إدمان منطقة الراحة: أسبابه، وآثاره السلبية، وكيفية الخروج منه

"رغم إحساسي بالملل من روتين حياتي، إلَّا أنَّني لا أملك جرأة التغيير وأعبائه"، "وظيفة ثابتة أفضل من مشروع مجهول لا أحد يدري شيئاً عن نتائجه"، علاقة زواج شكلية أفضل من عملية الطلاق المرهقة"، "البقاء في المنزل أفضل من الخروج مع الأصدقاء والتعرض إلى كلمة جارحة أو موقف غير سار"، "الصمت أفضل من المواجهة" "إنَّ عدم ذهابي إلى الحفلة أفضل من ذهابي وتعرُّضي للإحراج".



لطالما استخدمنا تلك الجمل خلال تعاملاتنا اليومية؛ خادعين أنفسنا بأمان وهمي وكاذب، خائفين من التغيير وتبعاته، سامحين للروتين والعادات بالانتصار على إرادتنا الحرة وقوَّتنا الداخلية، هاربين من تحمُّل حالة عدم الراحة الناتجة عن كسر دائرة الراحة الخاصة بنا، مقتنعين بالنتائج المتواضعة التي نصل إليها، ومتجاهلين كم النتائج الرائعة التي من الممكن الوصول إليها في حال تغيير نمط حياتنا.

كيف أتخلَّص من إدمان منطقة الراحة؟ هذا ما سنتعرف إليه من خلال هذا المقال.

ما هو إدمان منطقة الراحة؟

هي حالة نفسية يُصاب بها الإنسان بعد اتباعه لِنمط معين من الحياة وعلى مدار فترة زمنية طويلة، الأمر الذي يجعله يُدمِن شعور الراحة الناتج عن قيامه بتلك الأعمال ويستهجن أي حالة تبعده عن ذلك النمط المعتاد، مما يبقيه بحالة من الأمان الكاذب، والروتين القاتل، والجمود السيء.

إقرأ أيضاً: 10 طرق للتغلب على الخوف والخروج من منطقة راحتك

ما هي الآثار السلبية الناتجة عن إدمان منطقة الراحة؟

1. خسارة الفرص:

لن يلتفت مَن يُدمِن منطقة الراحة إلى ما تمنحه إياه الحياة من فرص ذهبية؛ حيث لا يستطيع تحمُّل مشاعر القلق وعدم الراحة الناتجة عن تغيير أسلوب حياته، على سبيل المثال: يرفض الشخص الذي يُدمِن منطقة الراحة العمل في قطاع خاص، ويعدُّه غير مستقر، وأنَّه يخضع لمزاجية المدير، مفضِّلاً البقاء في وظيفة ثابتة، لا تضيف إلى قدراته وطاقاته أي شيء، ولا تقدِّم له إلَّا أجراً زهيداً.

2. عدم التطور:

كل مَن يعشق منطقة راحته؛ لن يتطوَّر؛ وذلك لأنَّ مفهومه للتطور مشوَّه، فهو يريد بلوغ النجاح، كما أنَّه يطمح بالثروات والمنازل الفاخرة، إلَّا أنَّه غير مستعد لتحمُّل أي أمر يمس براحته، على سبيل المثال: يطمح مَن يُدمِن دائرة راحته بالثراء، إلَّا أنَّه غير قادر على تطوير ذاته ومواهبه، والاستثمار في نقاط قوَّته، والبحث عن أبواب مختلفة للرزق، وخوض تجارب جديدة في الحياة والتعرف إلى أشخاص مختلفين لهم علاقة بما يريد الوصول إليه.

3. الوعي المنخفض:

يبقى مَن يُدمِن المكوث في منطقة الراحة في مستوى منخفض من الوعي؛ حيث لا يملك مسؤولية قراراته وخياراته، فيتعامل مع حياته بوعي الطفل الذي يخاف الابتعاد عن أمه قيد أنملة، في حين يجب على الإنسان امتلاك الوعي الكافي لبناء حياته ومستقبله والدفاع عن أهدافه وشغفه.

4. الضعف الشخصي:

لا يعترف مَن يُدمِن المكوث بمنطقة الراحة بما لديه من قوى استثنائية، فيميل إلى تبنِّي معتقدات ضعيفة عن ذاته، مثل: "أنا غير قادر على إحداث تغيير في حياتي"، "لن أستطيع ترجمة شغفي على أرض الواقع، فهذا الأمر يتطلب العمل الكثير والسعي، كما أنَّ لدي الكثير من الواجبات الأخرى، ولا ترى الظروف المحيطة بنا؛ فكيف سأصل إلى شغفي في ظل ظروف متدهورة كهذه؟".

5. الكآبة:

يصل مَن يُدمِن المكوث في منطقة الراحة إلى الكآبة، فهو أسير الروتين والظروف الخارجية، مكبَّل الإرادة، منهزم الأحلام والرؤى.

ما بين النظام والفوضى والإبداع:

لا يملك معظم الناس توجُّهاً وسطياً لنظام حياتهم، فيتمحورون إمَّا في أقصى اليمين أو أقصى اليسار، إمَّا في نظام صارم جداً، بحيث تتحكم بهم القواعد، متحولين إلى عبيد لها، أو في فوضى عارمة، لا تفضي إلى أي شيء.

قليل جداً من الناس مَن يستطيعون الوصول إلى منطقة التقاطع، أي ما بين النظام الصارم والفوضى، وهي منطقة الإبداع والنجاح؛ حيث يتحررون من إحساس الأمان الوهمي ويكسرون الروتين القاتل المسيطر على حياتهم، و ينطلقون إلى تغذية أدواتهم ومهاراتهم لكي يستطيعون الظفر بالفرص الرائعة.

شاهد بالفديو: 20 طريقة بسيطة للخروج من منطقة راحتك

لماذا ندمن منطقة الراحة؟

1. الخوف:

يرزخ أغلب الناس في منطقة الخوف القاتلة؛ حيث يخافون من آراء الناس فيهم في حال قيامهم بخطوة غير مألوفة، كما يخافون من المجهول ويفضِّلون البقاء في الخيارات المضمونة على اختبار خيارات جديدة في الحياة، الأمر الذي يجعلهم محدودين وجامدين.

2. ضعف الثقة بالنفس:

يملك أغلب الناس أهدافاً وأحلاماً عظيمة، ولكن يقف ضعف الثقة بذاتهم وبإمكاناتهم عائقاً في وجه تحقيقها، ولطالما سمعنا جملة "أنا غير قادر على الوصول إلى هدفي، إنَّه كبير جداً وأنا لا أملك القدرات لتحقيقه"، لا يدري معظم الناس طاقاتهم الخفية، ولا يسعون إلى اكتشافها، ويحافظون على الصورة الذهنية المشوهة عن ذواتهم، متجاهلين مسؤوليتهم أمام تقويمها وتصحيحها.

3. الأعذار:

يقع أغلب الناس ضحايا الظروف الخارجية، معلِّقين قيمتهم وما يستطيعون تقديمه على الظروف، وذلك لنظرتهم إليها بكونها أكبر منهم، فيقولون: "كيف لنا أن نتقدَّم في ظل الظروف الاقتصادية المنهارة؟"، "لقد اعتدت على هذا البلد، كيف سأسافر إلى بلد آخر؟ فالبلد الذي أعرفه أفضل من المجهول"، "لا يوجد فرص عمل، لا أستطيع القيام بشيء سوى انتظار فرصة العمل المناسبة لي"، "كل مشروع خاص يلزمه رأس مال كبير، وأنا لا أملك فلساً واحداً".

إقرأ أيضاً: غيّر حياتك نحو الأفضل باتباع 6 عادات يومية

كيف أخرج من منطقة الراحة؟

1. كسر الخوف:

واجه خوفك ولا تهرب منه، فإن كنت متردداً في اتخاذ قرار ما؛ فلا تدع نفسك تغوص في التفكير بحيث تتردد أكثر وتدخل في دوامة التأجيل؛ بل سيطر على تفكيرك وخذ القرار.

على سبيل المثال: إن كنت تفكِّر في الانفصال من علاقة حب فاشلة، وقد فكَّرت في الأمر مسبقاً واقتنعت بضرورة القيام بهذه الخطوة، إلَّا أنك تتردد في اتخاذها خوفاً من كلام الناس، أو من البقاء وحيداً؛ فعندها لا تسمح لعقلك بالاستسرسال في التردد والخوف؛ بل اقطع حبل أفكاره واتخذ القرار، وتخيَّل العواقب السلبية التي ستنالك في حال عدم اتخاذك لهذا القرار واستمرارك في علاقة فاشلة.

من جهة أخرى، تذكَّر أنَّ الناس لا يتوقفون عن الكلام في جميع الأحوال، وأنَّ البقاء وحيداً أفضل بكثير من الاستمرار في علاقة فاشلة.

2. تقبُّل الضغط:

احتفِ بالتحديات التي ستواجهك في أثناء رحلة انتقالك من منطقة الأمان إلى منطقة التطور، واعلم أنَّ النجاح قائم على الضغط، فلا تتوقع شعور الراحة في أثناء انتقالك إلى مستوى أعلى من الأداء، على سبيل المثال: ستواجهك في أثناء انتقالك من عقلية الموظف إلى عقلية رائد الأعمال الكثير من العراقيل والصعوبات؛ لذا كن مستعداً لها، واعلم أنَّها المسؤولة عن نموِّك وتطوُّرك.

3. تطوير الذات:

ابذل الجهد في تطوير ذاتك وقدراتك ومواهبك ونقاط قوَّتك، فهي سلاحك لتنمية ثقتك بنفسك واجتياز منطقة الراحة القاتلة، اقرأ الكتب، والتحق بالدورات التدريبية، واكتشف شغفك، وابحث عن وسائل مبتكرة لكسب المال والاستثمار في مواهبك.

شاهد بالفديو: 10 أفكار مدهشة تساعدك على تطوير ذاتك

4. المحاولة والخطأ:

النجاح عبارة عن مجموعة محاولات، فلا تتوقع وصولك إلى هدفك من أول محاولة، فلا بد من الخطأ والتعلُّم من الخطأ لكي تتطور وترتقي وتصل إلى هدفك بقوة، وإن لم تنجح طريقتك في الوصول إلى ما تريد، فاتَّبع طرائق مختلفة، فلا بد من وجود طريقة للوصول إلى حيث تريد، وستظهر الطريقة عندما يكون هناك إرادة حقيقية.

5. اختبر أشياء جديدة:

لا تكن تقليدياً، ابحث عن الأشياء الجديدة وانخرط فيها، فهي ستساعدك على الخروج من دائرة أمانك وراحتك، تحدَّ ذاتك، واندفع في خيارات جديدة في حياتك، فإن لم تجرِّب إلقاء محاضرة أمام الناس في يوم من الأيام، وتجد أنَّ لديك الموهبة لتحقيق ذلك؛ اكسر خوفك وترجم تلك الرغبة على أرض الواقع.

6. المفاجأة:

ستكون الحياة رتيبة جداً إن عشتها كما التوقعات المعتادة، بحيث تكون مقيداً بأسلوب حياة واحد على مدار سنوات طويلة، لذلك اسمح للمفاجآت بالدخول إلى حياتك، وذلك من خلال اختبار مجالات جديدة في الحياة، مع عدم إمكانية التوقع بالنتائج، بحيث يعود عنصر التشويق إلى حياتك.

إقرأ أيضاً: 6 علامات تخبرك أنه يجب أن تغيّر طريقة حياتك حالاً

الخلاصة:

يكمن أمانك الحقيقي في ذاتك، وتطوُّرك، وأفكارك وإبداعك وقدرتك على التغيير واللحاق بشغفك؛ وليس في الروتين والجمود والثبات.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة