أسباب عقوق الوالدين وعاقبته وحكمه

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. [سورة الإسراء، الآيتان: (23،24)].



لقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن عقوق الوالدين، وأمرنا بتحري رضاهما؛ ولكن ما هو عقوق الوالدين؟ وما الأسباب التي تدفع الأبناء إليه؟ وما عاقبته وحكمه في الإسلام؟

سنقدم لكم كلَّ ذلك أعزاءنا القراء في السطور القليلة القادمة، فتابعوا معنا.

ما هو عقوق الوالدين؟

العق لغة من الشق والقطع، ويعني شق عصا الطاعة وقطع الرحم؛ أمَّا اصطلاحاً، فيمكن أن يأتي بمعنى ضد البر؛ وأمَّا عق الوالدين في اللغة، فيعني عدم الإحسان إليهما كما أمرنا الله سبحانه وتعالى عندما قال في كتابه: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.

أسباب عقوق الوالدين:

  • إنَّ رفاق السوء من أهم الأسباب التي يمكن أن تدفع الأبناء إلى عقوق آبائهم؛ لذلك يتوجب علينا كآباء أن نكون حريصين على مراقبة علاقات أولادنا، ونحاول إبعادهم عن الذين يتصفون بالسوء.
  • تفرقة الآباء بين الإخوة والتمييز فيما بينهم، وكثرة المشاجرات العائلية؛ ممَّا ينعكس سلباً على نفسية الأولاد، ويدفعهم إلى عقوق آبائهم.
  • التهاون في تربية الأولاد؛ ذلك لأنَّهم إن لم ينشأوا على التقوى وطاعة الله سبحانه وتعالى وخشيته والالتزام بتعاليمه وتجنُّب نواهيه، فإنَّ ذلك سيسمح لهم بعقوق آبائهم دون أيِّ رادع.
  • يمكن لجهل الأبناء بخطورة عقوق الأبوين ونتائجه التي لا تُحمَد عقباها أن يدفعهم إلى ارتكاب هذه المعصية.
  • إنَّ الجزاء من جنس العمل؛ فإذا كان الآباء عاقين للأجداد، فسيعاقبهم الله سبحانه وتعالى بأبناء عاقين لهما.
  • يلجأ بعض الأبناء سعياً وراء راحتهم إلى وضع آبائهم في دار رعاية المسنين ليحصلوا على العناية، بدلاً من تقديمها لهم بأنفسهم.
إقرأ أيضاً: 6 أخطاء نرتكبها في شبابنا ونندم عليها عندما نكبر

أقوال عن برّ الوالدين:

  • عندما ماتت والدة إياس بن معاوية، بكى عليها؛ فقيل له في ذلك، فقال: "كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة، وقد أُغلِق أحدهما".
  • والله لو ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام؛ لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر. (عبد الله بن عمر).
  • واخضع لأمك وارضها فعقوقها إحدى الكبر (الشافعي).
  • إنَّ الله تعالى قسَّم الحقوق وجعلها مراتب، وجعل أعظمها بعد حق عبادة الله تعالى وإفراده بالتوحيد، الإحسان للوالدين. (محمد العريفي).
  • إنَّ رجلاً من أهل اليمن حمل أمه على عنقه، فجعل يطوف بها حول البيت، وهو يقول: "إنِّي لها بعيرها المدلل الذي إذا ذُعِرت ركابها لم أُذعَر، وما حملتني أكثر"؛ ثمَّ قال لابن عمر: "أتراني جزيتها؟"، فقال ابن عمر رضي الله عنه: "لا، ولا بزفرة واحدة من زفرات الولادة".
  • بر الوالدين هو أن تبذل لهما ما ملكت، وتطيعهما فيما أمراك ما لم يكن معصية. (الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما).
  • أطع الإله كما أمر    واملأ فؤادك بالحذر
    وأطع أباك فإنَّـــه     رباك من عهد الصغر    (الشافعي)
  • العيــــش ماضٍ فأكرم والديك به      والأم أولى بإكرام وإحسان
    وحسبها الحمل والإرضاع تدمنه      أمران بالفضل نالا كلَّ إنسان   (المعري)
  • لا توُدنَّ عاقاً، فكيف يودك وقد عق أباه؟ (عمر بن عبد العزيز).
  • إنَّ الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقاً لوالديه ليعجل له العذاب. (كعب الأحبار).
  • لا تصادق عاقاً، فإنَّه لن يبرك وقد عق من هو أوجب حقاً منك عليه.
  • قال أبو عبيدة: قيل لأعرابي: كيف ولدك عليك؟ وكان عاقاً، فقال: عذاب رعف به الدهر، وبلاء لا يقاومه الصبر، وفائدة لا يجب فيها الشكر، فليتني أودعته القبر.
  • الأمومة فردوس هش؛ ذلك لأنَّ عقوق ابن قد يجعله ندماً، ومرض ابن قد يُصيِّره عذاباً، وموت ابن سيحيله إلى الجحيم. (ليلى الجهني).
  • قلب الأم هوة سحيقة ستجد المغفرة دائماً في قاعها. (بلزاك).
  • إذا جعلك والديك أميراً مدللاً في صغرك، فاجعلهم ملوكاً في كبرك.
  • تسقط الرجولة إذا ارتفعَ صوتك على من تعب في تربيتك.
  • الأب والأم أهم هدية ونعمة من الله، ويجب أن نحفظها ونرعاها ونحميها، لنردها إلى الله رداً جميلاً.
  • ما تفعله مع والديك سوف يفعله أبناؤك معك فيما بعد؛ فما الطريقة التي تحب أن يعاملك بها أولادك في الكبر؟
إقرأ أيضاً: 20 دعاء للوالدين

ما عقوبة عقوق الوالدين؟

1. الطرد من رحمة الله واستحقاق لعنته لمن سب والديه أو لعنهما:

قال الرسول (صلَّى الله عليه وسلم): "لعن الله من عق والديه"، وعن ابن عباس -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عيله وسلم- قال: "ملعون من سب أباه، ملعون من سب أمه، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من غيَّر تخوم الأرض، ملعون من كمه أعمى عن طريق، ملعون من وقع على بهيمة، ملعون من عمل بعمل قوم لوط".

2. عقوق الوالدين من أحد أسباب دخول النار:

هناك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تبين أنَّ عقوبة عقوق الوالدين هي دخول النار، وسنذكر لكم بعضاً من هذه الأحاديث:

  • عن رواد مولى المغيرة بن شعبة، عن المغيرة بن شعبة قال: قال النبي (صلَّى الله عليه وسلم): "إنَّ الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات؛ وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".
  • عن عبد الله بن عمرو، قال: صعد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- المنبر، فقال: "لا أقسم، لا أقسم، لا أقسم"، ثمَّ نزل فقال: "أبشروا، أبشروا، إنَّه من صلَّى الصلوات الخمس، واجتنب الكبائر دخل أيَّ أبواب الجنة شاء"، قال المطلب: سمعت رجلاً يسأل عبد الله بن عمرو: أسمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- يذكرهن؟ قال: "نعم، عقوق الوالدين، والشرك بالله، وقتل النفس، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، وأكل الربا".
  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلم- صعد المنبر، فقال: "آمين، آمين، آمين"، قيل: يا رسول الله، إنَّك حين صعدت المنبر قلت: "آمين، آمين، آمين"، قال: "إنَّ جبريل أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يُغفَر له فدخل النار فأبعده عنها، قل: آمين، فقلت: آمين؛ ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما، فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين؛ ومن ذُكِرت عنده فلم يصلِّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين".
  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "رغم أنف، ثمَّ رغم أنف، ثمَّ رغم أنف"، قيل: من يا رسول الله؟ قل: "من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة".
  • عن عبد الله بن يسار، مولى ابن عمر قال: أشهد لقد سمعت سالماً يقول: قال عبد الله: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): "ثلاث لا يدخلون الجنة، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق بوالديه، والمرأة المترجلة (المتشبهة بالرجال)، والديوث".
  • قال الرسول (صلَّى الله عليه وسلم): "أربع حق على الله ألَّا يُدخِلهم الجنة، ولا يُذيقَهم نعيمها: مدمن خمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه".
إقرأ أيضاً: آيات وأحاديث نبوية عن بر الوالدين

3. عق الوالدين يمنع قبول العمل الصالح:

لا يتقبل الله سبحانه وتعالى الأعمال الصالحة من الأبناء العاقين بآبائهم، والدليل على ذلك هو قول الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- للرجل الذي قال له بأنَّه يوحد الله تعالى، ويؤدي صلاته، ويصوم شهر رمضان: "من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا، ما لم يعقَّ والديه".

4. تُعجَّل العقوبة لمن عق والديه في الدنيا قبل الآخرة:

هناك الكثير من الأحاديث التي تبين هذه العقوبة بحق العاق لوالديه، نذكر منها:

  • عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي، والعقوق".
  • عن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): "اثنتان يعجلهما الله في الدنيا: البغي، وعقوق الوالدين".

5. استجابة دعوة الوالدين على ولدهما العاق:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده".

حكم عقوق الوالدين في الإسلام:

يعدُّ عقوق الوالدين في الدين الإسلامي من أعظم المحرمات وأكبر الكبائر التي يمكن للإنسان أن يقترفها، فعن أبي بكر قال: كنَّا عند رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- فقال ثلاثاً: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟"، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"، وكان متكئاً فجلس فقال: "ألا وقول الزور وشهادة الزور"، فما زال يكررها حتى قلنا ليته يسكت.

وفي حديث آخر، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه"، قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: "يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه؛ ويسب أمه، فيسب أمه".

إقرأ أيضاً: 20 دعاء للوالدين

بعض من مظاهر عقوق الأبناء لآبائهم:

  • من أبرز مظاهر عقوق الوالدين: ذكر عيوب الوالدين أو ذمهما؛ سواءً أمام الناس، أم دون وجود أحد معهم.
  • ألَّا ينسب الولد نفسه إلى والديه، وأن يتبرأ منهما عندما يتزوج أو يصبح شخصاً هاماً أو ثرياً.
  • التقليل من شأن الوالدين، أو تكذيبهما، أو مجادلتهما باستمرار.
  • عدم التشاور مع الوالدين والاستئذان منهما في أيِّ حاجة تخص شؤونهما، مثل بيع أثاث منزل الأبوين دون علم منهما.
  • سب الوالدين وشتمهما، وقد يصل الأمر ببعض الأبناء العاقين إلى الضرب.
  • تجاهل وجوب مساعدة الوالدين في أعمال المنزل من ترتيب، وتنظيف، وإعداد الطعام.
  • الغياب الطويل عن الوالدين أو عن أحدهما، والبعد عنهما دون أيِّ مبرر حقيقي.
  • إثارة المشكلات أمام الأبوين دون أي احترام لمكانتهما؛ سواءً مع الإخوة، أم الزوجة، أم أحد الأقارب.
  • تجاهل الأبوين وعدم الرد عليهما.
  • عدم الوقوف إلى جانب الأبوين بعد كبرهما، أو عجزهما وحاجتهما إلى الرعاية.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة