اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع: أسبابه وأعراضه وطرق علاجه

تتشابه بعض الشخصيات التي نقابلها في حياتنا اليومية مع شخصية "الجوكر" الشهيرة في أفلام باتمان، ونردُّ هذا التشابه إلى إصابتهم جميعاً باضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع. وتكون القواسم المشتركة بينهم على شكل تصرفات لا تقيم اعتبارات لقيم المجتمع ومعايير الخطأ والصواب، ويجمع بينهم عدم الاكتراث إلى مشاعر الآخرين، وحب الأذى وعدم الاهتمام بجوانبهم الإنسانية.



الاحتيال والسرقة وتدمير الممتلكات والابتزاز جميعها تصرفات تصدر عن هذا النمط من الشخصيات، وتكون سبباً يودي بهم في نهاية المطاف إلى السجن؛ لذا ومن أجل المزيد من المعلومات عن الشخصية المُعادية للمجتمع وأسبابها وأعراضها وطرائق التعامل معها وعلاجها؛ نخصص هذا المقال.

ما هو اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع؟

إنَّ اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع والذي يُسمى في اللغة الإنكليزية (Anti-Social Personality) هو نوع من أنواع اضطرابات الشخصية، والذي يُسمى أيضاً الاعتلال الاجتماعي؛ وهو اضطراب عقلي يجعل المصاب به غير مبالٍ لقيم الخطأ والصواب، وغير مكترث لحقوق ومشاعر الآخرين.

يكون الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب ميالين إلى التعامل مع الآخرين بقسوة ولامبالاة، فضلاً عن التلاعب بهم دون أن يكون لتصرفاتهم السيئة أي وقع مؤنِّب في أنفسهم، ودون أن يرمش لهم جفن ولا أن تهتز لهم شعرة، ودون أن يشعروا بذرة ندم أو ذنب أو تأنيب ضمير.

إنَّ الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع يتميزون بانتهاكاتهم المستمرة للقانون، واستعدادهم ليصبحوا مجرمين، ومن صفاتهم الرعونة والعنف والكذب، وغالباً ما يقعون في إدمان الكحول أو المخدرات، وبسبب جميع هذه الصفات السلبية يكون هؤلاء غير مؤهلين إلى تحمُّل المسؤوليات مهما اختلف نوعها، سواء المسؤوليات العائلية أم مسؤوليات العمل أم مسؤوليات الدراسة.

تبدأ علائم ظهور هذا الاضطراب على الإنسان منذ سن الطفولة أو سن المراهقة المبكرة، وتستمر حتى سن البلوغ وما بعده، وتُوجد العديد من الوسائل التي يُشخَّص فيها هذا الاضطراب بعد سن الثامنة عشر، أمَّا علائم الاضطراب التي تظهر قبل هذا السن، فتُدرج تحت مسمى الاضطرابات السلوكية عند المراهقين.

من السمات البارزة لأصحاب اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع عدم تحمُّل المسؤولية بشكل نهائي، فهُم لا يمانعون من البقاء فترات طويلة دون عمل حتى لو كان في إمكانهم الحصول على فرصة عمل، وهم مستعدون للاستغناء عن وظائفهم الحالية وتركها حتى دون أن يجدوا بديلاً آخر لها، ولا رادع لديهم من التغيُّب عن العمل أو الوظيفة دون أي مبرر واضح أو عذر صريح.

غالباً ما يغرق الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب في الديون، دون أن يفكروا في عواقب هذه الاستحقاقات على أسرهم ومحيطهم، ومن سيماهم إهمال شؤون الأسرة وخاصة في المواجهات التي تعري أمامهم حقيقة تصرفاتهم وعواقب أفعالهم، وعدم إبراز أي شعور بالندم أو التقصير.

بل إنَّهم يحاولون التهرُّب من المسؤولية وإلقاء اللوم على المحيطين والأقرباء وحتى ضحايا تصرفاتهم، ويصفونهم بالغباء وقلة الحيلة، ولا يقدمون أي استعداد لتعويضهم عن الأذى الذي ألحقوه بهم، ويحاولون تبسيط تصرفاتهم والتقليل من خطورتها.

لا بدَّ لنا من الإشارة إلى أنَّ اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع أكثر شيوعاً بين أبناء الطبقات الاقتصادية والاجتماعية الفقيرة الذين يقطنون المدن الكبرى، وهو شائع بين الرجال أكثر منه بين النساء؛ إذ تتراوح نسب الإصابة إلى 3% بين الرجال مقابل 1% بين النساء.

أعراض اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع:

من أبرز أعراض الشخصية المُعادية للمجتمع ما يأتي:

  1. عدم الاكتراث لمعايير الخطأ والصواب التي تحددها القيم الإنسانية والضوابط المجتمعية.
  2. التعامل مع الآخرين بأساليب ملتوية يسودها الاستغلال والخداع والكذب.
  3. عدم احترام الآخرين والسخرية منهم والقسوة عليهم.
  4. التلاعب بالآخرين عن طريق استخدام الدهاء والمكر من أجل الحصول على مكاسب شخصية مالية أو جنسية أو مهنية.
  5. التعامل مع الناس بفوقية نابعة عن شعور الشخص بأنَّه أفضل من الآخرين ومتفوق عليهم.
  6. الاصطدام بالقانون بشكل مستمر؛ وذلك بسبب العنف والميول الإجرامية.
  7. انتهاك حقوق الآخرين والتعدي على حدودهم وحرياتهم بالخداع والعنف.
  8. الاندفاع والتهور في التخطيط للمستقبل، وفشل المخططات في الكثير من الأحيان.
  9. السلوك العدواني والعنف والإثارة والاهتياج الشديد.
  10. الافتقار إلى مشاعر التعاطف مع الآخرين، وعدم الندم على إيذائهم وإلحاق الضرر بهم.
  11. انتهاج مبدأ التهور في الحياة، وخوض مخاطرات لا داعي لها قد تشكل خطراً على سلامة النفس وسلامة الآخرين.
  12. الدخول في علاقات مسيئة والتعامل مع الناس بطريقة سيئة.
  13. عدم التفكير بوعي وحكمة ومنطقية، وعدم الاكتراث للعواقب التي قد تكون وخيمة، وعدم الاعتبار والتعلُّم من المواقف والأخطاء السابقة.
  14. الفشل في أداء الالتزامات العائلية والمهنية والمالية العائد إلى انعدام القدرة على تحمُّل المسؤولية.

من الجدير ذكره أنَّ المصابين باضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع تظهر على سلوكاتهم قبل سن الخامسة عشر بعض الأعراض التي تُعَدُّ مشكلات سلوكية خطيرة وقابلة للاستمرار، أهمها الاعتداء على الناس وتسبيب الأذى لهم إضافة إلى الممارسات غير الإنسانية بحق الحيوانات والتنكيل بهم وتعذيبهم، وكذلك تخريب الممتلكات والمرافق العامة والخاصة وتجاوز القوانين والاحتيال على الأنظمة والسرقة والخداع وغيرها.

إقرأ أيضاً: اضطرابات الشخصية: ما هي؟ وما أسبابها، وأنواعها، وأعراضها؟

أسباب اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع:

لم تُحدَّد أسباب اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع بشكل دقيق ومؤكَّد، إلَّا أنَّ الدراسات أثبتت أنَّه توجد مجموعة من الممارسات والعوامل التي يتعرَّض إليها الفرد في حياته، والتي تؤدي دوراً كبيراً في إنشاء شخصية مُعادية للمجتمع، وهذه العوامل هي:

الاضطرابات الهرمونية:

إنَّ الاضطرابات الهرمونية وخاصة اضطراب هرمون السيروتونين هو واحد من أسباب اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع، كون هذا الهرمون هو المسؤول عن تنظيم المزاج ومشاعر السعادة، وقد لوحظت مستويات غير اعتيادية منه لدى الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب.

الصدمات وسوء المعاملة:

هي أيضاً من أسباب اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع، وخاصة عندما يتعرَّض إليها الفرد في مرحلة الطفولة المبكرة، كما أنَّ إهمال الطفل من قِبل أسرته، وعيشه بشكل غير مستقر ضمن عائلة مفككة وفوضوية ومعنِّفة يندرج أيضاً ضمن قائمة الأسباب.

الوراثة:

تؤدي الوراثة دوراً في إصابة الأفراد باضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع، ورغم أنَّه لا يوجد عامل وراثي محدد يكون سبباً في إصابة الأفراد بالاضطراب، إلَّا أنَّ العوامل الوراثية تجعل لدى الأفراد استعداداً للإصابة.

شاهد بالفديو: 10 نصائح للحصول على الراحة النفسية

أسلوب الحياة:

إنَّ أسلوب الحياة الذي ينتهجه الفرد يكون سبباً من أسباب اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع، وخاصة نمط الحياة الماجن الذي يتعاطى فيه الأفراد المخدرات ويشربون الكحول.

  1. تشخيص إصابة الفرد باضطراب سلوك الطفولة هو واحد من أسباب اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع بعد البلوغ.
  2. اضطرابات الصحة العقلية أو اضطرابات الشخصية الأخرى أو التاريخ العائلي في الإصابة باضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع.
  3. إنَّ الرجال معرضون أكثر من النساء إلى الإصابة باضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع.

مع أنَّ هذا الاضطراب هو من الاضطرابات غير المؤقتة والتي تدوم مدى الحياة في كثير من الأوقات، إلَّا أنَّ السلوكات المؤذية الناتجة عنه قد تخف حدتها ويقل تكرارها مع مرور الأيام عند بعض المصابين، ولكنَّ الأمر غير المؤكَّد هو السبب في هذا التراجع؛ هل هو بفعل التقدم في السن وفقدان الانفعال اللازم لاتخاذ ردود فعل مؤذية؟ أم أنَّه بسبب ارتفاع وعي الشخص المصاب وإدراكه لحجم أخطائه السابقة وتسلل شعور الندم إلى نفسه؟ أم بسبب الروادع والعقوبات التي يتخذها المجتمع بحق الأشخاص المؤذيين والمجرمين؟

طرائق علاج اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع:

إنَّ علاج اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع لا يُعَدُّ أمراً سهلاً؛ وذلك لأنَّ الأفراد المصابين بهذا الاضطراب لا يعترفون بوجود مشكلة لديهم؛ لذا تكون العائلة والدائرة المحيطة هي اليد البيضاء التي تمتد لمساعدتهم عن طريق المتخصصين بكل تأكيد، ويُعالَج هذا الاضطراب بطريقتين:

العلاج النفسي:

إنَّ العلاج النفسي المتمثل في كثير من الأحيان بالعلاج المعرفي السلوكي قد يكون حلاً ناجحاً في علاج اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع الذي يركز في الأفكار، والذي يعتمد أسلوب لفت نظر الفرد إلى أبعاد سلوكاته ووقعها على الآخرين، ومحاولة تغيير نمط تفكيره وجعله أكثر تعاطفاً ومنطقية، ونُشير إلى أنَّ نتائج العلاج النفسي الفعالة تحتاج إلى أمد طويل لتثمر.

يندرج العلاج الاجتماعي أيضاً ضمن طرائق علاج هذا الاضطراب، ويكون العلاج الاجتماعي الأنجع باستخدام تقنية DTC، كونه يلبي احتياجات المريض النفسية والعاطفية، كما أنَّ الدعم الاجتماعي من الأصدقاء والعائلة يؤدي دوراً مؤثراً وفعالاً في علاج اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع.

العلاج الدوائي:

على الرغم من أنَّ إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA لم توافق حتى الآن على دواء يُعَدُّ علاجاً لاضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع، إلَّا أنَّ الأطباء يستخدمون بعض العقاقير التي تعالج أعراض هذا الاضطراب، مثل مثبتات المزاج ومضادات الذهان والأدوية المضادة للقلق ومضادات الاكتئاب، وعلى وجه التحديد مجموعة مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية.

لا بدَّ لنا من التنويه إلى أنَّ الانتباه إلى الاضطرابات السلوكية في سن الطفولة، واتِّخاذ التدابير العلاجية اللازمة لها بإشراف المتخصصين من شأنه أن يمنع تطوُّر الاضطراب في مرحلة البلوغ وما بعده.

إقرأ أيضاً: الاضطرابات النفسية حسب تصنيف الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين

في الختام:

إنَّ اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع هو نوع من أنواع اضطرابات الشخصية، ويتميَّز صاحبه بالانتهازية والوصولية والعدوانية وحب الأذى وانعدام المسؤولية وعدم الاكتراث لمشاعر الناس وحقوقهم، وهو اضطراب لا يظهر فجأة بين ليلة وضحاها؛ بل هو تراكم لمجموعة عوامل أثرت في النفس البشرية.

ورغم أنَّ الوقاية من هذا الاضطراب أمر غير ممكن، إلَّا أنَّ ملاحظة أعراضه المبكرة التي لا تخفى منذ سن الطفولة يمكن أن تهون الأمور كثيراً وتساهم في السيطرة على سلوكات الشخص المصاب في فترة البلوغ وما بعده.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة