إيجابيات وسلبيات العولمة

يقول الفيلسوف الكندي "ماكلوهان": "العولمة تعني القرية الكونية، وبما توحي به كلمة القرية الصغيرة فإنَّ كل ما يحصل في بقعة ينتشر خبره في البقعة المجاورة، وكل ما يحدث في جزء يظهر أثره في الجزء الآخر، فهناك إذن تأثُّر وتأثير متبادلان مستمران، ويقودنا ذلك إلى الظن بوجود ميل إلى توحيد الوعي والقيم وطرائق السلوك وأنماط الإنتاج والاستهلاك؛ أي قيام مجتمع إنساني واحد".



العولمة هي تبادل شامل بين أطراف الكون بحيث يصبح العالم مكاناً للإنسانية جمعاء ملغية للمسافات التي تفصل بين البشر ومقدمة للمعارف والمعلومات دون وجود شروط أو قيود، وهي حركة تسير بسرعة وتخطف الأحلام في طريقها، وتقتات هذه الحركة الاجتماع والاقتصاد والسياسة والثقافة وتتعدى النظم والأيديولوجيات.

برزت العولمة بروزاً كبيراً خلال عقد التسعينيات، لكن ما لبثت أن تحولت إلى أكبر قوة مؤثرة في الوقائع والحياة المعاصرة، فقد تسببت العولمة بسبب قدرتها المعلوماتية والتقنية والاقتصادية بالدخول في طور حضاري جديد يصبح فيه مصير الإنسان موحداً.

عموماً يمكن القول إنَّ العولمة هي نمط سياسي اقتصادي ثقافي لنموذج غربي متطور خرج من حدوده إلى العوالم الأخرى، وهذا النموذج اختلق حالة من الانقسام في كل المجتمعات لا سيما مجتمعنا العربي الأكثر تأثراً، فهناك من عارضها ودعا إلى مقاومتها، وهناك من روج لها بوصفها أمراً واقعاً مفروضاً لا بد من الاستسلام له أو شيئاً محبباً يجب على الإنسان تلقي كل ما يأتي منها، وبين هذا الرأي وذاك ينبغي علينا توضيح كل من إيجابيات وسلبيات العولمة وتأثيرها في مجتمعنا.

العولمة وتعريفها:

العولمة وتعريفها

أول من استخدم مصطلح العولمة استخداماً معرفياً كان العالم الكندي "مارشال مال لوهان" أستاذ الإعلام في جامعة "تورنتو"، وذلك عندما صاغ مفهوم القرية الكونية في نهاية الستينيات من القرن الماضي.

العولمة هي جعل الشيء عالمياً أو كونياً، فهي نقل الشيء من الحدود الخاضعة للرقابة إلى اللامحدود الذي لا يمكن أن يراقَب؛ إذ تزول الحدود الوطنية أو لا يتضح التمايز بين الدول بوصفها كيانات متفرقة، وتنطوي العولمة على قمع وإقصاء كل ما هو خاص وذاتي.

العولمة في معناها تقابل الكونية والشمولية وتنتفي في داخلها ذاتية الشعوب، وبسبب الانقسام الحاصل بين الباحثين بين مؤيد ومعارض للعولمة وبسبب الحذر الذي يقابل به الشعوب ظاهرة العولمة؛ يصعب صياغة تعريف دقيق للعولمة، وضمن هذا الإطار يمكن إدراج مجموعة من التعريفات التي تناولت العولمة:

1. الدكتور علي جمعة:

العولمة لفظ يدل على حالة أكثر مما يدل على مفهوم، وحالة العولمة هي تلك الحالة التي يعيشها الناس من خلال تطور المواصلات والاتصالات والتقنيات الحديثة، والتي تمكِّن الناس في الأرض كلها من التواصل اليومي والآني ببعضهم بعضاً، وما يترتب على ذلك.

كما تتضمن سهولة الانتقال وتبني الأفكار والمذاهب الاجتماعية والسياسية والدينية والأخلاقية، وكذلك عرض السلع والخدمات وتأثير ذلك في الأذواق والتوزيع ونمط المعيشة ومستواها، وما يلي ذلك من تأثير في التنمية والتطور، والعلاقة مع النموذج الشائع الذي تتبناه الجهات الأكثر قوة والأكثر تمكناً من الصناعة، وهو عادة النموذج الغربي والنظام الغربي ونمط المعيشة الغربي عموماً والأمريكي على وجه الخصوص.

2. أحمد عبد الرحمن:

قال في مقاله بعنوان: "العولمة: المضمون، المظاهر، المسببات" إنَّ العولمة ليست حالة ثابتة؛ وإنَّما هي عملية تحويل، فهناك أكثر من عملية عولمة؛ بل عمليات عدة؛ واحدة تختص بتنافس الدول الكبرى، وثانية تختص بالإبداع والانتشار التقني مع الآثار وجوانبه العسكرية والمدنية، وثالثة تختص بالإنتاج والتجارة، ورابعة تتعلق بالتحديث والمجتمعات.

3. عبد العزيز الصقيري:

هو اصطباغ عالم الأرض بصبغة واحدة شاملة بجميع أقوامها وكل من يعيش فيها، وتوحيد نشاطاتها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية من غير اعتبار لاختلاف الأديان والثقافات والجنسيات والأعراق.

4. صبري إسماعيل:

العولمة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع والسلوك، ويكون الانتماء فيها إلى العالم كله عبر الحدود السياسية الدولية، وتحدث فيها تحولات على مختلف الأصعدة تؤثر في حياة الإنسان في كوكب الأرض أينما كان.

5. مالكوم واثرز:

في كتابه (العولمة) قال إنَّها مرحلة من مراحل بروز وتطور الحداثة، وتتكثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي.

6. ألبرو (Albrow):

تشير العولمة إلى العمليات التي تندمج فيها شعوب العالم في مجتمع عالمي واحد.

إيجابيات العولمة:

1. استقرار الحياة الإنسانية:

تعمل العولمة على استقرار الحياة الإنسانية؛ إذ تشجع الحوار بين الثقافات المختلفة والأديان المختلفة، وترسخ أنماط التعايش بين الفرق المختلفة، إضافة إلى أنَّها تشجع جميع حركات التعاون الإنساني وفي جميع المجالات.

2. تقريب المسافات بين دول العالم:

تقريب المسافات بين دول العالم

من أهم مزايا العولمة التقريب بين الدول وإلغاء المسافات بينها؛ إذ تعمل على تحرير التجارة وإلغاء الضرائب الجمركية، وتشجع على انتقال رؤوس الأموال من مكان إلى آخر بحرية، الأمر الذي يفسح المجال أمام الدول للابتكار الجديد وتجديد ما تملك.

3. الميزة التنافسية:

التي تقود إلى تحسين جودة الخدمات والمنتجات، فالمنافسة بين المنتجين تدفع بهم للبحث عن سبل تحسين ما يقدمونه بهدف تحقيق المكاسب وجذب أكبر قدر من الزبائن.

4. إتاحة الفرصة للدول النامية للاندماج في السوق العالمية:

من خلال توفير فرصة تصريف منتجاتها في الدول الأخرى، فالعولمة توفر للدول النامية معرفة الميزة التنافسية في كل بلد والتخطيط وفقاً لذلك.

5. تعمل العولمة على تحقيق الديمقراطية الاجتماعية:

التي تهدف إلى تحقيق المساواة والعدالة في إطار اقتصاد السوق.

6. التعرف إلى ثقافات العالم:

تتيح العولمة فرصة لجميع الأفراد للتعرف إلى ثقافات العالم المختلفة وانتقاء ما يناسبهم منها.

7. ردم الفجوة المعرفية بين الدول:

تعمل العولمة بسبب تسهيلها لعملية انتقال المعلومات على دفع الحكومات المختلفة للسعي وراء تقليص الفوارق المعرفية بين دولتهم والدول الأخرى، والعمل على اللحاق بركب التطور والتقدم التقني الحاصل.

8. تحسين الأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية:

تعمل حكومات بعض الدول على إيجاد التوازن بين ثقافتها المحلية وبين ثقافة العولمة؛ إذ تحافظ على خصوصية مجتمعها وفي الوقت نفسه تنفتح على الآخرين وتتيح بذلك لأفراد المجتمع تحقيق الاستفادة المثلى مما يملكه الآخر وعلى كافة الأصعدة.

9. إرغام جميع المجتمعات على نشر القيم الديمقراطية:

العولمة تقوم على توفير مزيد من الحريات السياسية والثقافية والاجتماعية.

10. توفر العولمة قيماً إنسانية:

تعمل وفق خطاب إنساني يدعو إلى التعايش بين المجتمعات مختلفة الثقافات، وتدعو إلى ضرورة إيجاد نقاط مشتركة تقرب بينهم، فهي ترى أنَّ مصير الإنسانية مشترك ويجب العمل على تفادي حدوث الكوارث التي تضر بالإنسان بأشكالها.

11. ساهمت العولمة بالتعريف بالحضارات والثقافات المختلفة:

أجهزة الإعلام التي كانت وليدة العولمة والتي وصلت إلى مختلف بقاع العالم المتقدم منه والنامي أو المتخلف، عملت على التعريف بمختلف الثقافات ولا سيما تلك التي كانت على وشك الاندثار، كما لفتت النظر إلى الأقليات وعرفت عن خصوصياتها الثقافية.

12. تنمي العولمة الحس بالمسؤولية والجرأة:

شعارها الوضوح في التعامل وحث الفرد على قول الحقيقة وأن يتبع الصدق سواء مع نفسه أم مع الآخرين.

13. تقبُّل الآخرين:

تدفع العولمة الأفراد إلى تقبل الآخرين وتحث على التعامل الواعي مع كل مجريات الحياة وقضاياها.

14. التحول من التفكير التقليدي إلى التفكير بالمستقبل:

تسهم العولمة في تحويل تفكير الفرد من التفكير التقليدي إلى التفكير بالمستقبل وكيفية تحسينه.

إقرأ أيضاً: فوائد التفكير في المستقبل لحياة صحية

15. العولمة عنوان المعرفة:

تفتح العولمة آفاقاً معرفية كبيرة لا متناهية أمام جميع الأفراد وعلى قدم المساواة، فهي ذات ارتباط وثيق بالثورة العلمية والتكنولوجية.

سلبيات العولمة:

1. ضعف الإنتاج في الدول النامية:

سببت العولمة اتساع سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على عمليتي التجارة والاستثمار، وأدى ذلك إلى ضعف عملية الإنتاج في الدول النامية واعتمادها بشكل كبير إن لم نقل بشكل كامل على الواردات، ومن ثم أصبحت هذه الدول رهينة للدول الأخرى وتحولت بشكل شبه كامل إلى دول استهلاكية.

2. ارتفاع معدل البطالة في الدول النامية:

قلة الإنتاج تؤدي إلى قلة فرص العمل المتوفرة، ومن ثم انتشار البطالة وما يرافقها من فقر.

إقرأ أيضاً: 7 خطوات لنطوِّر ذاتنا أثناء فترة البطالة

3. انتشار ثقافة شراء السلع الكمالية:

سببت العولمة انتشار نمط من الاستهلاك اللامسؤول والسعي إلى اقتناء الأشياء التي لم تكن تعد من الضروريات مثل الهواتف المحمولة.

4. الاعتماد على العملات الأجنبية وانهيار العملات المحلية أمامها:

بسبب عدم قدرتها على التداول في السوق العالمي.

5. تقليص دور الحكومات في السيطرة على الوسائل الإعلامية:

من ثم أصبحت كل وسيلة تتبع منهجاً معيناً وفق مصلحتها، والترويج للقيم الغربية لا سيما الأمريكية، وإشاعة الفساد، وتسببت بالانحلال الأخلاقي للشعوب لا سيما للفئات العمرية الصغيرة من الأطفال والمراهقين.

6. غياب العدالة في قطف ثمار العولمة:

لا شك أنَّ الدول المتقدمة ستزداد ثراء على حساب الدول النامية، فرؤوس الأموال والشركات سوف تتركز في الدول الأكثر تقدماً، ومن ثم هي التي ستحصد ثمار الانفتاح فقط وتجعل من الدول الأخرى مجرد تابع لها.

7. قتل الخصوصيات الثقافية للأمم:

لا يخفى على أحد أهداف العولمة التي تعمل من أجلها لا سيما هدف تحقيق الثقافة العالمية الواحدة وإلغاء كل خصوصية موجودة وطمس الهويات وهدمها.

8. تبديد جهود الباحثين وسرقتها:

أحد التحديات التي يواجهها الباحثون هو سرقة الملكية الفكرية وانتهاك حقوق التأليف والنشر. عندما يقوم الباحثون بنشر نتائج أبحاثهم، يمكن أن تكون هذه المعلومات متاحة للجميع عبر الإنترنت بسهولة، مما يزيد من احتمالية انتهاك حقوقهم الفكرية. فقد يتم استخدام هذه المعلومات من قبل آخرين لتحقيق مكاسب اقتصادية أو تطوير منتجات تجارية دون إذن أو تعويض للباحثين الأصليين.

9. نشر السلوكات غير المرغوبة بين الأطفال:

لا سيما العنف بسبب كل ما يشاهدونه في محيطهم وفي وسائل الإعلام تحت عنوان حرية الإعلام.

10. تتصدر العولمة آفات المجتمع الخطيرة مثل المخدرات:

مع تزايد العولمة الاقتصادية وزيادة التجارة الدولية، أصبحت المخدرات سلعة مربحة للغاية. يتم تداول المخدرات في الأسواق السوداء بقيمة تبلغ مليارات الدولارات سنويًا، مما يجعلها جذابة للجماعات المنظمة والعصابات الدولية التي تستغل هذا النشاط غير القانوني لتحقيق أرباح ضخمة. وبالتالي، يؤدي هذا الإقبال على المخدرات إلى زيادة تدفقها وانتشارها في المجتمعات، مما يتسبب في آثار سلبية على الصحة العامة والاستقرار الاجتماعي.

11. ارتفاع كبير في أسعار السلع:

بسبب عمليات الاحتكار والمنافسة غير المتكافئة بين الدول المتقدمة والدول النامية.

12. تركيز الأموال في أيدي القليل من الناس أو القليل من الدول:

إذ إنَّ 20% من دول العالم تسيطر على 85% من الناتج الإجمالي العالمي.

13. ظهور سياسة الإغراق:

أي طرح سلع مستوردة في الأسواق تكون أرخص من مثيلاتها في الأسواق المحلية.

في الختام:

مهما اختلفت النظريات المفسِّرة للعولمة وإيجابياتها وسلبياتها، يبقى مضمون العولمة واحداً وهو تحقيق الاندماج والتداخل بين الشؤون الحياتية كافة، بحيث ترتبط شعوب العالم مع بعضها وتجمعها وحدة مصير، فالعولمة شكل من أشكال التوحيد العالمي وانتفاء كل ما هو خصوصي، وتحمل هذه الظاهرة في طياتها كل من الأشياء الإيجابية والسلبية، ويجب على مجتمعنا العربي تحقيق الاستفادة القصوى من العولمة ومنتجاتها مع الانتباه إلى ضرورة المحافظة على خصوصية المجتمع العربي وقيمه وعاداته المتأصلة فيه.




مقالات مرتبطة