أهمية التخطيط للقيام بأنشطة في المستقبل

لقد حل فصل الصيف الذي اعتدنا فيه كل عام التخطيط للخروج في نزهات مع الأصدقاء وتناول الطعام في الهواء الطلق، إلا أنَّ ارتفاع معدل حالات الإصابة والوفيات الناجمة عن تفشِّي "كوفيد-19"، وما ترتَّب على ذلك من شعور مستمر بالخوف، جعلنا نفقد المرونة التي كانت تمدنا بها نشاطات الصيف المرحة، مما قد يسلبك الدافع لوضع خطط مستقبلية لحياتك.



فبعد كل شيء، ما الذي يضطرك إلى التحضير لقضاء ساعة أخرى على تطبيق "زووم" (Zoom)، في الوقت الذي تلاشت فيه الحماسة لفعل أي شيء؟

ولكن مع الانهيار الذي أصاب العالم، ربما تنتظرنا أيام يسودها المزيد من العزلة مع تصاعد وتيرة تفشي جائحة "كوفيد-19"؛ ومن ثمَّ أصبح من الضروري التخطيط لأشياء تتطلع إلى تحقيقها في المستقبل مهما كانت بسيطةً؛ حيث كشفَت دراسةٌ نُشِرَت عام 2015، بأنَّ التطلع إلى إنجاز أمر يعود عليك بالفائدة في المستقبل، من شأنه التقليل من التوتر وتحسين المزاج.

أن تمنح نفسك دفعةً إيجابية هو أمرٌ ضروريٌ وبعيدٌ كل البعد عن الشعور بالأنانية، في ظل الوضع الراهن الذي نمرُّ به، وإليك الأسباب:

1. التفكير بالمستقبل يحسِّن شعورك حيال الحاضر:

بالنظر إلى حالة عدم اليقين التي فرضَتها الجائحة، فإنَّ رسم خطط مستقبلية يكاد يكون مستحيلاً، فمن يدري الحال الذي سيكون عليها العالم عندما ترغب في تنظيم رحلة برية مع أصدقائك بعيداً عن المنزل الصيف القادم؟ فأي شيء يمكِنك التخطيط له بنجاح والتطلع إلى تحقيقه - حتى لو كان بسيطاً كاختيار الوجبات الجاهزة التي سوف تطلبها على العشاء - من شأنه أن يمدك بالأمل، فلربما هناك شيء إيجابي ينتظرك في المستقبل؛ لذا توقَّع أنَّه سيحدث لك.

"يتطلع الناس بشدة إلى المستقبل"، هذا ما صرح به "كريستيان واف" (Christian Waugh)، الأستاذ المساعد في قسم علم النفس التابع لجامعة "وايك فوريست" (Wake Forest University)، لمجلة "فايس" (VICE)، بدءاً من وضع خطط لعطلة نهاية الأسبوع ووصولاً إلى التخطيط لمزاولة عمل لخمس سنوات في المستقبل، فإنَّ للبشر قدرةً فريدة على وضع الأهداف وتصوُّر كيفية الوصول إليها وتخيُّل الشعور الذي سيغمرهم عند تحقيقها.

فكِّر بآخر إجازة قضيتَها، فمن المحتمل أنَّك تخيَّلتَ نفسك مسترخياً على رمال الشاطئ أو تتنزه في الشوارع، ومن المرجح أيضاً بأنَّ أحلام اليقظة هذه تمدك بفيض من الإثارة.

حيث تناولَت دراسةٌ أُجرِيَت عام 2010 هذه الظاهرة على وجه التحديد، وبيَّنَت أنَّ الأشخاص الذين يخططون لقضاء إجازة في المستقبل هم أكثر سعادةً من أولئك الذين لا ينوون القيام بذلك، وتقترح الدراسة أنَّ السبب وراء ذلك يكمن في أنَّ تفكيرهم بالبهجة التي ستغمرهم في إجازتهم المخطَّط لها، يساهم في تعزيز سعادتهم الحالية.

يجعلك التصور بأنَّ حياتك في المستقبل ستكون أفضل والتطلع إلى ذلك أكثر تفاؤلاً بحسب الدراسات؛ إذ في إمكان هذه الصورة الذهنية أن تُشعرك بالسعادة كما لو أنَّ ذلك قد تحقَّق فعلاً.

حيث صرحَت "كيمبرلي ديغيلز" (kimberly Diggles)، اختصاصية في معالجة مشكلات الزواج والأسرة لمجلة "فايس"، بأنَّ توقُّع حدوث أمر إيجابي في المستقبل يساهم في الحفاظ على معدلات إفراز هرمون الدوبامين في الدماغ؛ إذ إنَّ فكرة تصوُّر حدوث شيء جيد في المستقبل بحد ذاتها قادرة على تغيير كيمياء عقلك تغييراً يقود إلى شعورك بالسعادة.

إقرأ أيضاً: الخوف من المجهول وشبح المستقبل

2. إنَّ توقُّع حدوث شيء إيجابي في المستقبل هو بمنزلة حافز قوي لك:

لا يمدك تصوُّر تحقيق حدث إيجابي في المستقبل بالأمل والإيجابية فحسب؛ بل يجعلك أكثر اندفاعاً للعمل في سبيل بلوغ أهدافك أو اختبار تجربة ما، سواء كانت محادثة صديق عن بُعْد أم احتفالاً يعقب انقضاء الجائحة؛ إذ يقول "واف": "يمنحنا التحلي بالإيجابية شعوراً بأنَّنا نسلك المسار الصحيح لتحقيق الأهداف التي لطالما كنا نسعى إلى إنجازها، الأمر الذي يجعلنا نشعر بأنَّ هناك معنىً ومغزىً لحياتنا، وهو كافٍ بحد ذاته لتحفيزنا".

الناس محكومون بالأمل والتطلع إلى المستقبل، تقول "تايشا كالدويل هارفي" (Taisha Caldwell-Harvey)، الطبيبة النفسية ومؤسِّسة منظمة "ذا بلاك غيرل دكتور" (The Black Girl Doctor) في تصريح لها لمجلة "فايس": "عندما يضع المرء هدفاً نصب عينيه، فإنَّ ذلك يدفعه للعمل عملاً أقوى وأسرع بغيةَ تحقيقه، الأمر الذي من شأنه أن يساعدك على تجاوز الوضع الحالي الذي فرضَته الجائحة وأي تحديات من الممكن أن تواجهك في المستقبل".

يمكِن بالطبع لكل من التوتر والقلق أن يكون عاملاً تحفيزياً على حد سواء بالنسبة إليك، على سبيل المثال: الخوف من الإصابة ونشر العدوى بفيروس "كوفيد-19" هو بمنزلة حافز يحثك على البقاء في المنزل والالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي.

على أيَّة حال، إنَّ إيمانك بأنَّ هناك أملاً بوقوع حدث إيجابي في المستقبل، يضفي على حياتك مزيداً من المعنى ويخفف من إحساسك بالتوتر، يقول "واف": "إنَّ السعي إلى تحقيق الأشياء التي تثير اهتمامك وتمدك بمشاعر إيجابية وتعنيك حقاً، من شأنه أن يحفزك ويعزز صحتك النفسية تعزيزاً أفضل مما لو تجنَّبتَ القيام بذلك".

شاهد بالفديو: 5 خطوات لتخطط لمستقبل ناجح

3. يساعد التخطيط للمستقبل على تخفيف التوتر الذي ينتابك في الحاضر:

إنَّ حالة عدم اليقين التي فرضَتها الجائحة تثير التوتر والانزعاج بحسب ما بيَّنَته الدراسات، إلا أنَّ التخطيط للمستقبل يمنحك إحساساً بأنَّك تتولى زمام الأمور، بحسب ما صرحَت به "شيفون نويبرت" (Shevaun Neupert)، البروفيسورة في علم النفس في جامعة "نورث كارولينا ستايت" (North Carolina State University) لمجلة "فايس"؛ إذ توصلَت "نويبرت" في آخر بحث لها، إلى أنَّ الناس الذين يخططون لمستقبلهم يقومون بعملية تدعى "التأقلم الاستباقي" (proactive coping)، الأمر الذي يساعد على التخفيف من توترهم حيال الجائحة.

تقول "نيوبرت": "لقد تعلَّمنا خلال الوباء أنَّ القدرة على التطلع إلى المستقبل ورسم الخطط تخفف من التوتر الذي نشعر به حالياً"، ويمكِن أن يكون ذلك سهلاً كتخزين ما يكفي من المواد الغذائية في المنزل كي لا تضطر إلى الخوض في ازدحام المتجر لشرائها.

توصَّل "واف" في دراساته، إلى أنَّ الأشخاص القادرين على توقُّع حدوث ما هو إيجابي بالنسبة إليهم عقب حدث يثير توترهم، كأن توكل إليهم مَهمة إلقاء خطاب عام، هم أكثر قابليةً للتخلص من توترهم من أولئك الذين لا يترقبون حدوث ما هو إيجابي، على الرغم من أنَّنا لا نعلم بَعْد متى ستنتهي الجائحة، إلا أنَّ التطلع إلى تجارب مستقبلية؛ كالتخطيط لزفاف، من شأنه أن يحسِّن حالتنا المزاجية لنتعايش مع هذه الأوقات الصعبة.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح تساعدك على التخطيط لمستقبلك بنجاح

السعي الجاد إلى بلوغ السعادة:

تقول "كالدويل هارفي": "عليك السعي جدياً إلى الوصول إلى السعادة التي لطالما أردتَها"، فعندما تملأ حياتك بأنشطة في إمكانك التطلع إليها وتمنحك إحساساً بالسعادة، تستطيع عندها تفادي الإصابة بالاكتئاب وتصبح أكثر مرونةً في التغلب على التوتر؛ لذا من الضروري وضع خطط للمستقبل قبل أن تغلبك مشاعر اليأس والإحباط، لا سيَّما أنَّ الاكتئاب يؤدي إلى اليأس وفقدان الاهتمام بممارسة الأنشطة التي لطالما وجدتَ متعةً في القيام بها سابقاً.

الهدف من ذلك هو الحفاظ على نشاطك وفاعليتك من خلال التخطيط للقيام بما أنت قادر على إنجازه، بدلاً من إشغال ذهنك في التفكير بما ستؤول إليه الحال عند انتهاء الجائحة.

أن تجعل السعادة إحدى أهم أولوياتك هو السبيل لقدرتك على التعايش والاستمرار، لا سيَّما في الوضع الراهن؛ حيث تقول "كالدويل هارفي": "إنَّ أغلب العمل الذي أقوم به موجَّه لخدمة مجتمع السود، وأفكر دائماً في مأساة التمييز العنصري، وكيف أنَّنا نلجأ دائماً إلى تحمُّل الضغوط بدلاً من الاهتمام بالبحث عما يساعدنا على بلوغ السعادة؛ إذ إنَّ الفرح هو ما يحميك ويجعلك مرناً وقادراً على مواجهة التحديات وتجاوز الأوقات الصعبة".

إقرأ أيضاً: 10 أهداف ستضمن لك النمو الشخصي وبلوغ النجاح والسعادة

التحلي بالواقعية، لا سيَّما في الوقت الراهن:

إنَّ قضاء الوقت برفقة الكثير من أصدقائك المقرَّبين في مكان واحد من الممكن ألا يكون خياراً متاحاً في ظل تفشِّي الجائحة؛ لذا لا بُدَّ من مراعاة الظروف المحيطة بك عند وضع خطط مستقبلية، وأن تضع واقع الظروف المحيطة بك في الحسبان، وأن تجمع معلومات حول عدد الإصابات وتحذيرات السفر وأوامر الإغلاق، وبذلك لن يكون هناك ما يعرقل سير خططك على النحو المرجو؛ وذلك لأنَّك أعدَدتَّها بناءً على الحقائق والوقائع المحيطة بك، وذلك بحسب "كالدويل هارفي".

تقول "نيوبرت": "لا ضير في أن ترسم خططاً مستقبلية لفترة ما بعد الجائحة، طالما أنَّك واعٍ بما يجري من حولك"، على سبيل المثال: في إمكانك التخطيط لما سترتديه في أول خروج لك مع أصدقائك إلى حفلة حينما يكون ذلك متاحاً؛ حيث إنَّ بناءك لهذه التصورات كما لو أنَّها حقيقية، ليس إلا دليلاً على إيمانك بتحقُّقها قريباً.

يرى "واف" بأنَّ هناك العديد من الطرائق لترقُّب تحقُّق تطلعاتك المستقبلية؛ إذ يمكِنك أن تبدأ بالتطلع إلى إنجاز أمر بسيط في اليوم التالي، كأن تمضي الليلة في مشاهدة الأفلام مع صديقك، ثمَّ يمكِنك أن تبدأ بالتخطيط لإنجاز أعمال خلال الأسبوع القادم، على سبيل المثال: كإجراء اتصال هاتفي مع صديق مقرَّب لتطمئن عن أحواله، ومن ثمَّ تتطلع إلى تنفيذ خطط خلال الشهر المقبل، كأن تطهو الطعام باتباع وصفة جديدة، أو تتبادل الرسائل مع أفراد عائلتك والأصدقاء.

تقترح "نويبرت" التحقق من البريد الإلكتروني الخاص بك أسبوعياً، لا سيَّما أنَّها مَهمة غير مكلفة وآمنة، وهناك أيضاً أشياء أخرى في إمكانك التخطيط للقيام بها: كتخصيص ليلة في الأسبوع لتناول الوجبات الجاهزة، أو إجراء اتصال هاتفي مع جدك وجدتك، أو التوجه بسيارتك إلى مكان جديد للقيام بنزهةٍ طويلة.

من الضروري جداً ألا تقارن ما كان في إمكانك القيام به من نشاطات قبل تفشِّي الجائحة بما هو متاح منها الآن، فلن يكون التحضير لنزهة بمناسبة عيد ميلاد صديق لك ممتعاً كإقامة حفلة كبيرة، وليس من العادل أن تقارن بين الاثنتين، ومن الهام أن تستمر بالتطلع إلى إنجاز ما ترغب فيه في المستقبل بناءً على ما هو متاح في الوقت الراهن، تقول "ديغلز": "لا يزال هناك الكثير من الأشياء التي في إمكانك التطلع إلى تحقيقها؛ إنَّما لا بُدَّ من إعادة النظر إليها نظرةً مختلفةً عما عهدناه".

المصدر




مقالات مرتبطة