أسباب فقدان القدرة على الاستمتاع بالحياة وطرق تخطي ذلك

كيف يصل الإنسان إلى مرحلة ينعدم فيها إحساسه بمتعة الحياة ومعانيها ويفقد شغفه تجاه كل ما كان يثير بهجته وسعادته في السابق؟ وكيف تختفي فجأةً قدرته على رؤية الألوان ويبتلعه السواد الذي أصبح طاغياً على كل تفاصيل حياته؟ وهل العالم قاسٍ إلى هذه الدرجة أم أنَّ شيئاً داخله قد انطفأ؟



هل هذا ما يريده أم أنَّ الحياة تمادت بقسوتها عليه؟ وما هي الأسباب التي قد توصل شخصاً ما إلى مثل هذه الحالة؟ وهل يمكننا مد يد العون له ومساعدته وتلوين عالمه من جديد؟ وهل من الممكن أن نقع نحن أيضاً فريسةً لفقدان التلذذ وعدم القدرة على الاستمتاع بالحياة؟

ما هو فقدان الرغبة في الحياة؟ وكيف أعرف أنَّ شخصاً ما فقد قدرته على الاستمتاع بالحياة؟

يسيطر علينا من وقت إلى آخر إحساس مؤقت بالملل من كل شيء وفقدان الرغبة بالحياة، لكن ما إن نمارس أحد نشاطاتنا المحببة إلى قلوبنا حتى تعود البهجة لتملأ قلوبنا من جديد، ويعود لنا إحساسنا بمتعة الحياة وجمالها، فكم مرةً قضينا على ألمنا آخر الليل بمشاهدة فيلم جميل أو قراءة كتاب ملهم أو سماع موسيقى عذبة؟ وكم مرةً انتشلتنا ضحكات الأصدقاء من حزننا وأعادت لنا الابتسامات والأحضان رغبتنا في الحياة!

ماذا يحدث إن لم ينفع أي مما سبق وبقينا عالقين داخل مأساتنا الخاصة ولم نتمكن من الخروج من هذه الحفرة المظلمة التي وجدنا أنفسنا فجأةً بها لا بأيادي الأصدقاء ولا بقراءة الكتب ولا بمشاهدة الأفلام وسماع الموسيقى؟ وماذا يحدث عندما نفقد الطاقة التي نحتاجها للاستمرار فنتوقف فجأة في منتصف الطريق عاجزين عن الإكمال وفاقدين لكل إحساس جميل ورغبة في الحياة التي لم يعد لها أي طعم ولم يعد يزينها أي لون؟ في هذه الحالة يمكن القول إنَّنا فقدنا القدرة على الاستمتاع بالحياة.

أعراض فقدان القدرة على الاستمتاع بالحياة:

لا يقتصر هذا الإحساس على جانب محدد من مجالات الحياة؛ بل يظهر في جميع جوانبها ويطال أجسادنا وأرواحنا على حد سواء، ولفقدان المتعة بالحياة شكلان رئيسان، وينطوي تحت كل شكل مجموعة من الأعراض:

  • الأول جسدي، فتجد الشخص الذي فقد الإحساس بمتعة الحياة عاجزاً عن الشعور بأيَّة لذة جسدية، فلا يوجد حضن يهدئه، ولا لمسة تعيد له الحياة، حتى إنَّه يفقد المتعة الجنسية وتفتر رغبته حتى تكاد تختفي، ويصاب بفقدان الشهية فحتى الطعام لم يعد يجد فيه أيَّة نكهة، كما أنَّه يصبح فريسة سهلة للأمراض بسبب مشاعر الحزن التي تؤثر في جهازه المناعي وتضعفه.
  • الثاني يطال حياة الشخص الاجتماعية وعلاقاته مع الآخرين التي يبدأ بفقدانها تدريجياً، كما يطال مشاعره وأحاسيسه، فحتى لو شارك في رحلة أو حفلة ما أو نشاط يمكنك أن تميزه من عيونه ومن نظرته المحدقة في الفراغ ومن كلماته المقتضبة وأحاديثه السريعة، وكأنَّ العالم الذي ينتمي إليه يجلس فوق قلبه والوقت الذي يمر سريعاً على الناس لا يتجاوزه، وكل الأيام متشابهة بالنسبة إليه لا فرق بين الصباح والمساء، وحتى اهتمامه بالتوقيت والتاريخ ينعدم، فطالما أنَّه لا يوجد شيء ينتظره لا يهم أبداً اسم اليوم أو حتى تاريخ السنة.

من الجدير بالذكر أنَّ النساء أكثر من الرجال عرضةً للإصابة بفقدان الرغبة في الحياة وعدم القدرة على الاستمتاع، وربما يعود هذا إلى طبيعة النساء العاطفية وحساسيتهن الشديدة.

أسباب فقدان القدرة على الاستمتاع بالحياة:

فقدان المتعة بالحياة هو أحد أعراض الاكتئاب؛ لذلك يمكن القول إنَّ الاكتئاب أحد الأسباب الرئيسة للوصول إلى هذه الحالة، وفيما يأتي سنعرض أهم الأسباب الأخرى وعوامل الخطر:

  1. الإحساس بفقدان المتعة وفقدان التلذذ بالحياة قد يحدث بسبب التعرض لمواقف قاسية أدت إلى حدوث صدمة لدى الشخص لم يتمكن من تجاوزها وأثرت في رغبته في الحياة وسبَّبت له قلقاً وتوتراً جعلا الحياة بالنسبة إليه مصدراً للحزن والألم فقط.
  2. أسباب ترجع إلى مرحلة الطفولة أو المراهقة، فقد يكون الشخص قد عانى من طفولة مهمَلة وقاسية ولديه تاريخ طويل من سوء المعاملة، وهذا أثَّر في صلابته النفسية وقدرته على احتمال الأزمات والضغوطات.
  3. الإصابة بمرض ما أجبره على تغيير أسلوب حياته السابق وأخضعه مرغَماً لجلسات علاجية طويلة ومرهِقة نفسياً وجسدياً، وهذا ما يحصل في كثير من الأحيان مع مرضى السرطان أو السكري أو الأشخاص الذين تعرَّضوا لحادث مفاجئ سبَّب لهم إعاقة دائمة أو حتى مؤقتة.
  4. اضطرابات الأكل أيضاً قد تكون سبباً لفقدان المتعة بالحياة، فالنقص في بعض أنواع الفيتامينات والمعادن في الجسم يزيد من احتمال الإصابة بالاكتئاب ويؤثر في المزاج العام للإنسان تأثيراً كبيراً.
  5. تعاطي المخدرات وشرب الكحول أيضاً أحد الأسباب وراء الإصابة.
  6. يعتقد أيضاً العلماء أنَّ الأشخاص الذين فقدوا الإحساس بالمتعة يعانون من مشكلات في نظام المكافآت في الدماغ؛ إذ يؤثر انخفاض مستوى هرمون الدوبامين المسؤول عن السعادة في مناطق المكافأة هذه.
  7. ربط أيضاً العلماء بين الإصابة بالالتهابات وفقدان اللذة، فقد تبين من خلال مجموعة من الدراسات أنَّ الأشخاص الذين فقدوا الإحساس بالمتعة لديهم مؤشرات التهاب مرتفعة.
إقرأ أيضاً: أهم الوسائل والإرشادات للتخلّص من هموم الحياة ومشاكلها

تشخيص فقدان القدرة على الاستمتاع بالحياة وعلاجه:

قد يعتقد بعض الناس أنَّ ما يمرون به مجرد فترة مؤقتة وستزول، لكن في حال زاد الوضع عن حدِّه وتفاقم لدرجة عدم القدرة على السيطرة عليه وأصبح مؤثراً تأثيراً كبيراً في نوعية حياة المريض ومسبباً لكثير من المشكلات والمتاعب، فلا بدَّ من زيارة الطبيب لتشخيص الحالة والقيام بالمطلوب لمساعدة المصاب على تجاوز ما يمر به، ويحتاج الطبيب لتشخيص الإصابة إلى:

  1. العودة إلى تاريخ المريض المَرضي.
  2. طرح العديد من الأسئلة التي تساعده على فهم الحالة جيداً والغوص في أسبابها وتقييم حالته النفسية ومزاجه، وعلى المريض إخبار الطبيب بكل ما يشعر به وبجميع الأعراض التي يلاحظها حتى يكون التشخيص دقيقاً وفعالاً.
  3. إجراء فحوصات دم وغيرها للتأكد من عدم وجود سبب عضوي أو مشكلات في الغدد أو حتى مخدرات في الدم، فقد يتحفظ المريض على ذكر موضوع التعاطي.

شاهد بالفديو: 10 حقائق جوهرية ستغير حياتك

علاج فقدان القدرة على الاستمتاع بالحياة:

معرفة الأسباب الخطوة الأهم لعلاج أي اضطراب وخاصةً الاضطرابات النفسية، وفيما يأتي سنعرض أفضل العلاجات الممكنة:

  1. العلاج النفسي هو الأهم في هذه الحالة، وعلى الطبيب النفسي أن يؤدي دوره على أكمل وجه ويساعد المريض على البوح والحديث عن كل ما يزعجه ويؤذيه، كما يجب على الطبيب أن يشرح للمريض ويساعده على فهم الأسباب النفسية التي أوصلته إلى هذه الحالة؛ لأنَّ ذلك من أهم الطرائق للعلاج، فالخطوة الأولى في العلاج هي أن تفهم نفسك جيداً.
  2. علاج باستخدام أدوية الاكتئاب أو الصدمات الكهربائية أو التحفيز المغناطيسي.
  3. تحفيز العصب المبهم، وهو آخر الخيارات التي قد يلجأ إليها الطبيب ولا يستخدمها إلا في حال كون الحالة معقدة جداً ولم تستجب للعلاجات السابقة.

نصائح لكل شخص فقد قدرته على الاستمتاع بالحياة:

يمكنك تخطِّي ما تمر به ويمكنك استرجاع نفسك واستعادة حياتك، فقط كن قوياً ولا تخف، فأهم ما في الأمر أن تقاوم وتتحلى بالشجاعة للمواجهة، فأنت لست الوحيد الذي عانى ولن تكون الناجي الأخير، فجميع الناس يمرون بمثل هذه المرحلة، وما يميزك هو أنَّك لن تستسلم ولن ترضخ لمحاولة سلبك حياتك.

فيما يأتي مجموعة من النصائح جربها وتأكد أنَّك ستكون الرابح في النهاية:

  1. تذكَّر - عندما تعتقد أنَّه لا يوجد شيء هام ونحن قادرون على فهمك، وعندما تشعر أنَّ العالم خارج غرفتك غابة موحشة ونحن ندرك تماماً أنَّ ما تمر به ليس سهلاً ونقدِّر كل إحساس تعيشه - أنَّك قبل وقت قصير لم تكن تشعر بذلك؛ بل كنت تعيش لحظتك الخاصة وتستمتع بها، وكنت تعتقد أحياناً أنَّك امتلكت العالم كله بعد أن تنهي فيلماً أو كتاباً أو تنجز عملاً هاماً.
  2. ضع حدَّاً لكل هذا الملل عندما تكون فريسة السأم وفريسة الأيام المتشابهة والأعمال المكررة والمشاعر المستهلكة، واذهب في رحلة واكتشف عالماً جديداً واصنع أياماً مختلفة وعد بحقيبة مليئة بالذكريات والمغامرات، صدِّقني ستجد أنَّ ثمة أشياء تستحق الحياة.
  3. جرِّب أن تكون مصدر سعادة لأحدهم أو سبباً لابتسامة طفل يبيع العلكة أو عجوز يقطع الشارع، وجرِّب أن تعطي لو أشياء بسيطة ومعنوية، أو تقدِّم المساعدة للمحتاجين، فلا شيء من الممكن أن يشعرك بالسعادة ويعيد إليك الإحساس بقيمتك مثل العطاء، ولا شيء سيكون مفعوله سحرياً على روحك مثله.
  4. أخرِج الأحلام التي وضعتها في صندوق حديدي تحت سريرك من جديد وافردها دفعة واحدة وتذكر أنَّها ما زالت بانتظارك لتحقيقها.
  5. لا تكابر على مشاعرك؛ بل عش حزنك إلى الرمق الأخير، لكن قبل أن تنهار افتح قلبك ومد يدك لأهلك وأصدقائك، فالجميع بانتظارك وجاهزون للوقوف بجانبك.
  6. خذ إجازة من عملك وغيِّر في نظام حياتك ومارِس الرياضة واخرج للركض وتعلَّم الاسترخاء وتعلَّم مهارات جديدة.
  7. حاول أن تضع لكل أسبوع مهمة مهما كانت بسيطة، وتأكَّد أنَّك ستكون مستمتعاً جداً وأنت تحاول تحقيقها وستشعر بالسعادة عندما تنجزها، فمثلاً من الممكن أن تكون مهمة هذا الأسبوع جمع ملابس من أهالي الحي وتوزيعها على الفقراء، أو الخروج مع جارك العجوز الوحيد في نزهة، أو مساعدة طالب محتاج بدروسه، أو حتى مهام خاصة بك، أو شراء ملابس جديدة أو كتاب، أو الذهاب لحضور حفلة.
  8. لا تتردد بطلب المساعدة من أهلك أو أقربائك أو أصدقائك، وإذا لم تشعر بالراحة فليس عيباً أن تلجأ إلى طبيب متخصص.
إقرأ أيضاً: زيارة الطبيب النفسي: جنونٌ أم توازن؟

في الختام:

نؤكد لك أنَّنا لا نخفف أبداً من قيمة مشاعرك ولا نقلل من حزنك ولكنَّنا فقط واثقون بقدرتك على تجاوز هذه المرحلة بكل ما فيها من صعوبة، فتخيل كم من الجميل أن تشعر بولادة جديدة وتتعرف إلى الحياة من وجهة نظر أخرى، وأن تتعلم كيف تتقبَّل الألم كما تتقبَّل السعادة تماماً، وتختلق لحظات الفرح من أشياء بسيطة لم تكن تنتبه إليها سابقاً.

تأكَّد أنَّك في نهاية المطاف ستكتشف أنَّ الحياة جميلة بحلوها ومرها، وأنَّ إحساسنا بالألم ليس إلا دليلاً على وجودنا، وليس بالضرورة أن تعيش حياةً هانئةً دائماً وأوقاتاً سعيدة وأفراحاً صاخبة ونجاحاتٍ باهرة حتى تستمتع بحياتك؛ بل يمكنك الاستمتاع بالأشياء البسيطة والحياة العادية التي تعيشها.




مقالات مرتبطة