أسباب الكراهية بين الناس وآثارها وطرق علاجها

إنَّ المشاعر هي استجابة النفس البشرية للأحداث والأفكار والمواقف، وهي بحسب تأثيرها في الإنسان والمجتمع المحيط به يمكن أن تقسم إلى قسمين: مشاعر إيجابية تعود بالخير والوئام على الفرد والمحيط، ومشاعر سلبية تغرق الفرد في دوامة من السواد تمتد لتبتلع الكون من حوله، وإنَّ الكراهية هي واحدة من هذه المشاعر السلبية التي ما إن وجدت طريقها إلى قلب إنسان حتى قلبت حياته جحيماً، وشغلت تفكيره عن قيم الحق والخير والجمال بالأذية والضرر والتدمير.



إنَّ الإنسان بفطرته السليمة مجبول على الحب والمحبة؛ لذا فإنَّ امتداد ظلال الكراهية إلى قلبه ليس أمراً طبيعياً، لهذا السبب قررنا أن نناقش أسباب الكراهية عند الناس في هذا المقال، ونتطرق إلى آثارها وطرائق علاجها، علَّنا نستطيع إثارة شرارة الوعي في النفوس التي ضلت طريق الفطرة.

تعريف الكراهية:

الكراهية هي شعور من المشاعر السلبية التي تشعر بها النفس البشرية، وهي بخلاف الحب تماماً، وهي تعني تمنِّي الأذى والشر للآخرين والعمل على تحقيقه أحياناً، ولنا أن نتخيل تأثير هذه المشاعر الهدَّامة في الفرد والمجتمع، فالفرد الذي يُشغل قلبه بمشاعر الكره سوف يقع في دوامة لا نهاية لها من المشاعر السلبية الأخرى كالحسد والغيرة والغيظ، وهذا ما سوف تظهر آثاره الجسدية في الشخص الكاره، فيعاني من آلام وأثقال لا يعرف لها سبباً.

إنَّ الكراهية بوصفها شعوراً هي نتاج الأفكار وهي تملي على الإنسان تصرفاته، على سبيل المثال، عندما يكره موظف زميله في العمل فإنَّه لا يتمنى له أن ينجح في أيَّة مهمة توكل إليه، وإذا ما كانت درجة الكراهية مرتفعة فإنَّه سوف يعمل بنفسه على وضع العقبات في طريق زميله لإفشاله، وإذا ما سألت هذا الشخص: لماذا تتصرف مع زميلك بهذه الطريقة؟ فإنَّه سوف يجيب بمجموعة من الأسباب والمبررات التي تبدو له منطقية ومقنعة، كأن يقول: "إنَّه متعجرف ويعاملنا بفوقية"، أو "أشعر بأنَّه لا يحبني، أو أنَّ المدير يفضله عليَّ".

لذا فإنَّ شعور الكراهية هو شعور مبرَّر من قِبل أصحابه، ولكنَّهم لا يدركون أنَّ الحياة تعطينا كما نمنحها، وأنَّ طاقة الكره العالية هذه عائدة علينا بطريقة أو بأخرى، وإذا ما أردنا أن نكون منصفين ومنطقيين فإنَّ شعور الكراهية على الرغم من ثقله لا يمكن أن يلام الإنسان عليه، فربما يكون نابعاً من ظلم أو موقف يستدعي انقطاع أواصر الود مع الشخص المكروه.

لذا يمكن أن نتقبل وجود شعور كهذا في قلب إنسان، ولكنَّ التصرفات المؤذية هي ما لا يمكن تقبُّلها، ففي كل نواحي الحياة يوجد قانون وهيئات ناظمة يمكن الاعتماد عليها في استحصال الحقوق.

أسباب الكراهية بين الناس:

إنَّ أسباب الكراهية بين الناس هي الدوافع التي تثير في نفس الشخص الذي يشعر بالكره المبررات التي تمنحه أحقية الإحساس بهذه المشاعر، ويمكن تلخيصها حسب علم النفس على الشكل الآتي:

1. الخوف من الآخرين:

يُعَدُّ الخوف من الآخرين واحداً من أسباب الكراهية بين الناس، بحسب علماء النفس وعلى رأسهم العالم والأستاذ المساعد في جامعة "بيكون" في "فلوريدا" "مارسدن"، ويرى هؤلاء أنَّ خوف الإنسان من إنسان آخر يدفعه إلى كرهه، وخاصة إذا ما كان مختلفاً عنه.

نحن في كل يوم نرى حالات تؤكد صحة هذه النظرية، فالبيض في أمريكا قد كرهوا الزنوج بسبب اختلافهم عنهم بلون البشرة، والموظفون الذين يهددهم المدير بالطرد التعسفي ويخافون فعلاً أن يؤذيهم بهذا الفعل يكنُّون له مشاعر الكراهية.

في مثل شعبي رائج يقال: "المرء عدو ما يجهل" فكثيراً ما يكره الناس أمراً أو اختراعاً جديداً فقط بسبب جهلهم عنه وخوفهم من أن يكون مصدر إزعاج أو أذى لهم، فقد يكره بعض الأطفال في المدرسة طفلاً جديداً بسبب خوفهم من أن يسلب اهتمام المدرسين منهم.

إقرأ أيضاً: كيف تعرف من يكرهك وتتعامل معه بشكل صحيح

2. الشعور بالتهديد من قِبل الآخرين:

هو سبب آخر من أسباب الكراهية بين الناس، وخاصة عندما يكون الآخر مختلفاً عنهم أو يغرد خارج سربهم، فيشعر حينها الأفراد بالتهديد ويحتمون داخل تكتلاتهم محاولين تسبيب الأذى للشخص الذي أصبح مصدر تهديد لهم، ولعلَّ أبرز مثال يمكن أن نذكره في مثل هذه الحالات هي مشاعر الكراهية التي قابل بها أهل قريش النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم عندما بدأ ينشر الدعوة الإسلامية ويدعو إلى توحيد الله عز وجل وترك عبادة الأصنام.

هنا كان النبي الأكرم قد شكَّل بأفكاره النيِّرة الجديدة مصدر تهديد لمحيطه، فأوغلت مشاعر الكراهية في صدورهم وتُرجمت على هيئة وضعهم للشوك في طريقه وضربه بالحجارة، وتنامت حتى تحولت إلى محاولات لقتله، وفي مثل هذه الحالات يشعر الأشخاص الكارهون بشعورين:

  • الشعور الأول: وهو شعور الحب للمجموعة التي ينتمي إليها الشخص الكاره والعداوة والخوف تجاه المجموعة المختلف عنها بحسب الباحث السلوكي "باتريك ونيس"، وهذا الأمر الذي حصل تماماً في المثال الذي أوردناه آنفاً عن كره المشركين للرسول الأكرم وتكتلهم مع بعضهم بعضاً لممارسة سلوكات العداوة تجاه المؤمنين.
  • الشعور الثاني: فهو بحسب عالمة النفس الإكلينيكية "داني هارون" فهو شعور الكراهية تجاه الأشياء التي يكرهها الإنسان في نفسه، ألم يسبق لكَ أن رأيتَ شخصاً يصرخ دائماً ويغضب دائماً ويكره الأشخاص دائمي الغضب والصراخ؟

إنَّ هؤلاء الأشخاص يكرهون هذه الصفات في أنفسهم ولكنَّهم يقفون عاجزين أمام تغييرها، ويترجَم عجزهم على هيئة مشاعر كراهية للناس الذين يمتلكون نفس الخصلة.

3. الغيبة والنميمة:

إنَّ الغيبة والنميمة هما من أسباب الكراهية بين الناس، فعندما يقوم شخص بالحديث عن شخص آخر في غيابه بالسوء واتهامه بصفات قد لا تكون موجودة فيه، فإنَّ الناس الذين يسمعون هذا الحديث عن الشخص سوف تتولد في أنفسهم مشاعر الكراهية؛ كأن يتحدث شخص أمام مجموعة من الناس عن جارهم الذي يضرب زوجته وأطفاله ويتسبب لهم بأذية جسدية ونفسية بالغة، بالتأكيد فإنَّ الحاضرين سيكنُّون مشاعر الكراهية تجاه هذا الشخص.

أما النميمة، فهي لا تقل شأناً عن الغيبة في نشر الكراهية بين الناس، فإذا ما نمَّ شخص بين صديقين وقال عن كل منهما ما لا يقال، فإنَّ مشاعر الكراهية سوف تتأجج في نفس كل منهما.

4. الغش والظلم:

إنَّ غش الآخرين وظلمهم من أسباب الكراهية بين الناس؛ فلا يمكن أن نلوم دائماً الشخص الكاره؛ وذلك لأنَّ الكراهية شعور طبيعي في مواجهة الظلم والإذلال والاستغلال، فكم من المزارعين قد كرهوا الإقطاعيين وأرباب العمل الذين يسرقون تعبهم وجهدهم ويحاربونهم بقوت يومهم، وكم هي الشعوب التي كرهت حكوماتها بسبب قمعها وإذلالها وعدم وفائها بوعودها لهم.

5. الشخصية الانطوائية:

إنَّ تمتُّع الإنسان بشخصية انطوائية قد يكون واحداً من أسباب الكراهية بين الناس، فالشخص الانطوائي عادة ما يرتاح لوجود دائرة مقربة، ولا يرحب بالغرباء والجدد ويكره الانخراط في المجتمعات الجديدة، وقد تتحول مشاعره إلى الكراهية إذا ما أُرغم على مخالطة أناس جدد.

6. الاختلافات الإيديولوجية:

إنَّ عدم تقبُّل الآخرين المختلفين عنا أيديولوجياً يكون سبباً من أسباب الكراهية بين الناس، فكم من الناس يكنُّون مشاعر الكراهية تجاه أناس آخرين فقط بسبب اختلافهم عنهم دينياً أو سياسياً أو ثقافياً أو اجتماعياً لأنَّهم فقط "يشعرون" بأنَّ الآخرين ضدهم.

شاهد بالفديو: 8 طرق لاستثمار الذكاء العاطفي في كسب محبة الناس

آثار الكراهية بين الناس:

تظهر آثار انتشار الكراهية بين الناس على صعيدين اثنين: الصعيد الفردي والصعيد الجماعي.

1. آثار الكراهية بين الناس على الصعيد الفردي:

تعني آثار الكراهية على الصعيد الفردي تبعات وجودها في نفس الشخص الكاره، وهنا لا يمكننا إلا أن نتذكر قول الشاعر "إيليا أبو ماضي":

أحبب فيغدو الكوخ قصراً نيِّراً           أبغض فيمسي الكون سجناً مظلماً

وهنا يمكننا أن نتلمَّس النظرة السوداوية التي تسيطر على قلب الشخص الذي ملأ قلبه بالكراهية والغمامة المظلمة التي حالت بينه وبين رؤية كل ما هو خيِّر وجميل في هذه الحياة.

فالشخص الذي يملأ قلبه بالكراهية ينشغل بضغائنه وأحقاده عن رؤية متاع الحياة وجمالها، وينصبُّ تركيزه على الأشخاص الذين يكرههم ليتصيد عثراتهم ويجد لنفسه المزيد من المبررات ليكرههم، أو ليتجنب شرورهم المحدقة به من كل صوب، فينشغل بذلك عن حياته ذاتها، ويمضي عمره مشغولاً بكره الآخرين والكيل لهم وكأنَّ قلبه رُبط إلى صخرة تغرق به إلى قاع موحش.

انطلاقاً من عدالة الحياة والعدالة الإلهية، فإنَّ قوانين الكارما تقول إنَّ الإنسان يجذب ما يفكر به، ومن ثمَّ فإنَّ الكراهية للناس تجذب كراهية الناس ويحصد بذلك الإنسان شر ما زرع، ولا يمكننا أن نغفل الجانب الجسماني من الأضرار التي تلحقها المشاعر السلبية بالجسد ومنها الكره؛ إذ يمتلئ القلب بالغموم فيتعب وتتعب شرايينه ويتعب الجسد بأكمله ويصبح التوتر والقلق وآثارهما في المعدة والمفاصل والأمعاء موجعة إلى حدٍّ لا يطاق.

2. آثار الكراهية بين الناس على الصعيد المجتمعي:

هل لنا أن نتخيل شكل المجتمع الذي لا يحب أفراده بعضهم بعضاً ولا يتمنون الخير لبعضهم بعضاً؟ بالتأكيد إنَّ هذا المجتمع سيكون غارقاً في الحروب الأهلية بين الأديان والطوائف والأحزاب والطبقات، ولن يجد مواطنوه لأنفسهم فسحة يفكرون فيها بالارتقاء بأنفسهم أو بمجتمعهم نحو الغد الأفضل.

إنَّ آثار الكراهية بين الناس على صعيد المجتمع كارثية، ومجرد التفكير فيها يجلب البؤس والألم، كون التخلف والمعاناة سمتين رئيستين في مجتمع تغيب عن أفراده مفردات الحب.

إقرأ أيضاً: الإيمان بالله منبع السعادة والنجاح

طرائق علاج الكراهية بين الناس:

إنَّ طرائق علاج الكراهية بين الناس لا بد أن تنبع من المصدر ذاته، وهو قلب الإنسان؛ حيث يسكن كل شعور وتقطن كل عاطفة؛ لذا فإنَّ علاج الكراهية يكون عبر ما يأتي:

  • تعلُّم مهارات الذكاء العاطفي التي تتيح للشخص التحكم بانفعالاته وعدم التصرف بناءً على ردود الفعل السريعة، ومن ثمَّ التفكير بالتصرف قبل القيام به.
  • تعلُّم البحث عن جذور كل شعور، فإذا كنتُ أشعر بالكراهية تجاه زميلي المتفوق، عليَّ التوقف للحظة وسؤال نفسي "لماذا؟" فأجد أنَّ الجواب هو غيرتي من تفوقه ليكون الحل هو بذلي للمزيد من الجهد لمجاراته وتحقيق طموحي الذي يشبه طموحه.
  • التمسُّك بالروحانيات والتعاليم الدينية التي تحث على محبة الإنسان لأخيه الإنسان؛ وذلك لأنَّ جميع الأديان تدعو إلى المحبة والتسامح.
  • التماس الأعذار للآخرين وعدم مبادلة الكراهية بالكراهية؛ لأنَّ هذا يولد حلقة لا نهائية منها.
  • الانشغال بفعل أشياء مفيدة تشتت الفكر عن الآخرين.

في الختام:

إنَّ انتشار مشاعر الكراهية بين الناس هو خطوة هدَّامة للمجتمعات ومدمرة للأفراد وهو بداية نهاية الخليقة؛ كون هذه المشاعر السلبية تعود بنتائج مؤذية جسدياً ونفسياً على الأفراد وتنخر قلوبهم فيكونون بذلك مجتمعات منهارة ومفكَّكة؛ لذا لا بد من طرد الكراهية من القلوب واستبدالها بالمحبة التي فطر الخالق مخلوقاته عليها.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة