أساليب القيادة: اختيار النهج الذي يناسب الحالة

من مهاتما غاندي ووينستون تشرشل إلى مارتن لوثر كينج وستيف جوبز فإنَّ عدد الطرائق التي يمكن قيادة الناس من خلالها يمكن أن يكون مساوياً لعدد القادة أنفسهم. فقد طوَّر رجال الأعمال وعلماء النفس لحسن الحظ أُطُر عملٍ مفيدة توضح الطرائق الرئيسة التي تمكِّن الناس من ممارسة القيادة. عندما تفهم أُطُر العمل هذه يمكنك تطوير نهج القيادة الخاص بك وأن تصبح نتيجةً لذلك قائداً أكثر فعالية. سنركِّز في هذه المقالة على بعض المناهج الشائعة التي يمكن استخدامها في القيادة. وسنلقي أيضاً نظرةً على بعض نماذج القيادة المحددة وسنستكشف ميزات وعيوب كل منها.



أُطُر العمل المفيدة لأسلوب القيادة:

فلنلقي نظرةً على بعض المناهج المفيدة التي يمكنك أن تستخدمها لكي تصبح قائداً أكثر فعالية. فنهجك الشخصي سيكون على الأرجح مزيجاً من هذه المناهج وذلك اعتماداً على تفضيلاتك، واحتياجات الأشخاص الذين يعملون معك، والحالة التي أنت فيها.

1- نماذج قيادة لوين (Lewin's Leadership Styles):

لقد طور عالم النفس "كورت لوين" (Kurt Lewin) إطار العمل الخاص به في ثلاثينيات القرن الماضي حيث شكَّل إطار العمل هذا الأساس للعديد من المناهج التي ظهرت من بعده. فقد قال "لوين" أنَّ ثمة ثلاثة أساليب رئيسة للقيادة:

  • القادة المستبدون: وهم القادة الذين يتخذون القرارات من دون الرجوع إلى أعضاء فريقهم وحتى وإن كانت مساهمتهم مفيدة. هذا النهج يمكن أن يكون مناسباً عندما تحتاج إلى اتخاذ القرارات بشكلٍ سريع، وعندما لا يكون ثمة حاجة إلى مساهمة الفريق، وعندما لا يكون توافق الفريق ضرورياً من أجل الوصول إلى نتيجةٍ ناجحة. ولكنَّ هذا النهج يمكن يؤدي إلى انهيار المعنويات وإلى ارتفاع مستويات الغياب والتسرب.
  • القادة الديمقراطيون: وهم القادة الذين يتخذون القرارات النهائية ولكنَّهم يشركون أعضاء الفريق في عملية اتخاذ القرار. كما أنَّهم يشجعون على الإبداع ويدعمون الأشخاص الذين يشاركون بفعالية في تنفيذ المشاريع واتخاذ القرارات. ونتيجةً لذلك يشعر أعضاء الفريق بالرضى عن عملهم وتزيد إنتاجيتهم. على الرغم من ذلك لا يُعدُّ هذا النهج نهجاً فعالاً عندما تحتاج إلى اتخاذ القرارات بشكلٍ سريع.
  • قادة عدم التدخل: وهم القادة الذين يعطون إلى أعضاء فرقهم الحرية في اختيار الطريقة التي يؤدون بها عملهم ويحددون من خلالها المواعيد النهائية. يقدم هؤلاء القادة الدعم المتمثل في تقديم المصادر والنصائح عند الحاجة إلى ذلك وما عدا ذلك فهُم لا يشاركون أبداً في العملية. يمكن لهذه الاستقلالية أن تؤدي إلى الرضى عن العمل، ولكنَّها يمكن أن تكون مدمرة إذا لم يقم أعضاء الفريق بإدارة وقتهم بشكلٍ جيد، أو إذا لم يكون لديهم المعرفة، والمهارات، والتحفيز الذاتي للقيام بأعمالهم بشكلٍ فعال (يمكن أن تحدث قيادة عدم التدخل أيضاً عندما لا يتحكم القادة في عملهم وفي الأشخاص الذين يعملون معهم).

يعدُّ إطار العمل الخاص بـ "لوين" إطار عملٍ شعبياً ومفيداً لأنَّه يشجع المديرين على أن يكونوا أقل استبداديةً مما قد توجههم نحوه غرائزهم.

2- شبكة بلاك-موتون الإدارية (The Blake-Mouton Managerial Grid):

نُشرت شبكة بلاك-موتون الإدارية في عام 1964. حيث يركز هذا الأسلوب على تحديد النهج الملائم للاستخدام بالاعتماد على اهتمامك بموظفيك وبالإنتاج/المهام. مع النموذج الذي يهتم بالأشخاص فإنَّك تركز على تنظيم أعضاء فريقك، ودعمهم، وتطويرهم. حيث يعزز هذا الأسلوب التشاركي العمل بروح الفريق والتعاون الإبداعي. أما مع القيادة التي تهتم بالمهام فإنَّك تركز على إنجاز العمل حيث تحدد العمل والأدوار المطلوبة، وتضع الهيكليات المناسبة، وتخطط للعمل، وتنظمه، وتراقبه. ووفقا لهذا النموذج فإنَّ أفضل أسلوب يمكن أن يُستخدم هو الأسلوب الذي يهتم بشكلٍ كبير بكلٍّ من بالأشخاص والمهام. حيث يقترح هذا النموذج أنَّه يجب عليك اختيار كِلا الأسلوبين بدلاً من محاولة ترجيح كفة أحدهما على الآخر.

3- نظرية مسار الهدف (Path-Goal Theory):

قد يتوجب عليك أيضاً التفكير فيما يرغب به أعضاء فريقك وما يحتاجون إليه. ومن هنا تكمن فائدة نظرية مسار الهدف التي نُشرت في عام 1971. فعلى سبيل المثال سيحتاج الأشخاص الذين يتمتعون بإمكانات عالية والذين توكل إليهم مهام معقدة إلى نهجٍ في القيادة يختلف عن النهج الذي يحتاج إليه الأشخاص الذين يتمتعون بإمكانات متواضعة والذين توكل إليهم مهام غامضة (فالنوع الأول من الأشخاص سيفضلون استخدام نهجٍ تشاركي، بينما يحتاج النوع الثاني إلى أن يملى عليه ما يتوجب عليه القيام به). مع نظرية مسار الهدف يمكنك تحديد النهج الأفضل الذي يمكنك استخدامه وذلك بالاعتماد على احتياجات فريقك، وعلى المهمة التي يؤديها، والبيئة التي يعملون ضمنها.

4- أساليب القيادة العاطفية الستة:

تحدث كلٌّ من "دانييل جولمان" (Daniel Goleman)، و"ريتشارد بوياتزيس" (Richard Boyatzis)، و"آني مكي" (Annie McKee) عن نظرية أساليب القيادة العاطفية الستة في كتابهم الذي نُشر عام 2002 تحت عنوان "القيادة البدائية" (Primal Leadership). حيث تركز هذه النظرية على نقاط قوة ونقاط ضعف ستة من النماذج الشائعة وهي: نموذج الرؤيا، ونموذج الكوتشينغ، والنموذج الارتباطي، والنموذج الديمقراطي، ونموذج الريادة، والنموذج المسيطر. كما يُظهر أيضاً كيف يمكن لكل أسلوب أن يؤثر في عواطف أعضاء فريقك.

5- مصفوفة أسلوب القيادة الخاصة بـ "فلامهولتز" و"راندل" (Flamholtz and Randle's Leadership Style Matrix):

تُظهر لك مصفوفة أسلوب القيادة الخاصة بـ "فلامهولتز" و"راندل" والتي نُشرت للمرة الأولى في عام 2007 أفضل نموذجٍ يمكنك أن تستخدمه في القيادة اعتماداً على مدى قدرة عمل الأشخاص بشكلٍ مستقل ومدى إبداع المهمة أو "قابليتها للبرمجة". هذه المصفوفة مقسَّمة إلى أربعة أقسام يتضمن كل قسم أسلوبين محتملين يمكن أن يكونا فعالين في مواجهة حالة محددة، حيث تتراوح هذه الأساليب من "الاستبدادي/الاستبدادي الخير" وحتى "الإجماع/عدم التدخل".

6- القيادة التحويلية:

تُعدُّ جميع أُطُر عمل القيادة التي ناقشناها حتى الآن ذات فائدةٍ في حالاتٍ مختلفة، ولكن في العمل تعد غالباً القيادة التحويلية الأسلوب الأكثر فعالية في الاستخدام (نُشر هذا النموذج للمرة الأولى في عام 1978، وطُوِّر بشكلٍ أكبر في عام 1985). يتمتع القادة التحويليون بالنزاهة وبالذكاء العاطفي. حيث إنَّهم يحفزون الناس من خلال وضع رؤية مشتركة معهم تجاه المستقبل، والتواصل معهم بشكلٍ جيد، كما أنَّهم يتميزون أيضاً بالوعي الذاتي، والمصداقية، والتعاطف مع الآخرين، والتواضع. يثير القادة التحويليون الإلهام لدى أعضاء فرقهم لأنَّهم يتوقعون منهم الأفضل كما أنَّهم يحاسبون أنفسهم عما يقومون به من أفعال. كما يحدد القادة التحويليون الأهداف ويتمتعون بمهارة حل الصراعات وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الإنتاجية والمشاركة لديهم. ولكنَّ القيادة غالباً ليست عبارةً عن "مقاسٍ واحدٍ مناسبٍ لجميع الأحجام"، بل يجب عليك جعل نهجك مناسباً للظرف الذي تمر به. لهذا من المفيد تطوير فهمٍ كامل لأُطُر وأساليب القيادة الأخرى. وفي النهاية كلما اطلعت على مزيدٍ من المناهج كلما أصبحت أكثر مرونة.

7- أساليب أخرى في القيادة:

بالإضافة إلى فهم أُطُر العمل التي يمكنك استخدامها لتكون قائداً أكثر فعالية ومعرفة ما تحتاج إليه لكي تكون قائداً تحويلياً من المفيد أيضاً تعلُّم المزيد عن الأساليب العامة وفوائد كل منها ومساوئها. دعنا نلقي نظرة على بعض أساليب القيادة الأخرى التي تعدُّ مثيرةً للاهتمام ولكنَّها لا تتناسب مع أيٍّ من أُطر العمل السابقة:

  • القيادة البيروقراطية:

يتبع القادة البيروقراطيون القواعد بشكلٍ صارم، ويتأكدون من أنَّ العاملين معهم يتبعون العمليات بدقة. حيث يُعدُّ هذا الأسلوب ملائماً للعمل الذي يتضمن مخاطر جدية مرتبطة بالسلامة (كالعمل مع الآلات، أو المواد السامة، أو على ارتفاعات عالية)، أو التعامل مع مبالغ كبيرةٍ من المال. تعد الإدارة البيروقراطية مفيدةً أيضاً لإدارة الموظفين الذين يؤدون مهام روتينية. ولكنَّ هذا الأسلوب يُعدُّ أقلَّ مرونةً في الفرق والمنظمات التي تعتمد على المرونة، والإبداع، والابتكار.

  • القيادة عن طريق الحضور:

تشبه القيادة عن طريق تمتع القائد بالحضور القيادة التحويلية. ففي كليهما يثير القائد الإلهام لدى أعضاء الفرق ويحفزونهم. ولكنَّ الاختلاف يكمن في الغايات. فالقادة التحويليون يسعون إلى تحويل فرقهم ومنظماتهم في حين أنَّ القادة الذين يعتمدون على قوة الحضور يركزون غالباً على أنفسهم وعلى طموحاتهم وقد لا يرغبون في تغيير أي شيء. قد يظن القادة الذين يعتمدون على قوة الحضور أنَّهم لا يمكن أن يخطؤوا حتى عندما يحذرهم الآخرون من الطريق الذي يسلكونه. هذا الشعور بالمنعة يمكن أن يؤذي بشدة الفريق أو المنظمة كما رأينا في الأزمة المالية في العام 2008.

  • القيادة الخدمية:

"القائد الخادم" هو الشخص الذي يمارس القيادة من خلال تلبية احتياجات الفريق بغض النظر عن مستواه. حيث يصف هذا المصطلح عادةً الشخص الذي لا يحظى باعترافٍ رسميٍّ كقائد. يمارس هؤلاء الأشخاص القيادة غالباً من خلال جعل أنفسهم قدوةً للآخرين. فهم يتمتعون بدرجة عالية من النزاهة ويمارسون القيادة بسخاء. يمكن لهذا النهج أن يؤسس ثقافةً تنظيميةً إيجابية، ويمكن أن يؤدي إلى ارتفاع المعنويات بين أعضاء الفريق. يقول الداعمون لنموذج القيادة الخدمية أنَّ هذا النموذج يُعدُّ طريقةً جيدة للمضي قدماً في عالمٍ تزداد فيه أهمية القيم وحيث يمكن للقادة الخادمين فيه أن يحققوا القوة بسبب قيمهم، ومبادئهم، وأخلاقهم. ولكن يعتقد أشخاصٌ آخرون أنَّ الأشخاص الذين يمارسون القيادة الخدمية يمكن أن يجدوا أنفسهم وراء القادة الآخرين لا سيما في الحالات التنافسية. يستغرق هذا الأسلوب أيضاً الكثير من الوقت لتطبيقه، حيث إنَّه غير مناسبٍ للحالات التي يتوجب عليك فيها أن تتخذ قراراتٍ سريعة أو تلبي مواعيد نهائيةً ذات حيز زمني قصير.

  • القيادة التبادلية:

ينطلق هذا الأسلوب من فكرة أنَّ أعضاء الفريق يوافقون على إطاعة قائدهم عندما يقبلون عملاً ما. يتضمن "التبادل" عادةً أن تدفع المنظمة لأعضاء الفريق مقابل جهودهم والتزامهم بالمهام قصيرة المدى. يحق للقائد "معاقبة" أعضاء الفريق إذا كان عملهم لا يلبي المعيار المناسب. تتواجد القيادة التبادلية في العديد من حالات قيادة الأعمال وتقدم بعض الفوائد. فهي توضح على سبيل المثال أدوار كل شخصٍ ومسؤولياته. ولأنَّ القيادة التبادلية تحكم على أعضاء الفريق وفقاً لأدائهم فإنَّ الأشخاص الطموحين أو الذين تثير المكافآت الخارجية بما فيها التعويضات الحافز لديهم ينجحون عند استخدام هذا الأسلوب. ولكنَّ الجانب السلبي لهذا الأسلوب أنَّه يمكن أن يكون مخيفاً وغير أخلاقي ويمكن أن يؤدي إلى ارتفاع نسبة التسرب بين أفراد الطاقم. كما أنَّه يفرض أيضاً قيوداً حقيقية على العمل المعرفي والإبداعي. ولهذا السبب لا يستطيع أعضاء الفريق القيام بالكثير من الأمور لتحسين رضاهم عن العمل.

النقاط الرئيسة:

تُعدُّ القيادة التحويلية غالباً أفضل أسلوبٍ يمكنك استخدامه في العمل. ولكن ليس ثمة أسلوب قيادةٍ واحد يناسب جميع الحالات لذلك من المفيد فهم أُطُر عمل والأساليب المختلفة للقيادة. يمكن بعد ذلك جعل نهجك ملائما لحالتك.

 

المصدر: هنا




مقالات مرتبطة