أهمية التواصل في تنمية الذات

رصيد الإنسان في الحياة هو نفسه فقط، فهو من يستطيع تغيير واقعه وتحسينه، وهو فقط من يستطيع تحقيق أهدافه وأحلامه في الحياة، فمن الخطأ تماماً الاعتقاد بأنَّ أحداً ما قادر على تحقيق أحلامك مهما بلغت قوَّته، حتى إن كان قادراً على تحقيق بعض منها فلن تشعر بمتعة النجاح إطلاقاً.



يجب على الإنسان الاستفادة من مختلف المواقف التي يمر بها في حياته بطريقة إيجابية، فقد يكون السبب في تغيير حياته موقفاً صغيراً جداً بنظر الآخرين ولكنَّه مصيري في نظره، لكن لن يستطيع الاستفادة من المواقف إن لم يدركها جيداً، وذلك بالملاحظة ثم التحليل والتفكير؛ أي بالتواصل مع ذاته تواصلاً فعالاً.

كما عليه الانخراط في المجتمع والاحتكاك مع الناس والاطلاع على تجاربهم وإنجازاتهم في الحياة وأخذ العبر منها سعياً إلى تكوين أفضل نسخة منه، ونظراً لأهمية تطوير الذات باستمرار، سوف نشرح في مقالنا الحالي أهمية التواصل في تطوير الذات.

مفهوم التواصل:

هو عملية تفاهُم بين طرفين أحدهما المرسل والآخر هو المستقبل؛ إذ يتم تبادُل الأفكار والمشاعر والمعلومات والآراء والقناعات فيحدث تفاعل إيجابي بين الطرفين، فقد يمارس الإنسان في حياته ومن خلال تعاملاته اليومية شكلين من أشكال التواصل وهما كالآتي:

1. التواصل مع الذات:

هي عملية مخاطبة الإنسان لنفسه، فيحكم من خلال مناقشته عقله الباطن على القرارات التي اتخذها في الماضي ويرتب لاتخاذ قرارات مستقبلية بعد تحليل وتقييم المواقف التي تحدث في حياته، فهذه العملية تساعد على فهمه لأفكاره ومشاعره تجاه كل أمر في حياته، فيدرك ما يريد تحقيقه وما يرغب في الحصول عليه في حياته.

2. التواصل مع الآخرين:

هو نشاط إنساني يؤدي إلى إقامة علاقة مع شخص آخر، وهو أفضل السبل لنقل المشاعر أو المعلومات والأفكار بين البشر، فهو بالمختصر عملية أخذ وعطاء بين فردين تتم بشكل لفظي أو غير لفظي أو باستخدام وسائل التواصل الحديثة كالبريد الإلكتروني مثلاً أو تطبيق "فيسبوك".

شاهد بالفيديو: ما هي مهارات التواصل الفعال؟

أهمية التواصل في تطوير وتنمية الذات:

بناء شخصية الإنسان أمر يبدأ من الطفولة؛ إذ تبدأ شخصيته بالتكوين متشرباً ما يتلقاه من أهله ثم أصدقائه ومدرسته ومجتمعه عموماً، لكن هو المسؤول فقط عن تنمية ذاته وتطويرها للوصول إلى أفضل شكل، ويُعرف تطوير الذات بأنَّه السعي وراء تحسين القدرات والإمكانات الشخصية، مثل قدرة الإنسان العقلية وقدرته على التفكير والتركيز.

إنَّ التواصل بشكليه هو من وسائل تنمية الذات، فهو السبيل لفهم الذات وما تحتاجه وفهم الآخرين أيضاً، وإليك أهمية كل من نوعي التواصل في تنمية الذات:

أولاً: أهمية التواصل الذاتي في تنمية الذات

1. زيادة الذكاء:

الإنسان من خلال مخاطبته لنفسه ينمي قدرته على التركيز والتحليل والاستنتاج أيضاً، ويمكنك ملاحظة ذلك، فلا بد أنَّك تستعيد ما مر معك خلال النهار في نهاية يومك وتتذكر مختلف المواقف فتحللها وتستنتج منها الكثير، وربما تكتشف أنَّك أخطأت في مكان ما، لكن مع مرور الزمن تصبح أكثر تركيزاً وأكثر قدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة.

2. اكتشاف الصفات الشخصية:

تواصل الإنسان مع ذاته يمكِّنه من معرفة كل ما يجهله عن نفسه، فمثلاً التفكير في حزنه يجعله يدرك ما هي الأمور التي تتسبب في حزنه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رغباته وميوله، وكلما أدرك الإنسان أكثر عن نفسه، أصبح أكثر سعادة ونجاحاً.

3. تجنُّب المشاعر السلبية:

غالباً ما نجلد أنفسنا بعد الوقوع في الأخطاء والمشكلات، ولكنَّ الاتصال الصحيح مع الذات يجعل الإنسان يفكر في الأسباب وراء ذلك فيتجنبها لاحقاً، ومن ثمَّ هو أبعد ما يمكن عن الوقوع في فخ الاكتئاب الذي يرافق التجارب الفاشلة غالباً.

4. تحمُّل المسؤوليات:

إذ يساعد الاتصال الذاتي ومناقشة النفس على معرفة الواجبات وترتيب الأولويات في الحياة وتحديد ما يجب فعله بدقة، ومن ثمَّ يصبح الإنسان أكثر إدراكاً لمهامه وأكثر قدرة على تحمُّل مسؤولياته؛ وذلك لأنَّه قد فكر جيداً في عواقب إهماله لواجباته، ومن ثمَّ سيتجنب ذلك حتماً.

5. تحفيز التعلم من الماضي:

التواصل مع الذات يساعد الفرد على مراجعة المواقف التي حدثت سابقاً ثم تحليلها بدقة، وذلك ما يجعله يدرك الأخطاء في تفكيره أو سلوكه فيتعلم من تجاربه السابقة، وهذا يجعله أكثر حكمة في المستقبل وأقل وقوعاً في الأخطاء فيسلك طريق النجاح بقوة أكبر.

6. زيادة الثقة بالنفس:

إنَّ الاتصال الجيد بالذات يجعل الإنسان على دراية برغباته وميوله، وذلك ما يبعده عن الحيرة والتردد في المواقف الحياتية المختلفة، ومن ثمَّ ثقته بنفسه تصبح أعلى شيئاً فشيئاً ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح من خلال تغيير لغة جسده؛ وذلك لأنَّ الثقة بالذات تظهر من خلال طريقة الوقوف أو الجلوس وطريقة التكلم التي توحي بالراحة المطلقة.

ثانياً: أهمية التواصل مع الآخرين في تنمية الذات

1. تحسين الحياة العملية:

الإنسان من خلال تواصله مع زملاء العمل يتمكن من تبادل الخبرات والمهارات معهم، وذلك يساعده على تجنب الوقوع في الأخطاء التي وقعوا بها، كما يساهم في إدراكه للطرائق الأفضل في إنجاز المهام المطلوبة منه، وهذا يفتح أمامه الطريق للحصول على مناصب أعلى في عمله، كما أنَّ العلاقات الاجتماعية الجيدة قد تتيح أمام الإنسان فرصاً جديدة كالحصول على عمل أفضل من عمله الحالي، ومن ثمَّ تفتح أمامه آفاقاً عملية جديدة.

2. النجاح في الحياة الزوجية:

التواصل الجيد هو أحد أسباب الحياة الزوجية السعيدة المستقرة، وهذا ما يحتاجه مختلف البشر كي يكونوا أكثر قدرة على الإبداع والتطور؛ إذ يحقق التواصل بين الزوجين ما يأتي:

1. معرفة احتياجات الشريك:

السبيل إلى تجنُّب الخلافات مع الشريك هو المعرفة الجيدة له، ومن ثمَّ سيتمكن الفرد من تجنب ما يزعج شريكه العاطفي سواء من أفعال أم أقوال، كما أنَّه سيتخلص من التخمين بشأن ما يقصده الشريك عند تكلمه بأمر ما أو قيامه بتصرف ما، وعند حدوث خلاف سيتمكن من معرفة كيفية إصلاح الأمور بسرعة فيتجنب تضخم المشكلات.

2. بناء الثقة بين الأزواج:

الإنسان لا يمكنه الوثوق بشخص قبل معرفته الدقيقة لطريقة تفكيره ووجهات نظره في الحياة، والتواصل الجيد هو ما سيعرِّفه بذلك فيصبح من السهل الوثوق بالشريك وتجنب إساءة الظن به، ومن ثمَّ تفادي الكثير من المشكلات.

3. الاحترام بين الأزواج:

التواصل المستمر مع الشريك وإخباره بمخططاتك وبمشكلاتك وبأسرارك سيجعلك تحظى باحترامه بالتأكيد؛ وذلك لأنَّه سيدرك أهميته وأهمية وجهة نظره بالنسبة إليك، كما أنَّ ذلك سيدفعه لمشاركتك بمختلف أفكاره، وهذا ما يفيد في توطيد العلاقة بينكما ونجاحها بنسبة كبيرة.

4. الرضى عن الحياة الزوجية:

لا بد أنَّك قرأت هذه العبارة مسبقاً: "من السهل أن تتزوج، لكن من الصعب أن يكون لك شريك حياة"، فالإنسان لا يحتاج إلى زوج؛ إنَّما يحتاج إلى شخص يشاركه الأحزان والأفراح ومختلف تفاصيل الحياة، والتواصل الجيد هو السبيل في ذلك بالدرجة الأولى.

قد تسأل نفسك ما هي علاقة ذلك بتنمية الذات؟ لكن عليك إدراك أنَّ العلاقة مع الزوج والعائلة هي أساس الحياة، فلا يمكنك تطوير نفسك وبناء حياة ناجحة وسعيدة إن لم تكن حياتك الشخصية مستقرة وناجحة، والتواصل في الحياة الزوجية سيساعدك على تنمية ذاتك بالتأكيد؛ إذ يضمن تحولك لشخصية مرنة نوعاً ما وأكثر حكمة وموضوعية، ومن ثمَّ ستصبح شريكاً مثالياً.

3. النجاح في الحياة الاجتماعية:

من خلال تواصل الإنسان مع الآخرين يصبح قادراً على تكوين علاقات صداقة متينة فالصداقة ضرورية جداً؛ وذلك لأنَّ الإنسان يحتاج إلى أصدقائه في أوقات الحزن، فالتحدث إليهم يساعد على تفريغ الطاقة السلبية وإعادة شحن نفسه بالمشاعر الإيجابية التي تدفعه إلى العودة إلى حياته أقوى، ومن ثمَّ وجود الأصدقاء يزيد من ثقة الإنسان بنفسه ومن قدرته على الإبداع ومواجهة الأزمات والمشكلات، كما أنَّ التواصل مع الآخرين يمكِّن الإنسان من التعرف إلى ثقافات أخرى وإلى خبرات جديدة ومعلومات يجهلها، وهذا يساهم في تطوره في مختلف المجالات.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لتحقيق التنمية الذاتية باستمرار

كيفية التواصل السليم:

التواصل السليم مع الذات أو الآخرين يتم من خلال اتباع نصائح عدة، منها:

1. سجِّل مقطع فيديو أو صوتي لنفسك:

يُعَدُّ ذلك خطوة نحو معرفة نفسك بدقة، فمثلاً إن كنت تلقي خطاباً ما أو تقوم باجتماع في عملك، يمكنك تسجيل مقطع صوتي أو حتى مصور ومن ثم مراجعته لاحقاً لتقوم بتقييم نفسك بشكل صحيح فتتجنب الأخطاء لاحقاً وتحسِّن نفسك.

2. استمع جيداً:

لا يمكن إجراء نقاش فعال مع شخص ما دون الاستماع الجيد له، فذلك يساعد على فهم الكلمات بدقة وأخذ المعلومات الصحيحة، كما أنَّ إظهار الاهتمام بأحاديث الآخرين يشعرهم بأهمية ما يتحدثون به ويدفعهم ذلك إلى احترامك والوثوق بك.

إقرأ أيضاً: 8 أنواع للإصغاء لتحسين تواصلك مع الآخرين

3. انتبه إلى لغة الجسد:

لغة الجسد جزء هام جداً من التواصل بين الأشخاص؛ إذ يمكن للشخص التعبير عما يشعر ويفكر دون التكلم، وذلك بواسطة حركات اليدين أو نظرات العينين أو إيماءات الوجه، فمثلاً اتساع بؤبؤ العينين يدل على سعادة الفرد، وفرك الأصابع يدل على التوتر والارتباك، ومن ثمَّ فهمك لما يصدر عن الشخص الآخر من حركات يفيد في تحسين التواصل والتخاطب بينكما، كما يساعد على تجنب الخلافات عند الغضب.

لا يتوقف الأمر على مراقبتك للآخرين؛ إنَّما عليك مراقبة لغة جسدك دائماً، فمثلاً عليك الابتسام بشكل لطيف عند التحدث إلى الآخرين، إضافة إلى مراقبة نبرة صوتك فقد تكون قاسية وحادة دون انتباهك لها؛ وذلك لأنَّ الجسد لا يمكنه الكذب أبداً.

إقرأ أيضاً: أهميَّة الانتباه إلى لغة الجسد

4. كن حقيقياً:

هي أفضل الطرائق التي تساعد على الاتصال الفعال مع النفس ومع الآخرين، فتصنيف المشاعر بدقة وبصدق يجعلك أكثر معرفة بنفسك وباحتياجاتك ويعطي فكرة للآخرين عن صدقك وانفتاحك، وذلك يجعل العلاقات أمتن، كما يساعد على استمرارها طوال الحياة.

في الختام:

النجاح في الحياة بمختلف جوانبها يتطلب من الإنسان بذل الكثير من الجهد والتعب بهدف تطوير نفسه نحو الأفضل، ومن أهم الطرائق لتنمية الذات وتطويرها هي التواصل بنوعيه الذاتي والتواصل مع الآخرين، فمن خلال التواصل مع الذات يتمكن الإنسان من فهم نفسه ومن اكتشاف شخصيته وتقييمها أيضاً، فيتمكن من تحويل نقاط الضعف إلى نقاط قوة.

أما التواصل مع الآخرين فهو أمر لا بد منه، وذلك بسبب طبيعة الإنسان الاجتماعية فإن كان يريد تطوير ذاته واكتساب المهارات والخبرات العملية فعليه إقامة علاقة فعالة مع الآخرين، إضافة إلى أهمية التواصل الفعال في النجاح في الحياة العاطفية والزوجية التي تُعَدُّ أهم أسباب الاستقرار في الحياة العامة.

لذلك التواصل ضرورة لكل منا، ولكي تنجح في التواصل عليك الاستماع جيداً لما يقوله الآخرون ولما تقوله نفسك، كما ينبغي عليك الانتباه للغة جسدك ولغة جسد الآخرين، وتذكَّر دائماً أنَّ الابتعاد عن التصنُّع والتصرف الطبيعي يجعلك ألطف وأصدق في عيون الآخرين.




مقالات مرتبطة