الأثر الإيجابي للذكاء العاطفي في أداء الموظفين

الكل يعرف مدى التنافس الموجود حالياً في عالم الأعمال، وخاصةً مع توفر كافة الوسائل التكنولوجية التي تزيد المنافسة اشتعالاً بين المؤسسات والمنظمات. لقد بات هم رفع الأداء الوظيفي عند الموظفين هو الشغل الشاغل للمديرين والقيادين وباحثي علوم الأعمال، فمن المستحيل لأي مؤسسة أو منظمة الاستمرار بذات الجودة والكفاءة ما لم يتساعد الجميع في الحفاظ على أعلى درجات الجودة في الأداء.



توجد مشكلات عديدة تواجه المؤسسات والمنظمات من أجل الحفاظ على مستوى عالٍ من أداء الموظفين، ولعل أهم المشكلات تكمن في النقاط الآتية:

  1. التفرد في القرارات وانتشار نمط التسلط.
  2. غياب الحافز.
  3. سوء العلاقات بين الأفراد داخل المؤسسة أو المنظمة.

لقد تعددت الدراسات والأبحاث التي درست كيفية رفع الأداء الوظيفي عند الموظفين، ولعل أهم ما توصل إليه الباحثون كان في موضوع الذكاء العاطفي وأثره في الأداء الوظيفي عند الأفراد العاملين، ولتوضيح الصورة أكثر لا بد لنا من التعرف على مفهوم الذكاء العاطفي أولاً.

ما هو الذكاء العاطفي؟

يتمثل مفهوم الذكاء العاطفي بقدرة الفرد على التعامل وإدراك عواطفه والتعرف إليها، واستخدامها بشكل إيجابي، كما يشمل أيضاً قدرته على التعامل والتعرف إلى مشاعر الآخرين.

توجد تعاريف عدة للذكاء العاطفي، وكلها تصب في بوتقة واحدة، وهي إدراك المرء عواطفه وعواطف الآخرين؛ فوفقاً لسالوفي وماير؛ إنَّ تعريف الذكاء العاطفي هو القدرة على إدراك العاطفة ودمج المشاعر لتسهيل التفكير، وفهم العواطف وتنظيمها لتعزيز النمو الشخصي؛ في حين عرَّف دانيال غولمان الذكاء العاطفي بأنَّه مجموعة من المهارات والكفاءات التي تقود الأداء عند الإنسان.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للذكاء العاطفي أن يحسن أداءك في العمل؟

وقفة تأمل:

لعل السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة يكمن في ماهية العلاقة بين الذكاء العاطفي وبيئة العمل، وهذا سؤال هام جداً، إذ بينت الدراسات وجود علاقة قوية بين مهارات الذكاء العاطفي وقدرة الأفراد على الأداء في جميع المستويات؛ سواء المستوى الاجتماعي أم المستوى العملي، فالموظفين الذين يظهرون قدراً عالياً من معدلات الذكاء العاطفي لديهم قدرةٌ أكبر على فهم ذواتهم داخل بيئة أعمالهم، وكذلك فهم المحيطين بهم سواءً كانوا مديرين أم قادة أم موظفين، وتظهر أبحاث العالم دانيال غولمان أنَّ معدلات الذكاء العاطفي عند الأفراد تساهم بفاعلية في تحديد نقاط قوة الفرد ونقاط ضعفه التي تستوجب العمل على تحسينها وتطويرها بما يخدم تطور الفرد ونموه.

شاهد بالفيديو: كيف تعزز الذكاء العاطفي في فريقك؟

ما هي إيجابيات استخدام مهارات الذكاء العاطفي في بيئة الأعمال؟

تشير الدراسات والأبحاث إلى أنَّ معدلات القبول الوظيفي حالياً تقوم على مدى امتلاك المتقدم للعمل مهاراتٍ في الذكاء العاطفي؛ إذ إنَّ 80% من الذين يُقبلون في الوظائف والأعمال يمتلكون مهارات في الذكاء العاطفي بدرجات أعلى من الآخرين؛ إذ إنَّ معيار القبول لم يبقَ مقتصراً على الدرجة الأكاديمية والخبرة المهنية فحسب؛ بل تطور أكثر ليشمل مهارات إنسانية أخرى لها نصيب الأسد من معايير القبول الوظيفي، وهي مهارات الذكاء العاطفي، ويمكننا أن نستعرض معاً أهم الإيجابيات التي يمكن أن نحصل عليها من توظيف مهارات الذكاء العاطفي في العمل؛ وهي:

  1. القدرة على إدارة الذات.
  2. القدرة على فهم الآخرين وتقبلهم.
  3. امتلاك الحافز الداخلي.
  4. القدرة على إدارة العلاقات مع الآخرين.

وصفة النجاح:

أهم ما يجب التوصل إليه حالياً هو كيفية الوصول إلى الآلية التي تساعدنا نحن الأفراد في مواقعنا الوظيفية - مهما اختلفت المسميات على تطبيق مهارات الذكاء العاطفي في بيئة العمل - من أجل الارتقاء بالأداء الوظيفي إلى أعلى درجاته، والمحافظة عليه بأعلى جودةٍ وكفاءةٍ ممكنة لتحقيق التطور والنمو على مستوى الخبرة المهنية، وعلى مستوى الارتقاء المادي والارتقاء الوظيفي؛ ولا يمكن الوصول إلى هذا الأمر إلا من خلال اتباع خطوات الحل السحري الآتية:

أولاً: الثقة في النفس في أثناء التواصل مع الآخرين

تساعد امتلاك مهارات الذكاء العاطفي الأفرادَ على امتلاك ثقة في النفس في أثناء التواصل مع الآخرين، إذ إنَّ فهم مشاعر الآخرين وإدراك المرء لأسباب سلوكات الآخرين، تجعله قريباً منهم بما يمكِّن المرء من إعطاء تصورٍ مسبق عن مشاعر الآخرين وعواطفهم عند التعامل معهم، الأمر الذي يؤدي إلى امتلاك الفرد ثقةً في النفس في أثناء التواصل مع الآخرين وفي أثناء اتخاذ القرارات، فالأشخاص الذين يمتلكون معدلات عالية من الذكاء العاطفي يعرفون تماماً كيف يعبرون عن آرائهم، وكيف يتخذون قراراتهم بطريقة مباشرة بعيدة عن التكلف ومقرونةً باحترام الآخرين.

على سبيل المثال؛ إنَّ الموظف - سواء كان مديراً أم قائد فريق أم موظفاً عادياً - الذي يمتلك مهارات في الذكاء العاطفي تكون لديه ثقة في نفسه للتعبير عن رأيه بطريقة مباشرة ومحترمة تجبر الآخرين على الإنصات إليها على الأقل.

إقرأ أيضاً: التدريب على مهارات الذكاء العاطفي في المؤسسات

ثانياً: إدارة المشاعر في أثناء النزاعات

جميعنا يعلم أنَّ بيئة الأعمال تعد واحدةً من أكثر البيئات التي يمكن أن يحصل فيها نزاعات، وإنَّ هذه النزاعات تؤثر وبشكلٍ فعال على الأداء الوظيفي عند الأفراد؛ وهنا تأتي أهمية مهارات الذكاء العاطفي التي تمكِّن الموظفين من تجاوز تلك النزاعات بأقل الأضرار، ومن الحصول على أكبر الفوائد الممكنة. وإدارة النزاعات داخل بيئة العمل لا يمكن أن تتم من دون أن يفهم المرء عواطفه أولاً، وكذلك عواطف الآخرين، الأمر الذي يؤدي حتماً إلى تقبل الآراء المختلفة والانفتاح عليها؛ مما يخفف من حدة النزاعات الداخلية، بل ويسخرها من أجل استخلاص الفوائد منها ومعالجة أسبابها منعاً لظهورها مجدداً؛ الأمر الذي يزيد من معدل الأداء الوظيفي لدى الأفراد.

ثالثاً: الإنصات الفعال للآخرين

تزود مهارات الذكاء العاطفي، الأشخاص بمهاراتٍ عديدة؛ واحدة منها مهارات الإنصات الفعال للآخرين، وكذلك تعلم مهارات لغة الجسد، ولهذا أهمية كبيرة في رفع مستوى الأداء الوظيفي عند الموظفين، وذلك نتيجة انخفاض معدلات النزاع الداخلي، وتجنب سوء الفهم الذي يمكن أن يحصل ضمن بيئة الأعمال.

رابعاً: أوجد حافزك

تساعد مهارات الذكاء العاطفي الأشخاص على امتلاك حافزهم الداخلي، إذ إنَّ وجود الحافز الداخلي لدى الأفراد يساعد على تعزيز الأداء الوظيفي، وذلك من خلال قدرة أولئك الأشخاص الأذكياء عاطفياً على تحديد أهدافهم ومعرفة ما يريدون تحقيقه بدقة، وقدرتهم على مواجهة التحديات التي يمكن أن تعترض سبيلهم.

شاهد بالفيديو: ما العلاقة بين الذكاء العاطفي والقيادة؟

خامساً: تقبّل النقد والتعاطف مع الآخرين

يعد تقبل النقد واحداً من أهم أسباب تطور وتنمية الذكاء العاطفي الذي يساعد على تعزيز الأداء الوظيفي، فالأشخاص الأذكياء عاطفياً يمكن لهم أن يتفهموا أسباب النقد الذي يمكن أن يوجه إليهم من دون الشعور بأي إهانة أو قلة احترام، وهذا يزيد من معدل الأداء الوظيفي نتيجة التعرف إلى جوانب النقص الموجودة وتجنبها.

كما يمكن القول أنَّ تقبل النقد يعد نوعاً من أنواع التعاطف مع الآخرين، فمن دون التعاطف لا يمكن للمرء أن يفهم مقاصد الآخرين وأسباب سلوكاتهم؛ وهذا ينعكس إيجاباً في بيئة الأعمال على صعيد تعزيز الأداء الوظيفي عند الأفراد.

إقرأ أيضاً: القيادة بالعواطف: استراتيجيات لتحسين الأداء

اتخذ قرارك الآن:

من خلال ما سبق، يمكن لنا تبين مدى أهمية الذكاء العاطفي في بيئة العمل، ودوره الرئيس في رفع معدل الأداء الوظيفي والمحافظة عليه، فدمج مهارات الذكاء العاطفي في العمل يحقق مجموعة كبيرة من المزايا التي تساهم بفاعلية في رفع معدل الأداء الوظيفي، ولعل أهم تلك المزايا هي:

  1. التعامل بفاعلية مع التوتر وعدم اليقين والقلق الذي يقترن بالعمل في مجال الأعمال.
  2. التواصل مع الأفراد بفاعلية داخل المؤسسة أو المنظمة.
  3. طرح الأفكار وتقبل النقد، وتحويله إلى نقدٍ بناء.
  4. تحمُّل كل فرد مسؤولياته داخل المنظمة أو المؤسسة، وتحقيق مبدأ القيادة الذاتية وقيادة الآخرين.



مقالات مرتبطة