نستعرض، في هذا المقال، كيف دُرّب الحمام الزاجل، وكيف كان يميز بين الأماكن، ولماذا عُدّ وسيلة أكثر أماناً وموثوقية من بعض أنظمة الاتصال في عصرنا، قبل أن نصل إلى التحول الكبير نحو البريد الإلكتروني.
ما هو الحمام الزاجل؟
الحمام الزاجل، أو (Homing pigeon)، هو سلالة مستأنسة من الحمام الصخري (Columba livia)، عُرف بقدرته الفطرية على العودة إلى عشه من مسافات بعيدة، مما جعله وسيلة تاريخية لنقل الرسائل.
يتميز بسرعته التي قد تصل إلى 95 كيلومتراً في الساعة، وقدرته على الطيران لمسافات تتجاوز 1,800 كيلومتر، كما يمكن تدريبه لحمل أوزان صغيرة تصل إلى 75 غراماً، وكانت أطول رحلة مسجلة رحلة في عام 1931 (من أراس إلى سايغون) بمسافة طويلة استغرقت أياماً.
أنواع الحمام الزاجل
من الناحية التاريخية، يُعتقد أن استعمال الحمام الزاجل يعود إلى آلاف السنين؛ ففي نصوص من بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة يوجد ما يدل على تربية الحمام لاستخداماتٍ اتصالية.
وبالاستناد إلى المعلومات الواردة في موسوعة (Britannica) و(Kids Encyclopedia Facts)، فقد استُخدم خلال الحروب، خصوصاً في القرنين التاسع عشر والعشرين، كما أصبح الحمام الزاجل وسيلة رئيسة للمراسلات السريعة، خاصة عندما تعذّر استعمال الخطوط الأرضية أو الأمن الإلكتروني أو الراديو.
ومن أنواعه:
- الحمام الزاجل / الحمام الناقل: الصنف العام والأكثر استخداماً لنقل الرسائل، وهو مستأنَس ومُربّى لتقوية غريزة العودة إلى العش.
- الحمام البري الصخري (مصدر السلالات): النوع البري الأصلي الذي استُنبِطت منه السلالات المستأنسة، ويُعرف علمياً باسم (Columba livia). وقد سهّلت قدرته الطبيعية على العودة تربية السلالات الزاجلة.
- حمام السباقات / حمام الرسائل التنافسي: سلالات مخصّصة للمنافسة والسباقات؛ إذ استُخدمت كثيرٌ من هذه الطيور أيضاً لأغراض المراسلة؛ لأنّها سريعة وموثوقة.
- الحمام الزاجل الأبيض : يُربّى خصيصاً لعرضه في مراسم رسمية واحتفالية.
- الحمام العسكري / حمام المراسلة الحربي: نوع مُختار للعمل في ظروف الحرب، مثل طيور (Cher Ami).
"الحمام الزاجل هو نوع من الحمام دُرّب على مرّ العصور لنقل الرسائل لمسافات طويلة اعتماداً على قدرته في العودة إلى موطنه".

كيف كان الحمام الزاجل يوصل الرسائل؟
يُعد الحمام الزاجل من أقدم وسائل نقل الرسائل. ونوضح في ما يلي هنا كيفية تدريبه، وربط الرسائل به، وتحديد مسار طيرانه بدقة.
1. تدريب الحمام الزاجل
يُدرّب الحمام الزاجل على العودة إلى مكانه الأصلي (العش) من مسافات بعيدة. يبدأ التدريب بنقل الطائر إلى مسافات قصيرة تدريجياً، ثم زيادة المسافة تدريجياً حتى يتمكن من العودة بدقة من مسافات طويلة، يُستخدم في هذا التدريب التكرار والمكافآت الغذائية لتعزيز الارتباط بين الطائر ومكانه الأصلي.
وفقاً لمربي الحمام المحترف في منتدى (Backyard Chickens)، "تكون الطريقة بأخذ الحمام الزاجل الذي دُرّب على العودة إلى عشه، ونقله إلى منزل صديق. فإذا أراد صديقك إرسال رسالة، يكتبها على قطعة صغيرة من الورق ويلصقها حول ساق الحمامة. ثم يطلق الحمامة، وعند عودتها إلى عشك، تُزال الرسالة لقرائتها".
2. طريقة ربط الرسالة
تُكتب الرسائل على ورق خفيف جداً، ثم تُلف وتُربط في أنبوب صغير يُعلّق بساق الحمامة.

3. مسار الطيران
يعتمد الحمام الزاجل على حواسه المميزة، مثل حاسة السمع والشم، لتحديد مسار العودة إلى موطنه. وفقاً لمقال على موقع (Erynlynum)، "يستخدم الحمام الزاجل إشارات مغناطيسية وأمواج تحت صوتية لتوجيه مساره، مما يثبت دقة قدراته في التنقل".
"يُدرَّب الحمام الزاجل على الطيران من مكان الرسالة إلى وجهته، ويحمل الرسالة في أنبوب خاص مربوط بساقه".
استخدامات الحمام الزاجل على مرّ التاريخ
كان الحمام الزاجل أداة اتصال حيويةً استُخدمت على مرّ التاريخ في الحروب، والتجارة، والمراسلات الرسمية بفضل قدرته الفطرية على العودة إلى موطنه من مسافات بعيدة.
كما واعتمد الناس على تدريبه بدقّة لتوصيل الرسائل بسرعة وأمان، سواء كانت رسائل عاجلة، أو معلومات عسكرية حساسة، أو أخبار تجارية هامّة. إليكم أبرز استخداماته:
1. الحمام الزاجل في الحروب
في الحروب القديمة والوسطى، استُخدم الحمام الزاجل لنقل الأوامر العسكرية بين القادة والجيش، كما حدث في بغداد منذ القرن الثاني عشر وخلال الحملات العسكرية لـ جنكيز خان.
وخلال الحرب العالمية الأولى، حملت حمامة «شير آمي» رسالة لإنقاذ فرقة 77 الأمريكية المحاصرة في غابة الأرغون في عام 1918، رغم تعرضها لإطلاق النار وإصابتها بجروح خطيرة.
في الحرب العالمية الثانية، استخدم الجيش الألماني والحلفاء الحمام الزاجل لإرسال معلومات سرية بين الوحدات والمقاومة المحلية، خاصة في المناطق التي تعذر فيها استخدام الراديو أو خطوط الاتصال التقليدية.
2. الحمام الزاجل في التجارة والمراسلات
في القرن التاسع عشر، اعتمد التجار على الحمام الزاجل لنقل الأخبار التجارية وأسعار الأسهم بسرعة، مثل استخدام بول رويتر ما يزيد على 45 حمامة بين بروكسل وآخن في عام 1860 قبل انتشار التلغراف الحديث.
كما استُخدم الحمام لنقل الرسائل المدنية بين المدن والقرى، وخاصةً في المناطق التي كانت فيها خدمات البريد محدودةً أو غير منتظمة، مثل خدمة (Pigeongram) في جزيرة (Great Barrier) في نيوزيلندا (1897–1908). كما استُخدم في نقل الرسائل الشخصية والمراسلات الطارئة.
3. الرياضة والسباقات
تطورت رياضة سباقات الحمام الزاجل منذ القرن التاسع عشر؛ إذ تتنافس الطيور على قطع مسافات طويلة بسرعة قياسية، مثل السباقات في بروكسل (1818) وسباقات لاحقة في أوروبا وأمريكا.
4. التجارب الطبية ونقل العينات
في أوائل القرن العشرين، استخدم الحمام لنقل الأدوية العاجلة بين المستشفيات، مثل تجربة "يوليوس نيبرونر" في عام 1903 في ألمانيا. وفي السبعينيات والثمانينيات، استُخدم الحمام الزاجل لنقل عينات طبية بين مستشفيات في إنجلترا وفرنسا، وخاصةً قبل انتشار البريد السريع وخدمات الطوارئ الحديثة.
5. الاتصالات الطارئة والكوارث الطبيعية
حتى أوائل القرن الحادي والعشرين، استُخدم الحمام في خدمات الطوارئ بعد الكوارث الطبيعية في مناطق، مثل أوديشا بالهند، لتوصيل الرسائل عندما تتعطل وسائل الاتصال الأخرى.
6. التجارب التقنية والثقافية الرمزية
في العصر الحديث، ظهر الحمام الزاجل في تجارب رمزية مثل بروتوكول (IP over Avian Carriers) في عام 2001، وفي سباق ساخر بين حمامة تحمل ذاكرة 4 غيغابايت وخدمة الإنترنت (ADSL) في عام 2009 في جنوب أفريقيا. كما استخدمت الحمائم البيضاء في المناسبات الاحتفالية مثل الأعراس أو الأحداث الرياضية كرمز للسلام أو الاحتفال.
هل الحمام الزاجل ما زال يُستخدم اليوم؟
نعم، رغم تراجع استخدام الحمام الزاجل في نقل الرسائل، إلا أنه لا يزال يُستخدم اليوم في مجالات أخرى حيث يُدرّب ويُربى في عديدٍ من الدول حول العالم.
- السباقات الحديثة: تُعد سباقات الحمام الزاجل من أبرز الاستخدامات المعاصرة له. منظمة الاتحاد الأمريكي لسباقات الحمام الزاجل (ARPU)، التي تأسست في عام 1910، تُنظم مسابقات سنوية تشمل مسافات تصل إلى 600 ميل، بمشاركة ما يزيد على 700 نادي في الولايات المتحدة.
- العروض والفعاليات: في المملكة المتحدة، تُنظم جمعية سباقات الحمام الملكية (RPRA) فعاليات وعروضاً سنوية، مثل (British Homing World Show)، الذي يُعد من أكبر المعارض في البلاد؛ إذ يُعرض فيه الحمام الزاجل وتُقيم مسابقات لتقييمه.
"لم يعد يُستخدم الحمام الزاجل لنقل الرسائل، لكنّه لا يزال يُدرّب في بعض الدول لأغراض رياضية وهوايات."

قسم الأسئلة الشائعة
1. لماذا سُمِّي الحمام الزاجل بهذا الاسم؟
سُمِّي الحمام الزاجل لأنّه يُطلق من مكان ليعود إلى موطنه برسالة، وتعني كلمة "زاجل" المُرسل أو المُبلّغ.
2. كيف كان الحمام الزاجل يحدد المكان؟
يعتمد على حاسة التوجيه الفطري، ويُدرّب ليعود دائماً إلى نقطة انطلاقه الأصلية.
3. هل الحمام الزاجل فعلاً كان يُستخدم في الحروب؟
نعم؛ استُخدم في الحرب العالمية الأولى والثانية لنقل أوامر وبيانات سرية، وكان يُعد وسيلة اتصال آمنة.
4. كم مسافة يمكن أن يقطعها الحمام الزاجل؟
يمكنه الطيران لمسافة تصل إلى 1000 كيلومتر في اليوم حسب نوع التدريب والظروف الجوية.
5. هل هناك استخدامات حديثة للحمام الزاجل؟
يُستخدم اليوم في السباقات وبعض الهوايات الاستعراضية، لكنه لم يعد وسيلة لنقل المعلومات.
في الختام
يُعد الحمام الزاجل شاهداً على رحلة طويلة من التطور البشري في عالم الاتصال؛ فقد انتقل من كونه وسيلة رئيسة لنقل الأخبار في الحروب والتجارة، إلى رمز ثقافي ورياضي يُحتفى به في السباقات والمعارض اليوم. تُجسّد قصته كيف يمكن للطبيعة أن تُسهم في خدمة الإنسان بطرائق مدهشة على مرّ العصور.
والآن، نود أن نسمع منك: هل لديك معلومات أو قصص مثيرة عن الحمام الزاجل لم نذكرها في هذا المقال؟ شاركنا بها في التعليقات!
أضف تعليقاً