الآليات الدفاعية اللاشعورية في علم النفس

يعاني الفرد في خضمّ ما يعيشه العالم من متغيرات وأزمات عديدة من ضغوطات مختلفة تشكِّل عبئاً ثقيلاً عليه في حياته، كما يقع خلال سعيه إلى العيش وتلبية حاجاته وما يريد من رغبات في دوافع متضاربة تدفعه أحياناً إلى الإصابة بألوان مختلفة من الإحباط والاكتئاب، بحيث تصبح حياته عبارة عن سلسلة متصلة من الصراع والكفاح.



تختلف ردود فعل كل فرد إزاء ما يواجهه من مشكلات وضغوطات والطريقة التي يختارها في معالجتها والتصدي لها أو التكيف معها، لكن عندما يفشل في إيجاد الحلول المناسبة بطريقة واقعية يلجأ في حالات كثيرة إلى الاعتماد على الآليات الدفاعية اللاشعورية التي تعدُّ بمنزلة قناع يضعه الفرد ليحجب حقيقة الموضوع ويخفف من حدة القلق الناجم عن شعوره بالفشل، فهي كما يرى بعض الناس مصدر قوة للإنسان يستخدمها في تحقيق التوازن مع البيئة المحيطة، لكن بعضهم يرى فيها أذى للنفس عندما تتجاوز حدودها.

أولاً: ما هي الآليات الدفاعية؟

تؤدي الآليات الدفاعية دوراً حاسماً في المحافظة على توازن الفرد الانفعالي، فدونها لا يستطيع العقل الواعي تحمل ما يتعرض له من صدمات وانفعالات سلبية لا سيما فيما يرتبط بموضوع الحزن، وفي الواقع تمثل الآليات الدفاعية طريقة خادعة لحل صراع نفسي محدد، فهي تعتمد على اللاشعور في منع الأفكار الحزينة والمؤلمة والانفعالات غير السارة في الوصول إلى ساحة الشعور.

يرى عالِم النفس "فرويد" أنَّ الآليات الدفاعية هي مجموعة من الآليات اللاشعورية التي تسخِّرها (الأنا) من أجل حماية الشخصية من القلق، وفي حالة استخدامها بإفراط يؤدي إلى تفاقم القلق والضعف المتزايد (للأنا)، وهذا ما يجعل الشخصية معرضة لاضطرابات نفسية وجسدية مختلفة.

ترى الدراسات النفسية أنَّ استخدام الآليات الدفاعية هو تزييف لأحوال الواقع والحقيقة، كما أنَّ استخدامها لفترات طويلة وباستمرار له تأثير خطير جداً، فكلما أصبح وضع الفرد أسوأ تعاظم عمل هذه الآليات ودفع بالفرد لتجنُّب الواقع وبناء قناعاته الخيالية أكثر، فهذه الآليات يستخدمها الفرد عندما يواجه حالة أو حادثة غير سارة.

توجد تصنيفات عدة للآليات الدفاعية، مثل تصنيف "فايلانت" (Vaillant) الذي وجد ارتباطاً إيجابياً بين مستوى النضج والتوافق الناجح في الحياة، ووجد أنَّ لهذه الآليات أربعة مستويات وهي:

1. النرجسية:

وتتضمن آليات الإنكار والإسقاط والتشويه.

2. غير الناضجة:

وتتضمن آليات التخيل والتوهم المرضي والتفعيل والعدوان الإيجابي.

3. العصابية:

وتتضمن آليات المعالجة الفكرية والكبت والإزاحة والتكوين العكسي والعزل.

4. الناضجة:

وتتضمن آليات الإعلاء والقمع والإيثار والتوقع والمرح.

شاهد بالفيديو: 6 طرق في التعامل مع الضغط النفسي

ثانياً: أنواع الآليات الدفاعية في علم النفس

1. التبرير:

آلية نفسية لا شعورية يقوم الفرد من خلالها بإيجاد مبررات ويقدم أسباباً تبدو بنظره مقنعة لما يقوم به من سلوكات، بحيث تكون هذه المبررات ضمن القيم والمعايير التي ارتضاها المجتمع، وذلك من أجل خفض ما يعانيه من قلق وتوتر وخوف.

2. الإزاحة:

آلية نفسية لا شعورية؛ إذ يعمد الفرد خلالها إلى توجيه ما يشعر به من انفعالات وغرائز غير مقبولة نحو أشخاص أو أشياء أو موضوعات أخرى، وذلك بشكل مفرط وكبير حتى يتخلص مما يوجد بداخله من مشاعر خوف وقلق وتوتر.

3. الإسقاط:

آلية نفسية لا شعورية؛ إذ يعمد الفرد من خلالها إلى نسب أفعاله ورغباته وأخطائه إلى أشخاص أو موضوعات أخرى من أجل خفض توتره وقلقه.

4. الانسحاب:

آلية نفسية لا شعورية يعمد الفرد فيها إلى الهروب من الموقف الذي يسبب له الألم أو الحزن أو التوتر أو أي شيء مزعج، ويحاول تجنب ذلك الموقف دائماً من أجل خفض توتره.

5. التعويض:

آلية نفسية لا شعورية تقوم على العمل في ميدان محدد لتحقيق إنجاز ما في ذلك الميدان، وذلك لتعويض القلق الناجم عن أمر محدد في ميدان معين أو من أجل إبراز جانب جيد في الفرد لتعويض نقاط الضعف في جانب آخر.

6. التسامي:

آلية نفسية لا شعورية يعمد الفرد خلالها إلى تحويل ما لديه من غرائز ونزعات وصراعات غير مرغوبة أو مقبولة إلى مجالات ونشاطات مقبولة ومرغوبة اجتماعياً.

7. الإنكار:

آلية نفسية لا شعورية يعمد فيها الفرد إلى رفض تقبُّل الواقع ورفض الحقائق المحزنة وغير السارة، والتعامل بطريقة فحواها أنَّ تلك الحقائق غير موجودة، وذلك تجنُّباً للتوتر والقلق الناجم عن الاعتراف بوجودها، ومثال عن الإنكار عدم اعتراف الأم بموت ابنها وإنكارها لتلك الحقيقة.

8. التحويل العكسي:

آلية نفسية لا شعورية يعمد فيها الفرد إلى إظهار نقيض ما يكمن في داخله من ميول أو غرائز، وذلك لإخفاء ما بداخله؛ فمثلاً قد يبدي فرد ما كراهية لفرد آخر عبر انتقاده أو إشعار الأفراد الآخرين باحتقاره له دون أسباب كافية من أجل إخفاء حبه له.

9. النكوص:

آلية نفسية لا شعورية يعمد الفرد خلالها إلى التقهقر أو الرجوع إلى مرحلة عمرية سابقة والقيام بالسلوكات التي كان يقوم بها خلال تلك المرحلة؛ وذلك لأنَّ تلك السلوكات كانت تحقق له السعادة والمتعة أو تحقق له رغباته وتلبيتها، ومثال عن ذلك قيام الفرد بالبكاء من أجل الحصول على ما يرغب به كما كان يفعل في أثناء طفولته، أو قيام الطفل بالرضاعة مرة أخرى عند شعوره بالغيرة من وجود طفل رضيع آخر، أو أن تقوم فتاة بالغة باللعب بألعاب الدمى مرة أخرى عند شعورها بالحزن.

شاهد بالفيديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

10. التقمص (التماهي):

آلية نفسية لا شعورية يعمد الفرد خلالها إلى إدخال دوافع واتجاهات وصفات وسمات خاصة بشخص آخر بحيث تصبح أصيلة لديه؛ أي ضمن بنائه النفسي، والتقمص في علم النفس يعرف (بالتماهي)؛ إذ يأخذ الشخص خصائص شخص آخر ويتحول سواء تحوُّلاً كلياً أم جزئياً إلى ذلك الشخص.

11. أحلام اليقظة:

آلية نفسية لا شعورية يعمد الفرد من خلالها إلى تحقيق إشباع لحاجات ورغبات وأمنيات لا يستطيع تحقيقها في الواقع، وغالباً ما يقوم جميع الأفراد من مختلف الأعمار بممارسة أحلام اليقظة لكن دون إغراق فيها، ومن يقوم بالإغراق فيها فهو في مشكلة حقيقية؛ إذ يكون بطيء الاستجابة وكثير السرحان ومشتت الذهن ولا ينهي المهام التي توكل إليه كما يجب أو أنَّه يستغرق وقتاً طويلاً لإنجازها.

مثلاً عندما يجلس طالب للدراسة وهو غارق في أحلام اليقظة، فإنَّه غالباً ما يضيع الوقت هباء دون الاستفادة منه؛ إذ يسرح في خياله ويبدأ يتخيل أنَّه قد أنهى امتحانه ونجح فيه بتفوق وقد تم تكريمه على إنجازه، وما إن تنتهي الفكرة ويعود إلى الواقع والحقيقة ويدرك ما حدث، يكون قد ضاع كثيراً من الوقت الذي كان من الممكن استثماره في الدرس، وعلى الرغم من ذلك لا يلبث أن يعود ثانية إلى أحلامه من جديد، وتنعكس نتائج ذلك على واقعه بفشل ما يقوم به من أعمال من ناحية عدم النجاح فيها أو عدم إنجازها بالشكل الأمثل لها.

12. الصدع أو الفلق:

آلية نفسية لا شعورية يرى الفرد خلالها أنَّ الأفراد المحيطين به مقسومون إلى قسمين فقط؛ فهم إما جيدون بالمطلق أو سيئون بالمطلق؛ أي ثمة أبيض أو أسود ولا وجود للون الرمادي أبداً.

13. الانشقاق أو التفارق:

آلية نفسية لا شعورية يقوم الفرد فيها بتأجيل أو تعطيل طبعه أو تغيير شعور ما تجنُّباً للشعور بالقلق أو الحزن وذلك مؤقتاً، كأن يقوم الفرد بتناسي موت أحد مقرب إليه مؤقتاً.

14. العزل:

آلية نفسية لا شعورية تقوم على فصل الفرد بين الفكرة والعواطف التي تحيط بها، فقد تنسى الفكرة أو تبقى لكن بالتأكيد المشاعر المرافقة لها تُنسى كاملةً، مثل قيام فرد بترك منزل أسرته والاستقلال في منزل جديد وحده؛ إذ ينسى هنا مشاعر الحنين لزوايا منزل أسرته القديم ولكنَّه لا ينسى فكرة وجود ذلك البيت.

إقرأ أيضاً: الدوافع: المحركات الخفية وراء كل أفعالنا

15. الكبت:

آلية نفسية لا شعورية تسود بكثرة في المجتمعات ذات القوانين والضوابط الصارمة؛ إذ يقوم الفرد بدفن الذكريات والأحداث المؤلمة في داخله وقمعها حتى لا تظهر على ساحة الوعي.

إقرأ أيضاً: أنواع الحيل الدفاعية النفسية ومنشؤها

في الختام:

إنَّ نظرة سريعة لآليات الدفاع النفسية يمكن من خلالها ملاحظة وظيفتها ودورها في حياة الإنسان، فهي تهدف إلى مساعدة النفس في الدفاع عن نفسها وإيجاد ملجأ لها من مواقف كثيرة لا يمكن للإنسان فعل أي شيء تجاهها أو تغيير فيها أي شيء، فالآليات الدفاعية بالمجمل تسهم في مساعدة الإنسان على تحقيق التكيف مع العالم الخارجي وحماية الذات والحفاظ عليها والدفاع عنها وأخذ دورها المناسب في الوسط الاجتماعي الذي تعيش فيه، ولكنَّ الإسراف في استخدامها يُفقدها فاعليتها وتنعكس سلباً على الفرد وحياته بحيث تزيد من حدة الصراعات النفسية ومعاناة الفرد من الإحباط، ومن ثم فقدان توازن الجسم.




مقالات مرتبطة