اضطراب القلق العام: تعريفه، أعراضه، أسبابه، علاجه، ومقياس تايلور للقلق

نحن نعيش في مجتمع يحترف الكثير من أبنائه سياسة التوقعات السلبية تحت شعار "لنكن واقعيين، ونترك الحياة الوردية جانباً"، ويمجدون نشرات الأخبار المؤذية وأحاديث الوفاة الحزينة؛ لذلك من غير المستبعد أن نجد أنَّ نسبة القلق قد تزايدت كثيراً، وأخذت أشكالاً مرضية قاسية.



يعاني الكثير من الأشخاص في يومنا هذا من اضطرابات النوم، حيث تهاجمهم الملايين من الأفكار السلبية لحظة خلودهم إلى السرير؛ فيسترجعون تجارب من ماضيهم، ويلومون أنفسهم على تصرفات قاموا بها سابقاً؛ أو يدرسون مسألة ما مئات المرات علماً بأنَّها لا تستحق الذكر.

لقد عشق هؤلاء التفاصيل الكئيبة، وقيدوا أنفسهم بمفاهيم الشك والريبة والخوف، ولم يفسحوا للنور والعفوية والإيجابية مجالاً في حياتهم، وتبنوا ثقافة "الخوف المنجي؛ معتقدين أنَّهم عندما يكثرون التفكير ويقلقون تجاه أمرٍ ما، يزيدون بذلك عنصر الأمان والحماية في حياتهم؛ غير واعين أنَّهم بذلك يشلون حياتهم، ويعطلون إنتاجيتهم، ويقضون على لحظاتهم الجميلة.

لكن، هل خُلِقنا فعلاً لنُشقِي أنفسنا ونعيش باضطراب وقلق وخوف؟ أم خُلِقنا لكي نعيش لحظتنا ونسعى إلى الأفضل دوماً؟ هل ستكون الحياة جميلة وأنت دائم التفكير والقلق والحزن والخوف؟ أم أنَّها تستحق منك المحاولة الجادة لصنع واقعٍ سعيد، واكتساب مهارات تجعلك تجيد ضبط مشاعرك وأفكارك، وخلق أثرٍ إيجابيٍّ في كلِّ دائرةٍ اجتماعيةٍ تحلّ بها؟

إليكم في هذا المقال أعزاءنا القُرَّاء تفصيلاً حول اضطراب القلق العام الذي يعاني أغلبنا منه، وأسبابه، وطرائق علاجه، ولمحة عن مقياس تايلور للقلق.

ما هو اضطراب القلق العام؟

يعدُّ اضطراب القلق العام من أكثر الاضطرابات النفسية انتشاراً، ويتكوَّن من الأعراض المجتمعة لأكثر من اضطراب معاً، وهي: التوتر، والاكتئاب، والوسواس، والفوبيا، والقلق الطبيعي.

ما أعراض اضطراب القلق العام؟

1. الأعراض العضوية لاضطراب القلق العام:

تتمثل الأعراض العضوية لاضطراب القلق العام بما يلي:

  • دوخة.
  • صداع.
  • طنين في الأذن.
  • عدم اتزان.
  • آلام في العضلات والمفاصل.
  • ضيق في التنفس.
  • خفقان في القلب.
  • رعشة في الأطراف.
  • تعرق في اليدين.
  • غثيان.
  • جفاف في الحلق.
  • آلام في الجهاز الهضمي.

2. الأعراض الشعورية لاضطراب القلق العام:

تتمثل الأعراض الشعورية لاضطراب القلق العام بما يلي:

  • الضيق النفسي.
  • الأرق.
  • الكآبة.
  • التوتر.
  • عدم الراحة.
  • الخوف الذي قد يتطور إلى نوبات من الهلع.

3. الأعراض الفكرية لاضطراب القلق العام:

تتمثل الأعراض الفكرية لاضطراب القلق العام بما يلي:

  • وجود كم كبير جداً من الأفكار، مع عدم إمكانية تنظيمها.
  • قلة التركيز في أثناء أداء المهام ونسيان الكثير من التفاصيل.
  • وجود أفكار متعلقة بالخوف من الموت، أو الطلاق، أو الزواج، أو التربية؛ والتي ينتج عنها الكثير من الأعراض الجسدية.

غالباً ما يكون منشأ العديد من الأعراض العضوية التي يشعر بها شخص ما نفسياً بامتياز، حيث يذهب الكثير من الأشخاص لاستشارة أطباء مختصين بعد معاناتهم من آلام عضوية معينة، ليؤكد الأطباء بعد التشخيص عدم وجود أيِّ مشكلة عضوية؛ لذا تستدعي هذه الحالة استشارة طبيب نفسي؛ ذلك لأنَّ السبب الكامن وراء الأعراض الجسدية هو سبب نفسي.

يُشخَّص المريض بأنَّه يعاني من اضطراب القلق العام عندما يعاني من هذه الأعراض لمدة ستة أشهر متتالية، وعندما تؤثر سلباً في أدائه في حياته وأسرته وعمله؛ علماً أنَّه لا يُشترَط توافر الأعراض مجتمعة، بل يكفي وجود بعض منها.

إقرأ أيضاً: زيارة الطبيب النفسي: جنونٌ أم توازن؟

ما أسباب اضطراب القلق العام؟

  1. العامل الوراثي: قد يكون العامل الوراثي سبباً من أسباب زيادة استعداد الشخص للإصابة باضطراب القلق العام، حيث يُورَّث الاستعداد وليس الاضطراب.
  2. الأهل: يصاب الكثير من الآباء باضطراب القلق العام، لكنَّهم لا يقومون بخطوات جدية من أجل الشفاء؛ ذلك لعدم امتلاكهم وعياً نفسياً وصحياً، الأمر الذي يعرض أولادهم إلى الإصابة بالاضطراب من جراء التربية والسلوكات الخاطئة المتبعة معهم.
  3. سوء إدارة المشاعر: قد يتعرض الشخص إلى تجارب قاسية في طفولته، أو إلى تغيير جذري في حياته، أو إلى صعوبات في مكان عمله، أو قد يقع في حيرة بين عقله وقلبه في أثناء تفكيره في موضوعات معينة لا يستطيع التوصل إلى قرار قطعي فيها، أو قد يكون لديه شخصية حساسة؛ حيث تزيد العوامل السابقة من احتمالية إصابة الشخص باضطراب القلق العام في حال عدم امتلاكه لمهارات إدارة المشاعر والأفكار والتعامل مع المشكلات.
  4. أسباب عضوية: قد يعاني الشخص من فرط في نشاط الغدة الدرقية، أو نقص في معدل السكر في الدم؛ ممَّا يجعله عرضةً إلى القلق.

ما هو مقياس تايلور للقلق؟

أنشأت عالمة النفس الأميركية "جانيت تايلور" في عام 1953 هذا المقياس، والذي اعتُبِر مؤشراً عاماً للقلق كصفة شخصية.

لقد اعتقدت عالمة النفس أنَّ السمات الشخصية للفرد تؤثر بطريقة مباشرة في شدة ظهور أعراض القلق عليه؛ لذا يُستخدَم هذا المقياس لفصل الناس العاديين عن أولئك الذين يعانون قلقاً مرضياً، ويتكون هذا المقياس من 50 سؤالاً يجيب الفرد عنها بـ "نعم" أو "لا" بهدف تحديد مستوى قلقه.

إقرأ أيضاً: أعراض القلق الجسدية وكيفية التعامل معها

ما نمط الأسئلة في مقياس تايلور؟

تركز الأسئلة على حياة الشخص ومشاعره وسماته الشخصية وسلوكاته، ويجب قراءتها بهدوء والإجابة عنها بصدق لكي نصل إلى النتيجة المعبرة عن حالة الشخص.

يُعطَى لكلِّ سؤال درجة، وتُجمَع جميعها معاً لتعبر الدرجات المرتفعة عن مستوى عالٍ من القلق لدى الشخص، وفقاً لما يأتي:

  • من 0 إلى 16: مستوى قلق منخفض جداً.
  • من 17 إلى 19: مستوى قلق منخفض.
  • من 20 إلى 24: مستوى قلق متوسط.
  • من 25 إلى 29: مستوى قلق مرتفع.
  • من 30 إلى 50: مستوى قلق مرتفع جداً.

أمثلة عن الأسئلة في مقياس تايلور:

  1. هل أنت أكثر حساسية من معظم الأشخاص الآخرين؟
  2. هل تميل إلى التفكير في الأمور بجدية؟
  3. هل تشعر في بعض الأحيان أنَّك لا تجدي نفعاً؟
  4. هل تفتقد بالتأكيد إلى الثقة بالنفس؟
  5. هل تشعر بالقلق حيال شيءٍ ما أو شخصٍ ما طوال الوقت؟
  6. هل تتعرق كثيراً حتى في الأيام الباردة؟
  7. هل تشعر بالجوع طوال الوقت؟
  8. هل تعاني من آلام المعدة دائماً؟
  9. هل تُحرَج من الآخرين وتحمَّر خجلاً دائماً؟
  10. هل نادراً ما تلاحظ دقات قلبك، أو تشعر بضيق في التنفس؟
  11. هل تعمل تحت ضغطٍ كبيرٍ من التوتر؟
  12. هل عادةً ما تكون يداك وقدماك دافئتان؟
  13. هل عصبيتك أقل من عصبية الآخرين؟
  14. هل تلاحظ اهتزاز يدك عند قيامك بشيءٍ ما؟
  15. هل تعاني من اضطراب في نومك بسبب القلق؟
  16. هل تشعر أحياناً أنَّ الصعوبات تتراكم بشكلٍ كبيرٍ لدرجة أنَّك لا تستطيع التغلب عليها؟

لقد أظهرت الدراسات عند إجراء النساء لهذا الاختبار أنَّ معدلات القلق لديهن أعلى من معدلات الرجال الخاضعين للاختبار نفسه؛ ويعود ذلك إلى الطبيعة الحساسة للمرأة والاختلافات السيكولوجية بينها وبين الرجل، حيث تميل المرأة إلى تضخيم الأمور والقلق بشأنها، على عكس الرجل الذي يميل إلى تبسيط الأمور.

إقرأ أيضاً: ما هو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؟

علاج اضطراب القلق العام؟

لابد من استشارة الطبيب المختص عند ظهور معدلات قلق مرتفعة، وما يهمنا هنا هو العلاج النفسي المعرفي السلوكي أكثر من العلاج الدوائي؛ وذلك لكي نضمن اكتساب المريض مهارات حياتية تؤهله للاستمرار في الحياة بشكلٍ سليم، والتعامل مع الأعراض في حال ظهورها مرة أخرى بعد الشفاء منها.

يتضمن العلاج النفسي المعرفي السلوكي: اكتشاف أخطاء التفكير التي يعاني منها المريض وإعادة صياغتها؛ فقد يكون لديه أفكار خاطئة ومشوهة عن الطلاق تجعله يخاف بشدة عند حدوث أيِّ مشكلة صغيرة بينه وبين شريك حياته، بحيث يكون دائم القلق والخوف من أن يخسر هذه العلاقة.

من جهةٍ أخرى، يشرح المعالج النفسي للمريض عن اضطراب القلق العام وأسبابه وماهيته، ويقدم له تقنيات مساعدة على اكتساب مهارات إدارة المشاعر والأفكار، بحيث يتعلم التركيز على الأشياء الإيجابية في الحياة بدلاً من امتلاك النظرة السوداوية التشاؤمية.

يسعى المعالج النفسي إلى الغوص في ماضي المريض، واكتشاف تجاربه الماضية، واستنتاج أفكاره التي أدت إلى قلقه المرضي؛ ومن ثمَّ يعمل على إعادة صياغة تجارب مريضه الماضية من وجهة نظر مختلفة أكثر عمقاً وإيجابية، بحيث يتعلم المريض مهارة التعامل مع المشكلات والأحداث القاسية في الحياة بطريقة سليمة، ويصبح أقوى وأكثر نضجاً.

يساعد المعالج النفسي مريض القلق على تعلم تقنيات الاسترخاء بحيث تصبح عضلاته مسترخية وغير مشدودة، وينبهه إلى أهمية الرياضة لضمان صحة نفسية وجسدية سليمة؛ كما ويجب على المريض الابتعاد عن الأخبار السلبية والأشخاص السلبيين، والتقرب من كلِّ ما هو إيجابي من نشاطات واهتمامات وأشخاص.

لابد لمريض القلق أن يتعلم عيش اللحظة، ونسيان المستقبل والماضي؛ فنحن لا نملك إلَّا اللحظة الحالية؛ لذا كفى قلقاً وخوفاً من المستقبل، وتحسراً وندماً على الماضي.

الخلاصة:

تستحق الحياة السعي؛ لذلك ابدأ بخطوة جدية لكي تنقذ نفسك من شر القلق؛ فأنت قوي، ويليق بك أن تعيش حياة كاملة، ويجدر بك أن تكون حاسماً، وألَّا تبقى عالقاً في دوامة القلق.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة