استخدام اللعب في خفض السلوك العدواني عند الأطفال

تمثِّل مرحلة الطفولة الأساس والركيزة الأساسية التي يُبنى عليها مستقبل الفرد وحياته بأكملها، فهي مرحلة تتسم بالحساسية الشديدة يتم من خلالها بناء شخصية الطفل وإكسابه أنماط السلوك المختلفة التي تساعده على التعامل مع المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه، وكل ذلك يتم من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الطفل في مختلف المؤسسات المعنية بها من أسرة ومدرسة وجماعات الأقران والنوادي وسواها، ولكنَّ أي خلل في هذه العملية سوف ينعكس بآثاره السلبية على نمو الطفل وسلوكه، وبتفصيل أكثر إن استطاع الطفل إشباع حاجاته سواء الجسمية والنفسية والاجتماعية بشكل متوازن، فإنَّه يتمتع بالصحة الجيدة، أما إن حدث خلاف ذلك ولم يشبع ما يحتاج إليه وما يرغب به ويريده، فإنَّه بالضرورة سوف يكون عرضة للإصابة بالعديد من المشكلات النفسية لا سيما ظاهرة السلوك العدواني.



من الظواهر المقلقة بشدة خلال مرحلة الطفولة هي ظاهرة السلوك العدواني الذي أصبح ظاهرة واسعة الانتشار؛ إذ يجد الآباء والمربون أنفسهم أمام طفل ينتهج هذا السلوك المخيف دون معرفة الأسباب التي تدفعه إلى التصرف بتلك الطريقة، ومن الأساليب الشائعة لعلاج السلوك العدواني عند الأطفال وضبطه وإعادة توجيهه هو أسلوب اللعب؛ وذلك من أجل حل مشكلات الطفل السلوكية والانفعالية التي قادته لمثل هذا السلوك العدواني قبل أن يصبح سمة شخصية في الطفل، وإعداده ليكون إنساناً فعالاً في مجتمعه وناجحاً في حياته.

أولاً: هل للعب دور في تخفيف السلوك العدواني؟

يمثل السلوك العدواني كل فعل عدواني أو هجوم سواء كان بدنياً أم نقداً لفظياً ضد أي فرد أو شيء ما بما في ذلك ذات الطفل نفسه، فالسلوك العدواني هو سلوك غرضه الأساسي إيذاء فرد آخر أو إيذاء الذات بالشكل الذي يؤدي إلى حدوث أذى بدني أو نفسي.

من مظاهر السلوكات العدوانية للطفل:

التهجم، العبوس، نظرات غاضبة، العض، البصق، التهديد، إصدار أصوات الزراية، الارتماء على الأرض، الرفس، التلويح بالقدمين أو اليدين والتوعد بالثأر، الدفع، شد الشعر، الصراخ، الصياح، التلفظ بالشتائم، التهكم والسخرية، اللوم والنقد، العناد، الانتقام، الإهمال، اللامبالاة، إشعال النيران، تحطيم الأشياء، الشجار، التخريب، تمزيق الأشياء والكتب وإخفائها وغير ذلك من الأفعال العدوانية.

أما عن أسباب هذا السلوك العدواني فتوجد أسباب متعددة منها:

1. الوراثة:

للوراثة دور مؤثر في نمو السلوك العدواني وتحديد مظاهره.

2. العوامل البيئية المحيطة بالطفل:

تؤدي مؤثرات البيئة التي يعيش فيها الطفل دوراً في نمو سلوكه العدواني مثل الضجيج والكثافة السكانية المرتفعة.

3. العوامل النفسية:

مثل الشعور بالألم البدني أو النفسي، الإحساس بالإهانة، الإحباط، القلق، خيبة الأمل والرجاء، الفشل في تحقيق الرغبات، وجود صراعات نفسية، الإحساس بعدم الراحة مثل الوجود في أماكن مزدحمة أو جماعات جديدة، الأفكار العدائية، الغضب، فقدان شيء ما، أساليب التنشئة الاجتماعية غير الصحيحة والخاطئة، غياب فرد من الأسرة.

مما لا شك فيه أنَّ لعب الطفل هو في الواقع إسقاط لمشاعره وتعبير عن رغباته والمشكلات التي تعترضه، فهو سلوك يقوم به الطفل دون غاية بالنسبة إليه، ولكنَّه في الحقيقة أحد الأساليب الهامة التي يستطيع الطفل أن يعبِّر عن نفسه من خلالها.

أما من ناحية الباحثين في علم النفس والتربية فثمة اتفاق شبه عام بِعَدِّ اللعب نشاطاً حيوياً يميز سلوك الطفل ويهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف على صعيد النمو الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي ويشكل شخصيته، فاللعب ليس فقط ترفيهاً وإضاعة للوقت؛ بل هو أسلوب ووسيط تربوي يهدف إلى إكساب الأطفال المهارات اللازمة التي تمكِّنهم من تحقيق التوافق والتكيف المطلوب مع ظروف الحياة المحيطة بهم.

اللعب على حد تعبير عالم النفس "بياجيه" هو "عملية تمثيل تعمل على تحويل المعلومات الواردة لتلائم حاجات الفرد، فاللعب والتقليد والمحاكاة جزء لا يتجزأ من عملية النماء العقلي والذكاء"، كما تقول "كاترين تايلور": إنَّ اللعب هو "أنفاس الحياة بالنسبة إلى الطفل، وليس مجرد طريقة لتمضية الوقت وإشغال الذات، فاللعب للطفل هو كما التربية والاستكشاف والتعبير الذاتي والترويح والعمل للكبار".

شاهد بالفيديو: 6 طرق لمعالجة الغيرة عند الأطفال

ثانياً: ما هو أسلوب العلاج باللعب؟

يمثل اللعب أحد مظاهر السلوك الإنساني في مرحلة الطفولة، فهو طريقة يستخدمها الطفل ليعبر عن مشاعره وانفعالاته التي إذا ما أتيحت لها الفرصة للتراكم فإنَّها قد تؤدي إلى سوء التكيف والعديد من المشكلات السلوكية الأخرى، فالعلاج باللعب من الطرائق المفيدة للتشخيص وتفسير الحالات التي يمر بها الطفل ومعرفة سبب المصاعب التي يمر بها، وهو الأسلوب التربوي الفعال والناجح مع الأطفال الذين يشعرون بالملل من الأساليب التربوية التقليدية القائمة على الثواب والعقاب والتأنيب اللفظي، فهم يشعرون بالمتعة خلال قيامهم باللعب ويفرغون انفعالاتهم من خلالها.

لقد عرَّف كل من الباحثين في علم النفس والتربية "جابر عبد الحميد" و"علاء الدين كفاني" العلاج باللعب بأنَّه "استخدام نشاطات اللعب ومواده من طين وصلصال وماء ومكعبات ودمى وعرائس وتأدية الأدوار والرسوم والتلوين بالأصابع في مجال الصحة النفسية، وتقوم فنيات اللعب على أساس النظرية التي تذهب إلى أنَّ مثل هذه النشاطات تعد مرآة للطفل تعكس حياته الانفعالية وتخيلاته وتمكِّنه من إخراج انفعالاته والتعبير عن مشكلاته وأن يختبر مداخل وعلاقات جديدة بالفعل بدلاً من الكلمات".

الألعاب شكل رئيس من أشكال نشاط الطفل، وهي في الوقت نفسه أداة تربوية تساعد على:

  1. تنمية قدراته ومهاراته ومواهبه.
  2. توصل الطفل إلى النتائج من خلال ما يفعله بنفسه عبر الاستكشاف.
  3. تعرِّف الطفل إلى ذاته وباختلافه عن ذوات الآخرين.
  4. تؤدي دوراً حاسماً في النمو العقلي؛ إذ يستطيع التعرف إلى كل شيء من خلال الألعاب.
  5. تنمية جسمه على نحو سليم وتحسين النشاط الحركي لديه والتآزر الحركي – الحسي بين أعضاء الجسم.
  6. تحقق النضج الاجتماعي للطفل فيصبح واسع الأفق ومحباً للعمل الجماعي وبعيداً عن الأنانية ويوسع دائرة اتصالاته وعلاقاته.
  7. تحقيق الصحة النفسية للطفل، فتساعده على التحكم بانفعالاته وضبطها.

ثالثاً: أنواع الألعاب التعليمية

1. الألعاب التعليمية:

هي ألعاب تعليمية محكمة لها قوانينها الخاصة التي تنظم سيرها، وغالباً ما يشترك فريقان بتنفيذها وتنتهي بغالب ومغلوب.

2. الألعاب الشعبية:

يمكن أن تُستخدم في التعليم وفي تعديل السلوك مثل لعبة الكراسي أو المسابقات.

3. الألعاب الحركية:

هي الألعاب التي تهدف إلى استخدام عضلات الجسم وتحفز الرغبة في الحركة مثل التمرينات الرياضية.

4. ألعاب الأحاجي:

هي سؤال غامض يحاول الطفل البحث عن حل له.

5. الألعاب التمثيلية:

أي قيام الطفل بتمثيل الأدوار، وتتيح هذه اللعبة للطفل التفكير بصوت عالٍ والتعبير عما يشعر به بصوت مرتفع دون خوف من عقوبة أو ما شابه.

6. ألعاب الغناء والرقص:

الرقص الشعبي وغناء الأناشيد.

7. الألعاب الهجائية:

هي الألعاب التي تساعد الطفل على إتقان اللغة بحروفها وطريقة نطقها.

8. الألعاب التربوية:

ألعاب هادفة وموجهة يمارسها الطفل وحده أو في جماعة، فتكون مضبوطة بقانون يحكمها.

شاهد بالفيديو: قواعد هامة في تربية الطفل الوحيد

رابعاً: استخدام الألعاب في ضبط السلوك العدواني للطفل وخفضه

1. النمذجة:

يرغب الطفل دائماً في تقليد أفراد معينين سلبيين كانوا أو إيجابيين؛ لذا يمكن الاعتماد على هذا الأسلوب في تعديل سلوك الطفل من خلال تقديم سلوكات إيجابية لشخصيات مرغوبة ومقبولة اجتماعياً ويُطلب إليهم تقليدهم بشكل دائم.

2. لعبة تبادل الأدوار:

كأن يُطلب من الطفل أن يؤدي دور شخصية محددة كما رآها مثل تأدية دور الأب أو الأم، فهذه اللعبة تتيح إمكانية معرفة نظرة الطفل إلى الشخص المطلوب وتحديد مشاعره تجاهها.

3. ممارسة الألعاب الفنية:

كالدبكة الشعبية والخياطة والرسم وصناعات الأشكال مثل الطائرات الورقية.

4. ممارسة الألعاب الرياضية الجماعية مثل كرة القدم وكرة السلة:

فهذه الألعاب تحقق المتعة واللذة وتعمل على تحقيق النضج الاجتماعي للطفل، كما تساعده على تنمية كافة مهاراته الجسدية والنفسية.

5. ألعاب حركية:

مثل لعبة الكراسي.

6. ألعاب اجتماعية:

لعبة شد الحبل، ألعاب السباقات المختلفة، لعبة صندوق العجائب.

إقرأ أيضاً: العدوانية عند الأطفال: أسبابها، طرق علاجها

خامساً: استراتيجيات عامة للوالدين والمربين بتخفيف السلوك العدواني عند الأطفال

  1. تجنب الاتجاهات الخاطئة في تنشئة الأطفال والتسيب في النظام أو ضعف الانضباط، فقد يؤدي ذلك إلى نمو أطفال عدوانيين.
  2. مساعدة الأطفال على تحقيق السعادة وإكسابهم الاتجاهات الإيجابية بحيث يكونون أفراداً لطيفين تجاه إخوتهم والآخرين.
  3. إتاحة الفرصة للطفل لممارسة نشاطات بدنية والتدريب على التمرينات الرياضية بحيث يستطيع من خلالها تفريغ الطاقة الزائدة لديه.
  4. إعادة ترتيب البيئة التي يوجد فيها الطفل، فالطفل يشعر بالملل والسأم من الوجود في نفس المكان بشكل يومي؛ لذا فإنَّ إحداث تغييرات في المكان من شأنه أن يحدث فرقاً عند الطفل ويبعث في داخله شعور الراحة، ومن ثم البعد عن السلوكات العدوانية السيئة.
  5. الإشادة بالسلوكات المرغوبة والمكافأة عليها من أجل تثبيتها في سلوكه.
  6. تعليم الأطفال المهارات الاجتماعية وتعزيزها في سلوكهم مثل تعلم آداب الحديث وكيفية التحدث مع الآخرين بلطف وتقديم المساعدة لهم وكذلك مهارات التواصل وسواها.
  7. ملاحظة الأطفال ومراقبتهم عن كثب وبشكل جيد في أثناء قيامهم بنشاطاتهم ولعبهم للكشف عن الميول العدوانية لديهم ووضع الحل الملائم لها قبل أن تتفاقم.
إقرأ أيضاً: تنمية المهارات الحياتية للطفل

في الختام:

تعدُّ الألعاب وسيلة أساسية يستخدمها الطفل في التعبير عن ذاته وما يخاف منه وما يرغب به أيضاً، فاللعب ليس فقط وسيلة اتصال وتواصل مع المحيط الاجتماعي أو وسيلة ترفيهية للطفل لملء وقت فراغه؛ بل هو أيضاً طريقة لعلاج ما قد يعاني منه من مشكلات وما يوجد لديه من سلوكات عدوانية، ولكل مشكلة أو سلوك عدواني نوع معين من اللعب المناسب (فردي، جماعي، خيالي، تمثيلي، محاكاة تقليدية)، وتتجلى أهمية استخدام اللعب بوصفه وسيلة في خفض السلوك العدواني في كونه نشاطاً اختيارياً للطفل غالباً ما يقوم به دون أن يتم إجباره عليه فهو يمثل حياة للطفل وطريقة لعيشه.




مقالات مرتبطة