استراتيجيات للتغلب على الشك الذاتي

يمكن أن يسيطر تدنِّي احترام الذات على الجميع؛ فالشعور بالشك بالنفس هو جزء من كونك إنساناً، يمكن أن يساعدك فهم نفسيتك على التغلب عليه.



ففي عام 1911، كان هناك شاب اسمه هاري (Harry) يعاني من تدنِّي احترام الذات، وقد التقى بفتاة تدعى بيسي (Bessie) وأصبحا صديقَين؛ ومن ثَمَّ وقع في حبِّها، لكنَّ المشكلة أنَّ هاري لم يعرف ما إذا كانت بيسي تشعر بنفس الشعور اتجاهه، وكان شكه يجعله يعاني.

في أثناء وجوده بعيداً عن المنزل، كتب لها رسالة من سبع صفحات، وإليك مقطع منها: "بالحديث عن الماس، هل سترتدي ماس سوليتير على يدك اليسرى، وهل تريدين أن أشتري لك منه؟ فهذا سؤال شخصي أو محدد إلى حد ما بشرط أن تأخذيه بكلِّ ما يعنيه، كما تعلمين لو كنت إيطالياً أو شاعراً، كنت سأبدأ وأستخدم اللغات الفاتنة كلَّها في قارتين، لكنَّني مزارع أمريكي لا يجيد شيئاً.

ولطالما كان لدي فكرة في رأسي أنَّه في يوم من الأيام ربما سأصل إلى شيء ما، وأشك في ذلك، لكن ليس لدي الجرأة حتى لأظنَّ أنَّك ستفكرين بي بنفس الطريقة، ولا أظنُّ ذلك الآن، لكن لا يمكنني الامتناع عن إخبارك برأيي:

بيسي، هل ستقبلين بالاستمرار في أن نكون أصدقاء على الأقل؟ وأعلم أنَّني لست جيداً بما يكفي لأكون أكثر من ذلك، لكنَّك لا تعرفين كم أريد أن أكون أكثر من صديق بالنسبة إليك، ومع ذلك، إذا لم تقبلي بي، فلن أشعر بخيبة أمل كبيرة؛ لأنَّني أتوقع الأمر".

من الواضح أنَّ هاري لم يكن يجيد الكتابة، وبمرور الوقت، وعلى الرَّغم من ذلك، لا بدَّ أنَّه بنى أداة فعَّالة للتعامل مع شكِّه الذاتي؛ لأنَّه تزوج بيسي في النهاية، وأصبح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الثالث والثلاثون هاري إس ترومان (Harry S. Truman)، الرجل المسؤول في النهاية عن إنهاء الحرب العالمية الثانية، فكيف تغلَّب على شكه الذاتي؟

سيوضح لنا ذلك الاقتباس الرئيسي من الفترة التي قضاها في المنصب، وملاحظات علماء النفس الإدراكيين:

أساس الشك: كيف يمكن أن يؤدي إلى النجاح أو الإخفاق؟

لفهم كيف ولماذا يعوقك الشك في الحياة، من الأفضل أن تفهم أساس الشك أولاً، ففي العلم، يقوم علماء النفس بتصنيف الشك إلى فئتين منفصلتين: الشك العام، والشك الذاتي.

الشك العام:

عدم اليقين بشأن العوامل الخارجية؛ فقد يكون لديك شك في وعد أحد السياسيين أو أنَّ البيتزا ستأتي في الوقت المحدد، وليدك عدم يقين بشأن ما يحدث من حولك.

الشك الذاتي:

عدم اليقين داخل نفسك، وهذا عندما تشكك في قدراتك وتكافح مع قراراتك، مثل نوع البيتزا التي يجب أن تختارها.

من عدة نواحٍ، يمكن أن يكون الشك العام جيداً؛ وذلك لأنَّه يجبرك على إعادة فحص معتقداتك، والتفكير النقدي؛ فإذا كنت جائعاً حقاً، وتشك في أنَّ مطعم البيتزا سيوصل طلبك في الوقت المحدد، فقد تجد متجراً موثوقاً أكثر، لكنَّ الشك الذاتي دائماً ما يقف في طريق ما تريده.

فإذا كنت جائعاً حقاً، لكن لا يمكنك تحديد نوع البيتزا التي ستجعلك أكثر سعادة، فستواجه صعوبة في اتخاذ القرار حتى تشعر، وجميع أصدقائك بالجوع، ولن يكون أحد سعيداً؛ لذا الشك العام جيد، لكنَّ الشك الذاتي سيئ، ومن الجيد معرفة ذلك، لكن من أين يأتي الشك الذاتي؟ وكيف تواجهه عندما يعوقك طوال حياتك؟

شاهد بالفديو: كيف تتجنب 10 عادات مؤذية للذات؟

كيف تنشئ حلقة تغذية راجعة عن الشك الذاتي الخاصة بك؟

اتضح أنَّ الشك الذاتي يمكن أن ينتج من عدة أسباب، مثل: الصدمات العاطفية في مرحلة الطفولة هي تفسير شائع؛ إذ يقولون إنَّ ندوب الطفولة هي الأصعب للإصلاح، وقد يكون هذا صحيحاً، لكنَّ المثير للاهتمام هو السمات المشتركة بين جميع الأشخاص الذين يعانون من الشك الذاتي.

1. البحث عن أدلة على أنَّ قدراتنا ليست جيدة بما فيه الكفاية:

فبدلاً من البحث عن دليل على أنَّ لديك ما تحتاجه للنجاح في شيء ما، تبحث عن النقيض من ذلك؛ أي عمَّا هو مفقود؛ فتجده بسرعة وتقضي مزيداً من الوقت في الشك في خططك.

2. الالتزام بمعايير مستحيلة:

عندما تصبح منشد الكمال في كلِّ ما تفعله؛ فإنَّه يجعل من السهل الإشارة إلى إخفاقاتك، عندما لا يرقى ما تحاول تحقيقه لمعاييرك.

3. الإفراط في تحليل القرارات البسيطة:

بدلاً من اتخاذ قرارات صغيرة والمُضي قُدماً؛ فإنَّك تتردد وترتبك بسبب فرط التفكير.

4. مصادقة أشخاص يعززون شكوكنا بأنفسنا:

من الطبيعي أن نكتسب صفات الأشخاص الذين نقضي الوقت معهم، ونقضي الوقت مع الأشخاص الذين يجعلون المعتقدات التي لدينا عن أنفسنا أقوى.

كلُّ هذه الأشياء تؤدي إلى تأثير نفسي مثير للاهتمام يُسمَّى التحيز التأكيدي؛ نحن نبحث عن الأدلة، ونعطيها قيمة تعزز إيماننا بأنَّنا لسنا جيدين بما يكفي، ونتجاهل الأدلة التي من شأنها أن تثبت خلاف ذلك. وببطء لكن بثبات تقوم بإنشاء حلقة ردود أفعال سلبية تصبح أقوى وأقوى، وفي الأساس، يصبح شكك في الذات نبوءة تحقق ذاتها.

إقرأ أيضاً: 8 أنواع من الأصدقاء لا يستحقون البقاء في حياتك

خداع دماغك للتغلب على شكك الذاتي:

كافح الرئيس ترومان مع الشك الذاتي طوال حياته؛ وليس في طفولته فقط. فحتى في مدة رئاسته، تساءل عمَّا إذا كان يقوم باتخاذ القرارات الصحيحة، لكن هذا الاقتباس يشرح كيف تمكَّن من إجراء تلك القرارات على الرَّغم من اليأس الداخلي:

"طوال حياتي، عندما يحين وقت اتخاذ قرار، أتخذه وأنساه"، فقد كان أحد تكتيكات ترومان للتغلب على شكِّه الذاتي هو عدم ترك العذاب الناجم يتراكم عن اتخاذ قرارات عديدة، فإذا كان لا بدَّ من اتخاذ قرار هام، فقد كان يركِّز على هذا القرار وحده، ولا يدع قرارات الأيام الماضية تثقل كاهله، وهذه استراتيجية جيدة لتبنيها؛ سترغب في الاستفادة منها أيضاً.

لكنَّ علماء النفس وعلماء السلوك، حدَّدوا أيضاً بعض الأشياء الأخرى التي يمكنك القيام بها، والتي ستخدع عقلك في الواقع لتدمير عقبة الشك الذاتي، وهي:

بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها لتدمير عقبة الشك الذاتي:

1. الشك في شكوكك:

خذ نفس الطاقة التي تنفقها في الشك في قراراتك، ووجهها نحو الشك نفسه، ما تعلمته هو أنَّ الشك يمكن أن يدمر نفسه بالفعل على الأقل لمدة قصيرة، فبدلاً من أن تسأل نفس السؤال: "ماذا لو لم أكن جيداً بما يكفي؟" اسأل نفسك: "ماذا لو كنت كذلك؟"، وبدلاً من القول: "ماذا لو اتخذت القرار الخاطئ؟" جرِّب قول: "ماذا لو لم أتخذ قراراً على الإطلاق؟"، فأجبر نفسك على التفكير في عواقب التقاعس عن العمل.

2. رفض قرارات الشك في الذات عندما تراودك:

يبدو هذا سخيفاً، لكنَّ تأثير لغة الجسد في قراراتك مدروس جيداً وعميق، فمجرد فعل هز رأسك في أثناء التفكير في فكرة سلبية كافٍ لإبطال مفعولها.

إقرأ أيضاً: كيف تستثمر لغة الجسد لتكسب كاريزما قوية تسحر من حولك

3. منح نفسك مهلة زمنية لاتخاذ القرارات:

نحن نميل - بفضل قانون باركنسون (Parkinson’s Law) - إلى إضاعة كثير من الوقت الذي نخصصه لأنفسنا في أيِّة مهمة معينة، لكنَّ المهلة الزمنية ذات العواقب الحقيقية، يمكن أن تكون فعَّالة جداً في جعلك تركِّز على الأمور الهامة، اتخاذ القرارات التي تهمك.

شاهد بالفديو: كيف تتعلَّم فن اتخاذ القرارات الصحيحة

ستكون لديك شكوك ذاتية دائماً لكنَّ التغلب عليها يصبح أسهل:

تعامل الرئيس ترومان مع الشك الذاتي طوال حياته، لكن ما ميزه عن المشكك الذاتي التقليدي، وسمح له بالارتقاء إلى أقوى دور في العالم، هو أنَّه كافح مع قراراته في أثناء اتخاذها فقط، وبمجرد اتخاذ قرار، انتقل إلى التالي؛ فقد منعه هذا من الغرق في بحر الشك، وتراكم القرارات، ويمكنك أن تفعل نفس الشيء بنفسك إذا اتبعت النصائح الآتية:

  1. شُكَّ في شكك.
  2. هُزَّ رأسك عند مواجهة الشك.
  3. افرض قيود زمنية على قراراتك.

يبدو الطريق أمامك قاتماً عندما تواجه صعوبةً مع الشك الذاتي، ولقد اختبرناه جميعاً، لكن إذا تمكن شابٌّ لا يستطيع التحدث إلى زوجته المستقبلية من تبوء أقوى منصبٍ في العالم، فباب الأمل ما يزال مفتوحاً أمامك أيضاً.

المصدر




مقالات مرتبطة