إنشاء روتين قوي يساعدك على تحقيق أهدافك (الجزء الثاني)

لقد تحدَّثنا في الجزء الأول من المقال عن الغرض من الروتين، ومتى يحين الوقت لتغييره، واستعرضنا أربع حقائق عن الروتين القوي، وسنتابع في هذا الجزء الثاني والأخير منه الحديث عن كيفية إنشاء روتين قوي من خلال خمس خطوات ومثالين اثنين.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "سيلستين تشوا" (Celestine Chua)، وتُحدِّثنا فيه عن كيفية إنشاء روتين قوي، يساعدك على تحقيق أهدافك وأحلامك.

كيفية إنشاء روتين قوي:

ليس من السهل تغيير الروتين؛ بسبب قوة الروتين في إدامة ذاته، قد يكون من الصعب الإقلاع عنه؛ إليك بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك على التخلص من روتين سيئ، لكن عليك أولاً تلبية الشرطين الآتيين:

أولاً، عليك أن تدرك أنَّ روتينك لا يخدمك كما ينبغي؛ إذ يتطلب الأمر الشجاعة لإدراك أنَّ حياتك لا تسير بالطريقة التي تريدها، والاعتراف بأنَّ روتينك لا يخدمك، فللأسف لن يصل معظم الناس إلى هذه المرحلة من الإدراك في حياتهم؛ لأنَّهم مشغولون جداً بالنظر إلى خارج ذواتهم، ولوم العالم أكثر من التفكير فيما عليهم تغييره في أنفسهم، إنَّهم منهمكون في إنكار الذات وإقناع أنفسهم بأنَّهم يحبون حياتهم كما هي.

ثانياً، عليك أن تريد التغيير، صدِّق أو لا تصدِّق، يستمر بعض الناس في الشكوى من حياتهم؛ لكنَّهم مع ذلك يرفضون تغيير سلوكاتهم، على سبيل المثال الشخص الذي يريد تكوين صداقات جديدة؛ لكنَّه يرفض مقابلة أشخاص جدد خارج دائرة أصدقائه، أو شخص يريد إنقاص وزنه؛ لكنَّه يرفض تغيير عاداته الغذائية الضارة أو البدء في ممارسة الرياضة، فلن يحقق هؤلاء الأشخاص التغيير أبداً ما لم يدركوا أنَّهم بحاجة إلى أن يكونوا قادة التغيير أولاً.

لذا بافتراض أنَّك تدرك أنَّ روتينك لا يخدمك، وتريد تغييره للأفضل، كيف يمكنك فعل ذلك؟ في السنوات القليلة الماضية، تبنَّيتُ إجراءات روتينية جديدة عدة تدعم أهدافي طويلة الأمد، مثل تناول الطعام الصحي وفقدان الوزن والسعي وراء أحلامي وإنشاء عمل مستدام من الصفر، وما إلى ذلك.

إقرأ أيضاً: حسَّن روتينك الصباحي مع 10 خطوات أثبتتها الأبحاث

سوف أشارككم 5 خطوات رئيسة لاستبدال الإجراءات غير البنَّاءة بإجراءات مفيدة جداً:

الخطوة الأولى: تحديد الروتين الضار

حدِّد الروتين الذي يستنزف طاقتك، ما الذي يسبب لك الخمول في حياتك، ويصدك عن تحقيق أهدافك حالياً؟

وجدت في مراجعاتي السابقة أنَّ الأكل العاطفي (تناول الطعام لتخفيف المشاعر السلبية) كان روتيناً ضاراً للغاية، لقد صرفت قدراً كبيراً من الطاقة كل أسبوع في التخطيط لروتيني الغذائي الصحي وممارسة الرياضة، الذي كنت أرجع عنه بعد يوم أو يومين بسبب الأكل العاطفي، فأجلد ذاتي بسبب ذلك، وأتناول المزيد لمجرد معاقبة نفسي، ثم أقول لنفسي إنَّني سأبدأ من جديد في اليوم التالي، لكن يتكرر هذا الأمر مرة أخرى بعد بضعة أيام.

كان هذا إهداراً هائلاً للطاقة والوقت؛ لأنَّني صرفت وقتاً وطاقة كبيرَين في القلق بشأن المشكلة نفسها كل أسبوع، لقد سئمت من تكرار الأمر نفسه طوال هذه السنوات، وعدم إحراز أي تقدُّم، وكل ما جنيته كان الشعور بالاستياء تجاه نفسي في كل مرة أحاول فيها، وكان لا بد من معالجة هذا الروتين، وقد فعلت ذلك في النهاية من خلال تجربتي مع الصيام، التي سأتناولها في الخطوة الثانية.

إضافة إلى الأكل العاطفي توجد إجراءات روتينية أخرى عديدة ضارة، مثل التأخر عن المواعيد، والإفراط في النوم وعدم الالتزام بالمواعيد النهائية، والدخول في علاقات مع أشخاص غير مناسبين، والاستسلام في منتصف الطريق والشرود الذهني وغير ذلك الكثير.

الخطوة الثانية: التخلص من الروتين الضار

الطريقة المباشرة والأسرع هي التخلي عن الروتين الحالي تماماً؛ فالروتين يكرر نفسه، كل فعل يؤدي إلى نتيجة تشجعك بدورها على مواصلة أفعالك، مما يعزِّز النتيجة، وعندما تتوقف عن تغذية هذه الحلقة، ستتوقف الحلقة عن فرض نفسها؛ ومن ثمَّ تتوقف تلقائياً.

أمثلة عن التخلص من الروتين الحالي: الذهاب في رحلة أو أخذ إجازة أو إنهاء الصداقات السلبية أو ترك العمل أو التوقف عن اتباع نظام غذائي أو الصيام وما إلى ذلك، كلما طالت مدة إيقاف الروتين الحالي، سَهُلَ إحداث تغيير جديد بعد ذلك.

قد يبدو الإقلاع عن الروتين تماماً إجراءً جذرياً، وهو كذلك، لست مضطراً إلى قطع روتين قديم كلياً لمجرد إنشاء روتين جديد، مع أنَّها أكثر طريقة مباشرة تعطي أسرع النتائج، هذا صحيح تحديداً إذا لم يكن روتينك السابق يخدمك على الإطلاق، أو كان متجذراً ويصعب الإقلاع عنه، أو لم تنجح في الإقلاع عنه بطرائق أخرى، هذا هو السبب في أنَّ الإقلاع عن الروتين القديم كان دائماً طريقتي المفضلة لإحداث تغييرات مفيدة في حياتي.

شاهد بالفيديو: 3 طرق لكسر الروتين وتغيير حياتك للأفضل

المثال الأول: الصوم

أجريت تجربة صيام - بوصفها جزءاً من خطتي لإعادة إنشاء علاقة صحية مع الطعام - لم أتناول خلالها أي شيء على الإطلاق مدة 21 يوماً، باستثناء شرب الماء، كان الصيام مفيداً للغاية؛ لأنَّه سمح لي بأخذ استراحة طويلة من تناول الطعام، وفي هذه العملية تمكنت من مراجعة علاقتي مع الطعام.

تمكنت من خلال صيامي 21 يوماً من تحقيق مستوى غير مسبوق من الوعي والموضوعية والوضوح فيما يتعلق بالطعام، لقد ساعدني هذا على توضيح مشكلاتي العميقة مع الطعام، وأثبت أنَّه حاسم للغاية في إعادة تأسيس علاقة صحية مع الطعام.

مضى أسبوعان الآن على تجربة صيامي، وأنا أبلي بلاءً حسناً مع الطعام الصحي، أميل الآن تلقائياً إلى تناول الفواكه والخضروات الصحية الطازجة، حتى دون إرغام نفسي على ذلك، وأتناول الطعام عندما أحتاج إليه وأتوقف عندما أريد ذلك؛ لهذا السبب، حافظت أيضاً على وزني بعد الصيام.

حققت كل هذا بفضل الصيام 21 يوماً، واغتنامي الفرصة لإزالة جذور مشكلاتي السابقة مع الطعام، ولو أنَّني أكلت في أثناء الصيام، أو صمتُ مدة أقصر من 21 يوماً، لما استطعت تحقيق مثل هذه النتائج بعد الصيام.

المثال الثاني: ترك وظيفتي

أحد الأمثلة الأخرى التي أقلعت فيها عن روتينٍ ضار نهائياً هو ترك وظيفتي في عام 2008، ففي ذلك الوقت كنت أتوق إلى البدء في شغفي؛ لكنَّ وظيفتي مع عبء العمل الثقيل، والسفر المتكرر والمسؤوليات اليومية، جعلتْ من المستحيل تحقيق تقدم كبير في أحلامي؛ لذا بدلاً من الوقوع في فوضى محاولة بدء شيء جديد، ونتيجةً لجدول عملي المعقد، قررت ترك وظيفتي نهائياً.

بذلك حررت كل وقتي ومواردي العقلية للتركيز على أعمال التطوير الشخصي، وبجدول زمني نظيف وفارغ، يمكنني بعد ذلك إنشاء روتين جديد تماماً للنجاح في شغفي، قضيت 12 ساعة كل يوم في العمل وحدي، مكَّنني هذا من تحقيق نتائج في مساري الجديد على نحو أسرع؛ إذ لم يكن هذا ممكناً أبداً لو بقيت موظفة.

قد يتذرع بعض الأشخاص بكل أنواع الأعذار التي تمنعهم من ترك الوظيفة، وهذا شأنهم، لقد قيَّمتُ وضعي بدقة، واخترت الاستقالة لأنَّ فوائد القرار رجحت على مضاره على الأمد الطويل، بالتأكيد توجد مخاوف طبيعية مثل فقدان الدخل، وما إلى ذلك، لكن هذه ليست مخاوف مستعصية، إنَّها مسألة تتعلق بالقدرة على إدارة الموقف.

أنا لا أقول إنَّه يجب على الجميع ترك وظائفهم إذا كانوا يريدون البدء في مشروع جديد، يعتمد ذلك على وضعك الحالي وما هو أفضل طريق للوصول إليه، قد يكون البقاء في وظيفتك الحالية وتنفيذ مشروعك الجديد في وقت فراغك هو الخيار الأفضل لك.

إذا كان هذا هو الحال واخترت البقاء في وظيفتك الحالية، فتذكر أنَّك اخترت الوظيفة بمحاسنها ومساوئها، ثم يعود الأمر إليك لإيجاد طريقة لجعل الأمور تسير على ما يرام، على سبيل المثال كونك موظفاً، فسيكون وقتك محدوداً؛ لكنَّ المال ليس كذلك؛ إذ يمكنك استخدام المال للاستعانة بمصادر خارجية للنهوض بمشروعك الجديد، في الحالتين كلتيهما غايتك لن تتغير؛ وإنَّما كيفية الوصول إلى غايتك هي التي تتغير.

قد يكون من الصعب التخلص من الروتين المتجذر بعمق، مثل الأكل العاطفي والعلاقات المؤذية وأنماط التفكير السلبية، وما إلى ذلك، توجد أنماط عدة سببها المعتقدات اللاواعية التي تتطلب معرفة السبب الجذري من أجل معالجته بنجاح.

شاهد بالفيديو: 10 خطوات للتخلّص من روتين الحياة اليومية

الخطوة الثالثة: إنشاء روتين جديد يمنحك القوة

بعد أن تخلصت من روتينك القديم، أنشئ روتيناً جديداً يدعمك في أهداف حياتك، على سبيل المثال بعد التخلص من روتيني القديم المتمثل في عادات تناول الطعام السيئة عن طريق الصيام، ابتكرت روتيناً جديداً للأكل الصحي، كان من السهل الالتزام بهذا الروتين الجديد بعد الصيام؛ لأنَّني تخلصت من جميع عاداتي السابقة في أثناء الصيام، وكل ما عليَّ فعله هو التمسك بالخطة في الأسبوع الأول، والفوائد الإيجابية للقيام بذلك تُعزِّز تلقائياً الروتين في الأسبوع الثاني، والأسبوع الذي يليه وهكذا.

فيما يأتي مثال عن روتين يدعم رحلة نمو الفرد:

  1. قراءة مدونات التطوير الشخصي.
  2. وضع الخطط والأهداف.
  3. المشاركة في المنتديات عبر الإنترنت مع أفراد يسعون إلى النمو.
  4. مراجعة الأهداف الشخصية وتعقبها أسبوعياً.
  5. جلسات كوتشينغ الحياة، أُجري عادةً جلسات كوتشينغ أسبوعية أو شهرية مع عملائي؛ إذ نركز على أهداف حياتهم والجوانب الهامة منها في أثناء الجلسات، ومع أنَّ مدة الجلسة ساعة واحدة فقط، كان تأثيرها مفيداً جداً، ويستثمرونها أسبوعياً لتحقيق أهدافهم.

يمكنك أيضاً إنشاء روتين قوي لأهداف محددة، إذا كنت تريد أن تكون كاتباً متفرغاً، فقد يتضمن روتينك ما يأتي:

  1. قراءة المدونات والكتب عن الكتابة.
  2. كتابة عدد معين من الكلمات يومياً، أو قضاء وقت معين يومياً في كتابة روايتك الأولى.
  3. حضور لقاءات وفعاليات مع الكتَّاب.
  4. الاشتراك في منتديات للكتَّاب عبر الإنترنت.
  5. التواصل مع دور النشر والوكلاء الأدبيين.
  6. الالتحاق بدورات الكتابة.

بالتأكيد ممارسة هذه النشاطات كلها معاً أمر مرهق؛ لذا اختر منها الأنسب لك، تنطبق هذه النشاطات الستة المذكورة آنفاً على الأهداف الأخرى جميعها أيضاً، على سبيل المثال، إذا كنت تريد أن تصبح طاهياً، فاقرأ المدونات والكتب عن الطهي، وأنشئ عدداً معيناً من الوصفات يومياً، وما إلى ذلك.

إقرأ أيضاً: 3 طرق لكسر الروتين وتغيير حياتك للأفضل

الخطوة الرابعة: التجريب

الآن بعد أن أنشأت روتيناً قوياً، سجِّل الإجراءات في تقويمك، وجرِّب هذا الروتين في الأسبوع الأول، وراقب مدى نجاحه، وقيِّم مستوى طاقتك قبل كل نشاط وبعده؛ فالنشاطات التي تمنحك القوة هي تلك التي تثير حماستك، وتبعث فيك النشاط والحيوية، أما النشاطات غير المُجدية فهي تلك التي تُرهِقك بعد القيام بها.

إذا اخترت المزيج الصحيح من النشاطات، يجب أن تشعر بمزيد من النشاط رغم انشغالك أكثر من ذي قبل، بطريقة ما ستحتاج إلى نوم أقل، وتكون أكثر يقظة من المعتاد، وستدرك مدى المبالغة في التأكيد على أهمية النوم لساعات طويلة.

الخطوة الخامسة: التعديل والتحسين

تخلَّص من النشاطات التي تستنزفك، وأضف النشاطات التي تمنحك القوة إلى روتينك، استمر في التغيير والتبديل حتى تحدد المزيج الأمثل من النشاطات التي تحقق لك أفضل النتائج كل أسبوع، هذا يتطلب التجريب المستمر.

لقد وجدت من التجربة أنَّ التركيز على نشاط واحد فقط طوال الأسبوع غير ناجح بسبب عامل الإنهاك، تعمل مجموعة النشاطات الشاملة التي تتوافق مع قيمك وتطلعاتك على نحو أفضل، على سبيل المثال في الماضي جرَّبت روتيناً لم أفعل فيه شيئاً سوى كتابة مقالات طوال الأسبوع.

لقد استُنزفتُ تماماً بعد الأيام القليلة الأولى، وأدركتُ لاحقاً أنَّ التواصل مع الناس هام في حياتي، وأنَّ جدولة 2-3 لقاءات أسبوعياً مع أصدقاء طيبين وأفراد ذوي وعي عالٍ وشركاء أعمال له تأثير في زيادة مستوى طاقتي؛ لذا أضفت ذلك إلى روتيني منذ ذلك الحين؛ إذ يتضمن روتيني الأسبوعي الآن مزيجاً من الكتابة وبناء المدوَّنة والتخطيط والكوتشينغ الفردي والتحدث في المؤتمرات واللقاءات الاجتماعية.

في الختام:

راقب الأوقات التي تشعر فيها بالنشاط والأوقات التي تشعر فيها بالخمول، فمن خلال التغيير المستمر لجدولك الزمني، ستتمكَّن من إنشاء أفضل روتين يناسبك ويعزِّز قوتك، ويساعدك على تحقيق أهدافك وأحلامك.




مقالات مرتبطة