أعطِ لتأخذ: أثر التطوع على الصحة العقلية

أدت جائحة فيروس كورونا إلى الكثير من التباعد الاجتماعي، وهذا أثار مشاعر التوتر والعزلة لدى الكثير منا، وقد تضررت بعض الفئات خصوصاً، ومن ذلك كبار السن والآباء الذين يلهثون بين العمل ورعاية الأطفال والأشخاص الذين فقدوا وظائفهم، وفي ظل هذه الظروف تحول الكثير من الناس إلى التطوع للمساعدة على إحداث فرق عن بعد.



لقد بدأت أبحاث جديدة تظهر إلى العلن وتقول إنَّ المتطوعين لا يساعدون المجتمعات التي يخدمونها فقط؛ إذ يشعر الأشخاص الذين يتطوعون بتحسن في صحتهم العقلية، وهذه أخبار جيدة في الوقت الذي يعاني فيه أكثر من ثلث سكان العالم من أعراض القلق والاكتئاب.

فعندما تقضي وقتك في التطوع فأنت بالتأكيد تستخدم وقتك بشكل بنَّاء، وسواء كان ذلك لبناء منازل أم العمل في محل طعام مجاني في عطلة نهاية الأسبوع، فإنَّ التطوع يجعلك أيضاً تشعر بالرضى، وفي الوقت نفسه الذي تساعد فيه الآخرين، يمنحك التطوع أيضاً مجموعة متنوعة من فوائد الصحة البدنية والعقلية.

ما هي أهمية العمل التطوعي؟

عندما تتطوع فإنَّك تمنح وقتك بحرية دون توقع أي مقابل أو تعويض؛ إذ يستمتع معظم الناس بالمساعدة في مجتمعهم، فيمكنك أيضاً التطوع في مكان عملك أو من خلال مختلف المؤسسات والمنظمات الخيرية عبر الإنترنت، وهناك الإيثار الذي يركز على التصرف بدافع الاهتمام بسعادة الآخرين ورفاههم حتى لو كان ذلك بتكلفة، ومن أهم أسباب تطوع الناس هو دافع التعاطف؛ إذ يضع البشر أنفسهم في مكان الآخرين الذين يواجهون الصعوبات ويرغبون في تلقي المساعدة.

يجعلك التطوع تشعر بأنَّك جزء من شيء أكبر منك، وقد يعني ذلك أن تكون جزءاً من تعليم الأطفال عندما تتطوع لتقديم يوم وظيفي في المدرسة الثانوية، أو الشعور بمزيد من الارتباط بالعالم.

فعندما تتطوع فإنَّك لا تشعر بالوحدة أو العزلة، فالعمل التطوعي يمنعك من القلق بشأن معاركك وتحديات حياتك، ويمنحك منظوراً جديداً في التعامل مع المشكلات والعقبات، كما يمكِّنك من المساهمة الإيجابية في ازدهار العالم من حولك.

ما هي فوائد العمل التطوعي على الصحة العقلية؟

يُطلِق علماء النفس على السلوكات التي تساعد الآخرين "السلوكات المؤيدة للمجتمع"؛ إذ تُعَدُّ المساعدة قضية عظيمة؛ لذا تُصنَّف بوصفها سلوكاً مؤيداً للمجتمع يمكن أن يرفع من مزاجك، ويؤثر أيضاً في صحتك تأثيراً إيجابياً بطرائق لا تُعَدُّ ولا تُحصى.

تؤكد إحدى الدراسات أنَّ التطوع يجعلك تشعر بالسعادة؛ إذ يجعلك العطاء تشعر بالرضى، فيفرز جسمك الإندورفين الذي تسميه "هارفارد هيلث" "مسكن الآلام الطبيعي"، فعندما تتطوع أو تفعل شيئاً تستمتع به يثير الإندورفين إحساساً بالعافية والصحة.

كما يمكن للنشاطات الممتعة والهادفة مثل مساعدة الآخرين أن تزيد من سعادتك، ففي دراسة نُشرت في مجلة "دراسات السعادة"، وجد باحثان أنَّ الأشخاص الذين يتطوعون هم أكثر سعادةً من أولئك الذين لا يتطوعون.

باستخدام بيانات من نحو 70 ألف مشاركاً في المملكة المتحدة، وجد العلماء أنَّه مقارنةً بالمشاركين الذين لم يتطوعوا، فإنَّ أولئك الذين تطوعوا في العام الماضي كانوا أكثر رضى عن حياتهم، وصنَّفوا صحتهم العامة على أنَّها أفضل أيضاً.

نتيجة أخرى للدراسة، وجد الباحثون أنَّ الأشخاص الذين تطوعوا مرة واحدة على الأقل شهرياً، أفادوا بتمتعهم بصحة نفسية أفضل من أولئك الذين تطوعوا منذ زمن بعيد أو لم يتطوعوا على الإطلاق.

العمل التطوعي يقلل من القلق والتوتر:

العمل التطوعي يقلل من الشعور بالوحدة والتوتر؛ إذ يمكن أن يؤدي عدم الاتصال بالناس أو الشعور بالوحدة إلى إغراق جسمك بالكورتيزول، فوفقاً لـ (Cleveland Clinic) لا تسبب المستويات العالية من الكورتيزول في نظامك المزيد من التوتر فحسب؛ بل تخاطر بإضعاف أدائك المعرفي، فأنت أيضاً تزيد من خطر الإصابة بالالتهابات وأمراض القلب، وكذلك تضعف جهاز المناعة لديك.

شاهد بالفديو: فوائد العمل التطوعي

العمل التطوعي يبني الصداقات والتفاعل الاجتماعي والمشاركة:

المشاركة في نشاط مشترك تُقرِّب الناس من بعضهم بعضاً، فمن المحتمل أن تمشي بنشاط وتمارس المزيد من التمرينات، ولن تفكر في مشكلاتك لفترة من الزمن، وربما ستكوِّن صداقات جديدة؛ فوجود الأصدقاء أمر هام؛ وذلك لأنَّهم يقدمون الدعم العاطفي ويبنون ثقتك بنفسك ويساعدونك على تقليل التوتر، فعند التطوع ستصبح أيضاً أكثر تفاعلاً من الناحية الاجتماعية، وكما نعلم فإنَّ المشاركة الاجتماعية تعزز صحة الدماغ.

العمل التطوعي يقلل من الاكتئاب:

يمكن أن يساهم قول "نعم" لفكرة التطوع أيضاً في تقليل احتمالية إصابتك بمرض الاكتئاب، كما أظهر البحث العلمي أنَّ التطوع يقلل من مستويات الاكتئاب لمن هم فوق 65 سنة؛ لذلك فإنَّ التطوع مفيد لكبار السن أيضاً وليس حكراً على فئة الشباب فقط كما يظن كثيرون.

يُعَدُّ تقديم العطاء للآخرين الآن إحدى "الخطوات الخمس الموصى بها للرفاهية العقلية" التي تروِّج لها وزارة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة، ووفقاً لمشروع بحثي حديث، قام بجمع الأدلة من 40 دراسة مختلفة طوال العشرين عاماً الماضية، وخلص إلى أنَّ التطوع أدى إلى انخفاض الاكتئاب وزيادة الرفاهية النفسية.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب

العمل التطوعي وارتفاع ضغط الدم الشرياني:

استناداً إلى إحدى الدراسات التي شملت البالغين فوق سن الخمسين، كان أولئك الذين تطوعوا بانتظام أقل عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم من المشاركين غير المتطوعين؛ إذ يُعَدُّ ارتفاع ضغط الدم من المؤشرات الصحية الرئيسة؛ وذلك لأنَّه يساهم في الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والوفاة المبكرة.

تُعَدُّ خدمة الآخرين والمشاركة معهم في مجموعة لتحسين الظروف العامة، أهم ما يمكن أن يرفع معنوياتنا، وأيضاً يمكن أن تكون لها تأثيرات حقيقية في أجسامنا؛ إذ تحافظ على نشاط عقلك وجسمك، وتتجنب التدهور المعرفي وتحافظ على صحتك.

العمل التطوعي هو بمنزلة علاج معرفي سلوكي للاكتئاب:

يسبب الاكتئاب أفكاراً سلبية بشكل متزايد تُعرَف في علم النفس باسم "أخطاء التفكير" أو "التشوهات المعرفية"، وهذه الأفكار يمكن أن تكون منهكة، فوفقاً للعلاج السلوكي المعرفي (CBT)، تثير هذه الأفكار المشاعر والأحاسيس الجسدية التي تُحدِث الأفعال وتوجهها.

فإذا كنت مكتئباً فقد ينتج عن مشاعر الاكتئاب الجلوس على الأريكة طوال اليوم والشعور بأنَّك لا تملك الطاقة لفعل أي شيء، أو يمكن أن يكون فعلاً سلبياً، مثل إخبار صديقك المفضل بالرحيل.

فالعمل التطوعي يجعلك تنهض وتخرج من الباب وتقوم بنشاطات إيجابية مثل مساعدة الآخرين، وتؤمن (CBT) أنَّ دفع أنفسنا إلى أعمال أكثر إيجابية مثل النشاطات التطوعية هو إحدى الطرائق لكسر حلقة الأفكار السلبية والحالات المزاجية السيئة، وهي طريقة تُعرَف باسم "العلاج السلوكي".

يتمتع العمل التطوعي أيضاً بفائدة إضافية تتمثل في تغيير مساحة تركيزك، حتى لو كان ذلك لمدة ساعة أو أقل، وهذا يعني أنَّك تأخذ استراحة من أفكارك السلبية، وقد تجد نفسك تكتسب أفكاراً إيجابية؛ إذ تقول في نفسك خلال العمل التطوعي: "أنا أستمتع بمساعدة الشخص الآخر، واكتشفت مهارات لم أكن أدرك أنَّني أمتلكها، وحياتي ليست سيئة للغاية"، وما إلى ذلك، فالأفكار الإيجابية مثل هذه يمكن أن تغير الخط البياني لأفكارك وعواطفك وأفعالك إلى منحى تصاعدي بدلاً من المنحى التنازلي للاكتئاب.

شاهد بالفديو: 6 فوائد عظيمة للتطوع

أشكال جميلة للتطوع:

التطوع عن طريق ترك العشاء لصديق مريض هو أيضاً أمر ذو قيمة، والقيام بأعمال طيبة مثل تنظيف المنزل لأمك التي عملت في نوبتين في المستشفى في الليلة الماضية أيضاً، فليس عليك بالضرورة التطوع بطريقة منظمة أو تتطلب منك الالتزام بأوقات محددة.

إذا كنت ترغب في التطوع بانتظام - الذي له العديد من الفوائد كما ذكرنا آنفاً - فتوجد منظمات تستحق الترحيب بمساعدتك، وفي الواقع، تعتمد بعض المنظمات مثل المنظمات غير الربحية على المتطوعين للقيام ببعض الواجبات بسبب محدودية التمويل.

إليك بعض الأفكار للتطوع:

فيما يأتي الطرائق الممكنة التي يمكنك من خلالها التطوع في مجتمعك:

  1. مدرس للطلبة في القراءة أو اللغة الإنجليزية أو الرياضيات.
  2. زيارة مراكز رعاية كبار السن، وتقديم ما تستطيع من خدمات.
  3. الغناء أو الرقص في العروض التي تجمع الأموال لمؤسستك الخيرية المفضلة.
  4. مدرب في مدرسة متوسطة محلية ضمن مجال عملك.
  5. المشاركة في أيام تنظيف الشاطئ.
  6. جز العشب لأفراد المجتمع المسنين.
  7. إعادة ترتيب رفوف الكتب في مكتبة البلدة.
  8. العمل نيابة عن منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية.
  9. تشغيل الموسيقى لمن يعيشون في مأوى.
  10. جمع التبرعات لجهود الإغاثة في حالات الكوارث للصليب الأحمر الدولي.
  11. المساعدة على تنظيف الحديقة.
  12. تقديم التفاح والبرتقال كلما رأيت المشردين.
  13. المساعدة على إنشاء مركز إنقاذ الحيوانات.
  14. تسهيل بعض النشاطات مثل ألعاب البنغو في دار لرعاية المسنين.
  15. المساعدة على مشاريع صيانة المباني التابعة لمركز مجتمعي محلي.
إقرأ أيضاً: تأثير العمل الخيري في الحد من آثار الجائحة على التعليم

في الختام:

تذكر أنَّك إذا لم تتمكن من التطوع بهذه الطرائق، فيمكنك الاستفادة من موهبة أو مهارة خاصة بدلاً من ذلك، على سبيل المثال، إذا كانت لديك مهارات تقنية رائعة، فيمكنك التطوع لتكون الشخص الذي يصلح أجهزة الحاسوب والطابعات الخاصة بمنظمة خيرية مرة واحدة في الأسبوع، وإذا كنت تحب التقاط الصور، فيمكنك التطوع لإرسال صور لكتيب مؤسسة أو تحديث موقع ويب خاص بمؤسسة خيرية خلال الصيف، ولا تنسَ أنَّك إذا لم تتمكن من التطوع بوقتك، فيمكنك أيضاً التبرع مالياً.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة