أهمية الامتنان في حياتنا

تشير مجموعة متزايدة من الأدلة إلى أنَّ التفاؤل والامتنان والتصورات الإيجابية بشأن الشيخوخة قد تزيد من احتمالات أن تصبح الفترة العمرية المرجوة في المستقبل.



على سبيل المثال: وجدت دراسة حديثة أُجريت في جامعة أوريغون (Oregon State University) أنَّ الإيمان الراسخ بأنَّك ستحيا حياة رغيدة أو بائسة في سنوات شيخوختك قد يتحول إلى حقيقة تؤثر فينا عندما نشيخ، يقترح هذا البحث أنَّ تخيل الشخص الذي تريد أن تكون في سن الشيخوخة - كأن ترغب في أن تكون مرحاً ومتماسكاً أو تكون قاسياً ومنعزلاً - يمكن أن يتنبأ بمن ستصبح عندما تشيخ.

كشف بحث آخر نُشر مؤخراً بعنوان (الامتنان) كبار السن من اليابانيين في الحاضر المرجو" (An Attitude of Gratitude: Older Japanese in the Hopeful Present) أعدته إيزا كافيدجيا (Iza Kavedžija)، الأستاذة المحاضرة في الأنثروبولوجيا من جامعة إكستر (University of Exeter)، يكشف عن بعض الطرائق التي اختُبرت عبر الزمن والتي تفيد بأنَّ التقاليد الثقافية التي يقتنع بها الناس بأنَّ الإيمان بأمر يتحقق في النهاية، إلى جانب الاستخدام الدائم لعبارات تعبِّر عن الشكر والامتنان والتقدير، تساعد كبار السن في اليابان على الحفاظ على تفاؤلهم بغضِّ النظر عن التحديات المرتبطة بالعمر.

إقرأ أيضاً: كيف تظهر الامتنان لنفسك في الماضي والحاضر والمستقبل؟

نُشر هذا البحث في 14 من كانون الأول في مجلة أنثربولوجي أند إيجينغ (Anthropology and Aging)، وركز بحث كافيدجيا (Kavedžija) الإثنوغرافي في اليابان على مجموعة من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم بين 80 عاماً وما فوق، والقاطنين في أحد الأحياء التجارية في جنوب أوساكا؛ حيث بقي كبار السن هؤلاء متفائلين على الرغم من تحديات الشيخوخة.

على الرغم من كون هؤلاء المسنين اليابانيين في الثمانينيات والتسعينيات من العمر، ولديهم مخاوف عديدة بشأن المستقبل، وجدت كافيدجيا (Kavedžija) أنَّ معظمهم ينمي ما تسميه "الأمل الهادئ" (quiet hope) من خلال الحفاظ على موقف إيجابي متجذر بالامتنان، وتشرح قائلة: "حجتي هي أنَّ الامتنان كأسلوب من التناغم يوفر الأساس لما وصفته بالأمل الهادئ"، ووجدت كافيدجيا (Kavedžija) أيضاً أنَّ الامتنان هذا يربط التفكير في الماضي مع الانتباه إلى اللحظة الحالية بكليتها.

وضعت كافيدجيا (Kavedžija) سنواتها من العمل الميداني الإثنوغرافي مع كبار السن من مجتمعين في أوساكان مفصلة بدقة في كتاب "صنع حياة ذات مغزى: حكايات من اليابان المسنة" (Making Meaningful Lives: Tales from an Aging Japan).

ردًا على سؤال البحث "ما الذي يجعل الحياة ذات معنى؟" تفترض كافيدجيا (Kavedžija) أنَّ المفهوم الياباني القديم "ما يجعل الحياة تستحق العيش"، يحمل العديد من الإشارات، والجدير بالذكر أنَّ الأمل الذي يصاحبه لا يتطلب فعل أيِّ شيء خارق، وتقول كافيدجيا (Kavedžija): "ينمَّى الأمل الهادئ بالممارسة من خلال العديد من الأعمال اليومية البسيطة".

على سبيل المثال، صرَّح أحد الأشخاص الذين يشجعون على ممارسة الامتنان، الذين حاورتهم كافيدجيا (Kavedžija): "لقد أشرقت الشمس؛ يطيب لي المشي الآن، حمداً لله على كوني أعيش في هذا المكان"، وبينما كانت تتجه نحو حديقة عامة استقبل أصدقاؤها المحليون أحدهم بحماسة قائلاً: "تسرني رؤيتك".

تقول كافيدجيا (Kavedžija): "خلال مسار عملي الميداني الذي ركزت فيه تركيزاً خاصاً على مَن كانوا قادرين على عيش حياة رغيدة على الرغم من التحديات التي واجهتهم، والذين تمكنوا من الحفاظ على الشعور بالسلامة والإحساس بالمعنى في الحياة، لاحظت أنَّهم كانوا يجدون سهولة في التعبير عن الامتنان، وربما تكون قدرتهم على التأكيد على الامتنان - على أنَّه توجه إيجابي للعالم - قد سمحت لهم بشعور أكبر بالسلامة".

أوضحت كافيدجيا (Kavedžija) في بيان صحفي قائلة: "يساعد الشعور بالامتنان للرعاية والدعم الذي تلقاه المتقاعدون خلال حياتهم في البلاد، على أن يكونوا أكثر تفاؤلاً، حتى عندما يواجهون الصعوبات ويخشون التقدم في العمر".

أضافت قائلة: "لقد ترسخ موقف الامتنان في ذكريات كبار السن عن الماضي؛ ولكنَّه أتاح لهم أيضاً التفكير في الحاضر بطريقة مفعمة بالأمل"، يمكن النظر إلى الامتنان في اليابان إلى حد بعيد على أنَّه اعتراف بمدى اعتماد المرء على الآخرين في أثناء وجوده في هذه الحياة؛ فالامتنان يسلط الضوء على مشاعر الاعتماد المتبادل في العالم الاجتماعي.

شاهد بالفيديو: 7 فوائد للامتنان تذكرك أن تشكر الله كل يوم

أظهر عملها الميداني أيضاً أنَّه عندما روى الناس قصصاً عن تجارب مؤلمة أو مريرة خاضوها سابقاً، غالباً ما كانوا ينهون حكايتهم بعبارة "لقد تعلمت من هذا" أو "كانت تلك تجربة تعليمية"؛ حيث إنَّ تأطير الأحداث السلبية على أنَّها "تجارب تعليمية" أنت ممتن في النهاية لمواجهتها، هو وسيلة لتعزيز المرونة لتغيير سير الأحداث.

ومن المثير للاهتمام، أنَّ كافيدجيا (Kavedžija) وجدت أنَّ كبار السن الذين قابلتهم في أثناء عملها الميداني في اليابان كانوا مترددين في قول "أنا سعيد" حتى لو كانوا في مزاج جيد؛ لكنَّهم اعتادوا ترديد "أنا ممتن"؛ حيث تقول في كتابها: "لقد كانوا مترددين في وصف أنفسهم بأنَّهم سعيدون، ربما يرجع السبب في ذلك إلى ذوقهم؛ حيث سيكون هذا أقرب إلى التفاخر، لقد كانوا غير راغبين حتى في استخدام كلمة "راضٍ"؛ ومع ذلك، فقد كثرت عبارات الامتنان.

يربط الامتنان هذا بين كل من تأملات الماضي والاهتمام باللحظة الحالية بكلِّيتها، كما أنَّه يفتح المجال لنوع معيَّن واحد من الأمل يرتكز على اللحظة، وبذلك فإنَّ الإحساس بالحياة الجيدة وذات المغزى التي نقلها هؤلاء الكبار يلخص موقف الامتنان كطريقة لعيش الحاضر، بدلاً من التعلق بالماضي أو القفز نحو المستقبل".

تختتم كافيدجيا (Kavedžija) قائلة: "من خلال التقدير، لا يُنظر إلى الاعتماد على الآخرين على أنَّه مجرد عبء أو مصدر محتمل للإحراج؛ وإنَّما أيضاً مؤثر وذو مغزى عميق". "تشكل العلاقات واللقاءات الهادفة بالآخرين أساساً ثميناً لما يجعل الحياة تستحق العيش".

المصدر




مقالات مرتبطة