنسان؛ إذ تضع الأحكام قوانين لكل شيء؛ هذا صحيح وهذا خاطئ وهذا يجوز وهذا لا يجوز، وغيرها من القواعد التي تقتل روح الإبداع، فالأحكام والقوانين هي نقيض الابتكار والإبداع الذي لا يعرف أيَّة حدود، ولو كانت له حدود يوماً، لما وصل إلى أي شيء في الحياة، ولما رأينا ما رأيناه من تطور وتقدم تقني وفني واقتصادي واجتماعي على كافة الأصعدة.

الأحكام تعطل الوفرة وتلغي الكثير من الخيارات التي كان يمكن بها أن تثري حياتك، وكذلك فهي تقلل من الفرص التي يمكنك استغلالها لتحسين حياتك، والأحكام مثل العقرب الذي تضعه في جيبك وسيلدغك في أول فرصة. 

من أين تنبع الأحكام؟ 

هل تساءلت في يوم من الأيام عن مصدر تلك الأحكام، وعن سبب خروج هذه الأحكام؟ الجواب قد يكون صادماً بالنسبة إليك؛ إذ إنَّ مصدر هذه الأحكام هو شيء موجود في داخلك، ترفضه في داخلك أولاً ومن ثم ترفضه في الآخرين، سواء بطريقه واعية أم غير واعية، سواء كنت تعرف الدوافع وراء هذه الأحكام أم غير منتبه إلى وجودها.

في حال كانت لديك الكثير من الأحكام المبالغ فيها، والتي تشعر بأنَّها تقيد حياتك وتمنعك عن الانطلاق والإبداع والابتكار، فيجب عليك أن تبحث عن مصادر هذه الأحكام في داخلك أولاً، وأن تبحث في ذاتك عن تلك الجوانب التي رفضتها يوماً ولم تتقبلها، ومن ثم تحاول أن تعيد احتضانها من جديد وتتقبلها على أنَّها جزء لا يتجزأ من ذاتك، فأنت غير قادر على التخلص من أي جزء من الذات، كما أنَّك غير قادر على التخلُّص من أي إصبع من الأصابع دون آثار مدمرة.

ما هي العلاقة بين الأحكام والصورة النمطية؟ 

موضوع الأحكام لا ينحصر ضمن نطاق واحد، فقد نجده بأشكال مختلفة ومتنوعة، ولعلَّ أبرزها هي الصورة النمطية؛ وتعني أن تحكم على شخص ما بحسب الصورة النمطية التي تأخذها أو أخذتها عنه في الماضي دون أي سبب منطقي؛ إذ يعتقد بعض الناس أنَّ جميع الأطباء لا يعرفون طريقه الاستمتاع بالحياة أو أنَّهم متعالون. 

كذلك الصورة النمطية التي قد تشمل سكان مدينة بعينها على أنَّهم سيئون أو يشتهرون بصفة سيئة محددة مثل البخل أو الغباء أو التخلُّف، بينما حقيقة الأمر قد لا تكون كذلك؛ إذ إنَّ ما يشكِّل الصورة النمطية هو العناصر الإعلامية، ونعرف جيداً أنَّ الصفات السيئة لها حضور إعلامي أقوى من الصفات الجيدة، وعلى كل حال لا توجد مدينة سيئة بالكامل أو جميلة بالكامل، فالإنسان ذاته لا يملك صفة ثابتة؛ إذ إنَّه مكون من الخير والشر، وكذلك سكان أيَّة مدينة. 

سايكولوجيا الأحكام السلبية على أخطاء التجربة الأولى:

كمثال آخر عن موضوع الأحكام قد ترى شخصاً يقود السيارة لأول مرة في حياته، فمن الطبيعي أن يكون مرتبكاً بعض الشيء أو قد ترتجف يده التي تمسك المقود، أو قد يرتكب بعض الأخطاء في قيادة السيارة بحكم أنَّه متدرب مبتدئ، وقد تلجأ إلى السخرية من أداء هذا الشخص وتنسى نفسك حين كنت متدرباً مبتدئاً مثله.

إذ ليست المشكلة في التنمر على هذا الشخص المبتدئ؛ وإنَّما المشكلة الحقيقية هي التعامل مع حالة ارتكاب الخطأ عند بداية تعلُّم شيء جديد، وهنا أنت لا ترفض هذه الحالة على الأشخاص من حولك فقط؛ بل ترفضها على نفسك؛ مما يعني عجزك عن البداية في أي عمل جديد أو تعلُّم شيء جديد في الحياة، وهذه الأحكام تجعلك تنفصل عن الواقع أكثر وتغرق في زوايا تبعدك عن الحياة أكثر. 

قد ترغب في الانضمام إلى النادي الصيفي أو ترغب في العمل في وظيفة جديدة، ولكنَّك سرعان ما تعدل عن هذه الفكرة، وترى نفسك عاجزاً عن البدء بهذا المجال الجديد؛ وذلك بسبب عدم تقبُّل حالة الخطأ في البدايات، وهذا ما يمنعك عن التقدُّم في الحياة؛ إذ إنَّ الحياة في الحقيقة ليست اللون الأبيض فقط؛ بل هي مجموعة كبيرة من الألوان بكل تدرجاتها من الأبيض وحتى الأسود، ولا يمكنك إلغاء أي لون من الألوان؛ بل يجب عليك تقبلها والإقرار بوجودها؛ وكذلك الخطأ هو أمر موجود بكثرة في الحياة الواقعية، وأنت من حقك أن تُخطئ ولا يمكن لأي شخص أن يعيش حياته دون ارتكاب الأخطاء. 

شاهد: مهارات التعامل مع الآخرين

هل يمكن حقاً التخلُّص من الأحكام؟ 

قد يظن بعضنا أنَّ حل هذه المشكلة يكون بالتخلص من الأحكام بشكل كامل، وهذا أمر غير ممكن على أرض الواقع؛ وذلك لأنَّ الأحكام هي جزء لا يتجزأ من السايكولوجيا البشرية، وهي طريقة يتبعها الإيغو للمحافظة على بقائه ووجوده.

إقرأ أيضاً: لماذا يقلل الحكم على الآخرين من جودة حياتك وكيف تمنع حدوث ذلك؟

ما هو الحل الأمثل في التعامل مع الأحكام؟

إنَّ الحل يكون بأن تدرك اللحظة التي تطلق فيها الأحكام؛ لذا عندما تكون في الشارع وتنظر إلى الناس وتلقي الأحكام عليهم؛ كأن تقول هذا غني وهذا يلبس كذا وهذا يمشي بهذه الطريقة.

فيجب عليك أن تدرك اللحظة التي تشعر فيها بأنَّك بدأت بالتصرف على أساس الأحكام، وهنا يجب عليك أن تقف دقيقة واحدة وتفكر في كيفية إبعاد نفسك قليلاً عن هذه الأفكار أو الأحكام؛ وذلك من أجل مراقبتها من منظور خارجي؛ إذ تسهل عليك محاكمتها بشكل عقلاني ومنطقي.

أن تتخلص من الأحكام لا يعني أن تعمل في جميع الشركات أو في جميع المجالات أو في جميع الأسواق، فكل إنسان قد يختار لنفسه التوجُّه نحو مجال معيَّن، لكن بشرط ألَّا يرفض فكرة وجود المجالات الأخرى التي لم ينخرط فيها، فمن حقه عدم الانخراط فيها لكن ليس من حقه أن يعمل على إلغائها أو أن يعُدُّها بلا فائدة أو بلا مبرر منطقي لوجودها.

عندما تتقبل هذا الجزء من ذاتك وتتصالح معه؛ فإنَّك تتخلص من الحكم المتعلق به، وستجد شيئاً فشيئاً الطاقة تعود لتتدفق في دماغك وروحك وتعطيك طاقة كونية رهيبة؛ أي إنَّك بشكل أو بآخر تعيد اتصالك مع عناصر ضرورية موجودة في الكون.

ما هي أهم نقطة في التعامل مع الأحكام؟ 

إنَّ أهم شيء في التعامل مع الأحكام هو أن تتجاهل ذلك الصوت النابع عن داخلك الذي يخبرك طوال الوقت أنَّه منطقي وأنَّ أحكامك منطقية وعقلانية وأنت محق في اتخاذ هذه الأحكام، وهنا يجب أن تنتبه إلى أنَّ عقلك يحاول الدفاع عن نفسه في وجه الآخرين؛ فهو مبرمج على غريزة البقاء والحفاظ على الحياة بصرف النظر عن منطقية أو عقلانية المسألة.

إقرأ أيضاً: لماذا يعد إطلاق الأحكام بحق الآخرين أمراً لا جدوى منه؟

في الختام:

إنَّ موضوع إطلاق الأحكام ليس موضوعاً عادياً أو بسيطاً؛ فهو أمر في غاية الأهمية؛ إذ يمكن أن يقيد حياتك ويقيد مهاراتك ومواهبك؛ لذلك في كل مرة تنظر فيها إلى شخص وتطلق أحكامك، أدرك أولاً ما فعلته ثم ابحث في داخلك عن ذلك الجزء الذي ترفضه في نفسك، واعمل على إصلاحه واحترامه وتقبَّله من أجل أن تتصالح مع جميع مكونات ذاتك، ويؤكِّد خبراء علم النفس أنَّ التصالح مع الذات هو الحجر الأساس في بناء الصحة العقلية والنفسية السليمة التي تقاوم الظروف السيئة ولا تتحطم عند أول مشكلة تصادفها.

المصادر: 1،2




مقالات مرتبطة