اضطراب توهُّم المرض: أسبابه وكيفية التعامل معه

إنَّ حياة الإنسان عبارة عن سلسلة متعاقبة من الأيام التي يتخللها الكثير من المواقف والأحداث المسببة للضغوطات النفسية والاضطرابات المختلفة؛ إذ يعاني منها الأفراد عندما يشعرون بخطر يتهدد حياتهم أو خطر يهدد استقرارهم سواء المادي أم الاجتماعي والشخصي وكذلك العاطفي.



ما هو مرض "اضطراب توهُّم المرض"؟

يُعرَف مرض "اضطراب توهُّم المرض" أو ما يسمى "اضطراب القلق المَرَضي" بقلق الإنسان الدائم على صحته والخوف من الإصابة بالأمراض وانشغاله بالتفكير فيها على الرغم من عدم وجود سبب عضوي يدفعه لفعل ذلك، وهذا المرض موجود منذ القدم، وقد قال عنه "هبوقراط الإغريقي": هو "الإعياء الذي لا يُعرَف له سبب".

فقد يعتقد المريض أنَّ لديه مرضاً خطيراً، ويستمر بالشكوى من الألم ومن وجود أعراض ذلك المرض، ويذهب بكثرة إلى الأطباء ويتردد إلى المخابر الطبية لإجراء التحاليل المختلفة في محاولة منه لإثبات وجود ذلك المرض لديه.

لقد جاء في كتاب "الصحة النفسية والعلاج النفسي" للمعالج والمرشد النفسي "حامد عبد السلام زهران" أنَّ "اضطراب توهُّم المرض" هو اضطراب نفسي المنشأ، وعبارة عن اعتقاد راسخ بوجود مرض على الرغم من عدم وجود دليل طبي على ذلك، وهو تركيز الفرد على أعراض جسمية ليس لها أساس عضوي، وذلك يؤدي إلى توهُّم الفرد في نفسه واهتمامه المَرَضي الدائم بصحته وجسمه بحيث يطغى على كل الاهتمامات الأخرى، ويعوق اتصاله السوي بالآخرين، ويشعر بالنقص والشك في نفسه، كما يعوق اتصاله أيضاً بالبيئة المحيطة به ويُطلَق عليه أحياناً رد فعل توهُّم المرض".

عرَّفه آخرون من أمثال "عبد المنعم حنفي" في "موسوعة الطب النفسي" و"عبد العلي الجسماني" في كتابه "الأمراض النفسية" بأنَّه اضطراب عصابي، ويُعرَف بأنَّه الانشغال الشديد بفكرة احتمال وجود مرض خطير مبني على أساس سوء تفسير الفرد للأعراض الجسدية؛ إذ يفسر الشخص الإحساس والظواهر الطبيعية والعادية بِعَدِّها غير طبيعية ومزعجة، ويستمر هذا الانشغال الشديد على الرغم من طمأنينة التقييم الطبي المناسب.

أسباب الإصابة باضطراب توهُّم المرض:

  1. وجود نوع من الحساسية الزائدة لدى الفرد وتأثره تأثراً كبيراً بما يقوله الآخرون على اختلافهم؛ أطباء، ومقربون من العائلة، وأصدقاء، وغرباء عنه أيضاً، وكذلك عند قراءة الكتب والمجلات والدوريات الطبية وحتى الإرشادات الطبية التي تلحق عادةً بعلب الدواء؛ إذ يحاول نقل الأعراض التي يقرأها عن مرض ما إلى جسده والتعامل على أساس وجوده الفعلي.
  2. خيبات الأمل المستمرة التي تواجه الفرد في تنفيذ خططه وأحلامه؛ أي الفشل في تحقيق ما يريد.
  3. وجود أنواع أخرى من الأمراض النفسية لدى الفرد مثل الاكتئاب أو القلق المرضي.
  4. وجود أفراد آخرين في نفس العائلة يعانون من أمراض مشابهة.
  5. التعب الذي يواجه الفرد نتيجة عدم توافق قدراته مع متطلبات العمل الذي يعمل به، بالإضافة إلى بيئة العمل غير المريحة التي يضطر إلى الوجود فيها.
  6. التنشئة الاجتماعية للفرد ودور الأساليب التي يتبعها الوالدان في تربية الأبناء، مثل إعطائهم الحرية الكاملة وملاحقة صحة الطفل بشكل مفرط، كما يُعَدُّ حدوث النقيض من ذلك؛ أي تعرُّض الطفل للتعنيف أو حالات العدوان أو الاعتداء بأشكاله سبباً أساسياً في ظهور الاضطراب.
  7. الانفعالات الشديدة والضغوطات النفسية التي يتعرض لها الفرد في مواقف مختلفة، مثل زيارة مريض يعاني من مرض خطير، أو موت أحد المقربين منه، أو مرور الفرد بعلاقات اجتماعية وعاطفية غير ناجحة.
  8. الإصابة بمرض خطير أو مؤلم بشدة في مرحلة الطفولة، وبقاء أثر تلك التجربة مع الفرد خلال حياته.

هل يسبب "اضطراب توهُّم المرض" أعراض المرض؟

على الرغم من عدم وجود أعراض جسدية واقعية للمرض الذي يتوهمه المريض بهذا الاضطراب، إلا أنَّ الصور السريرية له توضح سيطرة تفكير الفرد وانشغاله الدائم بصحته وتوهُّمه بإصابته بأحد الأمراض الخطيرة كأمراض السرطان أو أمراض التنفس أو القلب إلى درجة شعوره بأعراض تلك الأمراض؛ فتبدو تلك الأعراض بالنسبة إليه حقيقية للغاية.

يزيد من خطورة ذلك قيام الطبيب بطلب الكثير من التحاليل الطبية بعد الشكاوى البسيطة التي لا تُعَدُّ سبباً حقيقياً لفعل ذلك؛ وهذا يدفع الفرد للشعور بإخفاء الطبيب عنه إصابته بمرض خفي وخطير يهدد حياته، لكن عند ظهور نتائج الفحوصات وإثباتها عدم وجود أي مرض من الأمراض التي شك بوجودها لديه، يعاود توقع خطر الإصابة بمرض آخر ويعاود القيام بنفس تلك الخطوات مرة أخرى، ويؤدي ذلك في مجمله إلى حدوث خلل واضح في قدرة جسم الفرد على القيام بمهامه الروتينية على أكمل وجه.

شاهد بالفديو: 5 نصائح مهمة للتخلص من الوهم

أعراض الإصابة "باضطراب توهُّم المرض":

  1. أوجاع الرأس، وقلة الانتباه والتركيز، وحالات النسيان المتكررة والأرق التي ترافق الفرد باستمرار.
  2. الشعور بالتعب وعدم الراحة والإرهاق.
  3. التضخيم من شدة الشعور بالألم والمبالغة به.
  4. القيام بفحوصات غير ضرورية ودون سبب واضح وزيارة الأطباء بكثرة.
  5. الشكوى من أعراض مَرضية مرتبطة بالمرض الذي يتوهُّمه.

علامات الإصابة "باضطراب توهُّم المرض":

  1. الاكتئاب والشعور بالعجز الشخصي والاجتماعي والتوتر بشكل مستمر.
  2. اضطراب قهري تجاه بعض الأعمال؛ مثل غسل اليدين، والتنظيف والتعقيم بشكل مفرط.
  3. الإفراط في مراقبة أعضاء الجسم المختلفة، وتوهُّم حدوث أشياء غير موجودة تتعلق بشكل الجسم مثل طوله، ووزنه، وتضخم بعض أعضائه.
  4. الخوف من الأمور الطبيعية في الجسم؛ مثل التعرق بكثرة الذي يجعل الفرد يتوهَّم بوجود مرض خفي وراء ذلك.
  5. شعور الفرد بالهلع والخوف من أي تغيير قد يحدث في الجسم مهما كان بسيطاً.
إقرأ أيضاً: 10 معلومات هامة عن مرض التوهم المرضي

هل التوهُّم المرضي هو مرض نفسي؟

لمعرفة إذا كان "اضطراب التوهُّم المرضي" هو أحد أنواع الأمراض النفسية التي تصيب الفرد، يمكننا إلقاء نظرة على تحليل المدارس النفسية لهذا الاضطراب:

  • المدرسة السلوكية: ترى أنَّ هاجس المرض يكتسبه الفرد من خلال التعلم؛ إذ يتخذ الطفل من الوالدين مثالاً يقتدي به، كما أنَّ الوالدين يعززان ذلك الاتجاه من خلال أساليب التنشئة الاجتماعية التي يتعاملون بها مع الطفل كالإفراط في العناية بصحته.
  • مدرسة التحليل النفسي: ترى أنَّ التوهُّم النفسي ينشأ نتيجة الصراعات التي تنتج عن وجود مشاعر الذنب والخوف، فمن أجل التصدي لهذه الصراعات تتم إزاحة الانتباه للتركيز على الجسم.
  • يرى بعضهم أنَّ أساس التوهُّم المرضي هو نمط الشخصية.

وبالرجوع إلى أساس المرض؛ أي إلى خوف الفرد الشديد من الإصابة بمرض خطير وتأكيد الأطباء بأنَّ أعراض المرض الذي يشعر المريض بوجوده لديه غير حقيقية، كما أنَّ معظم الدراسات التي تناولت الحديث عنه أكدت اقتران وجوده بوجود أنواع أخرى من الأمراض النفسية، وكل ذلك يقودنا للقول إنَّ التوهُّم النفسي هو مرض نفسي.

كيف أتعامل مع مريض توهُّم المرض؟

  1. الخضوع للعلاج النفسي ومحاولة توجيه اهتمام الفرد إلى اهتمامات أخرى بعيدة عن الذات من خلال جلسات حوارية معه تجعله يطمئن لنفسه ولصحته رويداً رويداً.
  2. إرشاد المحيط الاجتماعي للفرد المصاب بهذا الاضطراب سواء أكانت عائلته أم أصدقاءه إلى ضرورة التوسط في معاملتهم للفرد؛ أي عدم المبالغة في العطف أو التعنيف.
  3. التفاعل الاجتماعي الفعال لصرف اهتمام المريض عن أوهامه من خلال تعديل البيئة المحيطة سواء في البيت أم العمل، بالإضافة إلى ضرورة إرشاد الفرد إلى كيفية فهم وتفسير إشارات الجسم المختلفة بشكل صحيح، وتشجيعه على خوض تجارب جديدة والسعي إلى زيادة اهتماماته في الحياة لإبعاده عن التفكير في إصابته بالأمراض.
  4. يجب دفع الفرد إلى تجنب البحث على الإنترنت عن الأمراض المختلفة؛ لأنَّ ذلك سوف يدفعه إلى المزيد من التفكير والإحساس بوجود المرض لديه.
  5. يجب على الفرد أن يسأل الأفراد المحيطين به عن تجاربهم وإحساسهم بالأمور الاعتيادية للجسم، مثل سرعة ضربات القلب.
  6. يمكن للطبيب اللجوء إلى تهدئة المريض من خلال وصف المهدئات وأدوية وهمية، لكن في حال وجود أمراض مرافقة كالاكتئاب والقلق، فإنَّ الفرد يحتاج إلى أدوية حقيقة معالجة لها.
  7. لا بأس في إجراء فحوص دورية دون المبالغة في إجرائها، بالإضافة إلى الاعتماد على طبيب واحد وعدم التردد على عدة أطباء.
  8. تقليل التوتر من خلال ممارسة التمرينات الرياضية، بالإضافة إلى تمرينات الاسترخاء وأخذ قسط من الراحة الكافية للجسم.
  9. اتباع روتين حياة صحي سوف يقلل بالتأكيد من إمكانية تعرُّض الأفراد للتوهُّم المرضي؛ لذا اسعَ إلى جعل حياتك وحياة أي فرد صحية باتباع، ممارسة الرياضة، والنوم بشكل كافٍ، وتناول أغذية صحية.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

هل أنا مصاب بمرض نفسي؟

في الحقيقة، لا يوجد اختبار محدد وواضح يمكن للفرد أن يقوم بتجربته لمعرفة فيما إذا كان مصاباً بمرض نفسي أو لا، لكن يمكن للفرد ملاحظة صحته النفسية وتقييمها بشكل مستمر، كما يمكن للفرد طلب المساعدة من المقربين منه في إعطائه أي ملاحظة خاصة بسلوكه أو علاقاته معهم، فلا يوجد أعراض واحدة للأمراض؛ بل كل مرض له أعراض خاصة به تختلف جزئياً أو كلياً عن الأمراض الأخرى، لكن توجد أشياء عامة يشير حدوثها إلى وجود مرض نفسي أو اضطراب يجب مراجعة الطبيب الخاص عند الشعور بها أو تكرارها بشكل كبير ومنها:

  1. التغيرات المفاجئة في المزاج؛ مثل الانتقال من حالة الحزن الشديد إلى حالة من الفرح غير المبرر، وكذلك الانفعالات غير المبررة وردود الفعل المبالغ فيها على المواقف البسيطة.
  2. عدم الاكتراث للأحداث الدائرة حول الفرد وعدم إدراك أبعادها.
  3. التوتر والقلق بشكل مفرط تجاه كل حدث أو حتى دون وجود سبب واضح لذلك.
  4. حدوث مشكلات في النوم وعدم القدرة على النوم بالشكل الكافي، أو حدوث العكس والاستمرار في النوم فترات طويلة لا تناسب الجهد الذي يبذله الفرد ولا حاجة الجسم الطبيعية من ساعات النوم التي تتراوح بين سبع إلى ثماني ساعات.
  5. تغير في شهية الفرد "الإفراط في تناول الطعام أو فقدان الشهية".
  6. عدم الثقة بالنفس وتغلُّب مشاعر الذنب على حياة الفرد.
  7. حساسية الفرد المفرطة تجاه أي حدث أو أي كلام لا يتوافق مع رغباته الشخصية.
  8. العزلة والانسحاب الاجتماعي وعدم الرغبة في الاختلاط بالآخرين.
  9. انخفاض إنتاجية الفرد وفقدان الدافع للإنجاز.
إقرأ أيضاً: العقلية الوهمية!

ما هو الوهم العاطفي؟

هو واحد من الأمراض النفسية التي توجد لدى الفرد؛ إذ توجد مشاعر الحب بشكل منفرد لدى فرد دون أن يكون ذلك الشعور متبادلاً من قِبل الطرف الآخر الذي قد يمتلك مشاعر مناقضة لذلك، فيكون الفرد غير قادر على استيعاب أو تفهُّم عدم حب الفرد الآخر له، أو على الأقل عدم وجود مشاعر قوية بنفس القدر، ويمتلئ الفرد بالأوهام والقصص الخيالية التي تتمحور حول حب وغرام ذلك الشخص له، ويسمى هذا الوهم في الطب النفسي "الهوس العاطفي"، كما تجدر الإشارة إلى أنَّ النساء أكثر عرضة للإصابة به من الرجال، ويحتاج المريض هنا إلى علاج بشكل جدي لدفعه لتقبل الحقاق وتحقيق الانسجام مع ذاته.

الخلاصة:

التوهُّم المرضي عبارة عن مرض يختلق فيه المريض مرضاً غير موجود، ويجعل منه محوراً لحياته يبحث فيه عن أسبابه في محاولة منه لإثبات أوهامه وجعلها حقيقة؛ لذا هنا تكمن أهمية دور المجتمع بتوعية أفراده إلى ضرورة اللجوء إلى الطبيب النفسي بشكل دوري للتأكد من عدم الإصابة بهذا الاضطراب.

المصادر:

  • 1، 2، 3
  • كمال يوسف بلان، الفروق في اضطراب توهُّم المرض لدى عينة من الممرضات العاملات في المشافي العامة في محافظة دمشق، كلية التربية ، جامعة دمشق.



مقالات مرتبطة