أفضل طريقة يتصرف بها المديرون عند تسريح الموظفين

خلال أول عملية تسريح جماعي لي، وصفَتها مديرة الشركة بأنَّها عملية "التأثير"؛ إذ جمعَتنا معاً في إحدى غرف الشركة، وأخبرَتنا أنَّ زملاءنا الذين لم يحضروا قد تأثروا بالتغيير المحوري الذي تشهده شركتنا التكنولوجية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة "مونيكا توريس" (Monica Torres)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها في تعامُل المديرين مع الموظفين وتواصلهم معهم.

والواقع أنَّ التلطيف الغريب للتعابير الذي تستخدمه الشركات، كان أمراً جديداً بالنسبة إليَّ، ولم أدرك أنَّه سُرِّح الناس إلا بعد أن نظرتُ حولي إلى وجوه زملائي في العمل المليئة بالذهول.

اليوم، لقد سُرِّحتُ من العمل، وشهدت عدداً كبيراً جداً من حالات التسريح، وأنا على دراية بالاستعارات التي يستخدمها أرباب العمل لإبعاد أنفسهم عن التصرفات المؤلمة المتمثلة في إنهاء العمل، وإليك بعض الأمثلة الحديثة على الاستعارات التي يستخدمها المديرون عند تسريح الموظفين:

  • إعادة الترتيب: قال متحدِّث باسم شركة "ويورك" (WeWork)، واصفاً الكلمات التي استخدمَتها الشركة عند تسريح الموظفين في عام 2020: "نحن نعيد تنظيم وظائف وفرق معينة لتعكس أولويات أعمالنا".
  • إعادة التوازن: قالت شركة البرمجيات "في إم وير" (VMWare) في تصريح لها في شهر كانون الثاني بعد تسريح الموظفين: "هذا جزء من إعادة التوازن المنتظم للقوى العاملة".
  • تخفيض نسبة القوى العاملة: قالت شركة "آمواي" (Amway) في مذكرة أرسلَتها لموظفيها في شهر آذار: "لقد اتخذنا ما نعتقد أنَّه القرار الصحيح لتقليص القوى العاملة لدينا بما يصل إلى 900 وظيفة في الولايات المتحدة".

أخبرَتني "ساندرا سوشر" (Sandra Sucher)، أستاذة الإدارة في كلية إدارة الأعمال في "جامعة هارفارد" (Harvard University)، التي أجرت أبحاثاً عن مسألة تسريح العمال، أنَّ استخدام هذه الاستعارات المزعجة له ​​تسمية، وقالت إنَّ ما يفعله هؤلاء المديرون هو شكل من أشكال عدم الالتزام الأخلاقي، وهي ظاهرة حددها لأول مرة عالم النفس "ألبرت باندورا" (Albert Bandura) في "جامعة ستانفورد" (Stanford University).

قالت "ساندرا": إنَّ "أحد أنواع عدم الالتزام الأخلاقي هو إطلاق الأسماء اللطيفة على الأشياء؛ لذا فبدلاً من أن أقول: "أنا أُنهي توظيف "ساندرا"؛ إذ عملَت في هذه الشركة لمدة 15 عاماً"، يمكن أن أقول: "أنا أقوم بإعادة هيكلة الشركة".

ووصفَت "سوشر" عدم الالتزام الأخلاقي بأنَّه "نشاط غالباً ما نشارك فيه دون وعي، من أجل إقناع أنفسنا بأنَّ الأضرار التي نلحقها بالآخرين مبررة"، وعلى حد قولها فإنَّ "أحد أنواع عدم الالتزام الأخلاقي هو التسمية اللطيفة؛ لذا بدلاً من أن أقول: "أنا أنهي توظيف "ساندرا"؛ إذ عملَت في الشركة لمدة 15 عاماً"، يمكن أن أقول: "أنا بصدد إعادة هيكلة الشركة".

لماذا يكون التكلم بوضوح ومباشرة أمراً هاماً عند القيام بتسريح العمال؟

إنَّ استخدام اللغة المباشرة قد يبدو أمراً قاسياً بالنسبة إلى الشخص المقصود؛ لكنَّ التواصل غير الدقيق لا يغيِّر حقيقة قرار تسريح الأشخاص؛ قال "جريجوري تال" (Gregory Tall)، منسِّق ورشات العمل الذي يدرِّب المديرين، إنَّ استخدام لغة غير مباشرة هو الخطأ الأكثر شيوعاً الذي يرى أنَّ المديرين يرتكبونه.

قال "تال": إنَّ المديرين يستخدمون عبارات مثل: "إنَّنا نقوم بتخفيض نسبة القوة العاملة، وقد تأثر موقعك الوظيفي"، حسناً، ماذا تعني هذه العبارة بالضبط؟ "قال "تال": "إنَّهم يستخدمون هذه اللغة الغامضة التي تجعل الشخص الذي يلقى الخبر يشعر براحة أكبر؛ لكنَّها تجعل الأمر غير واضح بالنسبة إلى الشخص الذي يتلقاها".

ولا شك أنَّ وضع توقعات خاطئة بشأن الاجتماع الذي يكون بمنزلة تسريح للعمال هو أمر قاسٍ أيضاً؛ إذ وضَّح "تال" أنَّ بعض المديرين يتحدَّثون لفترة طويلة عن المجاملات قبل الكشف عن هدف الاجتماع، قال "تال" إنَّ مديرة صديقته بدأت بالحديث وأمضت مدة قدرها 15 دقيقة في التحدُّث عن أشياء مثل، "كيف حال أطفالك؟" ثم قالت: " لذلك السبب أريد التحدث إليكم اليوم..."؛ إذ شعرت صديقتي، وهذا أمر مفهوم، أنَّ البساط سُحِب من تحت قدميها.

لا ينبغي على المديرين أن يخجلوا من حقيقة أنَّ ما يقومون به بغية تسهيل إخبار الموظفين بإقالتهم، يمكن أن يكون عملاً مروعاً يغير حياة موظفيهم؛ إذ قالت "سوشر" إنَّ بعض المديرين يتعاملون مع هذا الأمر تعاملاً أفضل من غيرهم، ويتحدَّثون مع موظفيهم حديثاً مباشراً، ويقولون عبارات مثل: "سوف تتأثر شخصياً بهذا الأمر، وهذا ما سوف نفعله، وإليك ما سوف نفعله لمساعدتك على الانتقال"، وأضافت: "بأنَّ المديرين يعترفون بأنَّهم يسببون الأذى للناس من خلال التحدث معهم حديثاً مباشراً للغاية".

وقال "تال" إنَّه من الأفضل أيضاً للمديرين تجنُّب التركيز على تأثرهم بخبر إقالة موظفيهم، بقول أشياء مثل: "هذا الأمر صعب جداً بالنسبة إليَّ".

الحقيقة هي أنَّه لا يوجد شيء يقوله المدير قولاً غير مباشر أو مباشراً يمكن أن يغير الضرر الناجم عن فقدان الوظيفة؛ إذ تشير الدراسات إلى أنَّ الموظفين المسرَّحين يواجهون فرصة أكبر للإصابة بمرضٍ جديد في العام الذي يلي إنهاء خدمتهم، ويمكن أن يكسبوا 20% أقل من أقرانهم الذين لم يواجهوا تسريحاً جماعياً، حتى بعد 20 عاماً من حدوث التسريح.

شاهد بالفديو: 7 علامات تدل على ضرورة ترك عملك والبحث عن عمل جديد

المكان والزمان أمران هامان أيضاً:

بصرف النظر عن استخدام كلمات تعكس خطورة الموقف، فإنَّ أرباب العمل يحتاجون إلى التأكد من أنَّ أفعالهم تدعم هذه الكلمات أيضاً؛ إذ إنَّ تقديم تعويض سخي عند نهاية الخدمة، وتقديم سبب منطقي يبرر تقليص عدد الموظفين، ومعاملة ضحايا التسريح بكرامة واحترام، كلها إجراءات ينظرُ إليها الموظفون لتحديد ما إذا كان التسريح عادلاً أم لا.

قال مستشار العلاقات مع الناس "كيني دومينغيز" (Keni Dominguez): "على الأرجح، فإنَّ الموظف الذي سُرِّح يفقد مصدر الدخل الأساسي، وهو ما من شأنه أن يخلِّف تأثيراً ملموساً في كلٍّ من الموظف وعائلته، فأجب عن أي أسئلة قد يطرحونها عليك، وزوِّد الموظف بالخطوات التالية الواضحة والموجزة مع أوراقه بالترتيب، وتذكَّر أيضاً ما إذا كان الموظف يعمل عن بُعد، فاحترم خصوصيته وتأكَّد من أن يكون وحده عندما يتلقى خبر إقالته".

إنَّه لأمرٌ مؤسف أنَّ تسريح العمال قد يسبق أيضاً العنف في مكان العمل؛ إذ قال "ماثيو دوهرتي" (Mattew Doherty)، المستشار الأمني في شركة "جنسن هيوز" (Jensen Hughes) الذي يقدِّم المشورة للشركات بشأن التهديدات التي يتعرض لها الموظفون في مكان العمل، إنَّ التسريح من العمل يمكن أن يكون "بمنزلة نقطة ضعف يشعر بها الشخص الذي يُسرَّح بقلة احترام الذات، ويمكن أن يكون له عواقب مأساوية إذا لم يُتعامَل معه بدقة وبقدر كبير من الحساسية".

قد يحدث تسريح للعمال الذين يعملون عن بُعد؛ لذا أوصت "دوهرتي" بأن تُجرى هذه المقابلات بملابس مناسبة، وخلفية افتراضية لتعكس جدية المناسبة، وأضافت: "لدينا حالات من الإقالة لم يأخذ فيها الموظفون الأمر على محمل الجد؛ مثل وجود حمام السباحة والأطفال في الخلفية، وكان بعضهم يرتدي ملابس غير مناسبة مثل قميص داخلي، ولا يحترمون خطورة الموقف".

ينطوي إجراء عملية التسريح إجراءً صحيحاً على الكثير من المخاطرة؛ إذ إنَّ طريقة معاملة الأشخاص المسرَّحين ليست لها عواقب وخيمة عليهم فحسب؛ بل إنَّها ترسل أيضاً رسالة إلى الموظفين الذين ما زالوا على رأس عملهم.

بعد تسريح العمال، تنخفض المعنويات، ويزداد معدل دوران العمالة، وكما قال "تشارلي تريفور" (Charlie Trevor)، أستاذ الإدارة والموارد البشرية في "جامعة ويسكونسن ماديسون" (University of Wisconsin–Madison)، لموقع "هاف بوست" (HuffPost) سابقاً، فإنَّ كيفية التعامل مع عمليات التسريح يمكن أن تخبر "الناجي بالكثير عن أولويات الشركة، ونوع العلاج الذي قد يتوقعه المرء للتقدُّم".

كما أنَّ بحث "ماديسون" وجد أنَّ سياسات ما بعد التسريح، مثل إعداد عملية الشكوى أو الاستئناف، قلَّلت من احتمالية استقالة الموظفين الذين ما زالوا على رأس عملهم.

إقرأ أيضاً: الأمان الوظيفي: أهميته، وإيجابياته، والعوامل التي تؤثر عليه

غالباً ما تكون عمليات التسريح بمنزلة صدمة مفاجئة للعمال، لكن لا ينبغي أن تكون كذلك:

إنَّ معظم الشركات لا تتوقع أن تؤدي دوراً رئيساً في مساعدة الموظفين الذين تخلَّت عن خدماتهم على إنشاء مرحلة تالية، وقالت "سوشر" إنَّ هذه الشركات تشعر أنَّ الطريق الأكثر أماناً هو الحفاظ على سرية عمليات التسريح الوشيكة؛ وذلك لأنَّها تخشى ردود فعل عنيفة من الموظفين، وقالت: "إنَّ سبب عدم ثقتهم بالمُوظِفين هو أنَّهم لا يعرضون على مُوَظَفِيهم أي شيء مقابل إقالتهم".

الإخطار المفاجئ هو القاعدة في العديد من الشركات؛ لكنَّ "سوشر" أكَّدت أنَّ الأمر لا ينبغي أن يكون كذلك، وقالت: "إنَّ أفضل السياسات في هذا المجال لن تبدو أبداً كما لو أنَّ اليوم هو اليوم الأول الذي تسمع فيه بما سيحدث لك، وهو أيضاً آخر يوم لك في الشركة".

وقالت أيضاً: "إذا كنت جاداً في التعامل مع هذا على أنَّه ضرر تلحقه بالموظفين الآخرين، فعليك أن تخطط لذلك بالطريقة نفسها التي تخطط لاكتساب الأشخاص الذين تريد أن تستثمر مواهبهم في شركتك".

هناك بدائل للطريقة التقليدية الرهيبة التي يتبعها المديرون في أثناء تسريح موظفيهم؛ خذ على سبيل المثال برنامج "بريدج من شركة نوكيا" (Nokia's Bridge)، الذي كتبت عنه "سوشر" لمجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review)؛ إذ تعرضت شركة "نوكيا" في عام 2008 لرد فعل عنيف بعد تسريح موظفين لها في مصنع ألماني بعد عام من تحقيق الأرباح الكبيرة، وكانت هناك مقاطعات للنقابات، وأخبار سيئة في الصحافة، وخسارة الشركة لسمعتها؛ وهذا أدى إلى خسارتها لأرباح تُقدَّر بنحو 147 مليون دولار هناك.

عندما أرادت شركة "نوكيا" مرة أخرى خفض عدد الموظفين في عام 2011، أعطت الموظفين في البلدان التي سيُسرَّح فيها مهلة سنتين للاختيار من بين خمسة خيارات:

  1. البحث عن وظيفة أخرى في شركة "نوكيا".
  2. استخدام التدريب المهني وورش عمل السير الذاتية ومعارض التوظيف وأحداث التواصل، التي تستضيفها مراكز "نوكيا" الخاصة للعثور على وظيفة أخرى خارج شركة "نوكيا".
  3. ربح منحة عمل تصل قيمتها إلى ما يقرب من 34750 دولاراً أمريكياً، لبدء أعمالهم التجارية الخاصة، وتلقِّي تعليمات تخص الكوتشينغ، وبناء العلاقات من "نوكيا" طوال العملية.
  4. استخدام منح تدريب "نوكيا" لإدارة الأعمال، ودورات مدارس التجارة لتعلم شيء جديد.
  5. الحصول على دعم مالي لأهداف شخصية مثل التطوع.

نتيجة لبرنامج "بريدج" (Bridge)، كان 60% من العمال المتضررين البالغ عددهم 18000 عاملاً، على علم بخطواتهم التالية في اليوم الذي انتهت فيه وظائفهم في شركة "نوكيا"، وحسَّن غالبية المرشحين الذين سُرِّحوا والموظفون المتبقون مستويات جودة الأعمال خلال فترة الانتقال.

قالت "سوشر": "إذا كنت جاداً في التعامل مع هذا الأمر على أنَّه ضرر تلحقه بالموظفين الآخرين، فعليك أن تخطط لذلك بالطريقة نفسها التي تخطط لاكتساب الأشخاص الذين تريد أن تستثمر موهبتهم في شركتك".

المصدر




مقالات مرتبطة