أهمية الصحة العقلية لنجاح الأعمال

رواد الأعمال ليسوا دائماً إيجابيين ومتحمسين، فقد أصبح "فيليب ج. بورغيير" (Philip J. Burgières)، أصغر مديرٍ تنفيذي في شركات الـ "فورتشن 500" (Fortune 500)، أيقونةً من أيقونات النجاح حينما بلغ 35 عاماً، وبعد مرور عقدين من الزمن، وبعد أن أسس شركات بمليارات الدولارات في قطاع النفط، كُشِفَ الستار عن حقيقة الاكتئاب الذي عانى منه في حياته، فعندما دخل إلى منشأة لإعادة التأهيل، تراجعَت أسهم الشركة بنسبة 10%.



غالباً ما يُقال إنَّنا دون صحتنا الجسدية قد نغدو خاملين، لكنَّ أذهاننا تحافظ على قدراتها العالية، فلا يزال بإمكاننا التواصل لطلب المساعدة اللازمة، ومع ذلك، إن لم نتمتع بصحة عقلية جيدة، فقد تكون العواقب وخيمةً، ويمكِن أن يهيمن الظلام العاطفي والمعرفي على العديد من جوانب حياتك، ومنها المهنية.

بعد محادثة جمعَته مع لاعب كرة القدم المحترف "جون سيج" (John Sage) الذي تحوَّل إلى رائد أعمال يعمل في مجال العقارات، أيقنَ "بورغيير" (Burgières) أنَّه ليس الوحيد الذي يمر بهذه التجربة، وأصبحا بعد ذلك صديقين مقربين، وتوطَّدَت أواصر هذه الصداقة عندما تحدَّثا عن مخاوفهما وخيبات أملهما وإخفاقاتهما وتجاربهما الصعبة في جميع جوانب حياتيهما وليس العمل فقط، ومن وقتها وهما يدعمان بعضهما بعضاً.

إقرأ أيضاً: ريادة الأعمال هروبٌ من الواقع أم إعمالٌ للعقل؟

رأي الأبحاث في ذهن رائد الأعمال:

أظهر البحث الذي شمل 242 من رواد الأعمال وأجراه الطبيب النفسي المتخصص في التعامل مع مشكلات الصحة العقلية والأمراض المرافقة للأعمال التجارية وريادة الأعمال "مايكل فريمان" (Michael Freeman) أنَّ 49% منهم قد أفادوا معاناتهم مشكلة نفسية أو أكثر طوال حياتهم، وكان رواد الأعمال أيضاً أكثر عُرضةً للإبلاغ عن الاكتئاب الذي رافقهم طوال حياتهم بنسبة بلغَت 30%، واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بنسبة 29%، واضطراب ثنائي القطب بنسبة 12%.

يجب أن تجعلنا نتائج "فريمان" (Freeman) وحدها ندرك أنَّ اتِّباع نهج علاجي لصحتنا العقلية يرجع لعصور ما قبل التاريخ، ويمكِن لمجموعة السمات ذاتها التي توصل المديرين التنفيذيين إلى القمة أن ترميهم إلى القاع، فكلما تقدَّمتَ أكثر، ازداد احتمال سقوطك ولن تستطيع التراجع.

أنت هو الأساس، وأنت وحدك مَن لديه القدرة على تطبيق الاستراتيجيات التي تحسِّن صحتك العقلية لمساعدتك على مواجهة تحديات قيادة شركتك وفريقك لتحقيق النجاح.

1. استشارة اختصاصي صحة نفسية للمديرين التنفيذيين:

كلنا نحب أن يكون لدينا معالج نفسي يشرف علينا ونتواصل معه. في الحقيقة، يمكِنك ذلك، تحتاج فقط إلى إيجاد شخص يكون نهجه علاجياً وذا نظرةٍ مستقبلية، فابحث عن معالج نفسي لا يساعدك فقط في استعادة مستواك السابق ولكن تخطِّيه.

تحتاج اختصاصياً ملمَّاً بالتعقيدات التي ترافق متطلبات الحياة والضغط والقضايا التي تواجهها كقائد أعمال. فمجالات حياتك جميعها مرتبطةٌ وتتداخل بطريقة أو بأخرى مثل طريقة عمل الساعة، فحينما يدور ترسٌ تدور بقية التروس. وبالمثل، أجرِ تحليلات أولية لمَواطن القوة والضعف العقلية والعاطفية والتهديدات والفرص ليس فقط من حيث صلتها بعملك أو دورك كقائد، ولكن ارتباطها في المجالات الأخرى جميعها في حياتك.

يجب أن تكون مهمتك المشتركة هي التعرُّف جيداً إلى قدراتك وتوضيح حدود التعامل مع المواقف الصعبة والأشخاص. فانسَ وهم التغيير بين عشية وضحاها وستكتشف قدرةً كامنةً وأكثر ثباتاً ومرونةً لم تعهدها من قبل.

بغضِّ النظر عما إذا كنتَ قائد مجموعة أو كنتَ رائد أعمال منفرد، استثمِر جهودك للتعرُّف جيداً إلى نفسك، وسوف تكتشف أنَّ سماتك جميعها تعمل كمَواطن قوة وضعف، وطوِّر شجاعتك لتحديد مَواطن ضعفك والاعتراف بها، حيث تتيح لك مواجهة المخاوف القابعة في أعماق النفس رؤية الضوء الموجود في آخر النفق.

إقرأ أيضاً: زيارة الطبيب النفسي: جنونٌ أم توازن؟

2. حماية صحتك البدنية وتحسينها:

أشارت الأبحاث أكثر من مرة إلى أنَّ هذا التمرين وحده يمكِن أن يحسِّن الصحة العقلية أكثر مما تفعله مضادات الاكتئاب، فامنح جسمك أفضل فرصة ممكنة لدعمك جسدياً وذهنياً لمواجهة التحديات التي اخترتَها، كما أنَّ العمل لساعات متتالية ليس شيئاً عظيماً كما تعتقد، ولا التفاخر بأنَّك تستطيع أن تنام أربع أو خمس ساعات في الليلة.

أنت أحد نخبة رواد الأعمال؛ لذا زوِّد جسمك بالطاقة بتعقُّل، وتدرَّب كرائد أعمال ناجح من خلال العمل مع المدربين الشخصيين والمعالجين وخبراء التغذية، وأصغِ إلى جسمك والرسائل التي يحاول إيصالها إليك وراقِب طاقته وانتبِه إلى الانزعاج والألم، فبذلك ستحصل على إشارات واضحة على وجود خلل ما يجب معالجته وعدم تجاهله لأنَّ ثمَّة مسؤولياتٍ عليك الوفاء بها.

3. البحث عمَّن تقدِّم له الدعم:

ينبع النجاح العقلي من العطاء، حيث وجدَت دراسةٌ ترأَّسَتها كل من البروفيسورة "تريستن إيناغاكي" (Tristen Inagaki) والبروفيسورة "نعومي أيزنبرغر" (Naomi Eisenberger) انخفاض التصرفات التي تعكس التوتر لدى الأفراد الذين كانوا يدعمون الآخرين ويتلقون الدعم.

يمكِن أن يُحقِّق صرف تركيزك بعيداً عن مشكلاتك - وليس جدول أعمالك - لمدِّ يد العون لمن يحتاج إلى المساعدة فوائد عظيمةً لصحتك النفسية، كما يجب ألا تسمح لمحنتك الحالية أن تؤثر في أحد أو مشروعك لأنَّ الأمر لا يتعلق بك؛ بل بمساعدة شخص آخر بأمر يعوِّل عليه أهمية كبيرة.

اجعل السعي إلى الحصول على علاقة شراكة مبنيَّةٍ بطريقة يستطيع فيها الطرفان تقديم الدعم وتلقِّيه على رأس قائمة أولوياتك، سواء داخل نطاق عملك أم خارجه، حيث يحرمك عدم القيام بذلك من إشباع حاجاتك التي يمكِن أن تعزز صحتك العقلية وتساعدك على الوصول إلى مستويات جديدة من النجاح المهني.

عندما تصبح خبيراً في إدارة الصحة العقلية، ستُفاجَأ بتحقيق نجاح أعظم مما كنتَ تتصور وستشعر بالرضا وبتحقيق الهدف، فإنَّ نجاح "بورغيير" (Burgières) خير مثال على ذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة