اقتصاد السوق السوداء وأسباب ظهوره وتأثيره في اقتصاد الدولة

يوجد في هذا العالم من حولنا، وبالتحديد عالم البشر، الكثير من الأمور المريبة، والتي تدعو إلى الخوف والقلق، والتوتر والتشاؤم، وعدم الراحة، وقد يُنسب إلى هذه الأمور صفة السواد، فيقال عن أعمال السحر والشعوذة التي تتسبب في الأذى للإنسان "السحر الأسود"، أمَّا عن الأيام البائسة والتعيسة، فيقال ذات "غيوم سوداء"، ولا ننسى تلك الاستراتيجيات سيئة السمعة، التي تُتَّبع في الحروب وتبث الرعب والدمار؛ حيث يقال عنها "الأرض السَّوداء" أو "المحروقة".



لكن في أيامنا الحالية، طرأ مؤخراً ما هو أكثر غرابةً وأسوأ سمعةً وأكثر فتكاً من كل ما سبق وعرفه الإنسان؛ حيث تركَّز هذا الأمر في النشاط الاقتصادي والتجاري للدول المتخلِّفة والنامية، بنسبة أكبر من تلك التي في الدول المتقدمة، حتى ظنَّه الناس أمراً تتفرد به الدول المتخلِّفة والنامية، إلا أنَّ هذا الفِكر خاطئ قطعاً؛ وذلك لأنَّ ما نتحدث عنه موجود منذ أن وجد النشاط التجاري في المجتمعات البشرية.

ولا يقتصر ظهوره وزيادة نشاطه على أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية فحسب؛ بل هو نشاط موجود في كل وقت وحين، وفي كل مكان، ولا يقتصر على نوع أو صنف أو طائفة محددة من السلع أو الخدمات؛ إنَّه "السُّوق السَّوداء".

قد يسمع أحدنا عبارة "السُّوق السَّوداء"، فتتسارع إلى ذهنه الأفكار عن عمليات تجارية غامضة وغير قانونية، تجري سرياً في الظل بعيداً عن الأعين.

لذلك، بدأ يتزايد اهتمام الاقتصاديين بالبحث في هذه الظاهرة "السُّوق السَّوداء"، ويرجع هذا الاهتمام إلى أسباب عدة أهمها:

  •  تزايد النسبة التي تُشكِّلها في الناتج المحلِّي الإجمالي، سواء في اقتصاديات الدول المتقدمة، أم اقتصاديات الدول النامية.
  •  تطور البيئة الاقتصادية للقائمين بالأعمال الخفية، وإمكان عرض المواد السَّوداء، عبر التجارة الإلكترونية، وكذلك تجارة الدعارة، وتجارة السلاح، وكل ذلك يعود إلى التطور الهائل في المعلومات ووسائل نقلها عبر الشبكات والأقمار الصناعية، ومجالات التجارة الإلكترونية.
  •  انسحاب جزء لا بأس به من السيولة النقدية العالمية المتاحة، انسحاباً متزايداً، يتناسب مع ازدياد النشاط في السُّوق السَّوداء؛ الأمر الذي يؤثِّر في أسعار الصرف.

كل ذلك وأكثر، هو ما دفعنا إلى مزيد من البحث لتوضيح المفاهيم المتعلقة بهذا الموضوع، ولنعرض لكم الآتي:

  1. مفهوم اقتصاد السُّوق السَّوداء.
  2. أسباب ظهور اقتصاد السُّوق السَّوداء.
  3. تأثير اقتصاد السُّوق السَّوداء في اقتصاد الدولة.
  4. نصائح لتخفيف آثار اقتصاد السُّوق السَّوداء والقضاء عليه.

مفهوم اقتصاد السوق السوداء:

هناك العديد من المصطلحات التي أطلقت على هذه الظاهرة، منها: "اقتصاد السُّوق الخفي"، "اقتصاد السُّوق التحتي"، "اقتصاد الظل" أو "سوق الظل".

وتُعَرَّف السُّوق السَّوداء بأنَّها السُّوق الحرة غير القانونية، التي يتم فيها بيع المنتجات والسلع قليلة الانتشار والتداول، فقد تكون أسعارها أعلى من الأسعار الرسمية، أو من تلك الأسعار التي تخضع لرقابة أجهزة الدولة وقوى السُّوق، أو قد تُفرض على بيع السلع ضرائب ورسوم عالية جداً، فتكون حينها أسعار السُّوق السَّوداء أقل من الأسعار الرسمية أو الخاضعة للضريبة؛ وذلك بسبب التهرب الضريبي الذي يحدث في هذه التجارة.

ويُعدُّ هذا النوع من الاقتصاد، جزءاً من الاقتصاد القومي للدولة، إلا أنَّه غير مسجل في الحسابات الوطنية القومية الرسمية الصادرة من الوزارة المختصة، ولا يتضمنها أيضاً ميزان المدفوعات؛ لذلك يُعدُّ خارج الاقتصاد الرسمي المرخَّص للدولة.

ويكون هذا الاقتصاد أكثر اتساعاً في الدول النامية المتخلِّفة، بسبب معدلات الفساد المرتفعة، والقرارات الاقتصادية الخاطئة، وعدم وجود حرية اقتصادية كما في الدول المتقدمة التي يقل فيها هذا النشاط.

ومن الأمثلة عن السلع التي تنشط تجارتها في السُّوق السَّوداء: تجارة العملة، والمواد الغذائية، والبترول، وتشمل كذلك السلع والخدمات المحرَّمة، مثل: المخدرات، وتجارة الأعضاء، وتجارة البشر، وغيرها.

يؤكد الباحثون في هذا المجال، أنَّ مصطلح "اقتصاد السُّوق السَّوداء" يشير إلى ما هو أضخم بكثير ممَّا قد يخطر في الأذهان حول ماهيته؛ حيث خلصوا إلى تلك النتيجة عبر القيام بجولات على مختلف متاجر هذه السُّوق المتاحة في الشبكة السَّوداء أو ما يُسمَّى "الإنترنت المظلم" و"الإنترنت العميق"، فضلاً عن أنَّ أحجام هذه الاقتصاديات نمت إلى أن باتت تشكِّل تحدياً عملاقاً لحكومات العالم وشعوبه واقتصادياته.

إقرأ أيضاً: كيف تؤثر الأزمات المالية في القوة الشرائية وأسعار العملات؟

أسباب ظهور اقتصاد السوق السوداء:

هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ظهور ونشوء اقتصاد السُّوق السَّوداء، وقيل إنَّ أول ظهور لها في التاريخ كان خلال الحرب العالمية الثانية، بسبب فرض قيود صارمة على بعض الأدوية والمواد الغذائية، التي كانت بعض الدول المتضررة بحاجة ماسة إليها؛ لتضييق الحصار عليها، وبالعودة إلى الأسباب، نذكر فيما يلي أهمها:

  1.  التهرُّب من دفع الضرائب عن المبيعات أو المشتريات؛ أي الاستهلاك؛ حيث إنَّ هذه البضائع غالباً ما تكون مهرَّبة؛ أي أنَّها دخلت السُّوق الوطنية من دون تسجليها لدى المؤسسات الرسمية مثل مديرية الجمارك المختصة.
  2.  عدم قدرة الإنتاج الوطني والاستيراد على تغطية الطلب الداخلي؛ أي نشوء حالة سوقية يزداد فيها الطلب زيادة كبيرة على العرض.
  3.  التهرُّب من قيد الأسعار التي تفرضها الدولة على السلع والخدمات.
  4.  الرغبة في التهرُّب من الضرائب التي تفرضها الدولة أيضاً على السلع والخدمات.
  5.  فرض ضرائب كبيرة على الموظفين تُقتطع من رواتبهم، فضلاً عن فرض الضرائب على أصحاب العمل؛ الأمر الذي يغريهم بالتهرُّب منها عن طريق توظيف المهاجرين مقابل رواتب أقل.
  6.  رغبة البائعين في تحقيق أرباح أكثر من تلك التي يحققونها في الأسواق القانونية، أو لاكتساب الجاه والسلطة.
  7.  رغبة الزبائن في الحصول على سلع وخدمات غير قانونية تكون تكلفتها أقل؛ إذ قد تكون مسروقة أو مهرَّبة.
  8. صعوبة الحصول على بعض السلع قانونياً، بينما تعمل السُّوق السَّوداء على تسهيل الحصول عليها مقابل أسعار مرتفعة.

تأثير اقتصاد السُّوق السَّوداء في اقتصاد الدولة:

هناك العديد من الآثار لاقتصاد السُّوق السَّوداء في الأفراد والمجتمع واقتصاد الدولة ككل، من أهم هذه الآثار:

  1.  الإضرار بالصناعات الوطنية القانونية والمشروعة، والتي لا يمكنها منافسة التكاليف والأسعار المنخفضة للعمليات غير المشروعة في السُّوق السَّوداء، وقد تتعرض لخسارات كبيرة.
  2.  الانخفاض في تجارة السلع القانونية، بسبب إجبار الناس على الشراء من السُّوق السَّوداء من قِبل التجار.
  3.  الانخفاض في الإيرادات الحكومية، والتي يمكن أن تستخدمها في خدمات المواطنين؛ وذلك بسبب عدم خضوع السلع في السُّوق السَّوداء للضرائب.
  4.  الاستغلال لكثيرٍ من العمال، وعدم حصولهم على أي مزايا أو حماية قانونية.
  5. عدم دقة المقاييس الإحصائية لعديدٍ من المؤشرات الاقتصادية، بسبب عدم احتساب الأشخاص الذين يعملون في السُّوق السَّوداء من ضمن القوى العاملة في الدولة، وعدم احتساب الدخل الناتج عن السُّوق السَّوداء ضمن الناتج القومي الإجمالي للدولة.

شاهد بالفديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها

آليات لتخفيف آثار اقتصاد السُّوق السَّوداء والقضاء عليه:

هناك العديد من الآليات التي يمكن اللجوء إليها لتخفيف ظاهرة اقتصاد السُّوق السَّوداء، والقضاء عليها نهائياً؛ من هذه الآليات نذكر لكم:

  1.  زيادة الغرامات على الذين يعملون بصورة خفية، والعمل على إظهار أقصى درجات التحكم والسيطرة على هذه الأشكال من العمالة الخفية.
  2.  زيادة نشاطات التنمية الاجتماعية، لتنمية الوعي الجماهيري بأهمية وخطورة هذه الظاهرة، وآثارها السلبية في الاقتصاد القومي للدولة وفي المجتمع ككل، وأهمية الحاجة إلى تقليص حجم هذا الاقتصاد.
  3.  العمل على إدخال قوانين وقواعد جديدة للتعامل مع هذه الظاهرة، مثل تخفيض، أو حتى على الأقل تثبيت مستويات الضرائب، وتقليل اشتراكات التأمينات الاجتماعية، وتعديل بعض قوانين العمل أو إلغائها.
  4.  التشدُّد في تطبيق الإجراءات الرقابية الموجودة حالياً، أو إدخال إجراءات جديدة للحد من العمالة المنزلية، والأعمال المؤقتة، والتعاقدات من الباطن، وغيرها من الأشكال التي تسمح بازدهار اقتصاد السُّوق السَّوداء.
  5.  تكثيف عمليات البحث عن علاج يناسب طبيعة الأسباب التي تؤدي إلى زيادة النشاط في اقتصاد السُّوق السَّوداء، والتي يكون أساسها تخفيض الحوافز التي تؤدي إلى الانضمام إلى هذا الاقتصاد، ومن جهة أخرى، زيادة درجة جاذبية الاقتصاد الرسمي القانوني، زيادةً تجعل حجم اقتصاد السُّوق السَّوداء بأدنى مستوياته. 
  6.  وضع القوانين التي من شأنها أن تخفِّض دور الحكومة في النشاطات الاقتصادية قدر الإمكان، ومن ثمَّ الحد من تدخُّلها في آلية السُّوق لتحديد الأسعار.
  7.  التوجيه إلى زيادة البرامج التي تعمل على التوعية ضد خطر المخدرات لدى صغار السن، ممَّن يعملون في سن مبكرة، والذين يزداد خطر تعرُّضهم لاستخدام الأنواع المختلفة من العقاقير المخدرة؛ مما يؤدي بهم إلى الإدمان عليها.
  8.  زيادة عدد البرامج المتنوعة الموجهة إلى الشباب واليافعين، لشغل أوقات فراغهم، وللتقليل من فرص تعرضهم لأخطار المخدرات، وخاصة في فصل الصيف، وتشجيعهم على المشاركة الإيجابية في برامج مكافحة المخدرات، والتوعية بأضرارها.
  9.  تكثيف وتشديد الرقابة في النوادي الرياضية وغيرها، وأي نوع من أنواع التجمعات الشبابية، لمنع انتشار ظاهرة ترويج المخدرات فيها.
  10.  التأكيد على دور القطاع الخاص الذي يتشارك مع الحكومة والقطاع العام، في مهمة خلق فرص العمل الجديدة والمتجددة في المجالات المختلفة، للقضاء على ظاهرة البطالة المنتشرة بين شريحة واسعة من الشباب.
  11.  وضع خطط إعلامية وتربوية لغرس القيم الدينية الحميدة، بشرط أن تكون تلك البرامج والخطط بعيدة عن المبالغة والتهويل، ومبنية على دراسات متخصصة بهذا المجال، على أن يؤخذ بالحسبان ألَّا تكون المادة الإعلامية ذات تأثير سلبي في المتلقِّي.
  12. وضع قوانين موجِّهة لأجهزة الإعلام، لكي تحجب الثقة عن كل من يثبت عنه تعاطيه للمخدرات، ومنعه من الظهور في أي أعمال تُعرض على الشاشة أو غيرها من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، ومناشدة وزارة الثقافة أن تمنعهم من المشاركة في أعمالها الفنية، التي تُقدَّم إلى الجماهير، وتحريض الجماهير على مقاطعة هذه الفئة.
إقرأ أيضاً: 11 طريقة للتغلب على الظروف الاقتصادية العصيبة

في الختام:

نرجو أن نكون قد قدَّمنا إليكم معلومات فيها المنفعة والإفادة، على أن نعدكم بمزيد من الموضوعات حول هذا المجال.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8




مقالات مرتبطة