أيُّهما أهم في العمل: السعادة أم المرونة؟

ليس هناك شك في أنَّ العملاء السعداء يَدرُّون الأرباح، لكن هل ينطبق نفس الأمر على الشركات؟ وهل الموظفون السعداء هامُّون بقدر ما نعتقد؟ نحن نرى كل يوم مزيداً من العناوين الرئيسة التي تقول إنَّ الشركات يجب أن تضمن أنَّ القوى العاملة لديها سعيدة وراضية وقانعة، لكنَّ الأدلة على ذلك لا تتوافق تماماً مع الواقع، فقد يكون من الأهم بكثير أن تتأكَّد من أنَّ القوة العاملة لديك لا تواجه تحديات صعبة، وتعمل معاً عملاً فعَّالاً، حتى لو كان ذلك يعني أنَّهم ليسوا في غاية السعادة.



لا تعني السعادة إنتاجية أفضل:

من المتعارف عليه أنَّ الفِرق السعيدة، هي فِرق منتِجة؛ إذ قضى معظم المديرون وكبار موظفي الموارد البشرية عقداً من الزمن يبحثون في موضوع السعادة، فقد عملوا بجد أكبر مع مرور كل عام لمساعدة موظفيهم على الشعور بسعادة أكبر.

لا أحد يريد قوة عاملة مُكتئبة، ومرهَقة، وحزينة، وتفتقر إلى الحماسة، فهذا هو أسوأ نوع من الشركات، لكنَّ الغريب أنَّه وَفقاً للأدلة المتاحة، لا ينبغي لأحد أن يتوقع أيضاً أن يكون الموظف سعيداً ومتحمساً وإيجابياً دائماً.

غالباً ما تكون الفِرق السعيدة غير منتجة، ولا تقدِّم أفضل النتائج، فوَفقاً لتحليل إحصائي أجرته مجموعة من الباحثين، فإنَّ العلاقة بين الرضى الوظيفي، والأداء الوظيفي متواضعة في أحسن الأحوال؛ بل إنَّ بعض الدراسات تشير حتى إلى أنَّها سلبية.

وقد وجدت إحدى الدراسات التي أُجرِيَت على الموظفين في المتاجر البريطانية أنَّه كلما كان موظفوهم أكثر سعادة، كانت فروعهم أقلَّ ربحاً؛ إذ كتب الباحثون: "كشفت دراسة تجريبية على واحدة من سلاسل المتاجر الكبيرة الأربعة في المملكة المتحدة، عن وجود علاقة عكسية بين رضى الموظفين، ومقاييس الإنتاجية والكفاءة والربح، فالمخازن الأكثر ربحاً هي تلك التي يكون الموظفون فيها أقل رضى".

إقرأ أيضاً: 3 طرق لتوفير المرونة في شركتك

السعادة أمر سيئ:

قد يبدو أنَّ هذا العنوان يتعارض مع المنطق، فكيف يمكن للموظفين التعساء أن يكونوا أكثر فاعلية وإنتاجية ويحقِّقوا نتائج أفضل؟ إنَّ السبب في ذلك هو أنَّه في كثير من الأحيان، تشير القوى العاملة السعيدة إلى وجود كثيرٍ من التجانس في الفِرق؛ أي يعمل أعضاء الفريق في وِفَاق تام، وجميعهم مرتاحون وسعيدون ومستقرُّون، ولديهم جميعاً نفس الأفكار والتوقعات ووجهات النظر، وكل شيء بالنسبة إليهم يسير على ما يرام، وهذا يمكن أن يكون خطيراً جداً؛ إذ وجدت الأبحاث التي أجراها معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" (MIT)، أنَّ الفِرق الأقل تنوعاً بين الجنسين تكون أكثر سعادة، لكنَّها تُقدِّم نتائج أسوأ.

لا يوجد في هذه الفِرق السعيدة توتُّر إبداعي، ولا يوجد نقاشات وجدالات داخلية تتعلق بالأفكار، فلا يشعر أحدٌ بالتحدي، فإنَّك تحتاج إلى تلك الشرارة والطاقة التي تأتي من خلال المنافسة والتحدي، لتحقق الإبداع والابتكار؛ وذلك لأنَّه من دون صراع، لا يمكن أن يكون هناك تقدُّم، ومن الواضح أنَّ هذا يمكن أن يتحول إلى منافسة تخريبية؛ لذلك، يجب عليك أن تُحقِّق التوازن، فجرعة من المنافسة والصراع والتنافس، هي أمرٌ صحي.

إنَّ هذا هامٌّ للغاية؛ وذلك لأنَّنا نعلم أنَّ ذلك التنوُّع في النهج، والجنس، والعرق، والخلفيات الاجتماعية، والتوتر الإبداعي الذي يؤدي إليه، هو ما يُحقِّق أفضل النتائج، ووَفقاً لأحدث الأبحاث، من المرجَّح أن تتفوَّق الفِرق المتنوعة بين الجنسين على غيرها من الفِرق بنسبة 15%، وسترتفع النسبة إلى 35% في الفِرق المتنوعة عرقياً.

شاهد بالفيديو: 8 أخطاء تقضي على الشركات الناشئة

المرونة عامل أهم من السعادة:

لا ينبغي أن يكون ذلك مفاجأة كبيرة؛ فلا تتعلَّق الأعمال بإنتاج قوة عاملة سعيدة؛ بل تتعلَّق بالأرباح وإبهار العملاء؛ وهذا ما يمكِّنك من الحصول على هوامش ربح أعلى، والازدهار على الأمد البعيد، فالشركة المنتِجة، هي الشركة التي عندما تعاني من نمو ضعيف، أو نتائج فقيرة، أو حتى مجرد ركود اقتصادي، تتحلَّى بالذكاء الجماعي الداخلي، للتعرف إلى المشكلة وإيجاد حلول مبتكَرة لحلِّها؛ كأن تُعدِّل أعمالها، وتُغيِّر أساليبها، وتنتج منتجات وخدمات، وتجد أسواق جديدة، وتعمل بانسيابية.

وكما هو الحال في تطور المخلوقات، تحتاج الشركات إلى التكيُّف بسرعة وذكاء مع تغييرات السوق، للعثور على المنتج المناسب، ليقود فترة جديدة من النمو؛ فالشركة المنتِجة والناجحة، هي التي تُنجز هذه العملية بفاعلية، فلا تنجو بالضرورة الشركات السعيدة؛ بل تنجو الشركات المرنة، فالبقاء للأكثر قدرة على التكيُّف وليس للأسعد.

قد يصعب قياس هذه المرونة، فهي تتضمَّن عوامل، مثل: السعادة، والمشاركة، والرضى بوصفها مكونات فرعية، لكنَّ الملاحظة الهامَّة والمفتاحية، هي أنَّه لا يمكن أن تختزل ذلك كله في الحالة العقلية لفرد واحد؛ بل يتعلَّق الأمر أكثر بالتفاعل بين أعضاء الفريق وبين الفِرق، ويتضمن شيئاً أعمق وأكثر تعقيداً من السعادة، يتحدَّد بكيفية عمل فِرق المنظمة معاً، ولعلَّ ذلك يكشف جزئياً عن سبب عدم ملاءمة السعادة للمهمة التي تؤديها الشركة، فالسعادة هي شيء يشعر به ويمتلكه الفرد في المنظمة، وليس ما تشعر به مجموعة من الناس بالضرورة.

إقرأ أيضاً: عاملان أساسيان لتصبح الوظيفة مصدر سعادة

المقياس الأفضل هو فاعلية الفريق:

فاعلية الفريق هي مقياس هام جديد، ومن الصعب قياسه بالتأكيد، فلا يوجد بروتوكول موحَّد حتى الآن، لكنَّ العديد من أقسام الموارد البشرية والباحثين الإداريين بدؤوا بالنظر بعناية فيما يجعل الفِرق فعَّالة، إنَّه أمر معقَّد؛ وذلك لأنَّه لا يحتاج فقط إلى معرفة ماهية شعور الأفراد في الفريق تجاه الوحدات التي يعملون فيها، لكن أيضاً كيف تنظر الفِرق الأُخرى والعملاء خارج الوحدة إليها.

وما يُثير الاهتمام فيما يتعلق بقياس فاعلية الفريق، هو قدرة المنظمات على تعزيز رؤيتها، والبدء برؤية الشركات على أنَّها مجموعة من الفِرق بدلاً من مجموعة من الأفراد؛ إذ يمكن لذلك أن يُغيِّر الطريقة التي ننظر بها إلى المنظمة، وكيف نحكم على الأداء، ونحقق التغيير، فإذا تمكَّنت من قياس فاعلية الفريق بنجاح، فقد تُحقق السعادة تحقيقاً طبيعياً مرة أخرى على الأقل للزبائن والمساهمين.

المصدر




مقالات مرتبطة