أسئلة بسيطة حول الرعاية الذاتية لمعالجة الإرهاق

اعتاد الناس أن ينظروا إلى الرعاية الذاتية على أنَّها أمرٌ يفعله الآخرون؛ لأنَّهم لم يكونوا أقوياء بما يكفي للاستمرار مثلما كنت أفكِّر أنا، أو لأنَّهم فعلوا ما يكفي ليستحقوها وهو ما لم أفعله أبداً، وغالباً ما كنت أظنُّ أنَّ الرِّعاية الذاتية تعني الذهاب إلى منتجع صحي والاستمتاع بجلسات التدليك، وقد بدا لي هذا رفاهيةً لم أسمح لنفسي بالاستمتاع بها؛ فلم أستطع إنفاق المال والوقت على نفسي وأنا أملك عملاً وعائلةً عليَّ الاعتناء بها، وقد شعرت بالذنب الشديد لفعل ذلك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة نتالي كوغان (Nataly Kogan)، وتشرح فيه عن الرعاية الذاتية وتُقدِّم تجربتها في ممارستها.

لسوء الحظ؛ فإنَّ وجهة نظري التي كنت أمتلكها هذه عن الرعاية الذاتية ليست فريدةً من نوعها؛ فكثير من الأشخاص الذين عملتُ معهم مُقيَّدون بها؛ لذلك عليك أن تبدأ بالتخلُّص من أيَّة فكرةٍ قد تكون لديك عن الرعاية الذاتية على أنَّها رفاهيةٌ أو انغماسٌ في الملذات، أو مكافأةٌ عليك كسبها أو استحقاقها بطريقةٍ ما مقابل بذل الجهد أو الكفاح بما فيه الكفاية.

لا علاقة للأمر بأيٍّ من ذلك؛ فالرعايةُ الذاتية هي القدرة على تعزيز طاقتك العاطفية والعقلية والجسدية؛ وذلك لأنَّ طاقتك تُشبِه وقود السيارة ولن تستطيع العمل دونها، إنَّ المسألة لا تتعلق بكون السيارة تستحق الوقود أم لا؛ فهي تحتاجه لتعمل ولا يمكن أن تؤدي وظيفتها دونه، الأمر نفسه ينطبق على البشر؛ فلا يمكننا العمل دون طاقة، ولا نستطيع القيام بالأمور التي نحتاجها ونريدها على نحوٍ جيِّدٍ لفترة طويلة دون طاقة عاطفية وعقلية وجسدية كافية، كما لا يمكننا تأدية دورنا البشريِّ دونها، وتضمن الرعاية الذاتية أن نمتلك ما يكفي منها، فهل يبدو هذا انغماساً في الملذَّات؟

أنت تبدأ كلَّ يوم بمخزون محدود من الطاقة العاطفية والعقلية والجسدية فكل الأمور التي تقوم بها على مدار اليوم تتطلب طاقتك؛ لذا فإنَّها تستنزف مخزونك، وبعضها أمور خارجية كمهام العمل والمحادثات مع الناس والواجبات المنزلية، وبعضها داخلية كالأفكارِ والحديث مع الذات.

عندما تمارس الرعاية الذاتية فأنت تقوم ببعض الأمور عمداً لملءِ مخزون الطاقة لديك، وتحدُّ من تلك التي تستنزفه بلا داعٍ، هذا الجزء هامٌّ  للغاية لكنَّه لا يستقطب ما يكفي من الاهتمام عند الحديث عن الرعاية الذاتية.

لا يمكنك ملء خزَّان مثقوب:

فكِّر في الأمر على هذا النحو: إنَّ أقصى جُهدٍ تبذله لتغذية طاقتك لن ينفعك إذا كنت تصرفه بداعٍ وبلا داعٍ، وبطبيعة الحال، لا يمكنك التوقُّف عن العمل أو الاهتمام بمسؤولياتك، وأنا لا أقترح فعل ذلك مطلقاً، لكن لديك عدة أمور تستنزف طاقتك ويمكنك الحد منها، وفيما يأتي بعضها:

  1. تعدُّد المهام.
  2. تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي بلا هدف.
  3. المبالغة في متابعة الأخبار.
  4. التحدُّث بسلبية إلى نفسك وعنها.
  5. محاولة إنجاز الأمور على نحوٍ مثالي.
  6. اتخاذ كثيرٍ من القرارات والحرص على أن يكون كلٌّ منها صائباً.

كان اتخاذ قرارات كثيرة طوال اليوم من أكثر الأمور التي تسببت باستنزاف طاقتي؛ فقد أهدرت طاقةً كبيرةً؛ لأنَّني كنت مهووسةً بالسيطرة، واعتقدت أنَّ كل قرار يتطلب منِّي أن أتَّخذَه بنفسي وأتحمَّل عواقبه.

لقد أُرهِقت من اتخاذ القرارات على الرَّغم من أنَّني لم أعترف بذلك؛ إذ يُعد الإرهاق الناتج عن اتِّخاذ القرارات مصدر استنزاف كبيراً للطاقة لدى العديد من الأشخاص؛ لأنَّ كلَّ قرار تتَّخذه يتطلب منك صرف طاقة بدءاً من قرارك المتعلق بما سترتديه اليوم، إلى المهمة التالية التي عليك العمل عليها، إلى اختيار وجبة العشاء، إلى البرنامج الذي ستشاهده وما إلى ذلك.

ارتدى رائد الأعمال ومؤسِّس شركة "آبل - Apple" الراحل "ستيف جوبز - Steve Jobs" يوميَّاً زيَّاً موحَّداً مكوَّناً من سروال جينز وسترة صوفية سوداء ذات ياقة مدوَّرة؛ لأنَّه لم يكن يرغب في هدر طاقته على اختيار ملابس مختلفة كل يوم.

إنَّ اختيار ما أرتديه قرارٌ لا أرغب في التَّخلي عنه؛ فهو أمرٌ أستمتع بالقيام به، لكنَّ الإرهاق أرغمني على أن أكون أكثر جدِّيةً وانضباطاً بشأن ترتيب القرارات بحسب الأولوية وإدراك أيُّها أكثر أهميَّةً بالنسبة إلي لأُركِّز اهتمامي عليها.

شاهد: 6 وسائل للتغلب على الإرهاق الذهني

إدارة مخزون طاقتك:

التحدِّي الرئيسُ الذي عليك مواجهته هذا الأسبوع هو أن تصبح أكثر وعياً بمستويات طاقتك العاطفية والعقلية والجسدية، وتلتزم بإجراءات الرعاية الذاتية على نحوٍ يومي ومنتظم؛ لتُعزِّز مخزون طاقتك وتُقلِّل من استنزاف الطاقة غير الضروري.

لقد اقتصرَت الرعاية الذاتية التي قمتُ بها معظمَ حياتي عند الشعور بالإرهاق الشديد، لدرجة أنَّني لم أتمكن من متابعة يومي بذات المستوى من الأداء، وكان عليَّ الحصول على بضع ساعاتٍ إضافية من النوم أو الشرود بعيداً بأفكاري على الأريكة مساءً لبضع ساعات وأنا أشاهد التلفاز.

لم أتوقف أبداً لبرهةٍ قصيرةٍ لتفقُّدِ مستوى طاقتي خلال النهار؛ ولذلك تباطأَتْ سرعتي عندما كنت أشعر بالإرهاق التام، وكما ذكرتُ سابقاً؛ تضاعَف الإرهاق اليومي إلى استنزاف هائل ومخيف تسبَّب بتوقُّف حياتي لفترةٍ من الوقت، ولم يعد بإمكاني العمل ونفدت طاقتي بالكامل؛ على سبيل المثال، عندما ينفد وقود السيارة تتوقَّف، والأمر ذاته يحدثُ معك عندما تنفد طاقتك.

التقيتُ بكثير من الأشخاص الذين يعيشون على حافة الإنهاك ويعملون على احتياطي طاقة شبه فارغ؛ ولأنَّني عشت على هذا النحو لفترة طويلة فقد استطعتُ الشُّعور بما يمر به الآخرون دون الحاجة إلى الشرح.

أنت تُدرك أنَّك لا تستطيع الاستمرار على هذا المنوال، لكنَّك تجهل ما عليك فعله، وتشعر أنَّك مُحاصَرٌ؛ لكنَّ العمل على مخزون طاقة فارغٍ تقريباً لا يُشعرك بالضيق فحسب؛ بل يمنعك أيضاً من إنجاز الأمور الهامَّة بالنسبة إليك على نحوٍ جيد، فأنت لا تستطيع تحقيق النجاح في عملك إذا كنت منهكاً ومستنزفاً تماماً، كما لا يمكنك أن تكون والداً أو صديقاً جيداً.

يبدو أنَّ استخدام مثال خزَّان وقود السيارة في المقارنة جيد للغاية؛ ففي معظم السيارات عندما يكون أقل من ربع خزان الوقود ممتلئاً تحمِلُ مضخة الوقود عبئاً زائداً وتنخفض كفاءة السيارة في استهلاك الوقود، وإذا كنت تعمل دائماً على مخزون طاقة شبه فارغ، فعليك بذل مزيدٍ من الجهد للقيام بأية مهمة، وهذا يتطلب مزيداً من الطاقة ممَّا يُدخلكَ في حلقةٍ مدمِّرة.

فكِّر بأبسط مثالٍ ككتابة رسالة بريد إلكتروني إلى زميلك، يُصبح التركيز أكثر صعوبةً عندما تكون مرهقاً، ويستغرق الأمر مزيداً من الوقت، وتفشل في التعبير عن نفسك كما تفعل عادةً حين تكون بكامل طاقتك، كما تُظهر أبحاثٌ كثيرةٌ أنَّ الطاقة العاطفية أو العقلية أو الجسدية المستنزفة تُؤثر سلباً في قدرتنا على التفكير بوضوح، واتخاذ قرارات صائبة، وحل المشكلات.

هذا سبب آخر يؤكِّد أهمية اعتماد الرعاية الذاتية وجعلها عادة يومية منتظمة بدلاً من تأجيل الأمر حتى تصبح بأمسِّ الحاجة إليها؛ فعندما تمارس الرعاية الذاتية بصورةٍ منتظمة وتحافظ على مخزون الطاقة الخاص بك ممتلئاً معظم الوقت، فإنَّ ممارستها تتطلَّب منك وقتاً أقل.

فكِّر بتعبئة سيارتك بالوقود عندما يكون خزان سيارتك فارغاً، ستستغرق مزيداً من الوقت لملئه ممَّا تحتاجه عند وجود بعض الوقود فيه، وعندما يكون مخزون الطاقة فارغاً يستغرق ملؤه مزيداً من الوقت والجهد.

استغرقتُ عدَّة سنوات للشفاء من الإرهاق، وكان عليَّ إيقاف جزء كبير من الأمور التي أقوم بها في حياتي لعدة سنوات في أثناء ذلك، لكن إذا قمتَ بتزويد خزان طاقتك يومياً فسيستغرقُ منك ذلك وقتاً وجهداً أقل في كل مرة؛ ممَّا سيسهِّل عليك تخصيص وقتٍ له في جدولك المزدحم؛ فعندما تتدرب بانتظام سيستغرق الأمر منك وقتاً أقل؛ لذلك من المُرجَّح أن تقوم بذلك حتى عندما تكون كثير الانشغال.

قد لا تكون قادراً بالتأكيد على فعل ذلك في بعض الأحيان ويتحتَّم عليك بذل كلِّ ما في وسعك، تخيَّل مثلاً أنَّك تعمل على مشروع ضخم في العمل وأحد أفراد أسرتك يحتاج إلى رعايتك ويفيض القبو في منزلك بشكلٍ غير متوقع، أو تحدث الأمور الثلاثة معاً في الوقت نفسه، عندما يحصل ذلك، قد يوشك مخزون الطاقة لديك على النفاد، لكن إذا كنت تمارس الرعاية الذاتية باستمرار فستعرف كيف تستعيد طاقتك بسرعة.

شاهد أيضاً: 12 وسيلة فعالة للرعاية الذاتية لا يمكنك العيش دونها

كيف تُمارس الرعاية الذاتية؟

مارس الرعاية الذاتية من خلال إدراك مستويات مخزون طاقتك العاطفية والعقلية والجسدية يومياً، والقيام بمزيد من الأمور التي تُغذِّي طاقتك والحدِّ من تلك التي تستنزفها بلا داعٍ.

ابدأ بممارسة هذا مرةً واحدةً يومياً في الصباح أو في منتصف النهار أو في المساء، وضع تذكيراً في التقويم الخاص بك، كي لا تنسى القيام بذلك، وعندما تتحول إلى عادة ابدأ بممارستها طوال اليوم.

إليك ثلاثة أسئلة لتطرحَها على نفسك:

1. ما هي حالة مخزون طاقتك العاطفية والعقلية والجسدية الآن؟

كن دقيقاً في الإجابة؛ فقد تكون مُستنزفاً عاطفياً ولكنَّ طاقتك الجسدية عالية أو النقيض من ذلك، أمَّا بالنسبة إلى الوعي العاطفي، فأيَّاً كان ما يخطر لك هو الإجابة الصحيحة؛ لذا لا تحكم على نفسك بأن تفترض مثلاً أنَّه لا يجدر بك الشعور بالتعب؛ بل اعترف بشعوركَ بالتعب الجسدي.

إقرأ أيضاً: 7 أسباب تقف وراء الشعور بالتعب والإرهاق

2. ما الذي استنزفَ طاقتك بلا داعٍ اليوم وهل يمكن الحد منه؟

كن دقيقاً في الإجابةِ عن هذا السؤال كذلك؛ فقولكَ بأنَّ "العمل" هو السبب ليست إجابةً جيدةً؛ بل إنَّها إجابةٌ عامةٌ جداً ولن تُساعدك في شيء؛ لذا فكِّر في أمر محدد يخصُّ العمل كان يستنزفك وبإمكانك الحد منه؛ كأن تكون عالقاً بالعمل على مهمة، على سبيل المثال فإنَّ طلب المساعدة من شخص ما قد يفي بالمطلوب إذا لاحظت أنَّك مستنزف عاطفياً أو عقلياً، خذ دقيقة لإدراك ما تُعانيه وتقبَّل الأمر لتُساعد في تغيير أفكارك؛ كي لا تستنزف طاقتك.

إقرأ أيضاً: 30 عادة للرعاية الذاتية من أجل سلامة العقل والجسد والروح

3. ما الذي يمكنك فعله لملء مخزون طاقتك اليوم؟

الأمور البسيطة تصنع فارقاً كبيراً؛ فالمشيُ لمدة خمس دقائق في الخارج يمكنه أن يُعزِّز طاقتك، ومجرد الاسترخاء أمرٌ ممل في حين أنَّ الجلوس وقراءة كتاب لمدة نصف ساعة مع كوب من الشاي بعد العشاء يُعدُّ خياراً أفضل.

المصدر




مقالات مرتبطة