اضطرابات النطق والكلام: أسبابها وعلاجها

تختزنُ اللغة داخلها سحراً يتجلَّى في القدرة على التفاهم والتواصل، وهي جسر يربط بين عقول البشر ويحمل بين ثناياها ألواناً عديدة من التعبير والمعرفة؛ لذا ألهمتْ اللغة الإنسان، ومكَّنته من التَّفوُّق في الفهم والتواصل، وأصبحتْ حجر الزاوية في بناء الحضارات؛ لهذا تأتي مع تلك اللغة تحديات جديدة للعديد من الأفراد؛ لذا يجدون صعوبة في لفظ الحروف والكلمات بوضوح، وهذا يجعلهم يختبئون خلف جدران الصَّمت، وهنا تظهر "اضطرابات النطق والكلام"، بوصفها عائقاً يمنع الأفراد من التعبير بوضوح عن أفكارهم ومشاعرهم.



ما هي اضطرابات النطق والكلام؟ وما هي أسبابها؟ وكيف يمكن علاجها لتمكين الأفراد من إعادة صوتهم وكلماتهم إلى الحياة بثقة ويسر؟

مفهوم اضطرابات النطق والكلام:

اضطرابات النطق والكلام: هي مشكلات تؤثر في القدرة اللفظية للفرد على التحدث، وفهم اللغة الشَّفوية بشكل صحيح، وعرَّفتْ جمعية "العلاج النفسي والنطق والكلام الأمريكية" (ASHA)، اضطرابات النطق والكلام بأنَّها: مشكلات في إصدار الأصوات وتلفُّظ الكلمات بشكل صحيح، وتشمل صعوبات في النطق الصوتي والسياق اللغوي، وتكون ناجمة عن مشكلات في الجهاز النطقي واللغوي.

كما عرَّفتْ "الجمعية الأمريكية لعلم النفس" (APA)، اضطرابات النطق والكلام كما الآتي: هي صعوبات في التعبير عن الأفكار، والأفعال بشكل لائق من خلال اللغة الكلامية، وهذا يكون ناتجاً عن مشكلات في النطق الصوتي واللغة.

لذا تشمل اضطرابات النطق والكلام مجموعة متنوعة من المشكلات، وهي:

1. اضطرابات النطق:

صعوبة في تلفُّظ الأصوات بشكل صحيح.

2. اضطرابات السياق اللغوي:

تشمل مشكلات في فهم واستخدام اللغة في السياقات اللفظية، يظهر ذلك على شكل صعوبة في تكوين الجمل بشكل صحيح، أو في فهم معاني الكلمات عند الاستخدام.

3. تأخُّر اللغة:

يشير إلى عدم تطور اللغة بالسرعة المتوقعة في مراحل النمو؛ من ثمَّ يؤدي ذلكالاضطراب إلى تأخر الطفل في تطوير مهارات اللغة اللفظية.

4. اضطرابات التواصل:

تشمل صعوبة في التفاعل الاجتماعي والتواصل بشكل عام.

شاهد بالفديو: كيف تشجّع طفلك على النطق

أشكال اضطرابات النطق والكلام:

تضمُّ اضطرابات النطق والكلام عدة اضطرابات، تؤثر في قدرة الإنسان على التواصل بشكل فعال، ويُمكن تصنيفها في ثلاث مجموعات رئيسة: اضطرابات النطق، اضطرابات الكلام، واضطرابات الصوت، وفيما يأتي شرح لكل منها:

أولاً: اضطرابات الكلام

1. اللجلجة:

هي اضطراب في الكلام يتَّسم بالتكرار، أو التوقف المفاجئ، أو الاستمرار في النطق بشكل متقطع ومُضطرب، وتكون طبيعية في الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و5 سنوات، ومع مضي الوقت؛ إذ استمرتْ اللججة، قد تحتاج إلى برنامج علاجي نفسي وكلامي، على سبيل المثال يقول الطفل "مَمَمَمَرحباً" بدلاً من "مرحباً"، أو "تَتَتَفاح" بدلاً من "تفاحة".

2. التأتأة:

هي اضطراب يتميز بتكرار الحروف، أو الكلمات، أو الصوتين بشكل متكرر وغير مرغوب في أثناء النطق، ويترافق ذلك مع اضطراب في التنفس وحركات غير طبيعية في اللسان، وهي شائعة بين الذكور أكثر من الإناث.

3. اللثغة:

هي اضطراب في النطق يتميز بتقديم الحروف بشكل غير صحيح؛ ويؤدي إلى استبدال حرف بحرف، فتكون اللثغة ناتجة عن عوامل متعددة، مثل عوامل التقليد، ووجود تشوهات في الفم والأسنان، أو تكون بسبب عوامل نفسية أو اجتماعية؛ فالحروف التي تتأثر باللثغة عادة ما تكون القاف والسين واللام والراء، فيقال: "بثم الله" بدلاً من "بسم الله".

4. السرعة الزائدة في الكلام:

هي اضطراب يتعلق بمعدل النطق، وسرعة إصدار الكلمات والجمل، ويكون هذا الاضطراب؛ بسبب عوامل متنوعة، منها: عوامل طبية ونفسية واجتماعية، والفرد المصاب بالسرعة في الكلام قد يتحدث بسرعة زائدة بحيث يصعب على الآخرين متابعته، أو فهم ما يقول، وقد يظهر هذا الاضطراب بشكل مستمر، أو يأتي في فترات معينة.

5. تأخر الكلام:

هو اضطراب في النطق والكلام، يتميز بعدم قدرة الشخص على تكوين ونطق الكلمات والعبارات بالسرعة والدقة التي يعدها مناسبة لعمره ومستوى تطوره؛ لذا يكون تأخر الكلام ناجماً عن عوامل مختلفة، مثل العوامل الجسدية والنفسية والاجتماعية.

إقرأ أيضاً: علاج تأخر الكلام عند الأطفال

6. الحبسة:

هي مجموعة من الاضطرابات اللغوية التي تؤثر في القدرة على التواصل اللغوي، دون أن تتسبب في عجز عقلي خطير، وتؤثر الحبسة عادةً في قدرة الشخص على التعبير عن نفسه، وفهم الأدلة اللغوية، سواء كانت منطوقة أم مكتوبة، وهذه الاضطرابات تؤثر في إحدى هاتين القدرتين، ويُعزى سبب الحبسة في بعض الحالات إلى إصابات موضعية في النصف الأيسر من الدماغ، وبخاصة عند الأفراد الذين يستخدمون يدهم اليمنى بشكل رئيسي، ومن أمثلتها:

تكرار الكلمات:

الشخص المصاب بالحبسة قد يكرر الكلمات، أو الصوتيات بشكل غير طبيعي، مثل: "أ-أ-أنا أريد أ-أ-أنا أريد شرب ماء.

التعثر في الصوتيات:

يتعثر الشخص في بدء الصوتيات أو الكلمات، مثل "قققم" بدلاً من "قمم".

التوتر والتعبير عنه:

قد يصاحب الحبسة التوتر والقلق، ويمكن للشخص أن يعبِّر عن هذا التوتر بتكرار الكلمات أو التعبيرات، مثل: "هل هل هل هل يمكنني القيام بهذا؟".

الانقطاعات والتوقفات:

ينقطع الشخص في النطق، ويتوقف في منتصف الجملة دون سبب ظاهر، من ثم يعاود البداية من جديد.

7. عسر الكلام:

يتميز بصعوبة شديدة في إخراج الكلمات بشكل صحيح وبسلاسة؛ نتيجة عدم القدرة على التنسيق بين الجهاز العصبي والعضلي، ويحتاج إلى تدريب مستمر لأعضاء النطق التي يصعب تحريكها، وهي حالة تحتاج بشكل خاص إلى علاج متخصص إضافة إلى مختص بالتنفس.

ثانياً: اضطرابات النطق في الكلام

1. التحريف:

يشير التحريف إلى تعديل أو تغيير طريقة نطق الأصوات بطريقة تجعلها تقترب من الصوت الصحيح، ويُلاحظ أنَّ التحريف شائع بين الأفراد من مختلف الأعمار، على سبيل المثال تحريف الصوت "س": يتمثَّل في تلفظ الصوت "س" بصفير طويل بدلاً من النطق الصحيح له، يمكن للشخص أن يقول "صَيْف" بدلاً من "سَيْف".

2. الحذف:

يتمثل في قطع، أو حذف جزء من الأصوات الموجودة في كلمة معينة؛ فيقوم الطفل المصاب بالحذف بتجاهل صوت أو صوتين من الأصوات المكونة للكلمة، وينطق فقط جزءاً منها، ونتيجة ذلك الاضطراب؛ يصبح كلام الطفل في هذه الحالة غير مفهوم تماماً، حتى بالنسبة إلى الأشخاص الذين يحاولون الاستماع إليه، مثل الوالدين وغيرهم؛ لذا يوجد هذا النوع من العيوب في النطق بشكل أكثر شيوعاً بين الأطفال الصغار، مقارنة بالأطفال الأكبر سناً، كما يلاحظ أنَّ هذه العيوب تظهر في نهاية الكلمة بشكل أكبر من ظهورها في الحروف الساكنة في بداية الكلمة، أو في وسطها.

3. الإبدال:

يتمثل في استبدال، أو تبديل حرف، أو صوت بآخر في كلمة معينة، على سبيل المثال: يقول الطفل "سهرة" بدلاً من "زهرة"، أو "كباب" بدلا من "كتاب"، أو "يفعو" بدلاً من "يعفو".

4. الإضافة:

نوع من اضطرابات النطق والكلام التي تتضمن إضافة صوت زائد إلى الكلمة، فمثلاً: يُضاف صوت إضافي بعد الحرف "ت"، وهذا يجعل النطق "كتاتاب" بدلاً من "كتاب".

ثالثاً: اضطرابات الصوت

1. الصوت المرتفع:

يتعلق بصوت يرتفع أكثر من النطق العادي، وقد يجعل صوت الشخص يبدو أعلى من الطبيعي.

2. الصوت المنخفض:

يتعلق بصوت ينخفض أكثر من النطق العادي، ويجعل صوت الشخص يبدو أعمق من الطبيعي.

3. شدة الصوت:

تختلف شدة الصوت بين الأفراد، والاضطراب في هذا السياق يكون، إما صوتاً مرتفعاً جداً (صوت عالي)، أو صوتاً منخفضاً جداً (صوت هادئ)، وهذا يؤثر في وضوح النطق.

4. الصوت المفرط:

يتعلق بزيادة الصوت الأنفي في النطق، ويجعل الشخص يبدو وكأنَّه يتحدَّث عبر الأنف.

شاهد بالفديو: تسعة طرق لتحسين المهارات اللغوية لدى طفلك

أسباب اضطرابات النطق والكلام:

إنَّ اضطرابات النطق والكلام، تؤثر في القدرة على التعبير والتفاهم، وهي مشكلة شائعة تؤثر في مختلف الأعمار والمجموعات الاجتماعية، ولكن بشكل خاص الأطفال؛ لذا من الممكن أن تكون الأسباب والعوامل المساهمة في اضطرابات النطق والكلام متنوعة، أهمها:

1. وجود خلل في الجهاز النطقي مثل:

الحنك المشقوق، شق الشفاه، مشكلات اللسان (عقدة اللسان، أورام اللسان، اختلاف حجم اللسان).

2. وجود خلل في الجهاز العصبي:

يمكن أن تكون الأسباب متنوعة، مثل أمراض الجهاز العصبي المركزي أو الشلل السفلي، والتشوهات الهيكلية، واضطرابات التخاطب واللغة.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح غذائيّة لتقوية الجهاز العصبي

3. الإصابات الرأسية:

إصابات في الرأس قد تؤدي إلى اضطرابات في النطق والكلام.

4. الاضطرابات النفسية:

مثل القلق والضغوطات النفسية؛ وقد تتسبب في اضطرابات النطق والكلام.

5. العوامل البيئية:

تؤدي البيئة التي يعيش فيها الفرد دوراً كبيراً في تطور مهارات النطق واللغة، على سبيل المثال: التعرض لقلة التفاعل اللغوي، أو عدم التحدث بشكل مناسب يؤثر في التطور اللغوي.

6. التقليد:

الحديث مع الأطفال عبر المناغاة وتصغير الحروف أو حذفها للتحبب؛ قد يجعل الطفل يعتقد أنَّ هذا هو النطق الصحيح للحروف؛ لذا تترسخ في عقله وتكون سبباً لمشكلات النطق والكلام.

7. بعض الاضطرابات التطورية:

مثل عسر النطق، من ثمَّ اضطرابات النطق الأخرى تحدث من دون سبب واضح، وتعدُّ جزءاً من تطور اللغة عند الأطفال.

كيف يمكن علاج اضطرابات النطق والكلام؟

1. العلاج النفسي:

يهدف العلاج النفسي إلى مساعدة الأطفال في التَّغلب على مشكلاتهم النفسية، مثل الخجل والقلق وتعزيز صحتهم العقلية، ويعمل هذا العلاج على تقليل الأثر الانفعالي والتوتر النفسي للأطفال، ويساعدهم على بناء شخصياتهم، وتحقيق التوازن، ويشمل العلاج تدريب الأطفال على التعبير عن أنفسهم بشكل أفضل، وهذا النوع من العلاج يكون فعالاً عندما يحدث تعاون من الآباء والأمهات الذين يفهمون أهمية هذا العلاج، وإضافة إلى ذلك؛ يجب على المعلمين أن يكونوا حساسين لاحتياجات الأطفال، لتقديم الدعم لهم في المدرسة.

2. العلاج الكلامي:

هو نوع من العلاجات التي تستهدف تحسين مهارات النطق والكلام عند الأفراد الذين يعانون من اضطرابات في هذا الجانب، ويشمل هذا العلاج تدريب العضلات المستخدمة في عملية النطق وتحسين التحكم فيها، وعادةً ما يتم تقديم مثل هذا العلاج من قبل مختصين في مجال النطق واللغة.

3. العلاج الاجتماعي:

يستهدف تحسين مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي للأفراد الذين يعانون من اضطرابات في النطق والكلام، ويساعد تدريب الأفراد على كيفية التفاعل مع الآخرين بشكل فعال، وبناء العلاقات الاجتماعية الصحية، كما يشمل تصحيح الاتجاهات التي يحملها تجاه والديه وتجاه مجتمعه، وتوفير الحاجات الخاصة به.

4. العلاج الجسدي:

يتضمن التأكد من صحة الأجهزة العضوية المرتبطة بأجهزة النطق والكلام، ويركِّز على تحسين التحكم في العضلات والحركات الجسدية المشاركة في عملية النطق، ويتضمن تمرينات وتقنيات تعزز التنسيق بين العضلات، وتعمل على تقوية العضلات المستخدمة في النطق.

5. التمرينات والألعاب:

يمكن استخدام الألعاب والنشاطات التفاعلية؛ لجعل العلاج ممتعاً للأطفال، وتشجيعهم على التعاون.

6. المتابعة والتقييم المنتظم:

يتطلب العلاج متابعة دورية لقياس التقدُّم، وضبط البرنامج العلاجي بحسب الحاجة.

في الختام:

تمثل اضطرابات النطق والكلام مصدر قلق للأفراد وأسرهم، ولكن ثمة أمل وفرص كبيرة للتحسن والعلاج بشكل تام؛ وذلك من خلال الفهم الجيد للأسباب، والعوامل المساهمة في هذه الاضطرابات؛ فيمكن توجيه الجهود نحو العلاج والدعم المناسب، والتقييم المبكر، ثم التدخل العلاجي الفعَّال يساعد الأفراد، وبخاصة الأطفال، على تجاوز الصعوبات وتحسين قدراتهم في النطق والكلام، والعلاج يتضمن مجموعة متنوعة من الطرائق، مثل العلاج النفسي، والعلاج الكلامي، والتقويم، والعلاج الجسدي، إذ يعزز التعاون بين الأهل والمختصين والمدرسين من فعالية هذا العلاج.




مقالات مرتبطة