أهمية تدوين اليوميات لتكون قائداً ناجحاً

عندما تتبَّع أخبار كثير من المشاهير ومن ذلك أبرز رؤساء الولايات المتحدة الأميركية السابقين، كـ "توماس جيفرسون" (Thomas Jefferson)، و"ثيودور روزفلت" (Theodore Roosevelt)، و"رونالد ريغان" (Ronald Reagan)، و"جون آدامز" (John Adams)، إضافةً إلى الفنان الأمريكي "آندي وارهول" (Andy Warhol)، ورئيس الوزراء البريطاني السابق "ونستون تشرشل" (Winston Churchill)، وعالِم التاريخ الطبيعي والجيولوجي "تشارلز داروين" (Charles Darwin)، وعالم الفيزياء والرياضيات "إسحاق نيوتن" (Isaac Newton)، ستجد أنَّهم كانوا يحتفظون بدفتر يوميات؛ إذ تحتفظ معظم الشخصيات البارزة في جميع مناحي الحياة من روَّاد الأعمال إلى المؤلفين بسجلِّ يومياتهم، فكتابةُ اليوميات هي إحدى عادات القادة العظماء.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "م. س. راو" (M. S. Rao)، ويشرح لنا فيه عن تجربته في تدوين اليوميات.

سيُناقش هذا المقال تدوين اليوميات، وفوائدها، وكيفية ترسيخ هذه العادة الرائعة لتتميَّز بصفتك قائداً وصاحبَ إنجازات.

تدوين اليوميات وكتابة المذكرات:

يختلف تدوين اليوميات عن كتابة المذكرات، ففي دفتر اليوميات تسجِّل أحداث حياتك ومشاعرك وتجاربك وصراعاتك وتضحياتك في لحظات مختلفة، أمَّا دفترُ المذكرات هو المكان الذي تسجِّل فيه الأحداث وتقوم بتحليلها وتقييمها في سجلِّ اليوميات.

دفتر المذكرات كُتيِّب شخصي مركَّز يحتوي على تاريخ وزمان ومكان الأحداث، ويتَّسم بالخصوصية، فإنَّه يُمثِّل مجموعةً فرعيةً من سجلِّ اليوميات، لأنَّ المذكَّرات تقتصر على الكتابة عن الأحداث اليومية الخاصة بك، في حين تحتفظ في سجل اليوميات بالأمور التي تهمك وتُلهمك.

ترتبط المذكَّرات بكتابة ما يدور في حياتك كل يوم بيومه، في حين تركِّز في يومياتك على موضوعات بعينها أكثر؛ إذ يحتوي دفتر المذكَّرات على معلوماتك الشخصية، ويتضمَّن دفتر اليوميات معلوماتك المهنية وغيرها، وقد تساعدك كتابة المذكَّرات على القيام بالنشاطات اليومية، أمَّا دفتر اليوميات يساعدك على إمعان النظر في أفكارك، ويعمل بمنزلة تغذية راجعة لتحسين سلوكك.

تأخذ المذكرات شكل مدوَّنة تتضمَّن الأحداث الخارجية، ويتضمَّن دفتر اليوميات مشاعر وعواطف كاتبه، فإنَّ كتابة المذكرات نوع من الكتابة المركزة، في حين أنَّ تدوين اليوميات نوع من الكتابة الموجهة نحو المحتوى.

بالإضافة إلى ذلك، يعزِّز تدوين اليوميات الوعي بالذات، فعلى سبيل المثال، كان لـ "وارن بافيت" (Warren Buffett)، رجل الأعمال وأشهر مستثمر أمريكي، روتين مثير للاهتمام لزيادة وعيه بذاته؛ إذ كان يُدوِّن أسباب إقدامه على استثمار ما، والنتائج المتوقعة كذلك بمجرد دخول القرار حيز التنفيذ، وبعد مُضيِّ عدة أشهر أو سنوات يقرأ "بافيت" أفكاره الأولية عن القرار، ويقارن النتائج الفعلية بما توقعه، ويقوم بتقييم نتائج كل قرار يتخذه بكل وضوح؛ لذلك عليك الاحتفاظ بدفتر مذكَّرات لتدوين الدروس التي تعلمتها، وبدفتر يوميات لتحليلِها وتقييمها.

شاهد بالفيديو: 5 طرق تجعل من تدوين اليوميات عادة مكتسبة

فوائد تدوين اليوميات:

يجد الناس غالباً صعوبةً في تدوين النشاطات الهامَّة يومياً، لأنَّهم يعتقدون بأنَّ ذلك مضيعة للوقت، أو أنَّه من غير المريح بالنسبة إليهم تدوين أفكارهم، فلا يجد بعض الناس وقتاً لتدوين اليوميات ويهملون ذلك، ومن المعتقدات الخاطئة عدَّها مضيعةً لوقتهم الثمين.

فعندما تُدوِّن يومياتك، فأنت تدير وقتك وتُركِّز بوضوح على مهامَّك، فيوجهك في المسار الذي ترغب به، كما تتعلَّم ترتيب الأولويات والانضباط للمضي قدماً في تنفيذ الأمور الهامَّة بالنسبة إليك، ويعزِّز تركيزك، ويزرع في نفسك الصبر والمثابرة، ويساعدك على بناء رؤيتك الخاصة وتنظيمها بطريقة فعَّالة واتخاذ قرارات صائبة.

لأنَّك تتعامل في هذه الأيام مع كمٍّ هائلٍ من المعلومات، فيجب إعداد قائمة بالمهام للتركيز على ما تراه ضرورياً، وفيما يأتي بعض فوائد تدوين اليوميات:

  1. يُخلِّصك من الأفكار السلبية ويستبدلها بأخرى إيجابية.
  2. يساعدك على إدارة وقتك بفاعلية فتعرف كيفية ترتيب مهامك حسب الأولوية، وجدولة أولوياتك، وقد أصابَ الكاتب والمؤلف الأمريكي "ستيفن ر. كوفي" (Stephen R. Covey) حقاً حين أشار إلى أنَّ "إعطاء الأولوية لما هو مدرج على جدول أعمالك ليس الأمر الأهم، وإنَّما جدولة أولوياتك".
  3. يساعدك على رصد أفكارك وتدوينها لتنفيذها، ومن ثمَّ تعزيز مهارات التنفيذ الخاصة بك.
  4. يساعدك على تنظيم أفكارك، كما يمنحك الوضوح اللازم لتحديد الأولويات في ذهنك.
  5. يساعدك على التمييز بين النشاطات المرغوب وغير المرغوب فيها، وتحديد المفيد وغير النافع منها.
  6. يساعدك على الرجوع إلى المعلومات الهامَّة والاطلاع عليها وقتما تشاء، فلا يمكنك أن تُعيد الماضي، لكن يمكنك استذكاره من خلال مراجعة الأحداث السابقة التي جرت في حياتك.
  7. يطلق العنان لإبداعك، ويخلِّصك من الملل والإحساس بالوحدة لأنَّك تشعر أنَّك تُرافق شخصاً جديراً بالثقة وصادقاً وحافظاً للسر.
  8. يجعل من أفكارك مادةً خام لأعمال أخرى.
  9. يساعدك على تنمية عادة الكتابة، وستتدفق كلماتك طبيعياً؛ إذ يمكنك كتابة المقالات والمدونات وتأليف الكتب، كما يمكنك تطوير مهاراتك في الكتابة، وتصبح بذلك كاتباً محترفاً.
  10. يساعدك على تخفيف التوتر والقلق، لأنَّه بمنزلة متنفَّسٍ لذهنك، ويؤكِّد "جيمس بينيبيكر" (James Pennebaker) عالم النفس والباحث في "جامعة تكساس" (The University of Texas)، أنَّ تدوين اليوميات بطريقة منتظمة يقوِّي الخلايا المناعية المسماة بالخلايا اللمفاوية التائية، وتشير أبحاث أخرى إلى أنَّه يقلِّل من أعراض الربو والتهاب المفاصل الروماتويدي.

كما يعتقد بينيبيكر أنَّ الكتابة عن الأحداث التي تسبِّب التوتر تساعدك على التصالح معها، ومن ثمَّ الحد من تأثير هذه الضغوطات في صحتك الجسدية، فعندما يتعرَّض الناس للتوتر إمَّا أنَّهم يتحدثون إلى الأشخاص المقربين منهم أو يكتبون؛ إذ تُحافظ الكتابة على سرية الأمور، وتخفِّف من التوتر لضمان صحةٍ سليمة.

  1. يعزِّز الصمود، وهو القدرة على التعامل مع التوتر والتقلبات والشك والصعوبات والغموض بأسلوب فعَّال.
  2. ينسى الناس بعض الأمور أحياناً، ويجدون صعوبة في تذكُّر أحداث الماضي، فيساعدك تدوين اليوميات على التغلُّب على هذه المشكلة.
  3. ستزداد فرصك بالنجاح مع مواصلة التركيز بطريقة واضحة على أهدافك ونشاطاتك إذا التزمت بتدوينِ اليوميات على نحوٍ منتظم، ولقد كان المتحدث التحفيزي "بريان تريسي" (Brian Tracy) محقاً حين قال: "الأهداف حين تُكتب، تصبح أحلاماً بمواعيد نهائية".

يُجنِّبك التدوين الكبت، وذلك لأنَّه يعدُّ متنفَّساً لمشاعرك وعواطفك ولشعورك بالتوتر والقلق؛ إذ تخطر لك نحو 50000 فكرة في اليوم، قليل منها إيجابي وكثير ليس كذلك، فستكون قادراً على استخلاص أفكار رائعة تخطر في ذهنك خلال اليوم، كما سيساعدك على تحليل تصرفاتك وشخصيتك وسلوكك، وستكون قادراً على تقييم مدى التقدم الذي حققته من حين لآخر.

"لا أدوِّن اليوميات لأكون شخصاً منتجاً، ولا أفعل ذلك للعثور على أفكار رائعة أو لكتابة نثر أستطيع نشره لاحقاً، فالصفحات مخصَّصة لي وحدي؛ إذ إنَّه أكثر العلاجات التي وجدتها فاعليةً من حيث التكلفة". رجل الأعمال والمؤلف الأمريكي "تيم فيريس" (Tim Ferris).

إقرأ أيضاً: نصائح عملية لكتابة اليوميات للمبتدئين

تجربتي في تدوين اليوميات:

لقد نمَّيتُ عديد من العادات منذ الطفولة، وتبنَّيت مزيداً منها عندما كان عمري 18 عاماً، فتدوين اليوميات هي العادة التي اكتسبتها منذ الطفولة، ونمَّيت عادة الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية عندما كنت في الخامسة عشر من عمري على أمل تحقيق حلمي.

لقد حافظت على هاتين العادتين لسنوات عديدة، فمن خلال الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، كنت أحافظ على صحةٍ بدنيةٍ سليمة، ومن خلال تدوين اليوميات أحافظ على سلامة صحتي العقلية؛ إذ تُخلِّصك ممارسة الرياضة من الطاقة السلبية، وتُعزِّز الطاقة الإيجابية، ويقضي تدوين اليوميات على المشاعر السلبية.

لقد ساعدني التدوين على التركيز بطريقة واضحة على أهدافي ومتابعة نشاطاتي، وعزَّز من مثابرتي، كما ساعدني أن أفكِّر ملياً في مقدار تحسُّن سلوكي وأفكاري مع مرور الوقت، فإنَّ تدوين اليوميات أفضل طريقة لسد الفجوة بين الماضي والحاضر، وتحديد ما ستتخذه من إجراءات في المستقبل.

يمكنك استخلاص أفكارك من خلال كتابة اليوميات، وتدوينها على الفور، والرجوع إليها عند الحاجة، فعلى سبيل المثال، أنا أدوِّن اليوميات دورياً، وأقسِّمها إلى مجموعات مختلفة، وكلما وجب علي تقديم برامج تدريبية لتطوير المهارات القيادية، أعود إليها وأُدرجها ضمن هذه البرامج، وهذا يُسهِّل علي إيصال المحتوى بأسلوب فعَّال، وتقديم العبر لجمهوري، فعندما أشاهد الأفلام، أدوِّن في يومياتي الحوارات المؤثِّرة، وأعدِّلها لتناسب برامج التدريب الخاصَّة بي.

لقد احتفظ كاتب المقالات والفيلسوف والشاعر الأمريكي "رالف والدو إمرسون" (Ralph Waldo Emerson) بأكبر عدد من دفاتر اليوميات في التاريخ؛ إذ كان يملك 263 دفتر يوميات في موضوعات مختلفة ولأهدافٍ متنوعة، وأصبح من غير العملي الاحتفاظ بمجموعة دفاتر اليوميات الخاصة به.

تطلَّب ذلك منه إعداد فهرس من 400 صفحة لمساعدته على العثور على ما كان يبحث عنه، ثمَّ قام إمرسون بإعداد فهارِس لموضوعات محددة أيضاً، وفهرساً يُستخدم بوصفه مرجعاً لأسماء الأشخاص المذكورين في دفاتر يومياته، ومجموعهم 839 شخصاً حتى إنَّه كان لديه فهارس لفهارسه.

تنمية عادة تدوين اليوميات:

إليك كيف يمكنك البدء بتنمية هذه العادة، قد تجد الأمر صعباً في البداية، لكن من السهل تدوين اليوميات بمجرد البدء بالكتابة، قال الروائي "إرنست همينغوي" (Ernest Hemingway) ذات مرة: "كنت أقف وأنظر من فوق أسطح باريس وأقول لنفسي: "لا تقلق لطالما كنتَ تكتب سابقاً وستكتب الآن، فكل ما عليك فعله هو كتابة جملة حقيقية واحدة تعرفها".

هكذا في النهاية، سأكتب جملةً واحدةً صحيحةً، ثمَّ أُكمل من هناك، فكان الأمر سهلاً في ذلك الوقت، لطالما كانت هناك دائماً جملة حقيقية واحدة كنت أعرفها أو رأيتها أو سمعت أحداً يقولها.

لذا، خصِّص وقتاً أو مكاناً محدداً للكتابة، ودع الكلمات تتدفَّق طبيعياً، فلا تفكر في القواعد النحوية أو في بنية الجملة، دوِّن كل ما يخطر ببالك، ويمكنك الكتابة وأنت في سريرك قبل الخلود إلى النوم.

على سبيل المثال، كان الكاتب الأمريكي "مارك توين" (Mark Twain) يدوِّن يومياته وهو في سريره، وقد يخطر لك تدوين يومياتك في الصباح لأنَّه الوقت الذي تكون فيه أكثر تنظيماً وإبداعاً، وأشار لاعب كرة القدم الأمريكي "بروس رودس" إلى ذلك (Bruce Rhoades) قائلاً: "دوِّن في مفكرتك صباحاً لتكون أكثر تنظيماً خلال النهار"، وتذكَّر أنَّ وقت كتابة اليوميات يعتمد على حالتك المزاجية وساعتك البيولوجية.

اكتب بضع كلمات بانتظام، لأنَّها تساعد على تحسين مهاراتك في الكتابة، عدا عن كونها تعمل بوصفها مرجعاً وسجلاً للمستقبل، بالإضافة إلى ذلك من الأفضل أن تدوِّن ما تفكِّر فيه لأنَّ كثيراً من الأمور ستغيب عن ذاكرتك، في حين يظل كل ما تسجِّله في يومياتك محفوظاً إلى الأبد ويساعدك على تتبُّع ما تقوم به.

لا تنتظر أن تمر بيوم سعيد لتبدأ بكتابة يومياتك، فاليوم هو الوقت المناسب لإحداث تحسُّن في سلوكك وشخصيتك وتصرفاتك.

إقرأ أيضاً: كيف تبدأ كتابة اليوميات لتزيد من نجاحاتك في الحياة؟

في الختام:

تُشكلِّ اليوميات بصمتك الخاصة، وتحافظ على أفكارك وآرائك للآخرين؛ وذلك لأنَّها تترك لهم أثراً ليسيروا على خُطاك حتى بعد أن تغادر هذا العالم، فيولد الناس ويموتون، لكنَّهم سرعان ما يُنسَون، فعندما تدوِّن يومياتك وتتركها للآخرين، سيتذكَّر الناس أنَّك عشت حياتك وأحببت هذا العالم.

وعندما تراقب حياة الشخصيات البارزة، سترى بأنَّهم كانوا يحتفظون بمذكَّراتهم الشخصية؛ لذلك اعتمد الأدوات والتقنيات اللازمة لتنمية هذه العادة المفيدة المتمثَّلة بتدوين اليوميات بانتظام، لتتميَّز بصفتك قائداً وصاحب إنجازات استثنائي.

المصدر




مقالات مرتبطة