اضطرابات نفسية تصاب بها النساء فقط

تمثِّل الصحة النفسية للنساء جزءاً أساسياً من رفاهيتهن العامة وجودة حياتهن، وإنَّ تأثير اضطرابات الصحة النفسية في حياة النساء لا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال.



تمرُّ النساء بعدة مراحل في حياتهن تتضمَّن تغيرات هرمونية مثل الحمل وما بعد الولادة، ومرحلة ما قبل الطمث، وقد تؤدي هذه التغيرات إلى ظهور اضطرابات نفسية مختلفة، على سبيل المثال، يؤثر اكتئاب الفترة المحيطة بالولادة وذهان ما بعد الولادة في الأمهات بشكل كبير ويؤديان إلى تأثير سلبي في العلاقة بينهن وبين أطفالهن.

إذا لم يتم التعرف إلى هذه الاضطرابات وعلاجها بشكل مناسب، فإنَّها قد تستمر وتتفاقم مع مرور الوقت، وهذا يؤدي إلى تأثير سلبي في الحياة العائلية والاجتماعية والمهنية للنساء؛ لذا فإنَّ فهم أهمية الصحة النفسية والبحث عن العلاج المناسب لهذه الاضطرابات ضروري لضمان تحقيق الرفاهية والاستقرار النفسي للنساء ومجتمعاتهن.

اضطرابات نفسية تصاب بها النساء فقط:

على الرغم من تشابه الاضطرابات النفسية التي تصيب البشر سواء رجال أم نساء، لكن بعض الاضطرابات النفسية لا تصيب سوى النساء، وفيما يأتي سنتعرف إلى هذه الاضطرابات بشكل أوسع، تابعوا القراءة.

1. اكتئاب الفترة المحيطة بالولادة:

اكتئاب الفترة المحيطة بالولادة، المعروف أيضاً باسم "اكتئاب ما بعد الولادة" أو "اكتئاب ما بعد الطلق"، هو حالة نفسية تتطور عادة في الأسابيع القليلة التي تلي الولادة، ويعد هذا النوع من الاكتئاب مختلفاً عن اكتئاب الفترة العادية، ويُعزى إلى عوامل متعددة.

تشمل أسباب اكتئاب الفترة المحيطة بالولادة التغيرات الهرمونية الكبيرة التي يمر بها جسم المرأة بعد الولادة، إضافة إلى الضغوطات النفسية والعاطفية التي قد تصاحب فترة الانتقال إلى الأمومة، وتعد توقعات المجتمع والضغط الاجتماعي للأمومة الناجم عنها أحياناً جزءاً من هذا الاكتئاب.

تمتد تأثيرات اكتئاب الفترة المحيطة بالولادة إلى الأم والطفل على حد سواء، فتعاني الأم عادة من شعور بالحزن العميق، والقلق، وفقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت تستمتع بها، وهذا يؤثر سلباً في قدرتها على رعاية نفسها ورعاية الطفل الرضيع، ومن الجدير بالذكر أنَّ اكتئاب الفترة المحيطة بالولادة يؤثر في العلاقة بين الأم والطفل ويؤدي إلى تأثيرات طويلة الأمد في تطور الطفل.

التشخيص المبكر والعلاج الفعال لاكتئاب الفترة المحيطة بالولادة ضروريان؛ لأنَّهما يمكنان من تحسين نوعية حياة الأم والطفل؛ لذا يجب على النساء اللواتي يشعرن بأعراض اكتئاب ما بعد الولادة طلب المساعدة من محترفي الصحة النفسية أو الطبيين.

يتضمن العلاج عادة الجلسات النفسية وفي بعض الحالات الدواء، ويساعد الكشف المبكر والتدخل السريع على تقليل الأثر السلبي لاكتئاب الفترة المحيطة بالولادة، وضمان تعافي أسرع وصحة أفضل للأم والطفل.

Postpartum depression

2. ذهان ما بعد الولادة:

ذهان ما بعد الولادة هو حالة صحية نفسية تشهدها بعض النساء بعد الولادة، وتُعرف أيضاً بالاسم الطبي "اضطراب ذهان ما بعد الولادة" أو "Postpartum Psychosis"، ويتميز ذهان ما بعد الولادة بأعراض شديدة تؤثر في حالة العقل والتصرف للأم بعد الولادة.

تشمل علامات ذهان ما بعد الولادة تغيرات كبيرة في المزاج والتفكير، فتشعر الأم بالهمجية والتشتت والتوتر الشديد، وقد تظهر أفكار هلاوسية أو وهمية، وتشعر بأنَّ الأمور ليست كما ينبغي وأنَّها في حالة خطر، وتؤثر هذه الحالة في القدرة على العناية بالطفل والتحكم في العواطف والتصرف.

أسباب ذهان ما بعد الولادة ليست معروفة بدقة، ولكن يُعتقد أنَّ التغيرات الهرمونية التي تحدث في الجسم بعد الولادة تؤدي دوراً هاماً، وتؤثر تقلبات هرمونات مثل الإستروجين والبروجستيرون في الكيمياء الدماغية وتسهم في ظهور هذا الاضطراب، ومع ذلك، فإنَّ هناك عوامل أخرى مثل التوتر النفسي، والضغوطات الاجتماعية، والتاريخ العائلي للمشكلات النفسية قد تزيد من احتمالية حدوث ذهان ما بعد الولادة.

يكون الدعم النفسي والعلاج المخصص حاسمين في معالجة ذهان ما بعد الولادة؛ لذا يجب على الأمهات اللواتي يعانين من هذا الاضطراب أن يبحثن عن المساعدة الطبية والنفسية على الفور، ويشمل العلاج عادة الأدوية لاستعادة التوازن الكيميائي في الدماغ، إضافة إلى الدعم النفسي المكثف.

قد يؤدي التفاهم والدعم من قبل الأسرة والأصدقاء دوراً حيوياً أيضاً في تقديم الدعم النفسي للأم، وتجدر الإشارة إلى أنَّ الكشف المبكر والعلاج الفعال يساعدان على تحقيق تحسن كبير في حالة الأم ويسهمان في الحفاظ على سلامة الطفل ورفاهيته.

3. اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي:

اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي، المختصر بـ (PMDD (Premenstrual Dysphoric Disorder، هو حالة صحية نفسية تؤثر في بعض النساء قبل بدء الدورة الشهرية، ويكون PMDD متشابهاً في الأعراض مع متلازمة ما قبل الحيض (PMS)، ولكن هناك فارق أساسي بينهما.

PMDD يعد أشد حدة من PMS ويتسم بظهور أعراض نفسية وجسدية شديدة خلال الأيام القليلة التي تسبق بدء الدورة الشهرية، وتشمل الأعراض تقلبات في المزاج، والتوتر الشديد، والعصبية، والقلق، والتعب الشديد، وتورم وألم في الثدي، وآلام في البطن، يتسبب PMDD في تأثيرات نفسية مثل الاكتئاب والقلق الشديدين، والتي تعوق بشكل كبير الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية.

بالنسبة إلى خيارات العلاج، تشمل العلاجات العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج الدوائي مثل مضادات الاكتئاب وحبوب منع الحمل، والتغييرات في نمط الحياة مثل التمرين المنتظم والتغذية الصحية.

من الهام أيضاً الاعتماد على التدابير الوقائية مثل تقديم الدعم الاجتماعي، وتعلُّم استراتيجيات إدارة التوتر والتغييرات في النظام الغذائي، وتختلف خيارات العلاج من أنثى لأخرى؛ ولذلك من الضروري التعاون مع محترفي الرعاية الصحية لتحديد العلاج الأنسب والفعال لكل حالة.

يساعد إدراك الأعراض والبحث عن المساعدة المناسبة على تحسين نوعية حياة النساء اللواتي يعانين من PMDD وتقليل التأثير السلبي في حياتهن.

إقرأ أيضاً: الاضطرابات النفسية حسب تصنيف الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين

4. المتلازمة السابقة للحيض:

المتلازمة السابقة للحيض (PMS) هي حالة شائعة تؤثر في معظم النساء قبل بدء الدورة الشهرية، وعلى الرغم من أنَّ PMS وPMDD (اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي) متشابهان بالأعراض، لكن توجد بعض الفوارق وخاصة بالشدة بينهما.

يعد PMS أقل حدة من PMDD ويظهر بأشكال مختلفة من حالة لأخرى، وتشمل الأعراض تقلبات في المزاج، وتورماً في الثدي، وآلاماً في البطن، والإحساس بالتعب، وبشكل عام، تكون الأعراض خفيفة إلى معتدلة وتتلاشى بعد بدء الدورة الشهرية.

تأثير PMS في حياة النساء قد يكون متفاوتاً، فقد تعاني بعض النساء من تأثيرات نفسية مثل التوتر والقلق، بينما تؤثر الأعراض الجسدية في القدرة على أداء النشاطات اليومية بشكل طبيعي، وتؤدي حدة الأعراض إلى التداخل مع الحياة الاجتماعية والعلاقات الشخصية.

Premenstrual disorder

توجد استراتيجيات لتخفيف وإدارة PMS تشمل التغييرات في النظام الغذائي مثل تناول الطعام الصحي والابتعاد عن الكافيين والملح، وممارسة التمرينات الرياضية بانتظام، وتعلُّم تقنيات التنفس والاسترخاء للتحكم في التوتر والقلق، وقد يكون الدعم النفسي من قبل الأصدقاء والعائلة أيضاً مفيداً.

بالنظر إلى أنَّ PMS حالة طبيعية إلى حدٍّ ما، يمكن للنساء أن يتعلمن معرفة أوقات ظهور الأعراض والتصدي لها بفاعلية، فيساهم التفهم الذاتي والرعاية الصحية الجيدة في تقليل التأثير السلبي لهذه الحالة في حياة النساء ويساعدهن على التعامل معها بفاعلية.

هل من الممكن أن يتسبب اكتئاب الفترة المحيطة بالولادة في قتل الأم لطفلها؟

نعم، توجد صلة بين اضطراب اكتئاب ما بعد الولادة وحدوث حالات قتل الأطفال، فيؤثر اكتئاب ما بعد الولادة في صحة الأم النفسية جداً، وفي بعض الحالات النادرة، قد يؤدي هذا الاكتئاب إلى تفاقم المشاعر السلبية والضغط النفسي على الأم، وهذا قد يجعلها غير قادرة على التفكير الصحيح واتخاذ قرارات مناسبة، وفي حالات نادرة، قد يؤدي هذا الضغط والتوتر إلى أعمال عنف ضد الأطفال، قد تصل لمحاولة القتل.

من الضروري أن يتم تقديم الدعم والعناية النفسية للأمهات اللواتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة؛ وذلك للمساعدة على منع حدوث أي أعمال عنف تجاه الأطفال، فإذا كنت تعرف أي أمٍّ تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة أو تشك في وجود مشكلات، فمن الهام أن تشجعيها على البحث عن المساعدة المناسبة من محترفي الصحة النفسية.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح لتجاوز اكتئاب سن اليأس

في الختام:

يجب علينا أن نؤكِّد أهمية التعرف إلى علاج اضطرابات الصحة النفسية التي تؤثر في النساء، فهذه الاضطرابات لها تأثيرات كبيرة في الحياة اليومية والعلاقات الشخصية والمهنية للنساء؛ لذا ندعو بحرارة إلى تقديم الدعم والمساعدة للنساء اللواتي يعانين من هذه الاضطرابات، سواء من خلال تقديم الدعم العاطفي أم توجيههن إلى محترفي الصحة النفسية المؤهلين، فهم أفضل عونِ في هذه القضايا، فقد تساهم زيادة الوعي في تحسين جودة حياة النساء وصحتهن النفسية والجسدية، وإنَّ تقديم الدعم والمساعدة للنساء هو خطوة هامة نحو تعزيز رفاهيتهن وتعزيز المجتمعات التي نعيش فيها بشكل عام.




مقالات مرتبطة